خطبة فيح الأزهار من أسباب حصول الأنوار

الشيخ السيد مراد سلامة
1442/06/07 - 2021/01/20 10:03AM

 خطبة فيح الأزهار من أسباب حصول الأنوار

للشيخ السيد مراد سلامة

الخطبة الأولى

يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوماً لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئاً إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور

مثل لنفسك أيها المغرور*** يوم القيامة والسماء تمور

إذا كورت شمس النهار وأضعفت ***حرا على رأس العباد تفور

وإذا النجوم تساقطت وتناثرت*** وتبدلت بعد الضياء كدور

وإذا الجبال تقلعت بأصولها*** فرأيتها مثل السحاب تسير

وإذا العشار تعطلت عن أهلها ***خلت الديار فما بها مغرور

وإذا الوحوش لدى القيامة أحضرت*** وتقول للأملاك أين نسير

وإذا الجنين بأمِّه متعلقا ***خوف الحساب وقلبه مذعور

هذا بلا ذنب يخاف لهوله ***كيف المقيم على الذنوب دهور

مهد لنفسك حجة تنجو بها*** يَوْمَ الْمِعَادِ وَيَوْمَ تَبْدُو الْعُورُ

1-الإيمان بالله تعالى:

الإيمان الصادق والإيمان إلى ثبت في قلب صاحبه في الدنيا سبب من أسباب حول النور التام في يوم القيامة

يقول تعالى مخبرا عن المؤمنين المتصدقين أنهم يوم القيامة يسعى نورهم بين أيديهم في عرصات القيامة، بحسب أعمالهم كما وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} [الْحَدِيدِ: ١٢] قَالَ "عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ يَمُرُّونَ عَلَى الصِّرَاطِ مِنْهُمْ مَنْ نُورُهُ مِثْلُ الْجَبَلِ وَمِنْهُمْ مَنْ نُورُهُ مِثْلُ النَّخْلَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ نُورُهُ مِثْلُ الرَّجُلِ الْقَائِمِ وَأَدْنَاهُمْ نُورًا مَنْ ‌نُورُهُ ‌فِي ‌إِبْهَامِهِ ‌يَتَّقِدُ مَرَّةً وَيُطْفَأُ مَرَّةً" ([1]) ،

وقال سفيان الثوري عن حصين، عن مجاهد، عن جنادة بن أبي أمية قال إِنَّكُمْ مَكْتُوبُونَ عِنْدَ اللَّهِ بِأَسْمَائِكُمْ، وَسِمَاتِكُمْ، وَنَجْوَاكُمْ، وَخِلَالِكُمْ، وَمَحَاسِنِكُمْ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ قِيلَ: يَا فُلَانُ، هَذَا نُورُكَ، يَا فُلَانُ، لَا نُورَ لَكَ ([2])

قال الحسن البصري رحمه الله تعالى: "ليس أحد إلا ‌يعطى ‌نوراً ‌يوم ‌القيامة، يعطى المؤمن والمنافق، فيطفأ نور المنافق فيخشى المؤمن أن يطفأ نوره فذلك قوله ـ تعالى ـ: {رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا} ([3])

وقوله وبأيمانهم قال الضحاك أي وبأيمانهم كتبهم كما قال: فمن أوتي كتابه بيمينه [الإسراء: 71] وقوله: بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار أي يقال لهم:

بشراكم اليوم جنات أي لكم البشارة بجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أي ماكثين فيها أبدا ذلك هو الفوز العظيم

{يوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ (13) يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (14) فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ } [الحديد: 12 - 15]

وقال تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [التحريم: 8]

2-الشهداء

لقد وعد الله تعالى عباده الشهداء بالثواب العظيم في الدنيا و الآخرة و من ثوابهم في الآخرة أن يمنحهم الله الله النور الذي يعرفون به في ذلك اليوم الرهيب  قال الله تعالى {وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ }(الحديد (19)

