خطبة : ( فأصبحتم بنعمته إخوانا )

عبدالله البصري
1437/08/13 - 2016/05/20 07:28AM
فأصبحتم بنعمته إخوانا






الخطبة الأولى :

أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقوا اللهَ - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - بِفِعلِ مَا أَمَرَكُم بِهِ وَاجتِنَابِ مَا نَهَاكُم عَنهُ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، مُنذُ كَانَ هَذَا العَالَمُ وَوُجِدَ النَّاسُ عَلَى ظَهرِ هَذِهِ الأَرضِ ، وَهُم يَحرِصُونَ عَلَى تَكوِينِ الرَّوابِطِ فِيمَا بينَهُم ، عَلَى مُستَوَى الشُّعُوبِ وَالدُّوَلِ ، وَتَحتَ لِوَاءِ الحُكُومَاتِ وَالمُنَظَّمَاتِ ، لِيُكَوِّنُوا بِتِلكَ الرَّوَابِطِ قُوًى يَتَصَدَّونَ بِهَا لأَعدَائِهِم ، وَيَغلِبُونَ بِهَا مُنَاوِئِيهِم وَيَقهَرُونَ مُخَالِفِيهِم ، غَيرَ أَنَّ هَذِهِ الرَّوَابِطَ - كَمَا ثَبَتَ بِتَجَارِبِ التَّأرِيخِ - تَتَغَيَّرُ بَينَ زَمَنٍ وَزَمَنٍ ، وَتَتَبَدَّلُ مِن حَالٍ إِلى حَالٍ ، وَيَعتَرِيهَا مَا يَعتَرِيهَا مِن تَفَكُّكٍ وَضَعفٍ وَانقِطَاعٍ ، تَبَعًا لِتَغَيُّرِ الأَهدَافِ وَتَبَدُّلِ الغَايَاتِ وَاختِلافِ المَصَالِحِ الَّتي تُبنَى عَلَيهَا تِلكُمُ العِلاقَاتِ .
لَكِنَّ ثَمَّةَ رَابِطَةً مُحكَمَةً وَثِيقَةً ، رَابِطَةٌ لم يُحكِمْ فَتلَهَا البَشَرُ ، وَلَم تَتَحَكَّمْ فِيهَا المَصَالِحُ الدُّنيَوِيَّةُ الأَرضِيَّةُ القَلِيلَةُ ، وَلَكِنَّهَا رَابِطَةٌ سَمَاوِيَّةٌ عُلوِيَّةٌ ، مَنشَؤُهَا مِن عِندِ خَالِقِ البَشَرِ وَبَارِئِهِم ، وَالعَالِمِ بِطَبَائِعِهِم وَنُفُوسِهِم ، مِنهُ تَبدَأُ وَإِلَيهِ تَعُودُ ، إِنَّهَا أَقوَى الرَّوَابِطِ وَأَوثَقُهَا وَأَعظَمُها وَأَحكَمُهَا ، إِنَّهَا الأُخُوَّةُ الإِسلامِيَّةُ ، تِلكُمُ الرَّابِطَةُ المَتِينَةُ العَظِيمَةُ ، الَّتِي تَجمَعُ المُسلِمِينَ على اختِلافِ أَجنَاسِهِم وَتَعَدُّدِ أَعرَاقِهِم وَقَبَائِلِهِم ، وَتُؤَلِّفُ بَينَهُم أَيًّا كَانَت أَمَاكِنُهُم وَمَهمَا تَفَرَّقَت بِلادُهُم ، قَالَ – تَعَالى - : ﴿إِنَّمَا المُؤمِنُونَ إِخوَةٌ﴾ وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " أَلا لا فَضلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ ، وَلا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ ، وَلا لأَحمَرَ عَلَى أَسوَدَ ، وَلا لأَسوَدَ عَلَى أَحمَرَ إِلاَّ بِالتَّقوَى " أَخرَجَهُ أَحمَدُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . نَعَم – أَيُّهَا الإِخوَةُ – إِنَّنَا في ظِلِّ رَابِطَةِ الإِسلامِ العَمِيقَةِ ، وَتَحتَ مَظَلَّةِ الإِيمَانِ الوَاسِعَةِ ، نُعَدُّ سَوَاسِيَةً مُتَمَاثِلِينَ مُتَكَافِئِينَ ، لا يَتَكَبَّرُ أَحَدٌ مِنَّا عَلَى آخَرَ وَلا يَتَعَالى عَلَيهِ بِأَيِّ صِفَةٍ دُنيَوِيَّةٍ دَنِيئَةٍ ، أَو مَكسَبٍ مَادِيٍّ زَهِيدٍ ، أَو مَتَاعٍ مِنَ الدُّنيَا قَلِيلٍ ، وَإِنَّمَا نَتَفَاضَلُ بِتَقوَى اللهِ في قُلُوبِنَا ، وَمِقدَارِ قُربِنَا مِنهُ بِطَاعَتِهِ ، فَلَهُ – تَعَالى - الحَمدُ إِذْ جَمَعَ بَينَنَا بِرِبَاطٍ عَظِيمٍ وَثِيقٍ . وَإِنَّ هَذِهِ الرَّابِطَةَ الَّتِي هِيَ الأُخُوَّةُ الإِسلامِيَّةُ ، لَيسَت مَقَالاتٍ تُرَدَّدُ أَو شِعَارَاتٍ تُرفَعُ ، دُونَ أَن يَكُونَ لَهَا حَظٌّ مِنَ الوَاقِعِ العَمَلِيِّ ، وَلَكِنَّهَا مَبدَأٌ ثَابِتٌ وَأَصلٌ أَصِيلٌ ، وَلَهَا حُقُوقٌ وَوَاجِبَاتٌ ، يَجِبُ عَلَينَا مَعرِفَةُ أَبرَزِهَا وَالعَمَلُ بِهَا وَتَبَادُلُهَا فِيمَا بَينَنَا ؛ لِنَكُونَ حَقًّا إِخوَةً في اللهِ ، وَلِنَنَالَ بِذَلِكَ مَحَبَّةَ اللهِ ، وَمِن ثَمَّ تَكُونُ لَنَا القُوَّةُ وَالعِزَّةُ وَالنَّصرُ وَالغَلَبَةُ ، فَمِن هَذِهِ الحُقُوقِ : أَن يَكُونَ المُسلِمُ نَصِيرًا لأَخِيهِ المُسلِمِ وَظَهِيرًا ، وَمُعِينًا لَهُ وَمُؤَيِّدًا ، قَالَ – تَعَالى - : ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثمِ وَالعُدوَانِ﴾ وَقَالَ – عَزَّ وَجَلَّ - : ﴿وَالمُؤمِنُونَ وَالمُؤمِنَاتُ بَعضُهُم أَولِيَاءُ بَعضٍ يَأمُرُونَ بِالمَعرُوفِ وَيَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ وَقَالَ – سُبحَانَهُ - : ﴿وَإِنِ استَنصَرُوكُم في الدِّينِ فَعَلَيكُمُ النَّصرُ﴾ وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ –: " اُنصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَو مَظلُومًا " فَقَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَنصُرُهُ إِذَا كَانَ مَظلُومًا ، أَفَرَأَيتَ إِن كَانَ ظَالِمًا كَيفَ أَنصُرُهُ ؟! قَالَ :" تَحجُزُهُ أَو تَمنَعُهُ عَنِ الظُّلمِ ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ نَصرُهُ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ . وَمِن حُقُوقِ الأُخُوَّةِ الإِسلامِيَّةِ : أَلاَّ يَظلِمَ المُسلِمُ أَخَاهُ بِأَيِّ نَوعٍ مِن أَنوَاعِ الظُّلمِ وَإِن قَلَّ ، رَوَى البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ مِن حَدِيثِ أَبي هُرَيرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - أَنَّ النَّبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قَالَ في خُطبَةِ الوَدَاعِ : " أَلا إِنَّ اللهَ حَرَّمَ عَلَيكُم دِمَاءَكُم وَأَموَالَكُم ، كَحُرمَةِ يَومِكُم هَذَا في بَلَدِكُم هَذَا في شَهرِكُم هَذَا " وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – : " المُسلِمُ أَخُو المُسلِمِ ، لا يَظلِمُهُ وَلا يَخذُلُهُ وَلا يَحقِرُهُ ، التَّقوَى هَاهُنَا وَيُشِيرُ إِلى صَدرِهِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ ، بِحَسبِ امرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَن يَحقِرَ أَخَاهُ المُسلِمَ ، كُلُّ المُسلِمِ عَلَى المُسلِمِ حَرَامٌ ، دَمُهُ ، وَمَالُهُ ، وَعِرضُهُ " رَوَاهُ مُسلِمٌ . وَمِن حُقُوقِ الأُخُوَّةِ الإِسلامِيَّةِ وَلَوَازِمِهَا : أَن يَرحَمَ بَعضُ المُسلِمِينَ بَعضًا وَيُحِبَّ بَعضُهُم بَعضًا ، وَيَفرَحَ كُلٌّ مِنهُم لِفَرَحِ إِخوَانِهِ وَيَحزَنَ لِحُزنِهِم ، وَيُسَرَّ بما يَسُرُّهُم وَيَسُوءَهُ مَا يَسُوءُهُم ، وَقَد ضَرَبَ النَّبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - لِذَلِكَ مَثَلَينِ في غَايَةِ البَيَانِ ، حَيثُ شَبَّهَ المُسلِمِينَ بِالجَسَدِ الوَاحِدِ الَّذِي يَتَأَثَّرُ كُلُّهُ بما يُصِيبُ بَعضَهُ ، أَو بِالبُنيَانِ الَّذِي يُمسِكُ بِبَعضِهِ فَيَقوَى ، قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – : " مَثَلُ المُؤمِنِينَ في تَوَادِّهِم وَتَرَاحُمِهِم وَتَعَاطُفِهِم مَثَلُ الجَسَدِ ، إِذَا اشتَكَى مِنهُ عُضوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالحُمَّى " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ . وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – " المُؤمِنُ لِلمُؤمِنِ كَالبُنيَانِ يَشُدُّ بَعضُهُ بَعضًا " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
