خطبة في الحقوق بين المسلمين والحث على الأخذ بها
صالح محمد السعوي
بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة في الحقوق بين المسلمين والحث على الأخذ بها
بقلم وتأليف/ صالح بن محمد السعوي
الحمد لله الذي ألف بين المؤمنين، وجمعهم على هذا الدين.
أحمده تعالى أن جعلنا مسلمين، وأشكره سبحانه وبالشكر تزداد النعم وتتوافر لدى الشاكرين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له مصلح الصالحين.
وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله خاتم النبيين والمرسلين.
صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه هداة العالمين وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى وأطيعوه، واشكروه على فضل هذا الدين ويسره وسهولته، وما امتاز به من المحاسن، وبما شرع فيه من الحقوق التي تربط بين المسلمين بعضهم ببعض ولو تنوعت أجناسهم وتشاكلت ألوانهم واختلفت لغاتهم ونأت ديارهم، فالحقوق بينهم قائمة ما داموا مسلمين، والله سبحانه يقول: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ (102) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ )) [سورة آل عمران الآيتان ١٠٢،١٠٣].
وقال سبحانه: ((وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ)) [سورة التوبة الآية ٧١].
وقال عز وجل: ((إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَة)) [سورة الحجرات الآية ١٠].
وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: "المُؤْمِنَ للمؤمنِ كالبُنْيانِ يشدُّ بَعضُهُ بعضًا" وشبك بين أصابعه. متفق عليه.
وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ: "مَثَلُ المُؤْمِنِينَ في تَوادِّهِمْ، وتَراحُمِهِمْ، وتَعاطُفِهِمْ مَثَلُ الجَسَدِ إذا اشْتَكَى منه عُضْوٌ تَداعَى له سائِرُ الجَسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى" متفق عليه.
وقال ﷺ: "المسلم أخو المسلم" الحديث رواه مسلم.
وقد شرع لنا رسول الله ﷺ ما يحقق ذلك وذلك في الأخذ بالحقوق بين المسلمين والوفاء بها.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: "حَقُّ المُسْلِمِ علَى المُسْلِمِ سِتٌّ: إذا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عليه، وإذا دَعاكَ فأجِبْهُ، وإذا اسْتَنْصَحَكَ فانْصَحْ له، وإذا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَشَمِّتْهُ، وإذا مَرِضَ فَعُدْهُ وإذا ماتَ فاتَّبِعْهُ" رواه مسلم.
وعن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: أمرنا رسول الله ﷺ بسَبْعٍ، ونَهَانَا عن سَبْعٍ: أمرنا بعِيَادَةَ المَرِيضِ، واتِّبَاعَ الجَنَائِزِ، وتَشْمِيتَ العَاطِسِ، وإبْرَارَ المُقْسِمِ ونَصْرَ المَظْلُومِ، وإجَابَةَ الدَّاعِي، وإفشاء السَّلَامِ" الحديث متفق عليه.
من هذه الحقوق: السلام وهو مسنون إفشاؤه بين المسلمين، وهو من أكبر وسائل المحبة والترابط بين المسلمين والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: "لا تَدْخُلُوا الجَنَّةَ حتَّى تُؤْمِنُوا، ولا تُؤْمِنُوا حتَّى تَحابُّوا، أوَلا أدُلُّكُمْ علَى شيءٍ إذا فَعَلْتُمُوهُ تَحابَبْتُمْ؟ أفْشُوا السَّلامَ بيْنَكُمْ" رواه مسلم.
وقال ﷺ: "إن أوْلَى الناسِ باللهِ من بدَأَهُمْ بالسلامِ" رواه أبو داود وقال الألباني صحيح.
وقال عليه الصلاة والسلام: "إنَّ المؤمنَ إذا لقِيَ المؤمنَ فسلَّمَ عليه وأخذ بيدِه فصافحَه تناثرَتْ خطاياهما كما يتناثرُ ورقُ الشَّجرِ" رواه الطبراني في الأوسط وذكره المنذري في الترغيب.
ومن الحقوق إجابة الدعوة في الاجتماعات التي يرغب فيها، ويؤمن من وقوع المحاذير، لقوله ﷺ: "إذا دُعِيَ أحَدُكُمْ إلى الوَلِيمَةِ فَلْيَأْتِها" متفق عليه.
وفي رواية مسلم: "فَلْيُجِبْ عُرْسًا كَانَ، أَوْ نَحْوَهُ".
ومن الحقوق النصح والتناصح، والرسول ﷺ يقول: "الدين النصيحة" ثلاثًا. قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: "لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم" رواه مسلم.
وكان ﷺ يبايع أصحابه على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم، والنصح والمناصحة وسيلة لمعرفة الدين والتعريف به والاستقامة عليه، ومن الحقوق تشميت العاطس قال ﷺ: "إذا عَطَسَ أحَدُكُمْ فَلْيَقُلِ: الحَمْدُ لِلَّهِ، ولْيَقُلْ له أخُوهُ -أوْ صاحِبُهُ-: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فإذا قالَ له: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فَلْيَقُلْ: يَهْدِيكُمُ اللَّهُ ويُصْلِحُ بالَكُمْ" رواه البخاري.
وقال عليه الصلاة والسلام: "إذا عطَس أحدُكم فحمدُ للهِ فشمتوه وإن لم يحمد الله فلا تشمتوه" رواه مسلم.
