خطبة : ( فيم تنافس ؟! )

عبدالله البصري
1435/05/13 - 2014/03/14 08:06AM
فيم تُنَافِسُ ؟! 13 / 5 / 1435
الخطبة الأولى :
أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، النَّاسُ في هَذِهِ الدُّنيَا يَتَسَابَقُونُ ، وَيُسَارِعُونَ إِلى غَايَاتِهِم وَيَتَنَافَسُونَ ، وَكُلٌّ مِنهُم مَجبُولٌ عَلَى حُبِّ التَّمَلُّكِ وَالتَّغَلُّبِ ، مَفطُورٌ عَلَى النُّزُوعِ إِلى المُنَافَسَةِ وَالتَّكَاثُرِ ، وَللهِ في ذَلِكَ حِكَمٌ بَالِغَةٌ ، إِذْ لَولا التَّنَافُسُ وَالتَّسَابُقُ ، لَمَا تَعَلَّقَتِ النُّفُوسُ فِيمَا يُطمَحُ إِلَيهِ ، وَلَمَا تَمَسَّكَتِ الأَيدِي فِيمَا يُطمَعُ فِيهِ ، وَلَكَانَ النَّاسُ جُثَثًا هَامِدَةً وَأَجسَادًا خَاوِيَةً ، ضَعِيفِي العَزَائِمِ مَيِّتِي الهِمَمِ ، مُتَرَاخِينَ عَنِ العَمَلِ قَلِيلِي الإِنتَاجِ .
وَالتَّنَافُسُ جِبِلَّةً وَطَبعًا وَخُلُقًا ، يُوجَدُ في الخَيرِ وَيُرَى في الشَّرِّ ، وَيَقَعُ بَينَ الأَخيَارِ كَمَا يَكُونُ بَينَ الأَشرَارِ ، وَيُعرَفُ مِنهُ الشَّرِيفُ المُنِيفُ العَالي ، وَيُنكَرُ مِنهُ الوَضِيعُ المُنحَطُّ الدَّاني ، وَمِنهُ المَمدُوحُ المُرَغَّبُ فِيهِ ، وَمِنهُ المَذمُومُ المَمقُوتُ ، وَهُوَ لا يُمدَحُ لِذَاتِهِ وَلا يُذَمُّ لِذَاتِهِ ، وَإِنَّمَا يَتَّجِهُ إِلَيهِ المَدحُ وَالذَّمُّ بِحَسَبِ مَا يَكُونُ فِيهِ ، وَتَرَى النَّاسَ في هَذَا مَشَارِبَ شَتَّى وَمَسَارِبَ مُختَلِفَةً ، فَأَمَّا مَن أَغفَلَ اللهُ قَلبَهُ عَن ذِكرِهِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمرُهُ فُرُطًا ، فَلا تَرَاهُ يُنَافِسُ إِلاَّ في الحُطَامِ ، يُسَارِعُ إِلى مَا فِيهِ تَدمِيرٌ لِغَيرِهِ ، وَيَتَزَيَّدُ بما يَنقُصُهُ مِن حَقِّ مَن سِوَاهُ ، وَلا يَحلُو لَهُ الرُّقِيُّ إِلاَّ عَلَى كَتِفِ مَن هُوَ أَضعَفُ مِنهُ ، وَلا يَنفَعُهُ وَيَسُرُّهُ إِلاَّ مَا يَضُرُّ الآخَرِينَ وَيُحزِنُهُم . وَأَمَّا التَّقِيُّ النَّقِيُّ الرَّضِيُّ ، الحَيُّ القَلبِ السَّلِيمُ الفُؤَادِ ، العَالِمُ بِحَقِيقَةِ الدُّنيَا وَسُرعَةِ فَنَائِهَا وَقِلَّةِ مَتَاعِهَا ، المُوقِنُ بِقُربِ الآخِرَةِ وَدَوَامِ نَعِيمِهَا وَعُلُوِّ دَرَجَاتِهَا ، فَغَايَةُ مَا يُنَافِسُ فِيهِ آخِرَتُهُ ، لا تَجِدُهُ مَشغُولاً إِلاَّ بهَا ، وَلا مُسَابِقًا إِلاَّ إِلَيهَا ، قَد أَهَمَّتهُ نَجَاةُ نَفسِهِ وَفِكَاكُ رَقَبَتِهِ ، وَمِثلُ هَذَا لا يَزدَادُ بِطُولِ عُمُرِهِ إِلاَّ حِرصًا عَلَى العِبَادَاتِ وَإِقبالاً عَلَى الطَّاعَاتِ ، وَاستِكثَارًا من القُرُبَاتِ وَتَزَوُّدًا مِنَ الحَسَنَاتِ ، وَنَفعًا لِلآخَرِينَ وَإِيثَارًا لَهُم عَلَى نَفسِهِ ، إِذَا نَافَسُوهُ في الدُّنيَا وَشَحُّوا بها ، جَعَلَهَا في نُحُورِهِم وَنَافَسَهُم في الآخِرَةِ ، وَإِذَا زَاحَمُوهُ في الفَانِيَةِ سَبَقَهُم إِلى البَاقِيَةِ . أَجَلْ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ إِنَّ مِنَ النَّاسِ مَن غَايَاتُهُ أَرضِيَّةٌ دَنِيَّةٌ ، وَمِنهُم مَن هُوَ سَمَاوِيٌّ عُلوِيٌّ أُخرَوِيٌّ ، وَكِلا الأَمرَينِ مَذكُورٌ في كِتَابِ اللهِ وَعَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ ، وَالأَوَّلُ مَنهُمَا مَذمُومٌ مُحذَّرٌ مِنهُ ، وَنَتِيجَتُهُ قَبِيحَةٌ كَرِيهَةٌ ، وَالثَّاني مَمدُوحٌ مُرَغَّبٌ فِيهِ ، وَنَتِيجَتُهُ جَمِيلَةٌ مَحبُوبَةٌ ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " فَوَاللهِ مَا الفَقرَ أَخشَى عَلَيكُم ، وَلَكِنْ أَخشَى أَن تُبسَطَ الدُّنيَا عَلَيكُمُ كَمَا بُسِطَت عَلَى مَن قَبلَكُم ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا ، فَتُهلِكَكُم