خطبة : ( فضل الدعوة إلى الله )
عبدالله البصري
1441/06/29 - 2020/02/23 12:12PM
فضل الدعوة إلى الله 27 / 6 / 1441
الخطبة الأولى :
أَمَّا بَعدُ ، فَـ" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم وَالَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، تَتَعَدَّدُ في هَذِهِ الدُّنيَا الأَقوَالُ وَالأَعمَالُ وَالوَظَائِفُ وَالمَنَاصِبُ ، الَّتي يَنزِعُ النَّاسُ إِلَيهَا وَيَتَسَابَقُونَ عَلَيهَا ، وَيَتَّخِذُونَهَا طُرُقًا لِلوُصُولِ إِلى مَا يَتَمَدَّحُونَ بِهِ وَيَظهَرُونَ بِسَبَبِهِ عَلَى غَيرِهِم ، وَيَعلُو بِهِ عِندَ الآخَرِينَ ذِكرُهُم وَيَرتَفِعُ قَدرُهُم ، وَمَعَ كَثرَةِ هَذِهِ الأَعمَالِ وَالأَقوَالِ ، وَتَنَوُّعِ آثَارِهَا بَينَ القَلِيلِ وَالكَثِيرِ وَالبَاقي وَالفَاني وَالمُتَّصِلِ وَالمُنقَطِعِ ، فَإِنَّ أَجَلَّهَا وَأَبرَكَهَا وَأَحسَنَهَا ، وَأَحمَدَهَا أَثَرًا وَأَعظَمَهَا أجرًا ، مَا اختَصَّ اللهُ بِهِ أَشرَفَ خَلقِهِ وَأَكمَلَ عِبَادِهِ ، تِلكُم هِيَ الدَّعوَةُ إِلى اللهِ ، وَظِيفَةُ الأَنبِيَاءِ وَسَبِيلُ المُرسِلِينَ ، وَمَن جَاءَ بَعدَهُم مِنَ العُلَمَاءِ وَالمُصلِحِينَ وَالنَّاصِحِينَ ، قَالَ – تَعَالى - : " يَا أَيُّهَا النَّبيُّ إِنَّا أَرسَلنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا . وَدَاعِيًا إِلى اللهِ بِإِذنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا " وَقَالَ – جَلَّ وَعَلا - : " قُلْ إِنَّمَا أُمِرتُ أَن أَعبُدَ اللهَ وَلا أُشرِكَ بِهِ إِلَيهِ أَدعُو وَإِلَيهِ مَآبِ " وَقَالَ - تَعَالى - : " وَادعُ إِلى رَبِّكَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُشرِكِينَ " وَقَالَ - سُبحَانَهُ - : " وَمَن أَحسَنُ قَولاً مِمَّن دَعَا إِلى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّني مِنَ المُسلِمِينَ " أَجَل – أَيُّهَا المُسلِمُوَن – إِنَّ الدَّعوَةَ إِلى اللهِ مَقرُونَةً بِالعَمَلِ الصَّالِحِ ، هِيَ أَجَلُّ الأَعمَالِ وَأَفضَلُ العِبَادَاتِ ، وَصَاحِبُهَا هُوَ أَحسَنُ النَّاسِ دِينًا وَأَقوَمُهُم طَرِيقًا ، وَأَهلُهَا هُم خَيرُ النَّاسِ وَهُمُ المُفلِحُونَ ، وَهُم أَكسَبُ النَّاسِ وَهُمُ الرَّابِحُونَ ، وَهُم أَنضَرُ النَّاسِ وُجُوهًا وَأَكثَرُهُم عِندَ الآخَرِينَ قَبُولاً ، قَالَ – سُبحَانَهُ - : " كُنتُم خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَت لِلنَّاسِ تَأمُرُونَ بِالمَعرُوفِ وَتَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ وَتُؤمِنُونَ بِاللهِ " وَقَالَ – جَلَّ وَعَلا - : " وَلْتَكُنْ مِنكُم أُمَّةٌ يَدعُونَ إِلى الخَيرِ وَيَأمُرُونَ بِالمَعرُوفِ وَيَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ المُفلِحُونَ " وَفَي صَحِيحِ البُخَارِيِّ أَنَّهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – قَالَ لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - في يَومِ خَيبَرَ - : "اِنفِذْ عَلَى رِسلِكَ حَتى تَنزِلَ بِسَاحَتِهِم ، ثم ادعُهُم إِلى الإِسلامِ ، وَأَخبِرْهُم بما يَجِبُ عَلَيهِم مِن حَقِّ اللهِ فِيهِ ، فَوَاللهِ لأَن يَهدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِدًا خَيرٌ لَكَ مِن أَن يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ " وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " مَن دَعَا إِلى هُدًى كَانَ لَهُ مِنَ الأَجرِ مِثلُ أُجُورِ مَن تَبِعَهُ ، لا يَنقُصُ ذَلِكَ مِن أُجُورِهِم شَيئًا " رَوَاهُ مُسلِمٌ . وَقَالَ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - : " نَضَّرَ اللهُ امرَأً سَمِعَ مِنَّا شَيئًا فَبَلَّغَهُ كَمَا سَمِعَهُ ، فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوعَى لَهُ مِن سَامِعٍ " رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَابنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