3--إتمام غسل الأعضاء كاملة عند الوضوء

ومن أسباب حصول النور يوم القيامة إسباغ الوضوء فعَنْ نُعَيْمٍ الْمُجْمِرِ، قَالَ: رَقِيتُ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَى ظَهْرِ سَطْحِ الْمَسْجِدِ، فَتَوَضَّأَ، قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِنَّ أُمَّتِي يُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ». ([4])

أي: تظهر آثار الوضوء يوم القيامة على الجباه وعلى الأيدي والأرجل، فأنت حين تتوضأ تغسل وجهك فيأتي فيه نور، وتغسل يديك إلى مرفقيك فيأتي فيهما نور، وتغسل الرجلين فيأتي فيهما نور، وتمسح برأسك فيأتي فيه نور يوم القيامة، فهذا الإنسان حتى لو دخل النار - والعياذ بالله - بسبب معصية، وكان مواظباً على الصلاة في الدنيا، تأكل منه النار كل شيء إلا آثار الوضوء، نسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة.

4-المشي إلى المساجد في الظلمات , خاصة صلاة الفجر وصلاة العشاء

مكابدة المشاق و السعي إلى بيت الله تعالى في الظلم سبب من أساب حصول الأنوار  و الجزاء من جنس العلم

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "بَشِّرْ الْمَشَّائِينَ فِي الظُّلَمِ إِلَى الْمَسَاجِدِ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" ([5]).

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ لَيُضِيءُ لِلَّذِينَ يَتَخَلَّلُونَ إِلَى الْمَسَاجِدِ فِي الظُّلَمِ بِنُورٍ سَاطِعٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ([6])

والذي يواظب على صلاة الجماعة وخاصة صلاة الفجر والعشاء له نور تام يوم القيامة.

والذي يواظب على الصلاة في الجماعة خاصة صلاة الفجر والعشاء يبشره النبي صلى الله عليه وسلم بالنور التام يوم القيامة، مع الأجر العظيم،

5-أهل يوم الجمعة

تأمل عبد الله  كيف تكون عطيتك يوم القيامة ،تأمل عبد الله كيف سيقابك  يوم الجمعة بحفاوة و بعطر و نور عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ الْأَيَّامَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى هَيْأَتِهَا، وَيَبْعَثُ الْجُمُعَةَ زَهْرَاءَ مُنِيرَةً، أَهْلُهَا يَحُفُّونَ بِهَا كَالْعَرُوسِ تُهْدَى إِلَى كَرِيمِهَا تُضِيءُ لَهُمْ، يَمْشُونَ فِي ضَوْئِهَا، أَلْوَانُهُمْ كَالثَّلْجِ بَيَاضًا، وَرِيحُهُمْ يَسْطَعُ كَالْمِسْكِ، يَخُوضُونَ فِي جِبَالِ الْكَافُورِ، يَنْظُرُ إِلَيْهِمُ الثَّقَلَانِ لَا يُطْرِقُونَ تَعَجُّبًا حَتَّى يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ، لَا يُخَالِطُهُمْ أَحَدٌ إِلَّا الْمُؤَذِّنُونَ الْمُحْتَسِبُونَ» )([7])

فهذه فضيلة لأهل الجمعة الذين يواظبون على صلاتها الجمعة ويأتون مبكرين لتأديتها، ويغتسلون لها ويتهيئون لها كما هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم فيها.

فالأيام تحشر على هيئتها كما يشاء الله سبحانه وتعالى، ويحشر يوم الجمعة وقد مثله الله عز وجل يوم القيامة، فيوم الجمعة شيء معنوي في الدنيا، لكن يهيئه الله ويمثله ويشخصه يوم القيامة كهيئة عروس تهدى في يوم الجمعة.

