خطبة عيد الفطر

(خـــطــــبة عيــــد الفطر1442هــ)

شمائل النبي ﷺ وأثر الاقتداء

 

الحمد لله، عمَّنا نعمًا وإنعامًا، والله أكبر منَحَنا عقولاً وأفهامًا،

 والحمد لله لا رادَّ لما أراد، والله أكبر ما لرزقِه من نفاد،

والحمد لله مُصرِّف الأوقات، والله أكبر مُيسِّر الأقوات،

لا إله إلا الله قدَّر الأمور وقضاها، وعلى ما سبقَ من علمِه أجراها وأمضاها، سبحانه وبحمده خلق الإنسانَ وصوَّره، وكتبَ رزقَه والأجلَ قدَّرَه،

وأشكرُه وأُثنِي عليه فله الحمدُ في الأولى والآخرة،

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له مُقِرًّا بتوحيده ومُعترِفًا،

 

 جلَّ جلالُه لم يزَل بصفات الكمال مُتَّصِفًا، إذا وعدَ وفَى، وإذا أوعدَ عفَا،

 وأشهد أن سيِّدنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسوله رفيعُ المقام جليلُ الجناب، اجتباه ربُّه واصطفاه، وقرَّبَه وأدناه، أنزل عليه ذكرًا حكيمًا،

وهدَى به صراطًا مُستقيمًا، صلَّى الله وسلَّم وباركَ عليه،

وعلى آله السادة الطيبين الأطهار، وأصحابه الغُرِّ الميامين الأخيار، المُهاجرين منهم والأنصار، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ ما تعاقبَ الليلُ والنهار.

 

اللهُ أكبر، الله أكبرُ لا إله إلا الله.. الله أكبرُ اللهُ أكبرُ وللهِ الحمد.

أما بعد عباد الله: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، وعظموا ربكم في هذا اليوم المبارك وكبروه، واحمدوه على ما هداكم واذكروه، واشكروه على ما أعانكم عليه من الطاعات وسبحوه ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾

 

عباد الله:

لقد أرسل الله تعالى نبينا محمداً عليه الصلاة والسلام إلى الناس كافة فكمّله وجمله، خَلقا وخُلقا وقولا وعملا فخَلقه أجمل خَلق وأبهاه، وخُلقه أفضل خُلق وأزكاه، وقوله أحسن قول وأعلاه، وعمله خير عمل وأوفاه.

 

رفَع الله ذكرَه، وأعلى شأنه، معجزاتُه باهرة، ودلائلُه ظاهرة، منصورٌ بالرعب، مغفورُ الذنب، أوّل من ينشقّ عنه القبر، وأوّلُ الناس يشفَع يوم القيامة، وأكثرُ الأنبياءِ تبَعًا، وأوّل من يقرَع بابَ الجنة، وأوّل من يعبر الصراطَ،

 

أشدُّ الناسِ تَواضعًا وأحسنُهم بشرًا، يجالِس الفقراءَ، ويُؤاكل المساكينَ، يخصِف نعلَه، ويخدم أهلَه ونفسَه، وشرَب من القِربة البالية، وحمل مع صحابتِه اللَّبِن في بناءِ المسجد،

 

لا يعيبُ على الخدَم ولا يوبِّخُهم، قال أنس رضي الله عنه: خدمتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم تسعَ سنين فمَا عابَ عليَّ شيئًا قط. رواه مسلم.

يوقِّر الكبارَ ويتواضَع للصغار، إن مرَّ على صبيانٍ سلَّم عليهم، يقول أنس رضي الله عنه: ما رأيتُ أحدًا كان أرحمَ بالعيال من رسول الله. رواه مسلم.

 

عظيمُ التواضع، بعيدًا عن الفخرِ والخيلاء والكبرِ والاستعلاء، يقول: ((إنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله)) رواه البخاري.

 

كريمُ النفس، سخيّ اليد، غزير الجود، ينفِق سخاء وكرمًا وتوكلاً، ما سئِل شيئًا من متاعِ الدنيا مما يملِك فردّ طالبَه، يقول أنس رضي الله عنه: ما سئِل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلامِ شيئًا إلا أعطاه.

 

لا تغضِبه الدّنيا وما كانَ لها، أعرض عن هذه الدار وعمِل لدار القرار، كانَ يقول: ((ما لي وللدنيا؟! ما أنا والدّنيا إلاّ كراكب استظلّ تحتَ شجرةٍ ثم راح وتركها)) رواه الترمذي.

 

رقيقُ القلب مليءٌ بالرحمة، إذا سمِعَ بكاءَ الصبيّ في الصّلاة تجوّز في صلاته؛ مما يعلَم من شدّةِ وَجدِ أمّه مِن بكائه.

