خطبة فضل صلة الرحم وإثم القطيعة

عبدالوهاب بن محمد المعبأ
1437/11/15 - 2016/08/18 18:44PM
خطبة الجمعة
فضل صلة الرحم
وإثم القطيعة
إعداد عبدالوهاب المعبأ
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي أنزل كتابه الكريم هدى لِلْمُتَّقين، وعبرة للمعتبرين، ورحمة وموعظة للمؤمنين، ونبراسًا للمهتدين، وشفاءً لما في صدور العالمين؛ أحمده -تعالى- على آلائه، وأشكره على نعمائه.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أحيا بكتابه القلوب، وزكَّى به النفوس، وهدى به من الضلالة، وذكَّر به من الغفلة، وأمر فيه بالتقوى. فسبحان من يعلم السر والنجوى، ويكشف الضر والبلوى!

إذا المرءُ لم يلبَسْ ثيابًا مِن التُّقَى *** تقلَّبَ عُرْيَانًا وإنْ كانَ كَاسِيًا
وخيـرُ لبـاسِ المرءِ طاعةُ ربِّهِ *** ولا خيْرَ فيمَنْ كان لله عاصيًا

وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، صلوات الله عليه وعلى آله وصحبه، ومَن ترسَّم خطاه وسار على نهجه، ما تعاقب الجديدان، وتتابع النيِّران، وسلم تسليمًا كثيرًا.
معاشر المسلمين: تمر بالأمة أحدث وثورات، وتعصف بالمجتمعات أهوال وتقلبات، فتأخذ حقها من التحليل والتعليق والنقاش ليس في وسائل الإعلام فحسب، بل حتى في مجالسنا وأحاديثنا.
لكن تمرُّ بنا قضايا اجتماعية، وتحصل بيننا موبقات دينية، ولا نرى ذاك الاهتمام بها، مع أنَّ الأمر يتعلق بفوز ونجاح، أو هلاك وبوار.

ومن القضايا الملاحظة التي ينبغي أن نقف معها وقفة تذكر وتذكير: قضية التواصل بين الأقارب، والتصالح بين الأرحام.

عباد الله: هذه المدنية أعطت الناس كثيرًا من أسباب رفاهية العيش والتمتع بالحياة، لكنها غيّرت طباع الناس وحياتهم وحتى نفوسهم، فأضحى التواصل الدائم بين الأقارب قليل، والتزاور الحميم ببين الأرحام نزر يسير، أما تصالح المتهاجرين، وتقارب المتباعدين فبعيد بعد المشرقين إلا ما رحم ربي وقليل ما هم.
أيها المسلمون- نعيش في عصر اهتم كلّ فرد بمصلحته الخاصة، تقطعت فيه الروابط والصلات، انشغل فيه الابن عن أبيه، وقاطع القريب قريبه، وكل همه نفسه، ولم يكن هذا هو شأن المجتمع المسلم في عهد من سلف.
يا عباد الله: ألسنا نرى -والاعتراف بالواقع طريق الوصول إلى الحل- ألسنا نرى كثرة التقاطع في مجتمعاتنا بين الأقارب، إخوانًا أو أبناء عمومة؟!

ما هذا يا عباد الله؟! كل يشكو أقاربه؟! هذا يشكو وهذا يشكو، وتلك تبكي واخرى تشتكي كأننا لا نتلو كتاب الله ولا نقرأ سنة نبينه -صلى الله عليه وسلم-.
عباد الله قبل أن أتحدث عن صلة الأرحام أقول: المراد بالأرحام ليس كما يظن بعض الناس أنهم أهلك من العمات والخالات والاخوات ،
ان معنى الأرحام هم جميع أقاربك من جهة الأب أو من جهة الأم، الاخوال والخالات وابنائهم وبناتهم وماتفرع عنهم كلهم من الارحام والاعمام والعمات وابنائهم وبناتهم وماتفرع عنهم كل اولئك من الارحام والاخوة والاخوات وابنائهم وبناتهم وكل ماتفرع عنهم هم من اولي الارحام هؤلاء هم الذين يسمون بالأقارب والأهل والأرحام .
ومن هؤلاء الارحام من صلته سنوية، ومنهم شهرية، ومنهم أسبوعية، ومنهم يومية؛ ومنهم من صلته بالخطاب والكتاب، ومنهم بالاتصال، ومنهم بالزيارة والمواجهة. ومنهم بالنفقة والمواساة
ومنهم بالتعاون والنصرة

