(خطبة ) غزوة الأحزاب تخبرك أن النصر من عند الله
خالد الشايع
الخطبة الأولى ( غزوة الأحزاب تخبرك أن النصر من عند الله ) 27/4/1445
أما بعد فيا أيها الناس : الله خالق كل شيء ، فالملك ملكه والأمر أمره ، ولا راد لقضائه جل في علاه ، والناس في هذه الدار يتقاتلون على أمور شتى ومقاصد مختلفة ، والكل يعد العدة لذلك ، وغالب قتالهم إنما هو للدنيا ، منذ أن قتل قابيل هابيل ، والقتل مستعر في الخلق ، ولقد بين سبحانه أن النصر من عنده وحده سبحانه ، قال سبحانه ( إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم ) ولم يشترط المكافأة أبدا ، وإنما طلب منا الإعداد على قدر الاستطاعة ، فقال ( وأعدوا لهم ما استطعتم )
وأهم شيء في الإعداد ، الإعداد الإيماني ، فلا بد من طاعة الله في ما أمر ، واجتناب ما نهى عنه وزجر ، والقتال في سبيل الله ، ثم أبشر بالنصر بإذن الله .
عباد الله : لنا في سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم اسوة وعبرة ، ونسلط الضوء على غزوة تشابه ما يقع على إخواننا في غزة ، ألا وهي غزوة الأحزاب .
فبعد غزوة بدر وأحد وحمراء الأسد استكان المنافقون في المدينة ورضخوا لأوامر النبي، وكتموا الكفر بداخلهم. أما اليهود فقد تحركت مخاوفهم، فلا يزال بنو قريظة داخل المدينة المنورة، ومع أنهم أعلنوا التزامهم بالمعاهدة إلا أنهم أخذوا يخافون من قوة المسلمين، بل انتقل زعماء بني النضير إلى خيبر مثل سلام بن أبي الحقيق، وحيي بن أخطب؛ لذلك يتوقع وقوع خطر كبير يأتي من هذا التجمع الكبير لليهود في خيبر؛ لأنهم رأوا تناقص اليهود في المدينة المنورة، فبعد القضاء على اليهود في المدينة سوف يتوجه المسلمون إلى خيبر.
وبدأت قريش تشعر بالخطر بعد عدم خروجها إلى بدر الصغرى في شوال 4هـ، وعدم القدرة على مواجهة المسلمين، إضافةً إلى انقطاع تجارة قريش عن بلاد الشام بعد قيام الدولة الإسلامية في المدينة المنورة، كل هذه العوامل تنذر بخطر كبير على المسلمين، فالكل يتربص بهم، ويعمل على إبادتهم، ولكن الله لا يترك عباده المؤمنين أبدًا.
في كل المعارك السابقة كان المسلمون يقاتلون كل قوة على حدة، والعرب لا يتجمعون أبدًا، ولكنهم تجمعوا في الأحزاب ، وقام بدور تجميع القبائل العربية اليهود، مع أنهم لم يشتركوا في القتال، فهذا دور يجيده اليهود من عصر النبي صلى الله عليه وسلم وحتى يومنا هذا؛ فدائمًا اليهود يؤلِّبون الآخرين على حرب دعوة الحق، ثم بعد ذلك لا يشتركون في القتال، وهذا دور ينفذه اليهود بمهارة واحتراف، فهذا دأب اليهود في كل العصور والأزمان.
خرجت مجموعة من يهود خيبر ويهود بني النضير لتجميع الأحزاب، وتوجه الوفد إلى قريش لإغرائها بحرب المسلمين، وأن هذه فرصة لجمع كل القبائل لقتال المسلمين، وبدأت قريش في تجميع المقاتلين، فتجمع أربعة آلاف مقاتل، ثم انتقل اليهود من قريش إلى غطفان لإغرائهم إلى قتال المسلمين، وتخوفت غطفان من حرب المسلمين، مع أنهم قبائل كثيرة وقوية، وقام اليهود بإغراء غطفان بالأموال؛ فرغم بخل اليهود بالمال -وهذا شيء معروف عنهم- إلا أنهم في الصدِّ عن سبيل الله ومحاربة الإسلام ينفقون ببذخ؛ فقد عاهد اليهود غطفان وقائدهم عيينة بن حصن - الذي عاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنه نقض عهده الآن - على أن تكون لهم ثمار خيبر مدةَ عام، وخيبر كانت غنية جدًّا، فضحوا بكل هذا من أجل هزيمة المسلمين، وإلحاق الأذى بهم. ووافقت قبائل غطفان بعد أن أغراهم اليهود بالمال على أن يعملوا على تجميع ستة آلاف مقاتل، فيكون مجموع الأحزاب عشرة آلاف مقاتل، وهذا عدد ضخم وكبير، فكيف سيواجه المسلمون هذه المحنة؟
وطار الخبر المرعب إلى المدينة المنورة، وهنا قال المؤمنون الصادقون كما أخبر الله في كتابه الكريم: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} [الأحزاب: 22].
