خطبة في الدعاء وفوائده
صالح محمد السعوي
بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة في الدعاء وفوائده
بقلم تأليف/ صالح بن محمد السعوي
الحمد لله الذي أمر عباده بالدعاء، ووعدهم بالإجابة والمثوبة يوم اللقاء.
أحمده تعالى وهو أهل الحمد والثناء، وأشكره سبحانه ومن شكره فاز بالمزيد والرضا.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الأسماء الحسنى.
وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله الصادق الأوفى.
صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الأزكياء وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى وأطيعوه وابتغوا إليه الوسيلة بدعائه والالتجاء إليه قال عز وجل: ((وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ)) [غافر الآية ٦٠].
وقال سبحانه: ((وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)) [البقرة الآية ١٨٦].
وأمر الله بدعائه بأسمائه الحسنى حيث قال تبارك وتعالى: ((وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا)) [الأعراف الآية ١٨٠] وفرض الله علينا معشر المسلمين أن ندعوه بفاتحة الكتاب في كل صلاة، قال عز وجل: ((إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ)) [الفاتحة الآيات ٥،٦،٧]
وأهم وأبلغ في الدعاء طلب الهداية من الله والثبات على هذا الدين حتى الممات، وفي الدعاء يقول الله عز وجل: ((رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ)) [آل عمران الآية ٨]
والدعاء عبادة يتقرب به إلى الله سبحانه قال ﷺ: "الدعاءَ هو العِبادَةُ ثم قرأ: ((وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ)) رواه أبو داود والترمذي وهو حديث حسن صحيح.
والدعاء يرد القضاء، قال ﷺ: "لا يردُّ القدرَ إلا الدعاءُ، ولا يزيدُ في العمرِ إلا البرُّ، وإنَّ الرجلَ لَيُحرَمُ الرزقَ بالذنبِ يُصيبُه" رواه الإمام أحمد والترمذي وهو حديث صحيح الإسناد وصححه الألباني.
وفي كثرة الدعاء تفرج الكروب وتزول الشدائد، قال ﷺ: "مَن سَرَّه أن يَستَجابَ لهُ عِندَ الكُرَبِ والشدائدِ فَليُكثِرْ من الدُّعاءِ في الرَّخاءِ" رواه الطبراني والحاكم وإسناده حسن.
والدعاء عزيمة من غير استثناء قال عليه الصلاة والسلام: "إذا دَعا أحَدُكُمْ فَلْيَعْزِمِ المَسْأَلَةَ، ولا يَقُولَنَّ: اللَّهُمَّ إنْ شِئْتَ فأعْطِنِي؛ فإنَّه لا مُسْتَكْرِهَ له" رواه البخاري.
ولا يستثني المسلم على ربه في الدعاء، قال عليه الصلاة والسلام: "إذا دَعا أحَدُكُمْ فلا يَقُلْ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي إنْ شِئْتَ، ولَكِنْ لِيَعْزِمِ المَسْأَلَةَ ولْيُعَظِّمِ الرَّغْبَةَ، فإنَّ اللَّهَ لا يَتَعاظَمُهُ شيءٌ أعْطاه" رواه مسلم.
وأمر ﷺ بالدعاء بيقين من الإجابة وبحضور القلب ويقظته وانتباهه، قال عليه الصلاة والسلام: "ادعوا اللهَ وأنتم مُوقِنونَ بالإجابةِ واعلموا أنَّ اللهَ لا يستجيبُ دعاءً من قلبٍ غافل لاهٍ" رواه الترمذي وهو حديث مستقيم الإسناد.
والمشيئة لا تكون في الدعاء، وإنما تكون فيما يريد الإنسان فعله فيما يستقبله من أوقات والله يقول: ((وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَٰلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ ۚ وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَىٰ أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَٰذَا رَشَدًا)) [الكهف الآية ٢٣،٢٤]
وكل ما كان أمام الإنسان فإنه لا يعلم هل يبلغه أم لا، فالأدب فيه أن يقول إن شاء الله في جميع تحركاته وتكون مرافقة لأقواله وأعماله.
وعلى الداعي ألا يستبطئ إجابة دعوته، قال ﷺ: "يُسْتَجابُ لأحَدِكُمْ ما لَمْ يَعْجَلْ، يقولُ: دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي" متفق عليه.
