(خطبة) فضل العفو والإصلاح بين الناس
خالد الشايع
الخطبة الأولى فضل العفو والإصلاح بين الناس
إن الحمد لله .............
أما بعد فيا أيها الناس : نحن في هذه الدنيا نعيش بعفو الله وننعم بنعمه ، ويكمل بعضنا بعضا ومن لم نحتج إليه فهو من المسلمين الذين يدعون لنا في كل صلاة وندعو لهم وتربطنا بهم رابطة الإخوة في الدين ولولاها ما صحب بعضنا بعضا .
معاشر المسلمين :
من ذا الذي ترضى سجاياه كلها
كفى المرء نبلا أن تعد معايبه
فمهما بلغ الإنسان من الكمال لابد أن توجد فيه خلة تعيبها عليه ، أو صفة لا ترتضيها منه ، ولو أنك عاتبت كل من أخطأ عليك لم تجد في الناس لك صاحبا كما قال الأول :
إذا كنت في كل الأمور معاتبا
أخا لك لم تلق الذي لا تعاتبه
ولربما تكون نقمت على أخيك أمرا من الأمور وهو من الصغائر لو صدرت من غيره ، أو أنك تظن أن فعله خطأٌ وهو صواب ولكن النظرة السوداوية التي تنظر بها تجاهه هي التي أبدت لك ما تظنه عيبا كما قيل :
وعين الرضا عن كل عيب كليلة
كما أن عين السخط تبدي المساويا
أيها المؤمنون : سنتطرق في هذه الخطبة بإذن الله إلى موضوع مهم نحتاجه جميعا بلا استثناء ، وما ذاك إلا لأنه انتشر بين الناس وعمت الفرقة بينهم حتى دب الأمر إلى الأسرة الواحدة بل إلى الولد مع أبويه فضلا عن الجيران والأقارب ، إنها النفرة وفساد ذات البين بين الناس ولو فتشت عن سبب القطيعة والنفرة لوجدته هينا ولكن الشيطان نفخ فيه وفخمه ، وباعد بين الطرفين ولضعف الإيمان وجد الشيطان قبولا له بين الناس فأصبح يحرش بينهم ويفرق الأواصر ويقطعها .
أخرج مسلم في صحيحه من حديث جابر قال صلى الله عليه وسلم ( إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب و لكن في التحريش بينهم ) .
عباد الله :
الناس في الفرقة والقطيعة بين اثنين ظالمٍ معتدي ومظلوم معتدى عليه ، ويعظم الاعتداء والظلم من شخص لآخر فيبدأ بكلمة لا تليق وينتهي بالقتل ، فإذا دبت الفرقة بين الطرفين دخل الشيطان بينهما ، فإن كان سبب الخلاف من أمور الدين فلا صلح بين الطرفين إلا بالدين ، بأن ينزع العاصي ، ويزول المنكر ، وأما إن كان السبب من أمور الدنيا ، فالهجر بينهما محرم لا يجوز وخيرهما الذي يعفو ويصفح ، ويبدأ بالسلام .
أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي أيوب قال صلى الله عليه وسلم ( لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال يلتقيان فيصد هذا و يصد هذا و خيرهما الذي يبدأ بالسلام ) .
معاشر المؤمنين : لنتعرض لأسباب الهجر ووقوع الخلاف بين الناس في مجتمعنا فمن أهمها : اللسان ، فإطلاقه بالكلام على عواهنه بلا تروٍ يفسد بين الناس كما قال تعالى ( وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا )
فمن لم يتكلم بالتي هي أحسن فإن الشيطان ينزغ بينهم بالإفساد والقطيعة حتى ولو لم يكن المتكلم يقصد ماوقع في قلب الآخر .
بل إن مجرد كثرة الكلام مع الآخرين خصوصا إذا مزجت بالمزاح دس فيها الشيطان ما يفسد العلاقة ، ويوغر الصدور .
ومن باب الكلام العتاب الذي يقع بين المسلمين أمام الناس فإنه يوغر الصدور ويطيل زمن الفرقة وللشيطان فيه نصيب كبير .
ومنها كذلك سوء الظن بالآخرين فتجد المرء يحمل كلام أخيه على أسوأ المحامل ، مع أنه يجد لها في الخير محملا .
ومنها كذلك ضيق النفس وعدم التحمل ، والواجب على الجميع أن يعفوا ويصفحوا عن زلات أخيهم ولو أخطأ عليك أخوك فإن مناصحتك له تكون سرا ، فكما أنك قد تزل أحيانا بما لا يليق فالناس كذلك يزلون فلتتسع صدورنا للآخرين ولندمح زلاتهم فعما قليل يراجعون.
ومنها كذلك سوء الخلق من البعض ، فبعض الناس يعيش بأخلاق سيئة فلا يحتمله الناس ولا يقبلونه وتجده في عداء مع الكثير من الناس ، فمن أحب أن يقل مبغضوه ، ويكثر محبوه ، فليحّسن خلقه وليبدأ بالكلمة الطيبة وليتجنب ألفاظ السوء فضلا عن أفعاله .
فإن المسلم مطالب أن يحسّن معاملته في كل شيء بدأ بمعاملته مع الله سبحانه في أدائه لعبادته ، ونهاية بالحيوانات قال تعالى ( وأحسنوا إن الله يحب المحسنين ) .