فالله سبحانه قد أخبرهم بقيام تحالف ضدهم، وهذا ما تحقق، ولكن وعدهم بالنصر. وعلى الجانب الآخر فقد ارتعد المنافقون من هذا التجمُّع، وكيف يحاربون هذا التجمع الكبير، فنزل قوله تعالى: {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُورًا} [الأحزاب: 12].
قرر المنافقون عدم القتال مع المسلمين؛ لأنهم لا يؤمنون بقدرة الله سبحانه في تحقيق النصر. إنهم خطر كبير على الأمة، ويتربصون بها الدوائر، ويتمنون اليوم الذي يأتي ولا يرون المسلمين في المدينة.
فالمسلمون -فعلاً- يواجهون محنة كبيرة، فلا بد أن يكونوا على استعداد تام لقتال هذه الجموع المشركة والظالمة، فإن ثبت المسلمون وخرجوا من هذه الأزمة منتصرين فسوف يُكتب لهم السيادة والسيطرة في الجزيرة كلها؛ فلذلك استبشر المسلمون بهذه الأزمة على ضخامتها؛ والصدام أصبح قريبًا، وصدق القائل:
ضاقت فلما استحكمت حلقاتُها ... فُرِجت وكنت أظنها لا تُفرج
فالنصر أصبح قريبًا لأن الأزمة وصلت إلى أشدها، وبعد أن يصل الليل إلى ذروة الظلام يأتي نور الفجر؛ فقد أحاطت جيوش التحالف بالمدينة، كما يحيط السِّوَار بالمِعْصَم، ومع ذلك أخرج الله المسلمين من أزمتهم منتصرين.
اللهم كن لإخواننا في غزة ناصرا ومعينا ، أقول قولي هذا ...
الخطبة الثانية
أما بعد فيا أيها الناس : فبعد التجمع الضخم للكفار بجميع طوائفه ، كيف كان ردُّ فعل المسلمين تجاه هذه الأزمة؟
كيف اتخذوا قرارات لم تؤخذ من قبل في تاريخ العرب جميعهم؟
كيف ظهر أمر المنافقين في كل لحظة من لحظات المعركة؟
كيف ردَّ الله الكافرين بغيظهم لم ينالوا خيرًا؟
إنها دروس عظيمة نتعلمها من السيرة النبوية العطرة، على صاحبها أفضل الصلاة والسلام.
استمرت غزوة الأحزاب شهرًا كاملاً، وكانت فيها أحداث كثيرة مثيرة ومتشعبة، ثم انتهت الغزوة برحيل المشركين وأعوانهم وانتصار المسلمين - على قلتهم وضعفهم - انتصارًا عجيبًا، ووجه العجب أنه كان انتصارًا دون قتال تقريبًا، وذلك كما قال ربنا في كتابه: {وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ القِتَالَ وَكَانَ اللهُ قَوِيًّا عَزِيزًا} [الأحزاب: 25]. وذلك ليعلم الجميع أن النصر من عند الله ، لا بالعدد ولا بالعتاد ، وإنما هو بنصر دين الله ، والتمسك بشرعه ، ولبيان أهمية الانتصار في غزوة الأحزاب ، سمعنا تعليقًا عجيبًا من رسول الله بعد الأحزاب، أثبتت الأيام بعد ذلك مدى عمقه وقدرته على وصف الأحداث.
قال الرسول، كما جاء في البخاري بعد انتهاء غزوة الأحزاب: "الآنَ نَغْزُوهُمْ وَلاَ يَغْزُونَا، نَحْنُ نَسِيرُ إِلَيْهِمْ"
وفعلاً بانتهاء غزوة الأحزاب استقر الوضع في المدينة المنورة، وما عادت تخاف من أي تهديد، وما فكر أعداء الله في غزوها بعد ذلك، بل كانت الجيوش الإسلامية تخرج منها إلى كل مكان في الجزيرة العربية وخارج الجزيرة.
لقد نصر الله المؤمنون بالريح ، بجند من جنده ، قال سبحانه ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا(9) إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتْ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَ(10)هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا(11)
وإن أملنا بالله قوي أن ينصر إخواننا في غزة على تجمع الكفر من كل صقع عليهم ، وما النصر إلا من عند الله ، فأمدوهم بما تستطيعون من مال ودعاء ، فلكم في قصة الأحزاب عبرة ، ولو شاء الله لأغرق اليهود عن بكرة أبيهم أو خسف بهم الأرض ، ولكن الله يبتلي عباده ويمحصهم ، والعاقبة للمتقين .
اللهم عليك باليهود الغاصبين ، اللهم طهر المسجد الأقصى من اليهود واذنابهم...
المرفقات
1699537253_غزوة الأجزاب تخبرك أن النصر من الله.docx