وصلة الرحم : إيصال المعروف ، إلى أرحامك، بأي وسيلة تستطيعها، هذا هو البر بهم ، إيصال المعروف إلى الأقارب بكل وجه تستطيعه.
ولو حتى بالكلام والسلام
عباد الله وبالتواصل بين الأقارب يصلح المجتمع، وبتواصلهم تصلح الأمم ولذلك رفع الله -جل شأنه- من فضيلة صلة الرحم،
إن الله -جل وعلا- قال في كتابه: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1] (وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1].

قرن الله -جل وعلا- حقه وحق الأرحام بالتقوى، فهل تأملتم ذلك وتدبرتموه؟ وما ذلك -يا عباد الله- إلا لعظم حق الأرحام، وما أوجبه الله -تبارك وتعالى- لهم؛
عباد الله أُمِرَت الأمم قبلَنا بصِلة أرحامِها، قال سبحانه: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَـاقَ بَنِى إِسْرءيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِى الْقُرْبَى)[البقرة:83]،
وصلة الرحم خلق عربي نبيل، كانت العرب في جاهليتهم إذا طلبوا وسألوا شيئًا سألوا بحق الرحم.
وكان من أوائل الأمور التي أمر بها صلى الله عليه وسلم مع إشراق شمس الرسالة، وبداية الدعوة: أنه كان صلى الله عليه وسلم يأمر بالصلة، وما ذلك إلا لأهميتها، ولذلك فقد أتت الصلة، والأمر بها؛ مع المعالم الكبرى لهذا الدين، أتت مع الأمر بالصلاة، ومع الأمر بالصدق، ومع الأمر بالعفاف، وما ذلك إلا لعظم شأن الصلة؛ فاتقوا الله في أرحامكم.

نعم ايها المسلمون دَعا إلى صِلتها نبيّنا محمّد صلى الله عليه وسلم في مَطلع نبوّته، قال عمرو بن عبَسَة: قدمتُ مكّةَ أوّلَ بعثةِ النبيّ صلى الله عليه وسلم، فدخلتُ عليه فقلت: ما أنت؟ قال: ((نبيّ))، قلت: وما نبيّ؟ قال: ((أرسَلَني الله))، قلت: بِمَ أرسلك؟ قال: ((بصلةِ الأرحام وكسرِ الأوثان وأن يُوحَّد الله)) رواه الحاكم

وسأل هرقل أبا سفيان عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: ما يقول لكم؟ قال: يقول: ((اعبُدوا الله وحدَه ولا تشركوا به شيئًا))، ويأمرنا بالصّلاة والصِّدق والعَفاف والصّلَة. متفق عليه.
صلة الرحم أمَر بها عليه الصلاة والسلام أوّلَ مقدمِه إلى المدينة، قال عبد الله بن سلام: لمّا قدم النبيّ صلى الله عليه وسلم المدينةَ انجفلَ الناس إليه ـ أي: ذهَبوا إليه ـ فكان أوّل شيء سمعتُه تكلَّم به أن قال: ((يا أيّها الناس، أفشوا السّلام، وأطعِموا الطّعام، وصِلوا الأرحامَ، وصَلّوا بالليل والنّاس نِيام، تدخلوا الجنّة بسلام)) رواه الترمذيّ وابن ماجه.
وصلة الرحم وصيّة النبيّ صلى الله عليه وسلم، قال أبو ذر: "أوصاني خليلِي بصِلة الرّحم وإن أدبَرت". رواه الطبراني.
صِلة ذوي القربَى أمارةٌ على الإيمان، ((من كان يؤمِن بالله واليومِ الآخر فليصِل رحِمَه)) متفق عليه. وقد ذمّ الله كفّارَ قريش على قطيعةِ رحمِهم فقال عنهم: (لاَ يَرْقُبُونَ فِى مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً) [التوبة:10].
القيامُ بصلة الرحم برٌّ بالوالدَين وإن كانوا أمواتًا، جاء رجل إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، هل بقيَ من برّ أبويَّ شيءٌ أبرّهما به بعد موتهما؟ قال: ((نعم، الدعاءُ لهما، والاستغفار لهما، وإنفاذُ عهدِهما مِن بعدهما، وصِلة رحمِك التي لا رحمَ لك إلاّ من قِبَلهما)) رواه أبو داود.
وثوابُ صِلَة الرَّحِم مُعجَّلةٌ في الدنيا مع ما يدَّخِرُ الله لصاحبِها في الآخرة؛ عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من سرَّه أن يُبسَطَ له في رِزقِه، وأن يُنسَأَ له في أثَره فليصِلْ رَحِمَه". رواه البخاري والترمذي، ولفظُه قال: "تعلَّموا من أنسابِكم ما تصِلُون به أرحامَكم؛ فإن صِلَة الرَّحِم محبَّةٌ في الأهل، مثْرَاةٌ في المال، منسَأةٌ في الأثَر".