ومن الحقوق عيادة المريض، قال ﷺ: " إنَّ المُسْلِمَ إذا عادَ أخاهُ المُسْلِمَ لَمْ يَزَلْ في خُرْفَةِ الجَنَّةِ حتَّى يَرْجِعَ" رواه مسلم، خرفة الجنة روضتها.
وقال عليه الصلاة والسلام: "ما من مسلم يعودُ مسلمًا غدوة إلا صلي عليه سبعون ألفِ ملكٍ حتى يمسي
وإن عاده عشية إلا صلى عليه سبعون ألفِ ملكٍ حتى يصبح وكان له خريفُ في الجنةِ" رواه الترمذي وقال حديث حسن وهو في صحيح الترغيب.
ومن الحقوق اتباع الجنائز، والرسول ﷺ يقول: "مَنِ اتَّبَعَ جَنَازَةَ مُسْلِمٍ، إيمَانًا واحْتِسَابًا، وكانَ معهُ حتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا ويَفْرُغَ مِن دَفْنِهَا، فإنَّه يَرْجِعُ مِنَ الأجْرِ بقِيرَاطَيْنِ، كُلُّ قِيرَاطٍ مِثْلُ أُحُدٍ، ومَن صَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَ أنْ تُدْفَنَ، فإنَّه يَرْجِعُ بقِيرَاطٍ" متفق عليه.
ومن الحقوق المسلمين إبرار المقسم بالمضي لما أقسم عليه أخوه المسلم لمصلحة مشتركة أو منفعة يراها صالحة.
ومن الحقوق نصر المظلوم. والرسول ﷺ يقول: "انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا" فقال رجل: يا رسول الله أنصره إذا كان مظلوماً أرأيت إن كان ظالماً كيف أنصره. قال: "تحجزه أو تمنعه من الظلم فإن ذلك نصره" رواه البخاري
حقوق مصالحها كبيرة وفوائدها كثيرة هنيئاً للآخذين بها نسأل الله أن يوفقنا لها ويعيننا على القيام بها، ويصلح لنا وللمسلمين الأولاد والنساء ويكتب الإيمان في قلوبهم ويؤيدهم بروح منه.
اللهم أصلح إمامنا واحفظه وانصر به الدين وأصلح ولي عهده والعلماء والأمناء والحراس والمستشارين وشد أزره بهم لما فيه صلاح الدين والدنيا يا رب العالمين.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ((إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ ۖ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا)) [سورة الإسراء الآية ٧].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بالآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
خطبة أخيرة في الحقوق بين المسلمين والحث على الأخذ بها
الحمد لله الذي جعل القيام بالحقوق بين المسلمين مما يشد الروابط والصلة.
أحمده تعالى ولا تحصي ثناء عليه، وأشكره سبحانه ويافوز من قام بشكره
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الإله الحق الذي بيده الهداية.
وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله وخليله وصفيه.
صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أنصار دعوته وسلم تسليما كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى وأطيعوه، وقوموا بما عليكم من الحقوق بصدور منشرحة ووجوه طلقة، فإنها من أهم الأسباب التي يتوصل بها إلى تألف القلوب، وتقارب الأجساد، وتزيل عن النفوس علائق الغل والحقد والحسد والكراهة والبغضاء والكبر والتعاظم، وتفتح أبواب مداخل الدعوة والتوجيه والنصح والمناصحة والصلح والإصلاح لأن النفوس إذا أخذت بتلك الحقوق والتزمت بها صارت هينة لينة، سمحة متواضعة، ومن تواضع لله رفعه.
وجانبوا كل دواعي التنافر والتدابر والتنابز والتنابذ ولا تجعلوا لشياطين الإنس والجن عليكم سبيلاً، وكونوا عباد الله إخواناً وعلى الخير أنصاراً وأعواناً.
اللهم حقق لنا وللزوجات والأولاد ولإخواننا المسلمين إخوة الإيمان وثبتنا عليها حتى الممات.
واعلموا أن الله يقول: ﴿إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً﴾
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد عدد من صلى وسلم وبارك عليه، وعدد من أضاع نصيبه من ذلك.
وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الستة الباقين من العشرة المفضلين وعن بنات نبينا وزوجاته أمهات المؤمنين وعن جميع الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان واجعلنا ممن تبعهم واحشرنا في زمرتهم يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وانصر من نصر هذا الدين، وقوي عزائم الولاة والعلماء والدعاة لبيان محاسن الدين والدعوة إليه، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين واكفنا شر الأشرار وكيد الفجار وشياطين الإنس والجان، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين.
اللهم أصلح ولاة أمورنا وكل من تولى للمسلمين أمراً، وخص إمامنا بالحفظ والتوفيق والعون والتسديد، وقيض له البطانة الصالحة الأمينة المأمونة من ولي عهده والعلماء وخيرة المؤمنين.
اللهم أصلح قلوبنا وأعمالنا واحفظ لنا إيماننا وأمننا وقادتنا ورجال أمننا وحراس الثغور والمنافذ، ويسر لهم الاهتداء على كل باغ لئيم، ومجرم أثيم، واكفهم شر كل خائن وساعٍ في الأرض بالفساد.
اللهم ارحمنا وارحم عبادك المستضعفين، وفرج كرب المكروبين، واجبر كسر المنكسرين، وأزل الهم عن المهمومين واقض الدين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، واغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين أجمعين، الأحياء منهم والميتين، وأنت أرحم الراحمين.