وَإِذَا كَانَ النَّبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - هُوَ أَوَّلَ الدُّعَاةِ في هَذِهِ الأُمَّةِ وَإِمَامَهُم وَقَائِدَهُم ، فَإِنَّ عَلَى مَن بَعدَهُ مِمَّن أَرَادَ أَن يَتَشَرَّفَ بِوَظِيفَتِهِ ، أَن يَكُونَ عَلَى سَبِيلِهِ وَطَرِيقِةِ وَطَرِيقَتِهِ ، ذَلِكُم هُوَ أَمرُ اللهِ في كِتَابِهِ ، حَيثُ قَالَ - سُبحَانَهُ - : " قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدعُو إِلى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَني " هَذِهِ هِيَ سَبِيلُ مُحَمَّدٍ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ – وَتِلكَ هِيَ طَرِيقَتُهُ وَهَذِهِ هِيَ وَظِيفَتُهُ ، دَعوَةُ النَّاسِ إِلى اللهِ ، دَعوَةُ النَّاسِ إِلى الإِسلامِ ، تَعبِيدُهُم لِرَبِّهِم ، بِمَا نَزَلَ في كِتَابِهِ وَجَاءَ بِهِ رَسُولُهُ ، لا إِلى مَذَاهِبَ فِكرِيَّةٍ وَلا إِلى آرَاءٍ حِزبِيَّةٍ ، وَلا إِلى شُعُوبِيَّةٍ وَلا إِلى عُنصُرِيَّةٍ ، بل إِلى اللهِ وَحدَهُ ، وَعَلَى بَصِيرَةٍ مِن الأَمرِ وَهُدًى وَحَقٍّ وَيَقِينٍ وَبُرهَانٍ ؛ بِعِلمٍ وَحِكمَةٍ وَرِفقٍ ، وَنِيَّةٍ حَسَنَةٍ وَإرَادَةٍ خَيِّرَةٍ " اُدْعُ إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكمَةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتي هِيَ أَحسَنُ " أَجَل – أَيُّهَا المُسلِمُونَ – إِنَّ الدَّعوَةَ إِلى اللهِ – تَعَالى - أَكبَرُ مِن أَن تُحصَرَ في حِزبٍ أَو جَمَاعَةٍ ، أَو أَن تُنسَبَ إِلى رَجُلٍ أَو إِلى رِجَالٍ ، أَو إِلى شَيخٍ أَو إِلى شُيُوخٍ ، إِنَّهَا دَعوَةٌ إِلى عِبَادَةِ اللهِ وَحدَهُ ، وَالتَّمَسُّكِ بِدِينِهِ ، وَاتِّبَاعِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قَالَ – تَعَالى -: " لَهُ دَعوَةُ الحَقِّ ... " وَقَالَ – تَعَالى - : " اُدْعُ إلى سَبِيلِ رَبِّكَ " وَقَالَ – تَعَالى - : " لَقَدْ كَانَ لَكُم في رَسُولِ اللهِ أُسوَةٌ حَسَنَةٌ " وَقَالَ – تَعَالى - : " وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الهُدَىَ وَيَتَّبِعْ غَيرَ سَبِيلِ المُؤمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَت مَصِيرًا " إِنَّهُ لَيسَ لِلدُّعَاةِ الصَّادِقِينَ المُخلِصِينَ مَنهَجٌ وَلا طَرِيقَةٌ غَيرُ مَنهَجِ المُؤمِنِينَ وَطَرِيقَتِهِم ، وَلَيسَ لَهُم جَمَاعَةٌ غَيرُ جَمَاعَةِ المُسلِمِينَ ، فَمَن دَعَا إِلى غَيرِ كِتَابِ اللهِ - تَعَالى - وَإِلى غَيرِ سُنَّةِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وَإِلى غَيرِ مَنهَجِ الصَّحَابَةِ وَسَلَفِ الأُمَّةِ ، فَدَعوَتُهُ دَعوَةٌ حِزبِيَّةٌ مَردُودَةٌ ، وَطَرِيقَتُهُ طَرِيقَةٌ بِدعِيَّةٌ مَرفُوضَةٌ ، قَالَ – جَلَّ وَعَلا - : " وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُستَقِيمًا فَاتِّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُم عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُم وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ " وَقَالَ – سُبحَانَهُ - : " مُنِيبِينَ إِلَيهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ المُشرِكِينَ . مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُم وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزبٍ بِمَا لَدَيهِم