خطبة في التذكير بنعمة نزول المطر
صالح محمد السعوي
بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة في التذكير بنعمة نزول المطر
بقلم وتأليف/ صالح بن محمد السعوي
الحمد لله الذي أنعم على العباد بإنزال الأمطار، وارتواء الأرض بعد اليبس والاغبرار، وظهور آثاره في الأودية وقمم الأحجار، والإذن باكتسائها بالأعشاب والأشجار، واكتساب الثمار.
أحمده تعالى على نعم عظيمة القدر والمقدار، وأشكره سبحانه على فضله المتواصل المدرار.
وأشهد أن لا إله إلا الله الواحد القهار، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله المصطفى المختار.
صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه المهاجرين والأنصار وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى وأطيعوه، وانظروا إلى آثار رحمة الله بإنزال الغيث الماء العذب الطيب المبارك، قال جل وعلا: ((وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ ۚ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ)) [الشورى الآية ٢٨].
وقال سبحانه: ((وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ)) [الحج الآية ٥] زوج بهيج أي من أنواع النباتات التي تعجب ناظريها ومكتسب للآدميين وغيرهم.
وربنا هو الذي يخرج لعباده أنواع النبات مختلف الأشكال ومتنوع الثمار والطعوم.
قال سبحانه: ((وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّن نَّبَاتٍ شَتَّىٰ (53) كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُولِي النُّهَىٰ)) [طه الآيتان ٥٣،٥٤].
وقال عز من قائل: ((وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ ۚ كَذَٰلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَىٰ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)) [الأعراف الآية ٥٧].
والله يدر على العباد النعمُ ويضرب لهم الأمثال لعلهم يذَّكرون، وسخر لهم ما في السماء والأرض وأسبغَ عليهم نعمه ظاهرةً وباطنةً.
وأمر المؤمنين بالأكل من الطيبات والشكر له، قال جل وعلا: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ)) [البقرة الآية ١٧٢].
وما أكثر التذكير بالشكر لله على النعم.
وكما سخر الله للعباد ما في السماء والأرض فإنه سخر لهم البحر وما فيه من المنافع وفجر ما في الأرض من العيون وأخرج ما فيها من مخزوناتها من الأثمان والمعادن وغيرها مما فيه مصالحٌ للعباد، وكلُّ ذلك وغيره من النعم يتعين فيها الشكر لله المنعم الكريم، والله سبحانه يزيدُ الشاكرين،
ويجزيهم النعيم المقيم الذي أعده في الجنة لعباده الشاكرين لنعمه الظاهرة والباطنة.
عباد الله ماذا يُرى من آثار شكر الله على ما أنعم به من نزول الأمطار التي عم بها وشمل بها جميع المدن والقرى والسهولِ والأودية والشعابِ، ووالاها حتى ارتوتْ الأرضُ وتحولت بعد اليبس والجفاف إلى الإكتساء بالاخضرار من أنواع الأشجار والأعشاب من غير أن يحدث على إثر ذلك أضرارٌ لا في الأنفس ولا في الحيوانات ولا في الممتلكات ولا في غيرها والحمد لله.
عباد الله أظهروا الشكر لله وكلما زادكم الله من نعمة أو دفع عنكم من نقمةٍ فزيدوا لله في شكره فالنعمُ توطنُ بحمد الله وشكره وملازمة طاعته وابتغاء مرضاته وتركِ ما يوجبُ غضبَه ولا بد من الاستعانة بنعم الله على طاعته عز وجل، ومعلومٌ المصالح الكبيرة العامة الشاملة بغيث ربنا وماهذا الماء المخزونُ في جوف الأرض إلا مما أنزلهُ الله فيها وجعلها بإذنه سبحانه تحتفظ به في باطنها ليستخرجه الناس حال حاجتهم إليه والله حكيمٌ عليمٌ متصرفٌ بخلقه بما شاء وأراد، خلقهم ورعى مصالحهم وهو الرحيمُ بهم ورحمتُه قريبٌ من المحسنين الذين أحسنوا في عبادة الله وأحسنوا على عباد الله.
اللهم بارك لنا فيما أنزلته من غيثك المدرار وأنبت به الزرع وأدر به الضرع.
