خطبة في تجريم تمويل الإرهاب (مقتبسة معدلة) من خطبة الشيخ ابن حميد (الغلو والإرهاب)

أبو عبد الرحمن
1431/05/30 - 2010/05/14 06:11AM
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم عبده ورسوله( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون)(يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا)(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا . يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم . ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما(.


أمّا بعد: فأوصيكم ـ أيّها الناس ـ ونفسي بتقوى الله عزّ وجلّ، فاتقوا الله رحمكم الله، فمن تورّع واتَّقى فقد ارتقَى من مقاعدِ الصّدق أعلى مُرتَقى، وبالتقوى يتّقي العبدُ آثار البلوى، وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنْ اتَّقَى[النساء:77]. نافسوا في معالي الرُّتَب، وغالبوا أهواءَ النفوس، فالفوز لمن غلَب، إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى[الليل:4-7].

أيّها المسلمون، هذه البلادُ بلاد الحرمين الشريفين المملكة العربية السعودية، هي بحمد الله ومنَّته مأرِز الإسلام ومنبَع الدعوة إلى الله وأمانُ الخائفين وعونُ المستضعفين، يدٌ حانية تداوي جراحَ المسلمين، تنطلق منها أعمالُ الإحسان وأنواع البرّ، هي بفضل الله مصدَر الخير بأنواعه. ولمّا تبيّن صحّة تديُّنها وصدقُ فِعالها وثمار أعمالها وقوّة رجالها وصلابةُ مواقف ولاةِ الأمر فيها وجّه إليها الأعداءُ السِّهام، يريدون تقويضَ خيامِها والعبثَ بأمنها ونهبَ خيراتها، فكالوا لها التُّهَم جزافًا، يريدون منها أن تُغيّر أو تبدِّل أو تحيد، وهيهات هيهات.