6-قراءة سورة الكهف يوم الجمعة

عياد الله ومن خصائص سورة الكهف أنها تنير لصاحبها يوم القيامة مع أنها أيضا تعصمه من الدجال عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ كَانَتْ لَهُ نُورًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ مَقَامِهِ إِلَى مَكَّةَ، وَمَنْ قَرَأَ بِعَشْرِ آيَاتٍ مِنْ آخِرِهَا، ثُمَّ خَرَجَ الدَّجَّالُ لَمْ يَضُرَّهُ، وَمَنْ تَوَضَّأَ، فَقَالَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ، كُتِبَ فِي رَقٍّ، ثُمَّ جُعِلَتْ فِي طَابَعٍ، فَلَمْ يُكْسَرْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» ([8])

7-الشيب في الإسلام

ومن أسباب حصول الأنوار يوم القيامة الشيب الذي يجد بعض الناس يستحي اذا شاب فتجده ينتف ذلك الشيب و في الحقيقة عباد الله انه ينتف نوره في الدنيا و الآخرة

عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ: صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ شَابَ شَيْبَةً فِي الْإِسْلَامِ كَانَتْ لَهُ نُورًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ عِنْدَ ذَلِكَ: فَإِنَّ رِجَالًا يَنْتِفُونَ الشَّيْبَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ شَاءَ فَلْيَنْتِفْ نُورَهُ» ([9])

8- رمي الجمار

واعلموا عباد الله أن من العبادات التي ينال بها المسلم النور رمي الجمار في الحج عنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: " إذَا رَمَيْتَ الْجِمَارَ , كَانَ لَكَ نُورًا يَومَ الْقِيَامَةِ "([10])
 أخرجه البزار (ص 113 - زوائده)

9- الحب في الله:

و الحب في الله من اوثق عرى الإيمان و هو الوشيجة التي تربط بين أفراد الأمة الإسلامية و هو من النعم التي يهبها الله لمن يشاء من عباده و مع ذلك أيضا فهم في ذلك اليوم يغبطهم الأنبياء و الشهداء لقربهم من الله و لما منحه إياهم منو نور في عرصات يوم القيامة  

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ عِبَادًا لَيْسُوا بِأَنْبِيَاءَ يَغْبِطُهُمُ الأَنْبِيَاءُ وَالشُّهَدَاءُ" قِيلَ مَنْ هُمْ لَعَلَّنَا نُحِبُّهُمْ قَالَ: "هُمْ قَوْمٌ تَحَابُّوا بِنُورِ اللَّهِ من غير أَرْحَام وَلَا أَنْسَاب وُجُوهُهُمْ نُورٌ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ لَا يَخَافُونَ إِذَا خَافَ النَّاسُ وَلا يَحْزَنُونَ إِذَا حَزِنَ النَّاسُ" ثُمَّ قَرَأَ {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} صحيح ابن حبان  (2/ 332)

فهؤلاء في أرض الموقف يوم القيامة لا يحزنون، ولا يخافون، والناس في فزع وفي خوف، أما هؤلاء فيؤمنهم الله، ويظلهم بظله يوم لا ظل إلا ظله، ويجلسهم على منابر من نور، وهذه مرتبة عظيمة جداً.

10-المقسطون في ولاياتهم (العادلون)

وأخيرا  عباد الله من أسباب حصول الأنوار العدل في الأقوال و الأعمال و العدل بين الناس

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ، عَلَى يَمِينِ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا» سنن النسائي (8/ 221)

وليس هناك شرف أعظم من هذا، فليس هذا عظيم من عظماء الدنيا يضعك بجانبه، على يده اليمنى؛ ليراك الناس، وأنما هو الله عز وجل؛ جبار السماوات والأرض، وملك الملوك سبحانه وتعالى يجعل هؤلاء الخلق الذين هذا شأنهم على منابر من نور، عن يمين الرحمن، وكلتا يديه يمين، فهذا الموضع العظيم، والمكان الجليل يغبطهم عليه كل الخلق.

وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم: ( أنهم من هؤلاء فقال: الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا )، فاعدل في البيت حتى ولو يكن عندك زوجتان، فليس من شرط العدل أن يكون بين زوجتين، وإنما يعدل المرء مع أهله، ومع أبنائه، وينصفهم من نفسه، ويعطيهم حقهم الذي افترض الله تعالى عليه لهم، فإذا كبرت الولاية فالعدل يعم، والواجب يكبر بقدر ما تتولى، فإن كنت تريد أن تكون من أولياء الله المقربين المقسطين، الذين هذه درجتهم يوم القيامة؛ فعليك إذاً بالعدل.

( الذين يعدلون في حكمهم ) سواء كان حكم ولاية، أو كان حكم قول؛ لأن القول حكم، قال تعالى: (( وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا ))[الأنعام:152]، ولهذا يقول ابن تيمية رحمه الله: إن كل من قضى وحكم بين اثنين فهو قاض. أي: أن القاضي اسم جنس يشمل كل من قضى أو حكم بين اثنين؛ حتى من يحكم بين الأطفال إذا تخيروا في الخطوط، أي: إذا سألوك عن خطوطهم: أيهم خطه أحسن.

إذاً: فهذه المسألة عظيمة جداً، وهذا العدل فقده أكثر الناس، والقليل هم الذين يراعون العدل فيما يقولون، وفيما يفعلون، وفيها يتصرفون، والواجب على من أراد ولاية الله: أن يكون من المقسطين، ومن أهل العدل الذين يعدلون في حكمهم إن كان قولاً، وإن كان عملاً، وإن كان ولاية عامة، وإن كان ولاية خاصة في البيت أو ما فوقه.

يقول: (وفي الترمذي عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن أحب العباد إلى الله يوم القيامة، وأدناهم إليه مجلساً إمام عادل ) ) فأدناه الله تعالى وقربه؛ لأنه كان في الدنيا في إمكانه أن يطغي، وكثير من الناس تطغيهم مناصبهم فلا يعدلون، وهذا مع ما ولاه الله إلا أنه عدل وقسط؛ فلذلك استحق أن يدنيه الله تبارك وتعالى منه، فهذه هي الدرجة الأولى.


[1] - ابن جرير ٢٧/ ٢٢٣ والحاكم في المستدرك ٢/ ٤٧٨ وأخرجه ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه كما في الدر المنثور ٨/ ٥٢ قال الحاكم صحيح الإسناد ولم يخرجاه قال الذهبي على شرط البخاري.

[2] - «البعث والنشور للبيهقي ت حيدر» (ص311):

[3] - «عقيدة أهل السنة في الصحابة لناصر بن علي» (1/ 79):«جامع البيان ٢٨/١٦٩.»

[4] - وأخرجه ابن أبي شيبة ١٠/٢٨٨-٢٨٩ و١٣/٤٤٩، والبخاري (٦٤٠٦) و (٦٦٨٢) و (٧٥٦٣) ، ومسلم (٢٦٩٤) ،

[5] - أخرجه أبو داود ١/٣٧٩ رقم ٥٦١ وأخرج الترمذي رقم ٢٢٣، وأخرج ابن ماجه نجوه ١/٧٨١

[6] - أخرجه الطبراني في الأوسط (١/٢٥٧، رقم ٨٤٣) قال الهيثمى (٢/٣٠) : إسناده حسن.

[7] -(أخرجه الحاكم) 1027 , صَحِيح الْجَامِع: 1872

[8] -«الأحاديث الواردة في قراءة سورة الكهف يوم الجمعة» (ص28)صَحِيح التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب:225

[9] - «مسند أحمد» (39/ 376 ط الرسالة):«وأخرجه البزار في "مسنده" (٣٧٥٥) من طريق أبي الأسود النضر بن عبد الجبار، وابن عدي في "الكامل" ٤/١٤٧٠ » الصحيحة: ٣٣٧١ , صحيح الترغيب والترهيب: ٢٠٩٢

 

[10] -

المرفقات

1611136953_خطبة فيح الأزهار من أسباب حصول الأنوار.pdf

المشاهدات 2059 | التعليقات 0