وعن عليٍّ -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من سرَّه أن يُمدَّ له في عُمرِه، ويُوسَّع له في رِزقِه، ويُدفَع عنه ميتةُ السوء، فليتَّقِ اللهَ وليصِلْ رَحِمَه". رواه الحاكم والبزار.

وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن اللهَ ليُعمِّر بالقوم الديارَ، ويُثمِّرُ لهم الأموال، وما نظرَ إليهم منذ خلقَهم بُغضًا لهم". قيل: وكيف ذاك يا رسول الله؟! قال: "بصِلَتهم أرحامهم". رواه الحاكم والطبراني. قال المُنذريُّ: "بإسنادٍ حسنٍ".

وعن أبي بَكْرة أيضًا قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن أعجلَ البرِّ ثوابًا لصِلَة الرَّحِم، حتى إن أهلَ البيت ليكونون فَجَرة فتنمُو أموالُهم، ويكثُر عددُهم". رواه الطبراني وابن حبَّان.

والله يُبقي أثرَ واصلِ الرّحم طويلاً، فلا يضمحِلّ سريعًا كما يضمحِلّ أثر قاطعِ الرّحم، قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: ((قال الله للرّحم: أما ترضينَ أن أصلَ من وصلك وأن أقطعَ من قطعك؟ قالت: بلى، قال: فذاك لك)) متفق عليه، ((والرحمُ معلّقة بالعرش تقول: مَن وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله)).

صلةُ الرّحم تدفَع بإذن الله نوائبَ الدّهر، وترفع بأمرِ الله عن المرء البَلايا، لمّا نزل على المصطفى صلى الله عليه وسلم (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبّكَ الَّذِى خَلَقَ) [العلق:1] رجع بها ترجِف بوادرُه حتّى دخل على خديجةَ فقال: ((زمِّلوني))، فأخبرَها الخبَر، وقال: ((قد خشيتُ على نفسِي))، فقالت له: كلاّ والله، لا يخزيكَ الله أبدًا؛ إنّك لتصلُ الرّحم، وتحمِل الكَلّ، وتكسِب المعدومَ، وتَقري الضّيف. رواه البخاري.
عباد الله صلة الرحم عبادةٌ جليلة مِن أخصِّ العبادات، يقول عمرو بن دينار: "ما مِن خطوة بعد الفريضةِ أعظمُ أجرًا من خطوةٍ إلى ذي الرّحم". ثوابُها معجَّل في الدنيا ونعيمٌ مدَّخرَ في الآخرة، قال صلى الله عليه وسلم: ((ليس شيء أُطِيع الله فيه أعْجَل ثوابًا من صِلةِ الرحم)) رواه البيهقيّ.
نسأل الله ان يوفقنا واياكم لصلة الارحام
وان يجنبنا واياكم القطيعة والهجران
بارك الله لي ولكم ......