لا يُقال ذلك عاطفةً أو مجاملةً، حاشا وكلاّ، ولكن يقينًا وتحقيقًا ونظرًا في الآثار والسُّنن. إنّ من يصل الرحِمَ ويحمل الكلَّ ويُكسِب المعدوم ويقري الضيفَ ويعين على نوائبِ الحقّ لا يخزيه الله أبدًا، ومن كثُرت حسناته حسُنَت بإذن الله عاقبتُه وسلَّمه ربُّه في دنياه وآخرته وحفظه في دينه وأهله، فنحن بإذن الله مطمئنّون بحسن العاقبة، ولن يضرَّ كيدُ الأعداء، وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا[آل عمران:120].ومن أجلِ هذا ـ أيها الإخوةُ ـ فإنّ متغيِّرات العصر ومضلاّت الفتن وتكالبَ الأعداء وتداعيَ الأكلة تدعو المسلم الغيورَ على أمّته الصادقَ في تديُّنه الناصحَ لإخوانه أن يربأ بنفسِه أن يكونَ معولَ هدمٍ في يدِ أعدائه من حيث يدري أو لا يدري، يقع في إخوانه المسلمين، يكفِّر ويبدّع، بل ويثق بكل من يقابله ويطلق له يده. وإنّ ما حدَث من فتن وجرائم وما يخطط له من اعتداءاتٍ اعتداءٌ آثِم وفعل طائش وإجرام صارخ يصُبُّ في هذا السلكِ الضالّ. إنه اعتداءٌ وعدوان وقتل وترويع وإشاعَة للفوضى من أجل اختلاطِ الحابل بالنابل والتدمير والتخريبِ، وإنه إزهاقٌ لنفوس محرّمةٍ وسفكٌ لدماء معصومة. إنّه مسلكٌ رخيص فاضح، شذوذ وعدوان وإجرام، دافعُه استبطان أفكارٍ مضلِّلة وآراء شاذّة ومبادئ منحرفة، في خطواتٍ تائهة ومفاهيم مغلوطة.أيّ قبولٍ لناشري الفوضى ومُهدِري الحقوق ومرخِصي النفوس؟! ولقد جمع هؤلاء ـ عياذًا بالله ـ بين قتل النفوس المحرّمة وقتل أنفسِهم، وقد قال الله عز وجل في محكم تنزيله: وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا[النساء:29، 30]، وقال عزّ شأنه: وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا[النساء:93]، وفي الحديث الصحيح عنه : ((لا يزال المرءُ في فسحةٍ من دينه ما لم يُصِب دمًا حرامًا))، ويقول عليه الصّلاة والسّلام: ((لزوالُ الدّنيا أهونُ عند الله من قتلِ رجلٍ مسلم)) أخرجه النسائي والترمذي.
مفاسدُ عظيمة، وشرور كثيرة، وإفسادٌ في الأرض، وترويع للمؤمنين والآمنين، ونقضٌ للعهود، وتجاوزٌ على إمام المسلمين. جرائمُ نكراء، في طيِّها منكرات. أعمالٌ سيّئة شِرّيرة، تثير الفتنَ، وتولِّد التحزّبَ، تدمير للطّاقات، وتشتيت للجهود. أعمالٌ تهدِّد المكتسَبات، وتؤخِّر مسيرةَ الإصلاح، وتخذل الدعوةَ والدعاة، وتفتح أبوابَ الشرّ أمام ألوانٍ من الصّراعات، بل ربّما هيّأت فرَصًا للتّدخّلات الأجنبيّة، فلا حول ولا قوّة إلاّ بالله.إنّ الموقفَ الصّريحَ الذي لا لبسَ فيه ولا يُختَلَف عليه إنكارُ هذا العملِ الشنيع واستنكاره ورفضُه وتجريمه وتحريمه. ولْيحذَر مَن أرادَ الخيرَ لنفسه من عمَى البصيرة وتزيين الشيطان، فيرى الحقَّ باطلاً، والباطل حقًّا عياذًا بالله.
إنّ مِن المعلوم أنَّ الخوارجَ كانوا أهلَ عبادةٍ، وفيهم مظاهرُ الصّلاحِ وإظهارٌ لبعض الشّعائِر كما في الحديث: ((تحقِرون صلاتكم عند صلاتهم، يقرؤون القرآنَ لا يجاوِز حناجرَهم)).
هؤلاء الخوارجُ الشاذّون ظهَروا في خير القرونِ وأفضلها، في عهدِ صحابة نبيّنا محمّد ، فوصَل بهم الحال إلى أن حاربوا الصّحابةَ والمسلمين، بل قتلوا الخليفتَين الرّاشدَين عثمانَ عليًّا رضي الله عنهما. ألا يكفي زَيفًا وضلالاً أن يُجهِّل الخوارج صحابةَ رسول الله ويكفِّروهم ويحاربوهم؟!

لقد كان عند الخوارجِ شيءٌ مِن حماسٍ و نوع مِن إخلاص، لكن لم يكُن عندَهم عِلمٌ صحيح ولا فِقهٌ سليم، حارَبوا الصحابةَ، وقَتلوا الخلفاءَ، زاعمين أنَّ هذا هو طريقُ الإصلاح.

أيّها المسلمون، إنّ مِن أعظمِ أسباب انحرافِ هؤلاء الجهلَ والعزلةَ عن المجتمع وعدمَ أخذِ العلم من أهلِه ، وإنّ في بعضِهم إعجابًا بالنّفس كبيرًا، وهذه كلُّها من الصوارِف عن الحقّ والفِقهِ وأخذِ العلم من أهله وأبوابه فإذا أضيف إلى ذلك غفلةَ الأسرة و غفلة بعض المتبرعين وتراخيهم وكسلهم عن التثبت اكتملت بذلك دائرة الجريمة والفساد.