 كان يزور ابنَه إبراهيمَ عند مرضِعَته وهو رضيع، فيأتيه إبراهيمُ عليه أثَر الغُبار، فيلتزمه النبي صلى الله عليه وسلم ويقبّله ويشمّه من عَطفِ الأبوّة عليه. رواه البخاري.

ولمّا مات دمَعَت عيناه على فراقه.

 

كامِلُ العقلِ سامِي الأخلاق، لم يضرِب أحدًا بيده، تقول عائشة رضي الله عنها: "ما ضَرَب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا قطّ بيده ولا امرأةً ولا خادمًا". رواه مسلم.

 

أعَفُّ الناس وأشرفهم، لم تمسّ قطّ يدُه امرأةً لا تحلّ له،

 كاملُ الوفاءِ مع أهل بيته وصحابتِه رضي الله عنهم، يقول عثمان رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يواسينَا بالقليلِ والكثير،

 

وسِعَ الناسَ بخُلُقه، حليمٌ لا يجزى بالسيئة، ولكن يعفو ويصفَح، لا يغضَب لنفسه ولا ينتصِر لها، يجذبه الأعرابيّ يريد مالاً، فيلتفِتُ إليه مبتسِمًا ويعطيه سؤلَه، عفا عمّن سحره، ولم يثرِّب على من وضَع السمَّ في طعامه، وصفح عمّن قاتله، وقال لهم في فتح مكة: ((اذهبوا فأنتم الطلقاء))، تقول عائشة رضي الله عنها: ما نِيلَ منه شيء قطّ فينتقِمَ مِن صاحبه.

 

ليّنُ الجانِب دائم البِشر، يقول جرير بن عبد الله رضي الله عنه: ما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا تبسَّم. رواه البخاري.

 

يتفقّد أصحابَه، ويؤثِر أهلَ الفضل بأدبه، جميلُ المعاشرة، حسَن الصّحبة، يصِل ذوي رحمه ولا يجفو على أحد، عَفّ اللسان، لم يكن فاحِشًا ولا متفحِّشًا، بل كان أشدَّ حياءً من العَذراء في خِدرها،

 

خِلاله على سجيّته، لا يحِبّ تعظيمَ الألفاظ ولا تشدّقَها، جاء ناسٌ إليه فقالوا: يا رسول الله، يا خيرَنا وابنَ خيرنا، وسيّدَنا وابنَ سيّدِنا، فقال: ((يا أيّها الناس، قولوا بقولِكم، ولا يستهوينّكم الشيطان، أنا محمد عبد الله ورسوله، ما أحِبّ أن ترفعوني فوقَ منزلتي التي أنزلني الله عز وجل)) رواه النسائي.

 

يبجِّل أهلَ بيته ويحسِن معاملتهم، إذا قدِمت إليه ابنته فاطمةُ رضي الله عنها قام إليها وقال لها: ((مرحبًا))، وأجلسها بجانبه، وقال: ((خيركم خيرُكم لأهله، وأنا خيركم لأهلي)). شهد له خالقُه بعلوِّ خُلُقه، فقال: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)

 

أبهى الناس وأنضرُهم منظرًا، يتلألأ وجهُه تلألُؤَ القمَر ليلةَ البدر، يقول البراء رضي الله عنه: لم أر شيئًا قطّ أحسن منه. رواه البخاري.

 طيِّبُ الجسَد زكيّ الرائحة، يقول أنس رضي الله عنه: ما شممتُ عنبرًا قطّ ولا مسكًا ولا شيئًا أطيب من ريحِ رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه مسلم.

 

جمع من الأخلاق أطيَبَها ومن الآدابِ أزكاها، قال شيخ الإسلام رحمه الله: "لا تحفَظ له كِذبةٌ واحدة، ولا ظلمٌ لأحد، ولا غدرٌ بأحد، بل كان أصدَقَ الناس وأعدَلَهم وأوفاهم بالعهد، مع اختلافِ الأحوال عليه مِن أمنٍ وخوف وتمكّنٍ وضَعف".

 

بلغَ العُلا بكمالِه ، بهرَ الأُولى بمقالِه، أَسَرَ العِداءَ بـفـعالهِ، حسُنتْ جميعُ خِصالهِ، يا ربِّ صلِّ عليهِ وآلهِ.

اللهم صلِّ وسلِّم وبارك عليهِ، وعلى آله وصحبهِ والتابعينَ، ومن تبعهُم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ، وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا.