الخطبة الثانية
اعلموا -عباد الله- أن الرحم تناشدكم وتناديكم أن لا تقطعوها، اعلموا أنها تبرأ إلى الله منكم، وأنها تعلّقت بالعرش -كما ورد في الأثر- حتى أعطاها الله سبحانه عهدًا عظيمًا وميثاقًا غليظًا، فما هذا العهد؟! وما هذا الميثاق؟! يقول –صلى الله عليه وسلم- "إن الله خلقَ الخلقَ حتى إذا فرغَ منهم قامَت الرَّحِم فقالت: هذا مقامُ العائِذِ بك من القَطيعة. قال الله: نعم، أما ترضَين أن أصِلَ من وصَلَكِ، وأقطعَ من قطعَكِ؟! قالت: بلى. قال: فذاك لكِ"، ثم قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "اقرؤوا إن شِئتُم: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) [محمد: 22، 23]". رواه البخاري ومسلم.
وتكون الرَّحِمُ والأمانةُ على جانِبَيْ الصِّراط تختطِفُ من ضيَّعَها فتُردِيه في جهنَّم، كما في الحديث الذي رواه مُسلم.
وعن أبي بَكْرة -رضي الله عنه- قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما من ذنبٍ أجدرَ أن يُعجِّل الله لصاحبِه العقوبةَ في الدنيا مع ما يدَّخِرُ له في الآخرة من البَغي وقطيعة الرَّحِم". رواه ابن ماجه والترمذي والحاكم.
عباد الله قطيعةُ الرَّحِم شُؤمٌ في الدنيا ونكَدٌ، وشرٌّ وحرجٌ، وضيقٌ في الصدر، وبُغضٌ في قلوب الخلق، وكراهةٌ في القُربَى، وتعاسةٌ في أمور الحياة، وتعرُّضٌ لغضب الله وطردِه.

قاطعُ الرّحم لا يثبُت على مؤاخاة، ولا يُرجَى منه وفاء، ولا صدقٌ في الإخاء، يشعر بقطيعةِ الله له، ملاحَقٌ بنظرات الاحتِقار مهما تلقَّى من مظاهِر التبجيل. لقد كان الصحابة رضي الله عنهم يستوحِشون مِن الجلوس مع قاطِع الرّحم، كان يجلس أبو هريرة -رضي الله عنه- عشية الخميس ليلة الجمعة من كل أسبوع، فيحدث، لكنه قبل أن يحدث كان يقول: "ناشدتكم الله ليخرج من كان معنا قاطع رحم" يكرر هذا مراراً، فيعجبون من أبي هريرة لا يحدث حتى يناشد جلساءه مرارا إن كان بينهم قاطع رحم أن يخرج، وأن يذهب وينصرف من ذلك المجلس.
وكان ابن مسعود رضي الله عنه جالسًا في حلقةٍ بعدَ الصبح فقال: (أنشد الله قاطعَ رحمٍ لَمَا قام عنَّا فإنّا نريدُ أن ندعوَ ربَّنا؛ وإنّ أبوابَ السماء مُرتَجَة ـ أي: مغلقة ـ دونَ قاطِع الرّحم).
وفي الأثر: "إن الرحمة لا تنزل على قوم فيهم قاطع رحم".
والجنة مغلقة في وجه قاطع الرحم عن أبي موسى -رضي الله عنه- أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "ثلاثةٌ لا يدخُلون الجنة: مُدمِنُ الخمر، وقاطِعُ الرَّحِم، ومُصدِّقٌ بالسِّحر". رواه أحمد والطبراني والحاكم.
وقال عليه الصلاة والسلام: ((لا يدخل الجنّةَ قاطع)) رواه البخاري، قال ابن حجَر: "القاطعُ للرّحم منقطِعٌ مِن رحمة الله".
ايها المسلمون.
إن من اسباب القطيعة اليوم طاعة الشيطان وحب الدنيا فمن الإخوة المتقاطعين من لا يجتمعون عند والدتهم بوقت واحد بل يتفاوتون في المجيء والذهاب، ولا يسلم أحدهما على الآخر! وما بالكم بمن يورثون القطيعة؟ ويقول لأولاده: أنا أمنع أن يمشي عمكم في جنازتي، وإذا مشى عمكم في جنازتي أنا غضبان عليكم إلى يوم الدين!.

