خُطْبَةٌ فِي النَّظَافَةِ وَأَثَرِهَا فِي سَلامَةِ الْفَرْدِ وَالْمُجْتَمَعِ

محمد تفسير بالدي
1445/12/13 - 2024/06/19 20:29PM

الخطبة الأولى 


الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِي جَعَلَ الْإِسْلاَمَ طُهْرَةً لِلْقُلُوبِ، وَمَحْوًا لِلذُّنُوبِ، وَنَظَافَةً لِلْأَبْدَانِ، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ فَهُوَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيّبًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ، عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ مِنْ مَحَاسِنِ هَذَا الدِّينِ الْحَنِيفِ أَنَّهُ دِينُ نَظَافَةٍ وَطَهَارَةٍ؛ فَالنَّظَافَةُ قِيمَةٌ إِسْلَامِيَّةٌ عَظِيمَةٌ، مُؤَكَّدَةٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَسُنَّةِ رَسُولِهِ ﷺ. قَال اللَّهُ ﷻ: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾ [البقرة: 222]. وَقَالَ ﷺ: «الطُّهُورُ شَطْرُ الإيمانِ» [رواه مسلم]. و«الطُّهور» هو الوُضوءُ، و«شَطْرُ الإِيمانِ»، أي: نِصفُهُ، والمرادُ: أنَّ الأَجْرَ في الوُضُوءِ يَنْتَهِي إِلَى نِصْفِ أَجْرِ الْإِيمَانِ.
عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ الْحَثَّ عَلَى النَّظَافَةِ فِي الْإِسْلاَمِ يَنْطَلِقُ مِنْ حِرْصِ هَذَا الدِّينِ الْعَظِيمِ عَلى صِحَّةِ الْفَرْدِ وَالْمُجْتَمَعِ؛ فَالنَّظَافَةُ تَحْفَظُ الصِّحَّةَ وَتَقِي مِنَ الْأَمْرَاضِ وَالْأَوْبِئَةِ. وَلِذَلِكَ، وَجَبَ عَلَيْنَا -مَعْشَرَ المُسلِمينَ- أَنْ نُحَافِظَ عَلَى نَظَافَةِ أَبْدَانِنَا مِنَ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ وَالْأَصْغَرِ، وَأَنْ نَهْتَمَّ بِنَظَافَةِ بُيُوتِنَا وَأَمَاكِنِ عَمَلِنَا وَمُحِيطِنَا الْعَام.
فَنَظَافَةُ الْأَبْدَانِ تُطَهِّرُ الْقُلُوبَ وَالنُّفُوسَ، وَتُزَكِّي الْأَعْمَالَ وَالْأَخْلَاقَ. وَنَظَافَةُ الْبُيُوتِ تَجْلِبُ السَّكِينَةَ وَالطُّمَأْنِينَةَ. وَنَظَافَةُ الشَّوَارِعِ وَالْمَسَاجِدِ وَالْأَسْوَاقِ وَالْأَمَاكِنِ الْعَامَّةِ تُحَقِّقُ الصِحَّةَ وَالسَّلَامَةَ لِلْفَرْدِ وَالْمُجْتَمَعِ.
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْمُؤْمِنُونَ، لِنَكُنْ قُدْوَةً فِي النَّظَافَةِ، وَلِنُرَبِّي أَبْنَاءَنَا عَلَيْهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ أَعْظَمِ الصَّفَاتِ الَّتِي يُحِبُّهَا اللَّهُ فِي عِبَادِهِ. يَقُولُ تَعَالَى  فِي الثَّنَاءِ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ يُحِبُّونَ التَّطَهُّرَ: ﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ﴾ [التوبة:108]. وَقَالَ تَعَالَى فِي خِتَامِ آيَةِ الْوُضُوءِ: ﴿مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [المائدة:6]. فَحَافِظُوا عَلَى نَظَافَةِ أَبْدَانِكُمْ وَبُيُوتِكُمْ وَطُرُقَاتِكُمْ وَمَسَاجِدِكُمْ وَأَمَاكِنِكُمُ الْعَامَّةِ؛ لِأَنَّ الَّلهَ «جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ» [أخرجه مسلم].
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.


 
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
 
           الْحَمْدُ لِلّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيماً لِشَأْنِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ وَإِخْوَانِهِ.
          
           أَمَّا بَعْدُ:
 
عِبَادَ اللَّهِ: يَقُولُ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - فِي الْحَثِّ عَلَى التَّنَظُّفِ عِنْدَ الْقُدُومِ إِلَى الْمَسَاجِدِ لِلصَّلاةِ: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ [الأعراف:31].  وَعَنْ أَبِي بَرْزَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ، عَلِّمْنِي شَيْئًا أَنْتَفِعُ بِهِ، قَالَ: «اعْزِلِ الْأَذَى عَنْ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ» [أخرجه مسلم]. وَإِبْعَادُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ أَدْنَى شُعَبِ الْإيمَانِ كَمَا فِي الصَّحِيحَينِ.
عِبَادَ اللَّهِ: فِي هَذَا الْمَوْسِمِ مِنَ الْأَمْطَارِ الْغَزِيرَةِ، عَلَيْنَا أَنْ نُولِيَ اهْتِمَامًا بَالِغًا بِنَظَافَةِ الْبُيُوتِ وَالْمَسَاجِدِ وَالشَّوَارِعِ وَالْأَمَاكِنِ الْعُُمُومِيَّةِ. فَتَرَاكُمُ الْأَوْسَاخِ عَلَى الطُّرُقَاتِ يُشَكِّلُ خَطَراً كَبِيرًا عَلَى صِحَّةِ الْمُوَاطِنِينَ وَسَلاَمَتِهِمْ؛ حَيْثُ قَدْ يُؤَدِّي إِلَى الْإِصَابَةِ بِالْأَمْرَاضِ الْمَنْقُولَةِ بِالْمِيَاهِ الرَّاكِدَةِ، أَوْ إِلَى وُقُوعِ حَوَادِثِ السَّيْرِ بِسَبَبِ انْزِلَاقِ الْمَرْكَبَاتِ أَوْ غَرْقِهَا. قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا﴾ [الأعراف: 56].
وَعَلَيْنَا -مَعْشَرَ المُسلِمينَ- أَنْ نُشَارِكَ الْجِهَاتِ الْمُخْتَصَّةِ بِصِيَانَةِ الشَّبَكَاتِ الْمَائِيَةِ وَتَنْظِيفِ الطُّرُقَاتِ وَالْأَمَاكِنِ الْعَامَّةِ مِنَ الْحَدَائِقِ وَالْأَنْهَارِ وَالْعُيُونِ... بِشَكْلٍ دَوْرِيٍّ لِمَنْعِ انْتِشَارِ الْأَوْبِئَةِ وَالْأَمْرَاضِ؛ فَبِذَلِكَ نُحَافِظُ عَلى سَلَامَةِ الْجَمِيعِ وَنُؤَدِّي وَاجِبَنَا تُجَاهَ الْمُجْتَمَعِ.
 
 
الدعاء...

المرفقات

1718818114_خُطْبَةٌ فِي النَّظَافَةِ وَأَثَرِهَا فِي سَلامَةِ الْفَرْدِ وَالْمُجْتَمَعِ.pdf

المشاهدات 306 | التعليقات 0