وأصلح لنا الزوجات والأولاد، وقنا جميعاً الفتن ما ظهر منها وما بطن يا رب العالمين.
اللهم أصلح إمامنا وأصلح ولي عهده والعلماء والأمناء والحراس والمستشارين وشد أزره بهم.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ((أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (68) أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ (69) لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ)) [الواقعة الآيات ٦٨، ٦٩، ٧٠].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بالآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
خطبة أخيرة في التذكير بنعمة نزول المطر
الحمد لله الذي عمت رحمتُه جميع المخلوقات، وتفضل عليهم بإنزال الغيث وإحياء الأرضِ الموات.
أحمده تعالى على جزيل الهبات، وأشكره سبحانه وقد أذن للشاكرين بالزيادات.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له كاف المهمات، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله المرسل بالآيات.
صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ذوي التنافس في الطاعات وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد فإن لنزول المطر آدابٌ: منها كشفُ بعض البدن لفعل رسول الله ﷺ وقوله: "لأنَّهُ حَديثُ عَهْدٍ برَبِّهِ" رواه مسلم. ومنها الدعاء فقد كان رسول الله ﷺ إذا رأى المطر قال: "اللَّهُمَّ صَيِّبًا نَافِعًا" رواه البخاري. والذكر بُعد نزول المطر لقوله ﷺ: "مُطِرْنَا بفَضْلِ اللَّهِ ورَحْمَتِهِ" متفق عليه. والدعاء للاستصحاء لقوله ﷺ: "اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا ولَا عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ علَى الآكَامِ والجبال والظِّرَابِ، وبُطُونِ الأوْدِيَةِ، ومَنَابِتِ الشَّجَرِ" متفق عليه. والدعاء حال الرعد، وكان رسول الله ﷺ يقول: "سُبحانَ الَّذي يُسَبِّحُ الرَّعدُ بحَمدِه والمَلائِكةُ مِن خِيفَتِه" رواه مالك والبخاري.
وذكر ابن القيم رحمه الله تعالى أن النبيr كان إذا سال السيلُ قال: "اخْرُجوا بِنا إلى هذا الذي جعَلَه اللهُ طَهورًا؛ فنتطهَّرَ منه، ونَحْمَدَ اللهَ عليه" ولهذا يكون الخروجُ لمجامع السيول للنظر والاعتبار وحمد الله والثناء عليه ومجانبة الأخطار والحذر من العبث وأذية الناس ومضايقتهم.
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد الذي لا خير إلا دل الأمة عليه ولا شر إلا حذرها منه.
وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن بنات نبينا وزوجاته أمهات المؤمنين وبقية الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان وعنا معهم أجمعين يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين واحم حوزة الدين وزد في أنصاره واجعلنا منهم، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين واكفنا شر الأشرار وكيد الفجار واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً رخاء سخاء وسائر بلاد المسلمين.
اللهم أصلح ولاة أمورنا وكل من تولى للمسلمين أمراً. وخص إمامنا بالتوفيق والعون والتيسير والتسديد وأصلح ولي عهده وشد أزره به وبكل مسؤول بیده سلطةٌ من العلماء وخيرة المؤمنين.
اللهم أصلح قلوبنا وأعمالنا وألف على الحق بين قلوبنا وأصلح ذات بيننا واهدنا سبل السلام وجنبنا منكرات الأقوال والأعمال والأفعال والأخلاق والآداب وقنّ الفتن ما ظهر منها وما بطن.
اللهم تب على التائبين واغفر ذنوب المذنبين، واقض الدين عن المدينين واشف مرضانا ومرضى المسلمين.
اللهم احفظ لنا إيماننا وثبتنا عليه واحفظ قادتنا وعلماءنا ورجال الحسبة والدعوة ورجال الأمن وحراس الحدود والمنافذ والمرافق والطرق وسدد سهام المرابطين في الدفاع عن البلاد والمحارم والحرمات واحم دمائهم وأعراضهم وعتادهم واغفر لمن مات منهم وأحسن الخلف على من خلفوا واشف مرضاهم واجزهم عنا خيراً واغفر لنا أجمعين وأنت خير الغافرين.