وَمِن حُقُوقِ الأُخُوَّةِ الإِسلامِيَّةِ العَظِيمَةِ : بَذلُ النَّصِيحَةِ ، فَالمُسلِمُ الصَّادِقُ الأُخُوَّةِ ، يَنصَحُ أَخَاهُ المُسلِمَ في أَمرِ دِينِهِ وَدُنيَاهُ ، فَيُعَلِّمُهُ إِن كَانَ جَاهِلاً ، وَيُنَبِّهُهُ إِن كَانَ غَافِلاً ، وَيُذَكِّرُهُ إِن نَسِيَ ، وَيَدُلُّهُ عَلَى الخَيرِ حَيثُ كَانَ ، وَيَأمُرُهُ بِالمَعرُوفِ إِذَا رَآهُ تَارِكًا لَهُ ، وَيَنهَاهُ عَنِ المُنكَرِ إِذَا رَآهُ مُرتَكِبًا إِيَّاهُ ، رَوَى البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ في صَحِيحَيهِمَا مِن حَدِيثِ جَرِيرٍ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ – قَالَ : " بَايَعتُ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - عَلَى إِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ، وَالنُّصحِ لِكُلِّ مُسلِمٍ " وَهَذَا النُّصحُ الَّذِي بَايَعَ عَلَيهِ الصَّحَابيُّ رَسُولَ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - هُوَ التَّوَاصِي بِالحَقِّ الَّذِي جَاءَ في سُورَةِ العَصرِ ، إِذ يَقُولُ الحَقُّ – تَبَارَكَ وَتَعَالى - : ﴿وَالعَصرِ . إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسرٍ . إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوا بِالحَقِّ وَتَوَاصَوا بِالصَّبرِ﴾
وَمِن حُقُوقِ الأُخُوَّةِ الإِسلامِيَّةِ : رَدُّ السَّلامُ ، وَإِجَابَةُ الدَّعوَةِ ، وَتَشمِيتُ العَاطِسِ ، وَزِيَارَةُ المَرِيضِ ، وَاتِّبَاعُ الجَنَائِزِ ، قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – : " حَقُّ المُسلِمِ عَلَى المُسلِمِ سِتٌّ " قِيلَ : مَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : " إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّم عَلَيهِ ، وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ ، وَإِذَا استَنصَحَكَ فَانصَحْ لَهُ ، وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللهَ فَشَمِّتْهُ ، وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ ، وَإِذَا مَاتَ فَاتَّبِعْهُ " رَوَاهُ مُسلِمٌ .
هَذِهِ بَعضُ الحُقُوقِ الَّتِي تَجِبُ عَلَى المُسلِمِ لإِخوَانِهِ ، فَلْنَحرِصْ عَلَيهَا – أَيُّهَا المُسلِمُونَ – وَلْنَتَمَسَّكْ بِهَذِهِ العُروَةِ الوَثِيقَةِ ، يُحِبَّنَا اللهُ وَيَرحَمْنَا وَيُدخِلْنَا جَنَّتَهُ ، قَالَ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " أَوثَقُ عُرَى الإِيمَانِ المُوَالاةُ في اللهِ وَالمُعَادَاةُ في اللهِ ، وَالحُبُّ في اللهِ وَالبُغضُ في اللهِ " رَوَاهُ الطَّبَرَانيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَفي الحَدِيثِ القُدسِيِّ : " قَالَ اللهُ – تَعَالى - : حَقَّت مَحَبَّتي لِلمُتَحَابِّينَ فِيَّ ، وَحَقَّت مَحَبَّتي لِلمُتَوَاصِلِينَ فِيَّ ، وَحَقَّت مَحَبَّتي لِلمُتَنَاصِحِينَ فِيَّ ، وَحَقَّت مَحَبَّتي لِلمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ ، وَحَقَّت مَحَبَّتي لِلمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ . المُتَحَابُّونَ فِيَّ عَلَى مَنَابِرَ مِن نُورٍ ، يَغبِطُهُم بِمَكَانِهِمُ النَّبِيُّونَ وَالصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ " رَوَاهُ أَحمَدُ وَالطَّبَرَانيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ : " هَل يَنظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَن تَأتِيَهُم بَغتَةً وَهُم لا يَشعُرُونَ . الأَخِلاَّءُ يَومَئِذٍ بَعضُهُم لِبَعضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ المُتَّقِينَ . يَا عِبَادِ لا خَوفٌ عَلَيكُمُ اليَومَ وَلا أَنتُم تَحزَنُونَ . الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسلِمِينَ . اُدخُلُوا الجَنَّةَ أَنتُم وَأَزوَاجُكُم تُحبَرُونَ . يُطَافُ عَلَيهِم بِصِحَافٍ مِن ذَهَبٍ وَأَكوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشتَهِيهِ الأَنفُسُ وَتَلَذُّ الأَعيُنُ وَأَنتُم فِيهَا خَالِدُونَ . وَتِلكَ الجَنَّةُ الَّتي أُورِثتُمُوهَا بِمَا كُنتُم تَعمَلُونَ . لَكُم فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنهَا تَأكُلُونَ "