معاشرَ المسلمين، وثمّةَ سببٌ في الانحرافِ كبير، ذالكم هو الوقوعُ في دائِرة الغلو. إنّ الغلوّ في دين الله هو ـ والله ـ سببُ الهلاك، فلقد قال عليه الصلاة والسلام: ((إيّاكم والغُلوّ، فإنّما أهلك من كان قبلكم الغلوّ)). الغلوّ مشاقّةٌ حقيقيّة لهديِ الإسلام، وإعراضٌ عن منهجِه في الوسطيّة والاعتدال والرّحمَة واليُسر والرِّفق. الغلوّ ظلمٌ للنّفس وظلمٌ للنّاس، بل هو صدّ عن سبيل الله لِما يورِثه من تشويه وفتنةٍ وتنفير. الغلاةُ يتعَصّبون لجماعتِهم، ويجعلونَها مصدرَ الحقّ، ويغلُون في قادتِهم ورؤسائِهم، ويتبرّؤون مِن مجتمعاتِ المسلمين، ويكفّرون بالمعَاصي، ويكفّرون أهلَ الإسلام وحكّامَ المسلمين، ويقولون بالخروج على أئمّة المسلمين، ويعتزلون مجتمعاتِ المسلمين، ويتبرّؤون منهم، لا يصلّون خلفَ أئمّة المسلمين في مساجدِ المسلمين. لقد وصفهم نبيّنا محمّد بوصفَين ظاهرين خطيرَين في قوله عليه الصلاة والسلام: ((يقرؤون القرآنَ لا يجاوِز حناجرَهم، يقتُلون أهلَ الإسلام ويدَعون أهلَ الأوثان)) أخرجه البخاري ومسلم. الوصفُ الأوّل: يقرؤون القرآن ولا يفقهونَه ولا يدرِكون مقاصدَه، يقول عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (إنّهم انطلَقوا إلى آياتٍ نزلت في الكفّار، فجعلوها على المؤمنين). الوصف الثاني: استحلالُ دماءِ المسلمين: ((يقتلون أهلَ الإسلام، ويدَعون أهلَ الأوثان))، يقول شيخُ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "إنّهم يكفِّرون بالذّنب والسيّئات، ويترتّب على تكفيرهم بالذّنوب استحلالُ دماءِ المسلمين وأموالِهم، وأنّ دارَ الإسلامِ دارُ كفر، ودارهم هي دار الإسلام"، ولقد قال أبو قلابة: "ما ابتدَعَ رجلٌ بدعةً إلاَّ استحلَّ السيف"، فلا حول ولا قوّة إلا بالله، يجمعون بين الجهل بدين الله وظلمِ عبادِ الله، وبِئستِ الطّامّتان الدّاهيتان. إنّ مصيرَ الغلاة هو الهلاك بنصّ حديث رسول الله : ((هلك المتنطِّعون، هلك المتنطِّعون، هلك المتنطِّعون)).

أيها المسلمون، إنّ مسالكَ الغلوّ وأساليب العُنف من تفجير وتدمير وسطوٍ ونسف وسفكٍ للدماء لا تهزم القيَم الكبيرةَ، ولا تقوِّض المنجزاتِ السامِقة، لا تحرِّر شعبًا، ولا تفرِض مذهبًا، ولا تنصُر حِزبًا. إنّ العنفَ والإرهاب وسفكَ الدماء لا يمكِن أن يكونَ قانونًا محتَرَمًا أو مسلكًا مقبولا، فضلا عن أن يكونَ عقيدةً أو دينًا. الغلوّ والعنفُ والإرهاب لا يحمِل غيرَ التخريب والإفساد. الغلوّ والعنف لم يفلح في أيّ مكانٍ من العالم في تحقيق أهدافه، بل إنّه يقضي على أصحابه. الغلوّ والإرهاب لن يغيِّر سياسة، ولن يكسبَ تعاطفًا، بل يؤكِّد الطبيعةَ العدوانيّة والروحَ الدمويّة لتوجّهات أصحابه الفكريّة، والمشاعر والعقول كلُّها تلتقي على استنكاره ورفضِه والبراءةِ منه ومن أصحابه، ومن ثَمَّ فإنّه يبقى علامةَ شذوذٍ ودليلَ انفراد وانعزالية.