فَرِحُونَ " وَقَالَ – عَزَّ وَجَلَّ - : " اِتَّبِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَيكُم مِن رَبِّكُم وَلا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَولِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ " أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ – أَيُّهَا المُسلِمُونَ – وَلْنَلْتَحِقْ بِرَكبِ الدُّعَاةِ إِلى سَبِيلِ اللهِ وَالمُبَلِّغِينَ عَن رَسُولِهِ ، مُمتَثِلِينَ أَمرَ نَبِيِّنَا – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ – حِينَ قَالَ فِيمَا رَوَاهُ البُخَارِيُّ : " بَلِّغُوا عَنِّي وَلَو آيَةً " وَلْنَكُنْ عَلَى ذِكرٍ أَنَّ لِلبَلاغِ لِيَكُونَ عَلَى سَنَنِ رَسُولِ اللهِ شُرُوطًا وَضَوَابِطَ ، فَلَيسَ كُلُّ مَن بَلَّغَ أَوِ ادَّعَى أَنَّهُ مِن أَهلِ البَلاغِ أَوِ التَّبلِيغِ دَاخِلاً في الفَضلِ ، بَل إِنَّ مِنَ البَلاغِ مَا هُوَ بَلاءٌ ، وَمِنَ التَّبلِيغِ مَا هُوَ خُرُوجٌ عَنِ الطَّرِيقَةِ النَّبَوِيَّةِ وَالسُّنَّةِ المُحَمَّدِيَّةِ ، وَالمُوَفَّقُ مَن وَفَّقَهُ اللهُ ، فَدَعَا إِلى سَبِيلِ اللهِ عَلَى مَنهَجِ رَسُولِ اللهِ ، مُخلِصًا للهِ نَاصِحًا لِعِبَادِ اللهِ ، وَصَبَرَ عَلَى مَا يُصِيبُهُ في ذَاتِ اللهِ ، أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ ، بِسمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ : " وَالعَصرِ . إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسرٍ . إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوا بِالحَقِّ وَتَوَاصَوا بِالصَّبرِ "
الخطبة الثانية :
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ – تَعَالى - وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ ، وَادعُوا إِلى سَبِيلِ رَبِّكُم بِقَدرِ مَا تَستَطِيعُونَ عَلَى عِلمٍ وَبَصِيرَةٍ ، اُدعُوا إِلى اللهِ في بُيُوتِكُم وَفي مَسَاجِدِكُم ، وَفي طُرُقَاتِكُم وَفي أَمَاكِنِ أَعمَالِكُم ، وَفي اجتِمَاعَاتِكُم وَمُنَاسَبَاتِكُم ، وَفي كُلِّ مَكَانٍ تَكُونُونَ فِيهِ ، لَيلاً وَنَهَارًا ، وَسِرًّا وَجِهَارًا ، اُدعُوا إِلى اللهِ بِأَلسِنَتِكُم وَبِأَقلامِكُم وَأَموَالِكُم ، وَبِأَخلاقِكُم وَتَعَامُلِكُم ، كُونُوا قُدوَةً حَسَنَةً لِمَن حَولَكُم ، اُدعُوا أَنفُسَكُم وَأَهلِيكُم وَأَقَارِبَكُم ، وَانصَحُوا لإِخوَانِكُمُ المُسلِمِينَ ، قَالَ – تَعَالى - : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُم وَأَهلِيكُم نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالحِجَارَةُ "وَقَالَ – سُبحَانَهُ - : " وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقرَبِينَ " وَقَالَ - سُبحَانَهُ - : " وَأْمُرْ أَهلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيهَا لا نَسأَلُكَ رِزقًا نَحنُ نَرزُقُكَ وَالعَاقِبَةُ لِلتَّقوَى " وَقَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - : " مُرُوا أَولادَكُم بِالصَّلاةِ وَهُم أَبنَاءُ سَبعِ سِنِينَ ، وَاضرِبُوهُم عَلَيهَا وَهُم أَبنَاءُ عَشرٍ ..." رَوَاهُ أَبُو دَاُودَ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَفَي صَحِيحِ مُسلِمٍ قَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - : " الدِّينُ النَّصِيحَةُ " قُلنَا لِمَن ؟! قَالَ : " للهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ ، وَلأَئِمَّةِ المُسلِمِينَ وَعَامَّتِهِم "
المرفقات
فضل-الدعوة-إلى-الله-2
فضل-الدعوة-إلى-الله-2
فضل-الدعوة-إلى-الله-3
فضل-الدعوة-إلى-الله-3
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق