خطبة ( فضل العمل الصالح في عشر ذي الحجة)
خالد الشايع
الخطبة الأولى ( فضل العمل الصالح في عشر ذي الحجة) 3/12/1441
أما بعد فيا أيها الناس : إن لله تعالى أزمانا فاضلة ، ومواسم مباركة ، جعلها مضمارا للخير ، يجني فيها المؤمنون الحسنات الكثيرة ، ويكفرون السيئات والذنوب العظيمة ، هي منحة إلاهية ، ورحمة ربانية ، لعباده كي يتداركوا أمرهم ، ويصلحوا ما فرط من أخطائهم ، ويطهروا قلوبهم ، فما أعظمها من منحة ، يجب على المرء أن لا يفرط فيها فهي عشرة أيام فقط ، ولكنها أفضل أيام الدنيا على الإطلاق ، كما أخرج البخاري في صحيحه من حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: مَا الْعَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ. قَالُوا: وَلا الْجِهَادُ، قَالَ: وَلا الْجِهَادُ، إِلا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ .
فأي عمل تقوم به في هذه العشر هو أفضل من لو عملت به في يوم غيرها حتى أيام رمضان ، فمن تصدق بصدقة في هذه العشر ، فهي أفضل من الصدقة في شهر رمضان ، فما ظنكم بهذا الفضل العظيم .
ووالله إن القيام بالخير في هذه العشر ، هو محض فضل من الله يمن به على من يشاء من عباده ، كما يصرف عنه آخرون ، وما أصاب عبد من التوفيق إلا بدعائه لله وطلبه الخير ، كما كان صلى الله عليه وسلم يفعل ، فيسأل ربه أن يوفقه لفعل الخيرات ، وأن يعينه على العبادة والذكر ، ولا يكون هذا إلا بترك المعاصي التي تحرم العبد التوفيق للخيرات بشؤمها ، فالعبد يسأل ربه الإعانة والتوفيق ويترك الذنوب والمعاصي ، عندئذ يهبه الله التوفيق ويثبته عليه ، فمن دعائه صلى الله عليه وسلم ( اللهم اهدني وسددني)
معاشر المسلمين : ما أشبه اليوم بالبارحة ، إنها أيام تشبه أيام رمضان ، مباركة وتمر سريعا ، فلنغتنمها بما استطعنا ، ومن الأعمال الفاضلة التي ينبغي للعبد الإتيان بها في هذه الأيام ، بعد ضبطه لفرائضه وواجباته ، ذكر الله ، وأعلا الذكر كلام الله ، فاجعل لك نصيبا من كتاب ربك ، قراءة وتدبرا ، ثم ذكر الله بما ورد عن نبيه صلى الله عليه وسلم ، وأفضله في هذه الأيام التكبير ، فأي لفظ كبرت اجزأ ، لما رواه الطبراني من حديث ابن عمر مرفوعا ( فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد )
ومن الأعمال الصالحة كذلك وهي مما يختص به هذه الأيام ، الأضحية ، كما قال تعالى ( فصل ربك وانحر) وقوله ( والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير ) وقد ضحى النبي صلى الله عليه وسلم وضحى أصحابه، وعبادة النحر وإهراق الدم لله عبادة عظيمة ولهذا من صرفها لغير الله فقد أشرك وخرج من الملة .
وعُّد يوم النحر أفضل أيام النحر لكثرة مايراق فيه من الدماء لله .
فمن كان قادرا على الأضحية فلا ينبغي له أن يتركها ، وهي سنة وليست بواجبة ، بل قال الإمام أحمد رحمه الله : من لم يكن عنده قيمة الأضحية ويرجو سدادا ، فلا بأس أن يقترض ويضحي ، وعليه أن يمسك عن شعره وظفره وبشرته ، حتى يضحي ، لما رواه مسلم في صحيحه من حديث أم سلمة قال صلى الله عليه وسلم (إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره ) وفي لفظ ( فلا يمس من شعره ولا بشره شيئا حتى يضحي) ومن أخذ جاهلا أو ناسيا فلا شيء عليه ومن أخذ متعمدا فليتب إلى الله وليمسك فيما بقي ، وبهذا أفتى شيخنا ابن باز قدس الله روحه .
وليتخير من الأضاحي ما كان أنفع للفقراء ، وليذبحها بنفسه إن استطاع ، وإن لم يستطع فليشهد ذبحها ، وليأكل منها وليتصدق ، كما فعل صلى الله عليه وسلم .
ووقت الذبح من بعد صلاة العيد ويمتد على الصحيح إلى غروب الشمس من اليوم الثالث عشر من ذي الحجة .
والسنة لمن أراد أن يضحي أن لا يأكل شيئا بعد الفجر حتى يصلي ثم يأكل من أضحيته
كما يجوز لمن كان عنده أضاحٍ كثيرة كالوصايا ونحوها ، أن يرسل بها للبلاد المنكوبة التي فيها من المجاعة ما الله به عليم عن طريق الثقات الرسميين ، فهم في حاجة ماسة لا يرون اللحم ولا يعرفونه . وبهذا أفتى شيخنا ابن باز قدس الله روحه .
ولتكن أضحيتك خالية من العيوب التي تمنع من إجزائها ، كالعوراء البين عوروها ، والعرجاء البين عرجها ، والعجفاء التي لا تنقي ، والمريضة البين مرضها .وما كان أشد من ذلك ، وما كان أقل منها عيبا أجزأ مع الكراهة .
اللهم وفقنا لهداك واجعل عملنا في رضاك يارب العالمين
الخطبة الثانية
أما بعد فيا أيها الناس : اتقوا الله ، وسارعوا في مرضاته ، واستعدوا للقائه ، فما أوشك الأمر أن يتم .
ومن الأعمال الفاضلة فيه هذه الأيام الصيام ، كلها أو بعضها ، ومن عجز فلا يفوته صيام يوم عرفة فهو صيام عظيم ، كما ورد في صحيح مسلم أنه يكفر السنة الماضية والباقية ، ومن الأعمال الصدقة ، وتلمس المحاويج ، وقيام الليل ، وكثرة الدعاء .
عباد الله : في هذه السنة سيجتمع عيدان عيد الأضحى ويوم الجمعة ، والسنة للعبد أن يصليها جميعا في المسجد مع المسلمين ، ويباح لمن صلى العيد أن يصلي الجمعة ظهرا في بيته ، خصوصا لمن يصيبه حرج من الحضور للجمعة مرة أخرى ، ومن فاتته صلاة العيد فيتعين عليه أن يصلي الجمعة مع الناس .
اللهم بارك لنا في أيامنا الفاضلة ، وتقبل منا ، ....