 

 

 

 

 

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله، والله أكبر ذو القُدرة القاهرة، وسبحان الله وبحمده له الحُجَج البالغة والآيات الباهِرة، لا إله إلا هو يرِثُ الأرضَ ومن عليها، ويُعيدُ الخلائِقَ منها وإليها، ويُجازِيها بما لها وما عليها، وصلَّى الله وسلَّم وبارَك على نبينا محمد، وعلى آله السادة الطيبين ، وأصحابه الغُرِّ الميامين، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

اللهُ أكبر، الله أكبرُ لا إله إلا الله.. الله أكبرُ اللهُ أكبرُ وللهِ الحمد.

 

أيها المسلمون :

نبينا صلى الله عليه وسلم أسوة للعالمين وقدوة لهم ؛ في العقيدة والعبادة والأخلاق وسائر الأحوال كما قال الله سبحانه وتعالى : (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا)

 

وإن من الواجب علينا أن نعرف حال النبي ﷺ نسبًا وشرفًا وحسبًا وعبادةً وخَلقا وخُلُقًا، فسيرته غذاء للقلوب ، وبهجة للنفوس ، وسعادة ولذة وقرة عين ، بل إنها جزء من دين الله سبحانه وتعالى وعبادة يتقرب بها إلى الله؛

وهي باب من أبواب زيادة الإيمان وتقويته ، وقد قال الله تعالى: ( أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ)

عباد الله:

في العيش مع صحيح سنته وسيرته ﷺ يجد السالك نورا لظلمته وهداية لحيرته

ويجد الثابت قوة لعزيمته والمحزون يجد سلواه في مصيبته

 فيها نعرف هدي النبي ﷺ موحدا متوكلا عابدا قانتا تقيا

ونعرف هدي النبي ﷺ أبا وزوجا ومعلما وإماما وخطيبا وداعية وقائدا وقاضيا

فيها نعرف هدي النبي ﷺ في فقره وغناه وهديه حال غضبه ورضاه وهديه قائما ونائما هديه ﷺ في الشدة والرخاء وهديه ﷺ مع العدو والصديق

 

عباد الله:

باتباع هدي النبي ﷺ يكبت الأعداء ويبطل كيدهم ويغاض المنافقون وتحسن الأحوال ويصلح النساء والرجال وتستقيم القلوب والألسن وتستقر البيوت ونظفر بالفلاح

فالخير كل الخير في اتباع هدي النبي ﷺ وما ضل من ضل إلا بمخالفة هديه القويم

فقلبوا صحائف سيرة نبيكم ﷺ وتأملوا صحيحها وعطروا مجالسكم بذكر شمائله واذكروها لأبنائكم وكرروها ليحفظوها

فإنهم إن عرفوا سيرته أحبوه فعظموه وأطاعوه واهتدوا بهديه فكفاهم عما سواه

وأغناهم الاقتداء به عن مشابهة الفارغين

قال علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب: «كنا نُعلَّمُ مغازي النبي وسراياه كما نعلَّمُ السورةَ من القرآن"

علموهم أن الصحابة فَدوه بأرواحهم لما أحبوه وعظموه ووقروه وحملوا عصاه ونعليه وحفظوا لنا مزاحه وعبادته ودمعته وابتسامته وهيئته وجِلسته وبياض شعرته واظطراب لحيته حفظوا صفاء خديه واقتران حاجبيه ولين كفيه فرضي الله عنهم وأرضاهم وسلك بنا سبيلهم

اللهُ أَكبرُ اللهُ أكبرُ، لا إلهَ إلاَّ اللهُ، اللهُ أكبرُ اللهُ أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ.

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:

هذا يومُ العيد، يومُ الزينة، يومٌ عظَّم الله قدرَه، وأفاضَ علينا من النِّعم ما يُوجِبُ شُكرَه. فاحمَدوا اللهَ على التمام، واستقيموا على شرائع الإسلام. كلُوا واشرَبوا، وتزيَّنُوا وتجمَّلُوا، (وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ)

 

افْرَحوا وتسَامَحوا، صِلُوا أَرْحَامَكُمْ وجِيرَانَكُم وقَرَابَاتِكُم ولو بهواتفكم، واحتَاطُوا لهُم ولأنفُسِكُم فالجهات المعنية توصي بالتقيد بالاحترازات الوقائية وتحث على المبادرة لأخذ اللقاح.

عجل الله للمسلمين عافيتهم

تقبَّل الله طاعاتِكم وصالحَ أعمالكم، وقبِل صيامَكم وقيامكم وصدقاتكم ودعاءَكم، وضاعف حسناتِكم، وجعل عيدَكم مباركًا وأيّامَكم أيامَ سعادةٍ وهناء وفضلٍ وإحسان وعمل

وصلوا وسلموا .....

 

 

 

 

 

المشاهدات 1258 | التعليقات 0