وللداعي إحدى ثلاث مغانم وقد تجمع له، قال ﷺ: "ما من مسلمٍ يدعو بدعوةٍ ليس فيها إثمٌ، ولا قطيعةُ رَحِمٍ؛ إلا أعطاه بها إحدى ثلاثَ: إما أن يُعجِّلَ له دعوتَه، وإما أن يدَّخِرَها له في الآخرةِ، وإما أن يَصرِف عنه من السُّوءِ مثلَها" قالوا: إذًا نُكثِرُ. قال: "اللهُ أكثرُ" رواه الإمام أحمد والبخاري وغيرهما، والحديث صحيح.
اللهم افتح علينا بالدعاء الصالح ومن بإجابته وصلاح الزوجات والأولاد وقهم الفتن والأسواء.
اللهم أصلح إمامنا وانصر به الدين، وأصلح ولي عهده والعلماء والأمناء والمستشارين وشد أزره بهم.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ((هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ۗ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)) [غافر الآية ٦٥].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بالآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
خطبة أخيرة في الدعاء وفوائده
الحمد لله الذي جعل الدعاء من وسائل الإجابة، وتحقيق المراد منه والاستفادة.
أحمده تعالى على كرمه وإنعامه، وأشكره سبحانه ومن شكره غنم الزيادة.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له اللطيف بعباده، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله الذي عمت دعوته للناس عامة، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى وأطيعوه واسخوا لأنفسكم ولمن أحببتم بالدعاء الصالح بما يجمع لكم مصالح الدنيا والآخرة، وتذكروا فضل الدعاء للمسلمين، قال ﷺ: «دَعْوَةُ المَرْءِ المُسْلِمِ لأَخِيهِ بظَهْرِ الغَيْبِ مُسْتَجَابَةٌ، عِنْدَ رَأْسِهِ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ كُلَّما دَعَا لأَخِيهِ بخَيْرٍ، قالَ المَلَكُ المُوَكَّلُ بهِ: آمِينَ وَلَكَ بمِثْلٍ» رواه مسلم.
ونهى صلى الله عليه وسلم عن الاعتداء بالدعاء فقال: «لا تَدْعُوا علَى أَنْفُسِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا علَى أَوْلَادِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا علَى أَمْوَالِكُمْ، لا تُوَافِقُوا مِنَ اللهِ سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءٌ، فَيَسْتَجِيبُ لَكُمْ» رواه مسلم.
وأبدوا عنايتكم بالدعاء وكرروه وتحروا فيه أوقات الإجابة ومن فتح الله عليه بالدعاء فليوقن بالإجابة.
وخذوا بقول الله سبحانه: ((إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)) اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد البشير النذير والسراج المنير.
وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن بنات نبينا وزوجاته أمهات المؤمنين وعن سائر الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان وعنا معهم أجمعين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين واحم حوزة الدين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين واكفنا شر الأشرار وكيد الفجار وشياطين الإنس والجان واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً رخاءً سخاء وسائر بلاد المسلمين.
اللهم أصلح ولاة أمورنا وكل من تولى للمسلمين أمراً، وخص إمامنا بالتوفيق والعون والتسديد ومده بالبطانة الصالحة المصلحة من ولي عهده وخيرة العلماء والمؤمنين الأمناء.
اللهم ادفع عنا الغلا والوباء والربا والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن.
اللهم تب على التائبين واغفر ذنوب المذنبين واقض الدين عن المدينين واشف مرضانا ومرضى المسلمين.
اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك وفجاءة نقمتك وجميع سخطك.
اللهم احفظ لنا إيماننا وثبتنا عليه واحفظ الزوجات والأولاد والعلماء والقادة ورجال الأمن والمرابطين على الحدود وحراسة الأنفس والمحارم والحرمات والممتلكات، واحم دماءهم وأعراضهم وعتادهم واغفر لمن مات منهم وأحسن الخلف على من خلفوا واشف مرضاهم وأجزهم عنا خيراً.
اللهم اغفر لنا أجمعين يا أرحم الراحمين واغفر لأمواتنا وجميع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.