خطبة ((فتنة النظر))

‏الحمد لله السميع البصير العلي القدير واللطيف الخبير سامع السر والنجوى يعلم الجهر ومايخفى لا تخفى عليه خافية يبتلي عباده با لسراء والضراء ونبلوكم بالشر والخير فتنة وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى‏.

 

أيها المسلمون لقد منّ علينا بنعم عظيمة كثيرة لا تحصى ومن تلك النعم نعمة النظر‏ فنبصر بعيوننا وندل دروبنا ونرى جمال المخلوقات التي أحل الله لنا النظر إليها فنزداد فرحاً برؤيتها ‏وبنعمة النظر نستغني عن الناس ونقضي حوائجنا أيها الأخوة ونعمة البصر تحتاج إلى دوام الشكر والخوف من استعمالها فيما حرم الله علينا فقد كانت أول فتنة بني إسرائيل في النساء وصارت فتنة النظر الحرام اليوم هي أعظم الفتن قال النبي صلى الله عليه وسلم (ما تركت بعدي ما تركت فترة بعدي هي أضر على الرجال من النساء) رواه البخاري ومسلم.

 

فلماذا كانت فتنة النظر هي أضر الفتن‏؟‏والجواب لأن النظر الحرام يوجب تعلق القلب بالمنظور إليه وإذا تعلق القلب به انصرف عما خلق له؛ ذلك أن الله تعالى خلق القلوب لمعرفته ومحبته والخوف منه والتعلق به والسعي في مراضيه والتعلق بداركرامته في جنات النعيم وما فيها من صنوف اللذات والشهوات والكرامات وغاية السعادات وهي التمتع برؤية وجه الله الكريم (فلا تعلم نفس ما اخفى لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون )

 

وإذا تعلق القلب بصورة ‏المنظور إليه أثّر فيه وتعلق به وداوم على الفكر فيه وتألم لغيابه عنه وعدم الظفر فيه ويوجب له هذا التعلق البحث عنه هربوا من الرق الذي خلقوا له وبلوا بعبادة النفس والشيطان.

أيها الأخوة ‏وفي هذا الزمان تشتد بلية فتنة النظر الحرام التي صارت قريبة منا سهلة المنال تحت لمسة الأصبع دون بحث أ وعناء وهنا الإبتلاء العظيم والامتحان الكبير لإيمان العبد في فتنة تقع بين أيدينا ليس بيننا وبينها إلا حجاب الإيمان ومراقبة الله تعالى ،فمنا القاصد الساعي إلى البحث عن الصور المحرمة ومنا من لا يقصدها ولكنها تعرض له وهو يتصفح جواله طلباً الفائدة والموعظة والذكرى ‏قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه: يا علي تتبع النظرة النظرة فإنها لك الأولى وليست لك الثانية)

 

وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة فقال :اصرف بصرك ) ومعنى لك الأولى :أي النظرة التي وقعت منك بغير قصد فلا يجوز لأحد قصدالنظر الحرام ولو كانت النظرة الأولى، إن الكثير منها يتعرض يوميا للنظر الحرام عبر الشاشات والجوالات بقصد أو بغير قصد.

اللهم أنا نعوذ برضاك من سخطك وبعفوك من عقوبتك وبك منك لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك وصلي الله وسلم‏على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين

 

‏الخطبة الثانية:

 

‏الحمد لله على إحسانه والشكر له على عظيم امتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه اما بعد فلا بد أيها الأخوة من عناية كبيرة في مضاعفة الجهد لحراسة الأبصار عما حرم الله و اتخاذ الأسباب الواقية لأن من تعود النظر الحرام مرض قلبه وهانت عليه المحرمات من المعاصي الكبيرة والصغيرة واصبح متبلد الحس يمارسها وهو ‏آمن ضاحك لاهٍ ، فلا يشعر بندم ولا حزن ولا يطلب التوبة والاستغفار .

 

أيها الأخوة إن العلاج الأكبر العظيم لهذه الفتنة العامة هو تقوى الله تعالى والعلم بنظره وأنه سبحانه لا تخفى عليه خافية والعلم بأن نظر الله إلينا أسرع من نظرنا إلى ما نريد وأول أبواب التقوى وبابها الأكبر هو الدعاء فادعو الله وأنتم بالإجابة واستعينوا بالله على ترك معاصيه وفعل مراضيه؟

و السؤال المهم ‏متى يعين اللهُ العبدَ على ترك معصيته والجواب إذا علم الله منك الصدق في طلب ترك الحرام والاستعداد لترك الأسباب الموصلة إلى ذلك الحرام فإن الله يعينك ويفتح على قلبك ويحبب إليك الإيمان ويزينه في قلبك ويكره إليك الكفر والفسوق والعصيان كما أن الله عز وجل يعين العبد على طاعته إذا علم منه الصدق في طلب طاعته والاستعداد لسلوك الطرق التي توصله إلى مقصوده ولو قال قائل : إني أستفيد من الجو ال‏علمي ودعوة وسلوكاً لكنني تعرض لي صور محرمة لا أقصدها ابتداءً، و لا استطيع صرف بصري عنها وقد حاولت مرارا فلم افلح فبماذا تنصحونني ؟؟

الجواب انه من المعلوم شرعا أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح فاترك هذا الجوال الذي لا تستطيع معه ترك النظر الحرام حتى لو انقطعت عنك تلك المصالح لأنك بالنظر الحرام تفسد قلبك باقتراف الذنوب و التقصير في الواجبات قال الله تعالى:( قل للمؤمنين يغضوا من ابصارهم ويحفظوا فروجهم‏ذلك أزكى لهم إن خبير بما يصنعون )

 

أيها الأخوة إن أي معصية يصر عليها العبد تمرض قلبه فيفسد ويغشاه الران ، فلا يتوب ولا يندم ولا يعتبر ، وهذا بخلاف من حيا قلبه فإنه تؤلمه الذنوب ويتحسر عليها ويطلب التوبة والأنابة والندم والاستغفار. قال ابن مسعود رضي الله عنه :إن المؤمن إذا عمل الدنب استحضر انه كالجبل العظيم يوشك أن يقع عليه وإن المنافق إذا عمل الدم استحضر انه كالذباب الذي وقع على أنفه فقال به هكذا.

‏أيها الأحبة وهذا حديث عظيم يشخّص فعل المعصية في القلب ويكشف الداء والدواء يقول النبي صلى الله عليه وسلم:( إن العبد إذا اذنب ذنبا نكتة في قلبه نكتة سوداء فإذا هو تاب ونزع واستغفر صقل قلبه منها وإذا زاد زادت حتى تغشو قلبه فذلك هو الران المذكور في قوله تعالى (كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون )

اللهم احفظ علينا ابصارنا وأسماعنا والسنتنا وبطوننا وفرو جنا وكل جوارحنا

اللهم أحفظها عن معاصيك ‏واستعملها في مراضيك اللهم إنا نسألك حياة لقلوبنا تمنحنا فيها هداك وتقواك فتنيب إليك وتخشاك وتسعى إلى رضاك

اللهم ارزقنا حبك وحب كل عمل يقربنا إلى حبك

اللهم آمنا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاةأمورنا والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين

المشاهدات 968 | التعليقات 0