وبعضهم لا يحضر زواج أخيه أو ابن أخيه بسبب القطيعة؛ وما بالكم بمن يهجر أخاه في النسب فوق ثلاثين سنة؟ يقول: حلفت ما أدخل بيته!
أيها المؤمنون: اعلموا أن قاطع الرحم لا يرفع له عمل، ولا يقبله الله: فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: "تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَيَوْمَ الْخَمِيسِ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا، إِلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ: أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا" رواه مسلم.
من اسباب القطيعة الخلافات على امور دنيوية
وأيضا النميمة والوشاية سبب عظيم في الهجران
والقطيعة ومن أسباب القطيعة بين الأقارب أيضاً عادات غير موافقة للشرع، كطلب البنت لابن عمها مثلاً، فاءذا حصل الرفض جاءت القطيعة والكراهية يوجبون زواجها ولو كانت لا تريده؟ أو لا تطيقه؟ قال العلماء: إذا كان الأب لا يوجب على ولده أكلة لا يريدها فمن باب أولى أن لا يوجب عليه امرأة لا يريدها، أو يوجب عليها رجلاً لا تريده.
ومن الأسباب أيضاً في الخلافات بين الأقارب عدم العدل بين الأولاد، فاءنه يؤدي إلى الخصومة فيما بينهم
عباد الله: قد يكون الميراث سبباً للخلاف بين الأقارب، والهجر والقطيعة وذاك هجر اخته
لا نها طالبت بحقها من الميراث فيهجرها
ويهجر كل من ينتسب اليها وذاك هجر اولاد
اخته لانهم طالبوه بحق امهم من الميراث
فقاطعهم الدهر كله وما اشبه ذلك
وهكذا اسباب غير شرعية اوقعت الكثير
في اثم القطيعة
عجبا لحال كثير من الناس، كم سمعوا من الترهيبات ولكنهم مصرون على قطيعة أرحامهم، من أجل حطام الدنيا، من أجل دنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضة!.
ايها المسلمون إن صِلَة الرَّحِم هو بذلُ الخير لهم، وكفُّ الشرِّ عنهم. هي عيادةُ مريضِهم، ومُواساةُ فقيرهم، وإرشادُ ضالِّهم، وتعليمُ جاهِلِهم، وإتحافُ غنيِّهم والهديةُ لهم، ودوامُ زيارتِهم، والفرحُ بنعمتهم، والتهنِئةُ بسُرورهم، والحُزنُ لمُصيبَتهم، ومُواساتُهم في السرَّاء والضرَّاء، وتفقُّدُ أحوالهم، وحِفظُهم في غيبَتهم، وتوقيرُ كبيرهم، ورحمةُ صغيرِهم، والصبرُ على أذاهم، وحُسنُ صُحبَتهم والنُّصحُ لهم.

وفي مراسِيل الحسن: "إذا تحابَّ الناسُ بالألسُنِ، وتباغَضُوا بالقلوب، وتقاطَعُوا بالأرحام؛ لعنَهم الله عند ذلك فأصمَّهم وأعمَى أبصارَهم".
أيّها المسلمون، إنّ ذوي الرّحِم غيرُ معصومين، يتعرّضون للزّلَل، ويقَعون في الخَلل، وتصدُر منهم الهَفوة، ويقَعون في الكبيرة، فإن بَدَر منهم شيءٌ من ذلك فالزَم جانبَ العفوِ معهم، فإنَّ العفوَ من شِيَم المحسنين، وما زادَ الله عبدًا بعفو إلاّ عِزًّا، وقابِل إساءَتهم بالإحسان، واقبل عُذرَهم إذا أخطؤوا، لقد فعل إخوة يوسفَ مع يوسفَ ما فعلوا، وعندما اعتذروا قبِل عذرهم وصفَح عنهم الصفحَ الجميل، ولم يوبِّخهم، بل دعا لهم وسأل الله المغفرةَ لهم، قال: (لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرحِمِينَ)[ يوسف:92].

غُضَّ عن الهفواتِ، واعفُ عن الزّلاّت، وأقِلِ العثرات، تجنِ الودَّ والإخاء واللينَ والصفاء، وتتحقَّق فيك الشهامةُ والوفاء. داوِم على صِلة الرّحم ولو قطعوا، وبادِر بالمغفرة وإن أخطؤوا، وأحسِن إليهم وإن أساؤوا، ودَع عنك محاسبةَ الأقربين، ولا تجعَل عِتابَك لهم في قطعِ رحمِك منهم، وكُن جوادَ النّفس كريمَ العطاء، وجانب الشحَّ فإنّه من أسباب القطيعة، قال عليه الصلاة والسلام: ((إيّاكم والشّحَّ؛ فإنّ الشحّ أهلك من كان قبلكم؛ أمرهم بالبُخل فبخلوا، وأمرهم بالظّلم فظلموا، وأمرهم بالقطيعةِ فقطعوا)) متفق عليه.
وعن عُقبة بن عامرٍ -رضي الله عنه- قال: لقيتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- فأخذتُ بيدِه، فقلتُ: يا رسول الله: أخبِرني بفواضِل الأعمال. فقال: "يا عُقبةَ: صِلْ من قطَعَك، وأعطِ من حرَمَك، وأعرِض عمَّن ظلَمَك". وفي روايةٍ: "واعفُ عمَّن ظلَمَك". رواه أحمد والحاكِمُ.

أيها المسلمون: إن المرأةَ قد تكونُ من أسبابِ القطيعة بنقلِها الكلام، وبثِّها المساوِئ، ودفنِها المحاسِن، وتحريشِها للرِّجال، وقد ترى لحماقتِها أن لها في ذلك مصلَحة، وقد تدفعُ أولادَها في الإساءَة لذوِي القُربَى، فعليها يكونُ الوِزرُ، والله لها بالمِرصَاد.
وقد تكونُ المرأةُ من أسبابِ التواصُل بين الأرحام، وتوطِيد المودَّة بينَهم بصبرِها ونصيحَتها لزوجِها، وحثِّها على الخير، وتربية أولادها، والله سيُثيبُها، ويُصلِح حالَها، ويُحسِنُ عاقِبَتها.

فيا أيتها المُسلِمات: اتَّقينَ اللهَ تعالى، وأصلِحن بين ذوِي القُربَى، ولا تكُن القطيعةُ من قِبَلكنَّ؛ فإن الله لا يخفَى عليه خافيةٌ.

قال الله تعالى: (فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [الروم: 38].
تعامل مع رحمك بالفضل, فَصِلْهم إذا قطعوك, وأحسن إليهم إذا أساؤوا إليك, واحلم عليهم إذا جهلوا عليك, فإن فعلت ذلك فأنت الواصل للرحم حقيقةً, وأنت المُؤَيَّد من الله -تعالى-؛ كما جاء في الحديث الشريف الذي رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-: أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي, وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ, وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ؟ فَقَالَ: "لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمْ الْمَلَّ, وَلا يَزَالُ مَعَكَ مِنْ اللَّهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ".
ومن حكم العرب المأثورة: لا تقطع القريب وإن أساء، فإن المرء لا يأكل لحمه وإن جاع.
فيا خيبة! ويا خسران! ويا خذلان! القاطعين لأرحامهم، ويا سعادة! ويا فوز! ويا فلاح! الواصلين لأرحمهم!.

كن -أخي المسلم- من الواصلين يبارك الله -عز وجل- في عمرك، ويبارك لك في مالك، ويصلح لك ذريتك وزوجك، ويهيأ لك من يقوم على شؤونك، والقيام بحقوقك.

جعلني الله وإياكم من الواصلين، وجنبنا طريق القاطعين.
اللهم وفقنا إلى ما تحبه وترضاه، اللهم أعنّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم أعنّا على صلة الرحم ووفقنا إليها، ولا تجعلنا من قاطعي الأرحام برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم ألن قلوبنا واجعلنا إخوة متحابين فيك...
اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق والأعمال لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنها سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت، اللهم وفقنا لفعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين، وأن تغفر لنا وترحمنا وإن أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين، اللهم إنا نسألك حبك، وحب من أحبك وحب عمل يقربنا إلى حبك.

وصلُّوا وسلِّموا على سيِّد الأولين والآخرين وإمام المرسلين.

اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد.

اللهم صلِّ على سيِّدنا ونبيِّنا محمدٍ وعلى آله وأزواجه وذريَّته، اللهم وارضَ عن الصحابة أجمعين، وعن الخلفاء الراشدين، الأئمة المهديين: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن سائر أصحابِ نبيِّك أجمعين، وعن التابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، اللهم وارضَ عنَّا معهم بمنِّك وكرمِك ورحمتِك يا أرحم الراحمين.
اخوكم عبدالوهاب المعبأ
773027648جوال
المشاهدات 5547 | التعليقات 0