خُطْبَةٌ فِي أَحْكَامِ الْأُضْحِيَةِ

محمد تفسير بالدي
1445/12/07 - 2024/06/13 14:26PM

الْحَمْدُ لِلّهِ الذِي شَرَعَ لِعِبَادِهِ التَّقَرُّبَ إِلَيْهِ بِذَبْحِ الْقُرْبَانِ، وَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ جَزِيلَ الْأَجْرِ وَالْغُفْرَانِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ذُو الْفَضْلِ وَالاِمْتِنَانِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الْمُصْطَفَى عَلَى كُلِّ إِنْسَانٍ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍإِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
         أَمَّا بَعْدُ، عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ مِنْ شَعَائِرِ دِينِنَا الْحَنِيفِ شَعِيرَةَ الأُْْضْحَيَةِ، وَالْأُضْحِيَةُ: مَا يُذْبَحُ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ أَيَّامَ عِيدِ الْأَضْحَى تَقَرُّباً لِلَّهِ، وَهِيَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمِ قَادِرٍ، وَشَعِيرَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ، دَلَّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾ [الكوثر:2]، وَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ «كَانَ يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ» الحديث.يَذْبَحُهَا الْمُسْلِمُ إِحْيَاءً لِسُنَّةِ أَبِينَا إِبْرَاهِيم - عَلَيْه السّلَامُ - وَاتِّبَاعاً لِسُنّةِ نَبِينَا مُحَمَّدٍ ﷺ؛ تَوْسِعَةً عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَإِكْرَامًا لِجِيرَانِهِ، وَإِطْعَامًا لِلْمُحْتَاجِينَ مِنَ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ.
عِبَادَ اللَّهِ: اعْلَمُوا أَنَّ أَفْضَلَ الْأُضْحِيَةِ أَسْمَنُهَا وَأَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا، وَيَجِبُ أَنْ تَكُونَ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ؛ وَهِيَ: الإبِلُ والبَقَرُ والغَنَمُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍمَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ﴾ [الحج: 28]. وَأَفْضَلُهَا الضَّأْنُ، ثُمَّ الْبَقَرُ، ثُمَّ الْإبِلُ؛ وَلِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ ضَحَّى "بِكَبْشَيْنِ"، وَلَا يَفْعَلُ إِلَّا الْأَفْضَلُ.
 وَاعْلَمُوا مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ، أَنَّ مَا يُجْزِئُ مِنَ الْإِبِلِ مَا لَهُ خَمْسُ سَنَوَاتٍ، وَمِنَ الْبَقَرِ سَنَتَانِ، وَمِنَ الْمَعِزِ سَنَة، وَمِنَ الضَّأْنِ نِصْفُ سَنَةٍ. وَأَنْ تَكُونَ سَلِيمَةً مِنَ الْعُيُوبِ؛ وَهِيَ: الْعَوْرَاءُ؛ كَغَائِرَةِ الْعَيْنِ أَوِ الْعَمْيَاءُ، وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا، وَالْعَرْجَاءُ الَّتِي لَا تُطِيقُ الْمَشْيَ، وَالْهَزِيلَةُ الَّتِي لَا تُنْقى؛ أَي الَّتِي لَا مُخَّ لَهَا فِي عِظَامِهَا لِضُعْفِهَا.
 
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.


 
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
 
           الْحَمْدُ لِلّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيماً لِشَأْنِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ وَإِخْوَانِهِ.
          
           أَمَّا بَعْدُ:
           عِبَادَ اللَّهِ: يَقُولُ اللَّهُ ﷻ: ﴿لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ﴾ [الحج: 37]. فَاللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يُبَيَّنُ لَنَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّ الشَّكْلَ الظَّاهِرِي لِلْعِبَادَةِ -وَالْأُضْحِيَةِ عَلَى الْأَخَصِّ- لَا يَنْفَعُ بِدُونِ الْإِخْلَاصِ وَالتَّقْوَى؛ فَلَيْسَ الْقَصْدُ مُجَرَّدُ إِرَاقَةٍ اِلدِّمَاءِ أَوْ تَقْدِيمِ اللُّحُومِ، بَلِ أَنْ يَكُونَ هَذِهِ الْأعْمَالُ خَالِصَةً لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى وَحْدَهُ، لَا لِلْفَخْرِ أَوِ الرِّيَاءِ أَوِ السُّمْعَةِ.
لِذَا، فَإِنَ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَحْرِصَ عَلَى تَحْقِيقِ الْإِخْلَاصِ فِي جَمِيعِ أَعْمَالِهِ، وَأَنْ يَجْعَلَ الْقَصْدَ مِنْهَا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى، طَلَبًا لِمَرْضَاتِهِ وَالْفَوْزَ بِجَنَّاتِهِ. وَهَذَا هُوَ الْأَسَاسُ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ تَقُومَ عَلَيْهِ جَمِيعُ الْعِبَادَاتِ وَالطَّاعَاتِ.
مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ، يُشْتَرَطُ ذَبْح الْأُضْحِيَةِ بَعْدَ صَلاَةِ الْعِيدِ وَخُطْبَتَيْهَا، وَيَسْتَمِرُّ إِلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ؛ وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بَعْدَ الْعِيدِ، وَأَنْ يَقُولَ عِنَدْ الذَّبْحِ: "بِسْمِ اللَّهِ وَاللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُمَّ هَذَا مِنْكَ وَلَكَ"، مُسْتَقْبِلًا الْقِبْلَةَ، وَيَأْكُلَ مِنْ أُضْحِيَتِهِ وَيُهْدِيَ وَيَتَصَدَّقَ عَلَى الْأَقَارِبِ وَالْجِيرَانِ وَالْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ امْتِثَالًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ﴾ [الحج:27].
 
فَاتَّقُوا الَّلهَ تَعَالَى، وَاسْعَوْا فِي طَاعَتِهِ، وَتَصَدَّقُوا عَلَى الْمُحْتَاجِينَ، وَاحْفَظُوا أَمْوَالَكُمْ مِنَ التَّبْذِيرِ.
 
الدعاء...

المرفقات

1718278004_خُطْبَةٌ فِي أحكام الأضحية.pdf

المشاهدات 490 | التعليقات 0