الخطبة الثامية :


أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ - تَعَالى - وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ الحَنِيفِيَّةَ السَّمحَةَ الَّتي هِيَ مِلَّةُ أَبِينَا إِبرَاهِيمَ - عَلَيهِ السَّلامُ - وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – إِنَّهَا لَمَبنِيَّةٌ مَعَ الإِخلاصُ للهِ . عَلَى المُوَالاةِ فِيهِ وَالمُعَادَاةِ فِيهِ ، قَالَ – سُبحَانَهُ - : " قَد كَانَت لَكُم أُسوَةٌ حَسَنَةٌ في إِبرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَومِهِم إِنَّا بُرَاءُ مِنكُم وَمِمَّا تَعبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ كَفَرنَا بِكُم وَبَدَا بَينَنَا وَبَينَكُمُ العَدَاوَةُ وَالبَغضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤمِنُوا بِاللهِ وَحدَهُ " وَقَالَ – تَعَالى – في وَصفِ نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – وَأَصحَابِهِ : ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَينَهُم﴾ إِنَّ المُسلِمَ أَخُو المُسلِمِ وَإِن كَانَ مِن أَقصَى الأَرضِ ، وَالكَافِرَ عَدُوٌّ لِلمُسلِمِ وَإِن كَانَ أَخَاهُ مِن أُمِّهِ وَأَبِيهِ أَو أَقرَبَ قَرِيبٍ إِلَيهِ ، فَإِذَا أَرَدنَا أَن نَكُونَ مُؤمِنِينَ حَقًّا فَلْيَكُنْ وَلاؤُنَا لإِخوَانِنَا المُسلِمِينَ أَنَّى كَانَت دِيَارُهُم أَو أَجنَاسُهُم ، وَلْنُحِبَّهُم وَلْنُحِبَّ لَهُم مِنَ الخَيرِ مَا نُحِبُّهُ لأَنفُسِنَا ، فَقَد قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – : " لا يُؤمِنُ أَحَدُكُم حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفسِهِ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ . وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " مَن أَحَبَّ للهِ وَأَبغَضَ للهِ ، وَأَعطَى للهِ وَمَنَعَ للهِ ، فَقَدِ استَكمَلَ الإِيمَانَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَقَالَ الأَلبَانيُّ : حَسَنٌ صَحِيحٌ . نَعَم – أَيُّهَا الإِخوَةُ – لِنُحِبَّ لِلمُسلِمِينَ مَا نُحِبُّهُ لأَنفُسِنَا ، وَلْنَحرِصْ عَلَى قَضَاءِ حَاجَاتِهِم وَتَفرِيجِ كُرُبَاتِهِم لِوَجهِ اللهِ ، فَقَد قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – : " مَن كَانَ في حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللهُ في حَاجَتِهِ ، وَمَن فَرَّجَ عَن مُسلِمٍ كُربَةً فَرَّجَ اللهُ عَنهُ كُربَةً مِن كُرُبَاتِ يَومِ القِيَامَةِ ، وَمَن سَتَرَ مُسلِمًا سَتَرَهُ اللهُ يَومَ القِيَامَةِ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ .
المرفقات

فَأَصبَحُتم بِنِعمَتِهِ إِخوَانًا.doc

فَأَصبَحُتم بِنِعمَتِهِ إِخوَانًا.doc

فَأَصبَحُتم بِنِعمَتِهِ إِخوَانًا.pdf

فَأَصبَحُتم بِنِعمَتِهِ إِخوَانًا.pdf

المشاهدات 2401 | التعليقات 2

جزاك الله خيرا خطبة موفقه


جزاك الله خيرا