ومنها كذلك نقل الكلام بين الناس ألا وهي النميمة فالنمام يفسد في ساعة مالا يفسده الساحر في سنة ولهذا حذر النبي صلى الله عليه وسلم منها وسماها العَضْه أخرج مسلم في صحيحه من حديث ابن مسعود مرفوعا ( ألا أنبئكم ما العضه ؟ هي النميمة القالة بين الناس ) .
ألا فلنحذرّ من نقل الكلام بين الناس إلا فيما ينفع ويصلح قال تعالى ( لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس )
ومن أعظم ما يوقع الخلاف بين الناس مخالفة الهدي النبوي في المعاملة بين الناس وذلك كمناجاة الرجلين دون الثالث ، وعدم إجابة الدعوة ، وعدم إفشاء السلام ، وعدم التواصل والزيارة خصوصا للمرضى والمحاويج .
اللهم وفقنا لهداك واجعل عملنا في رضاك أقول قولي وأستغفر الله ........
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي يحلم ويعفو عن عبيده وهو العفو القدير ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له الإله الحق المبين ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أحلم الخلق وأرأفهم ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا
أما بعد فيا أيها الناس : اتقوا الله وراقبوه في معاملتكم لإخوانكم ، فالمسلم يصحبُ أخاه ويعاملُه بحبه له في الله رجاء ثواب الله ، ولذا فإنه يحتمل منه الكثير لأنه سبب في نيل الثواب من الله ، وأما من يحب الناس لمصالحه وشهواته فلن تنفعه صحبته في القيامة ولو نفعته في الدنيا ( الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين )
أيها المؤمنون : إن من عباد ا لله من هو مفتاح لكل خير مغلاق لكل شر فلنكن منهم ، فلنسعى للإصلاح بين الناس ، فإن ذلك من أعظم الطاعات ، فلقد كان من شأن النبي صلى الله عليه وسلم الإصلاح بين الناس .
ومن عظيم فضل الإصلاح بين الناس أن النبي صلى الله عليه وسلم أباح الكذب فيه ، أخرج البخاري ومسلم ] من حديث أم كلثوم بنت عقبة مرفوعا ( ليس الكذاب بالذي يصلح بين الناس فينمي خيرا و يقول خيرا ).
عباد الله : وفي الجهة المقابلة يجب علينا عندما يخطئ علينا أحد من الناس أن نسعى إلى العفو والصفح لأننا نرجو ثواب الله ، ونغلب جانب الخير فيمن أخطأ علينا ، ونتذكر حسناته الكثيرة ، ونسمح عن السيئات القليلة في حقنا ، ولنعلم أن من صفات الله أنه العفو كما قال تعالى ( إن تبدو خيرا أو تخفوه أو تعفو عن سوء فإن الله كان عفوا قديرا ) ولهذا كان من أعلى خصال النبي صلى الله عليه وسلم أنه يعفو عمن ظلمه وهكذا الصحابة من بعده فمن القصص التي سطرها التاريخ وكتب أهل العلم عن عفو النبي صلى الله عليه وسلم ما أخرج البخاري ومسلم من حديث أنس قال كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم وعليه برد نجراني غليظ الحاشية فأدركه أعرابي فجذبه جذبة شديدة حتى نظرت إلى صفحة عاتق النبي صلى الله عليه وسلم قد أثرت به حاشية الرداء من شدة جذبته ثم قال مر لي من مال الله الذي عندك فالتفت إليه فضحك ثم أمر له بعطاء )
وإن ننسى فلا ننسى عفوه عن أهل مكة عندما فتحها ، فهؤلاء القوم هم الذين طردوه من بلده وسبوه وسبوا ربه ، وصدوا عن سبيل الله ، ووصفوه بكل وصف قبيح ، فلما قدر عليهم قال : أذهبوا فانتم الطلقاء .
ومن عفو أصحابه من بعده قصة أبي بكر مع مسطح بن أثاثة الذي خاض في عرض ابنته وقذفها بالزنا ، وكان أبوبكر ينفق عليه فلما فعل ما فعل قطع النفقة عنه وحلف ألا يعطيه بعدها شيئا فأنزل الله ( ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم ) فلما سمعها أبو بكر رد النفقة عليه وكفر عن يمينه وقال بلى والله إني أحب أن يغفر الله لي والحديث في البخاري .
أيها الناس : إن الذي يصدر منه الخطأ تجاهنا لا يخلو من أن يكون عاقلا فهذا نحتمل خطأه لعقله ، أو حاسدا فهذا نعرض عنه لسفهه ، أو جاهلا فهذا نعرض عنه لنسلم من شره كما قال الأول :
يزيد سفاهة فأزيد حلما كعود زاده الإحراق طيبا
وقال الآخر :
إذا نطق السفيه فلا تجبه فخير من إجابته السكوت
معاشر المسلمين : إن الذين يصرون على هجران إخوانهم بسبب تلاحٍ بينهم أو سوء عشرة هم يطيعون الشيطان ويعصون الرحمن ، فضلا على أنهم يحرمون أنفسهم من خير عظيم وهبه الله للناس في كل أسبوع أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة مرفوعا : ( تعرض أعمال الناس في كل جمعة مرتين : يوم الاثنين و يوم الخميس فيغفر لكل عبد مؤمن إلا عبدا بينه و بين أخيه شحناء فيقال اتركوا هذين حتى يفيئا ) . اللهم حسن أخلاقنا باتباع سنة نبيك .... اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عنا سيئها ... اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات ...... اللهم اهد شباب المسلمين .......... اللهم فرج عن المستضعفين من المسلمين ..... ربنا آتنا في الدنيا حسنة ..... ربنا لا تجعل في قلوبنا غلا ................