كَمَا أَهلَكَتهُم " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ . وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " إِيَّاكُم وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكذَبُ الحَدِيثِ ، وَلا تَحَسَّسُوا وَلا تَجَسَّسُوا ، وَلا تَنَافَسُوا وَلا تَحَاسَدُوا ، وَلا تَبَاغَضُوا وَلا تَدَابَرُوا ، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخوَانًا كَمَا أَمَرَكُم ، المُسلِمُ أَخُو المُسلِمِ لا يَظلِمُهُ وَلا يَخذُلُهُ وَلا يَحقِرُهُ ، التَّقوَى هَاهُنَا التَّقوَى هَاهُنَا التَّقوَى هَاهُنَا ، وَأَشَارَ إِلى صَدرِهِ ، بِحَسبِ امرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَن يَحقِرَ أَخَاهُ المُسلِمَ ، كُلُّ المُسلِمِ عَلَى المُسلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَعِرضُهُ وَمَالُهُ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ وَاللَّفظُ لَهُ . وَلَمَّا ذَكَرَ ـ تَعَالى ـ عَدَدًا مِن أَنبِيَائِهِ قَالَ : " إِنَّهُم كَانُوا يُسَارِعُونَ في الخَيرَاتِ وَيَدعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ " وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الأَبرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ . وَمَا أَدرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ . كِتَابٌ مَرقُومٌ . يَشهَدُهُ المُقَرَّبُونَ . إِنَّ الأَبرَارَ لَفِي نَعِيمٍ . عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ . تَعرِفُ في وُجُوهِهِم نَضرَةَ النَّعِيمِ . يُسقَونَ مِن رَحِيقٍ مَختُومٍ . خِتَامُهُ مِسكٌ وَفي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ المُتَنَافِسُونَ " وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " مِن أَهلِ الكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتلُونَ آيَاتِ اللهِ آنَاءَ اللَّيلِ وَهُم يَسجُدُونَ . يُؤمِنُونَ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ وَيَأمُرُونَ بِالمَعرُوفِ وَيَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ في الخَيرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ . وَمَا يَفعَلُوا مِن خَيرٍ فَلَن يُكفَرُوهُ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالمُتَّقِينَ " وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " إِنَّ الَّذِينَ هُم مِن خَشيَةِ رَبِّهِم مُشفِقُونَ . وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِم يُؤمِنُونَ . وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِم لا يُشرِكُونَ . وَالَّذِينَ يُؤتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُم وَجِلَةٌ أَنَّهُم إِلى رَبِّهِم رَاجِعُونَ . أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ في الخَيرَاتِ وَهُم لها سَابِقُونَ " أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ ـ إِخوَةَ الإِيمَانِ ـ وَلْنَتَذَكَّرْ أَنَّ أَصحَابَ رَسُولِ اللهِ الَّذِينَ هُم خَيرُ النَّاسِ وَأَفضَلُ القُرُونِ ، غَلَبُوا الشَّهَوَاتِ وَاطَّرَحُوهَا ، وَزَكَّوا نُفُوسَهُم وَرَفَعُوهَا ، فَلَم يُنَافِسُوا في القَلِيلِ مِنَ الحُطَامِ الفَاني ، وَإِنَّمَا كَانُوا يَتَنَافَسُونَ عَلَى العَمَلِ الصَّالِحِ البَاقي ، فَعَن عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ أَن نَتَصَدَّقَ ، وَوَافَقَ ذَلِكَ عِندِي مَالاً ، فَقُلتُ : اليَومَ أَسبِقُ أَبَا بَكرٍ إِنْ سَبَقتُهُ يَومًا . قَالَ : فَجِئتُ بِنِصفِ مَالي . فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " مَا أَبقَيتَ لأَهلِكَ ؟ " فَقُلتُ : مِثلَهُ . وَأَتَى أَبُو بَكرٍ بِكُلِّ مَا عِندَهُ . فَقَالَ : " يَا أَبَا بَكرٍ ، مَا أَبقَيتَ لأَهلِكَ ؟ " فَقَالَ : أَبقَيتُ لَهُمُ اللهَ وَرَسُولَهُ . قُلتُ : لا أَسبِقُهُ إِلى شَيءٍ أَبَدًا . رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ . وَعَن سَهلِ بنِ سَعدٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ يَومَ خَيبَرَ : " لأُعطِيَنَّ هَذِهِ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلاً يَفتَحُ اللهُ عَلَى يَدَيهِ يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ " فَلَمَّا أَصبَحَ النَّاسُ غَدَوا عَلَى رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ كُلُّهُم يَرجُو أَن يُعطَاهَا ... الحَدِيثَ مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ " أَلهَاكُمُ التَّكَاثُرُ . حَتَّى زُرتُمُ المَقَابِرَ . كَلاَّ سَوفَ تَعلَمُونَ . ثُمَّ كَلاَّ سَوفَ تَعلَمُونَ . كَلاَّ لَو تَعلَمُونَ عِلمَ اليَقِينِ . لَتَرَوُنَّ الجَحِيمَ . ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَينَ اليَقِينِ . ثُمَّ لَتُسأَلُنَّ يَومَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ "
الخطبة الثانية :
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ ، وَاشكُرُوهُ وَلا تَكفُرُوهُ ، وَاقصِدُوا إلى مَا أَنتُم لَه مَخلُوقُونَ ، وَاستَعِدُّوا لِمَا أَنتُم عَلَيهِ مُقبِلُونَ ، وَاحفَظُوا مَا أَنتُم عَنهُ مَسؤُولُونَ وَعَليهِ مُحَاسَبُونَ ، وَإِذَا رَأَيتُمُ النَّاسَ في دُنيَاهُم يَتَنَافَسُونَ وَعَلَى حُطَامِهَا يَتَطَاحَنُونُ ، فَنَافِسُوا في عَمَلِ الآخِرَةِ وَاستَبِقُوا الخَيرَاتِ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " سَابِقُوا إِلى مَغفِرَةٍ مِن رَبِّكُم وَجَنَّةٍ عَرضُهَا كَعَرضِ السَّمَاءِ وَالأَرضِ أُعِدَّت لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضلُ اللهِ يُؤتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الفَضلِ العَظِيمِ " وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَلَو شَاءَ اللهُ لَجَعَلَكُم أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبلُوَكُم فيما آتَاكُم فَاستَبِقُوا الخَيرَاتِ إِلى اللهِ مَرجِعُكُم جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بما كُنتُم فِيهِ تَختَلِفُونَ " وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " لا حَسَدَ إِلاَّ في اثنَتَينِ : رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ القُرآنَ فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالاً فَهُوَ يُنفِقُهُ آنَاءَ اللَّيلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . وَقَالَ الحَسَنُ : إِذَا رَأَيتَ الرَّجُلَ يُنَافِسُكَ في الدُّنيَا فَنَافِسْهُ في الآخِرَةِ . وَقَالَ وَهِيبُ بنُ الوَردِ : إِنِ استَطَعتَ أَلاَّ يَسبِقَكَ إِلى اللهِ أَحَدٌ فَافْعَلْ .
المرفقات

421.doc

422.doc

423.doc

المشاهدات 4468 | التعليقات 5

شكر الله سعيك شيخنا وكتب أجرك ورفع ربي قدرك والشكر لكل المشاركين والنافعين


وهنا ملفا الخطبة ...

المرفقات

https://khutabaa.com/wp-content/uploads/attachment/5/0/فيم%20تنافس%20؟.doc

https://khutabaa.com/wp-content/uploads/attachment/5/0/فيم%20تنافس%20؟.doc

https://khutabaa.com/wp-content/uploads/attachment/5/0/فيم%20تنافس%20؟.pdf

https://khutabaa.com/wp-content/uploads/attachment/5/0/فيم%20تنافس%20؟.pdf


وهنا ملفا الخطبة ....


جزاك الله خيرا


جزاك الله خيراً ..
وسدد قولك وفعلك وقلمك ..
وبارك في علمك وعملك ونفع بك ..