ومن أجل هذا فإنّ الناظرَ والمتأمِّل ليقدِّر هذه الوقفةَ الواحدةَ التي وقفتها الأمّةُ ضدّ هذا التصرّف المشين والعملِ الإجراميّ الآثم، لقد وقفت الأمّة صفًّا واحدًا خلفَ قيادتها وولاةِ أمرها وعلمائها ودعاتها تستنكِر هذا العملَ وتدينه ولا تقبَل فيه أيَّ مسوِّغ أو مبرِّر، وتتبرّأ من فاعلِيه، والأمّة مؤمنةٌ بربّها، مستمسكة بدينها، مجتمِعة حولَ ولاةِ أمرها، محافظةٌ على مكتسباتها، وكلّنا بإذن الله حرّاسٌ للعقيدة حماةٌ للدّيار غيارَى على الدين غَيارَى على الحرمات، فيجِب على من اطَّلع على أنّ أحدًا يُعِدّ لأعمالٍ إجرامية أو تخريبيّة أن يبلِّغَ عنه، ولا يجوز التستُّر عليه فضلا عن مساعدته ودعمه ماديا أو معنويا.

إنّ دولةً هذا شأنُها وهذهِ خصائصُها لا يصلُح لها ولا يناسِبها الخلطُ بين الإسلام الحقّ وبين الانحرافِ باسم الإسلام، كما لا تقبَل أن يُضربَ الإسلام أ ويُنتقصَ بحجّة وجودِ بعض الغلاة.

إنّ منهجَها وقفُ السلوكِ الشاذّ ليبقى الإسلام الحقُّ الأقوَم، وهذه الأحداثُ تبقى في دائرة شذوذِها.

وأهلُ هذه البلادِ وكلّ محبٍّ لها يتطلّع إلى المزيدِ من الاستمساك بدين الله والمزيد من الدّعم للدين وأهلِه والعلم الشرعيّ ورجاله والحِسبة وأهلها وكلّ عاملٍ مخلص من أيّ موقعٍ وفي أيّ مِرفق في شأن المجتمع كلِّه. وبعد: أيّها المسلمون، فإنّ المسؤوليةَ عظمى، والجميع في سفينةٍ واحدَة، ومَن خرقها أغرقَ الجميع.
إنّ التهاونَ والتّساهلَ يؤدِّي إلى انفلاتٍ وفوضى، وإنّ الإحساسَ الجادَّ بالمسؤوليّة وخطر النتائج هو الذي يحمِل كلَّ عاقلٍ وكلّ مخلص على رفضِ هذه الأعمال وعدم قبول أيّ مسوّغ لها ولزوم فضح أهلها وآثارها ونتائجها. ولْيحذرِ المسلم أن يصدرَ منه شيءٌ يثير الفتنة، أو يسوِّغَ لهؤلاء وأمثالِهم ضلالَهم وجَهلهم وإجرامَهم أو يدعمهم بماله وتبرعاته وزكاته.
ومع يقين المؤمِن بأنّ الله حافظٌ دينَه ومُعلٍ كلمتَه وجاعلٌ كيدَ الكائدين في تضليل إلاّ أنّ المسؤوليةَ عظيمة، فلا بدّ من الوقفةِ الصّادقةِ من أجلِ وضعِ الأشياء في مواضعها والأسماء في مسمّياتها، فالإسلام إسلام، والإجرامُ إجرام، والإصلاحُ غيرُ الفساد، وإيذاءُ المؤمنين وسفك دماء المسلمين غيرُ الجهاد المشروع.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ[البقرة:204، 205].
نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم وبهدي سيد المرسلين محمّد ، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كلّ ذنب وخطيئة، فاستغفروه إنّه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية


الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلّى الله عليه وعلى آله وصَحبه وإخوانه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: فيأيها المسلمون، إن مسؤولية مواجهة هؤلاء الضالين ليست على رجال الأمن وحدهم، ولكنها مسؤولية الجميع، كلٌّ حسب موقعه. إن الإحساسَ بالخطر على الدين والأهل والديار والفرقة والفوضى هو الأمر الذي يجب أن يستشعره الجميع؛ ليكونوا أكثر يقظةً وحذرًا ونباهةً، ولتكون التصرّفات أكثر وعيًا وحِكمة لما يُحاك ضدّ هذه الأمة ودينها وأهلها وأمنها وولاة الأمر فيها.وفي هذا السياق صدرت قرارات متعددة من هيئة كبار العلماء خلال العشرين سنة الماضية - أو بشكل أدق منذ عام1409 -تدين الإرهاب وتجرمه وتحذر منه ومن التعاون مع أهله وترسم الطريق للخلاص منه قياما بواجب النصح والبيان ، وقد صدر مؤخرا قرار جديد وفتوى خاصة بتجريم تمويل الإرهاب، والتفريق بين ذلك وبين دعم المحتاجين وسبل الخير وهذا نصه : الحمد الله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:فإن هيئة كبار العلماء في جلستها العشرين الاستثنائية المنعقدة في مدينة الرياض بتاريخ 25/4/1431هـ، تشير إلى ما سبق أن صدر عنها من قرارات وبيانات فيما يقوم به المفسدون في الأرض بما يزعزع الأمن، ويهتك الحرمات في البلاد الإسلامية وغيرها ؛ كالقرار المؤرخ في 12/1/1409هـ، والبيان المؤرخ في 22/6/1416هـ، والبيان المؤرخ في 13/2/1417هـ، والبيان المؤرخ في 14/6/1424هـ .
وقد نظرت الهيئة في حكم: " تمويل الإرهاب " باعتبار أن الإرهاب جريمة تستهدف الإفساد؛ بزعزعة الأمن، والجناية على الأنفس والأموال والممتلكات الخاصة والعامة، كنسف المساكن والمدارس والمستشفيات والمصانع والجسور، ونسف الطائرات أو خطفها، والموارد العامة للدولة كأنابيب النفط والغاز، ونحو ذلك من أعمال الإفساد والتخريب المحرمة شرعًا، وأن تمويل الإرهاب إعانة عليه وسبب في بقائه وانتشاره . كما نظرت الهيئة في أدلة " تجريم تمويل الإرهاب " من الكتاب والسنة وقواعد الشريعة، ومنها قول الحق جل وعلا: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ، وقال سبحانه: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَوقال تعالى: وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا، وفي صحيح مسلم من حديث علي - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: « لعن الله من آوى محدثاً » الحديث .قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله - في الفتح: [ وفيه أن المحدث والمؤوي للمحدث في الإثم سواء ] . ومن القواعد المقررة في الشريعة الإسلامية: أن للوسائل حكم الغايات ، ولما جاء في الشريعة من الأمر بحفظ الحقوق والعهود في البلاد الإسلامية وغيرها .لذلك كله فإن الهيئة تقرر: أن تمويل الإرهاب أو الشروع فيه محرم وجريمة معاقب عليها شرعًا، سواء بتوفير الأموال أم جمعها أم المشاركة في ذلك، بأي وسيلة كانت، وسواء كانت الأصول مالية أم غير مالية، وسواء كانت مصادر الأموال مشروعة أم غير مشروعة .فمن قام بهذه الجريمة عالمًا، فقد ارتكب أمرًا محرمًا، ووقع في الجرم المستحق للعقوبة الشرعية بحسب النظر القضائي . وتؤكد الهيئة أن تجريم تمويل الإرهاب لا يتناول دعم سبل الخير التي تعنى بالفقراء في معيشتهم، وعلاجهم، وتعليمهم ؛ لأن ذلك مما شرعه الله في أموال الأغنياء حقاً للفقراء. وإن هيئة كبار العلماء إذ تقرر هذا فإنها توصي المسلمين جميعًا بالتمسك بالدين وهدي نبينا الكريم - صلى الله عليه وسلم - والكف عن كل عمل من شأنه الإضرار بالناس والتعدي عليهم ونسأل الله عز وجل لهذه البلاد المباركة المملكة العربية السعودية، وعموم بلاد المسلمين الخير والصلاح والحفظ وجمع الكلمة، وأن يصلح حال البشرية أجمعين بما يحقق العدل وينشر الفضل. والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاة . وعنا معهم.. اللهم أعز الإسلام ..اللهم رحمتك .. اللهم أنج عبادك .اللهم رحمتك بإخواننا المستضعفين في غزة وفلسطين وسائر البلاد اللهم أعنهم ولا تعن عليهم.اللهم أفرغ ..اللهم أقم علم الجهاد ... على العباد اللهم ادفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا والتبرج والسفور والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا اللهم أيد بالحق إمامنا وولي أمرنا، ووفقه لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، وارزقه البطانة الصالحة . رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.




المشاهدات 3328 | التعليقات 0