خُطْبَةُ عِيدِ الْفِطْرِ 1446هـ
محمد بن مبارك الشرافي
الْحَمْدُ للهِ المُتَفَرِّدِ بِالجَلَالِ وَالْكَمَالِ، عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرِ المُتَعَالِ، أَحْمَدُهُ وَأَشْكُرُهُ عَلَى سَابِغِ النِّعَمِ وَجَزِيلِ النَّوَالِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، سَجَدَ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَصَفِيُّهُ وَخَلِيلُهُ، خَيْرُ مَنْ مَشَى، وَأَكْرَمُ مَنْ قَالَ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا إِلَى يَوْمِ المَآلِ.
اللهُ أَكْبَرُ (9 مرات).
أُمَّةَ الْإِسْلَامِ: هَنِيئًا لَكُمْ عَلَى إِتْمَامِ الصِّيَامِ وَإِكْمَالِ الْقِيَامِ، وَهَنِيئًا لَكُمْ بِهَذَا الْعِيدِ الْعَظِيمِ، دَامَتْ عَلَيْكُمُ الْفَرْحَةُ وَالسُّرُورُ، وَالْبَهْجَةُ وَالْحُبُورُ, وَإِنَّهُ يَحِقُّ لِكُلِّ مَسْلِمٍ وَمُسْلِمَةٍ أَنْ يُعَبِّرَ فِي هَذِهِ الْمُنَاسَبَاتِ عَنْ فَرَحِهِ وَسُرُورُهِ، وَأَنْ يَبْتَهِجَ فِي الْمَوَاسِمِ وَالأَعْيَادِ، وَالْتَعْبِيرُ عَنِ الْفَرْحَةِ يُنْعِشُ النَّفْسَ، وَيُجَدِّدُ النَّشَاطَ؛ لَكِنَّهُ فَرَحٌ فِي إِطَارِ الشَّرْعِ، وَضَوَابِطِ الدِّينِ، فَلَا خُيَلَاءَ وَلا إِسْرَافَ، وَلا اخْتِلَاطَ بَيْنَ رِجَالٍ غَيْرِ مَحَارِمَ مَعَ النِّسَاءِ، وَلا تَضْيِيعَ لِلْوَاجِبَاتِ أَوِ اقْتِرَافٍ لِلْمُحَرَّمَاتِ.
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: اتَّقُوا اللهَ وَاعْرِفُوا دِينَكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ التَوْحِيدَ هُوَ إِفْرَادُ اللهِ بِالْعِبَادَةِ, وَهُوَ حَقُّ اللهِ الذِي افْتَرَضَهُ عَلَى الْجِنِّ وَالإِنْسِ, قَالَ اللهُ تَعَالَى {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}, فَهَذِهِ هِيَ الْحِكْمَةُ التِي مِنْ أَجْلِهَا خَلَقَ اللهُ الْخَلْقَ, وَأَرْسَلَ اللهُ الرُّسُلَ وَأَنْزَلَ الْكُتُبَ, وَشَرَعَ الشَّرَائِعَ وَخَلَقَ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ, قَالَ اللهُ تَعَالى {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}, وَعَنْ مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ رِدْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حِمَارٍ, فَقَالَ (يَا مُعَاذُ هَلْ تَدْرِي حَقَّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ, وَمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ؟) قُلْتُ : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ, قَالَ (فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا, وَحَقَّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يُعَذِّبَ مَنْ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا) فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا أُبَشِّرُ بِهِ النَّاسَ, قَالَ (لَا تُبَشِّرْهُمْ فَيَتَّكِلُوا) مُتَّفَقٌ عَلَيْه.
اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْد
أُمَّةَ الإِسْلامِ: إِنَّ اتِّبَاعَ نَبِيِّنَا مُحَمِّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ رَضَيِ اللهُ عَنْهُمْ فِي الْعَقِيدَةِ وَالْعَمَلِ وَاجِبٌ شَرْعِيٌ حَتْمًا، وَهُوَ مِنْ أَسْبَابِ مَحَبَّةِ اللهِ، وَالْفَلاحِ فِي الدُّنيَا وَالآخِرَةِ قَالَ اللهُ تَعَالَى {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.
وَأَمَّا الْبِدْعَةُ فَهِيَ مُحَرَّمَةٌ وَسَبَبٌ لِلْعَذَابِ وَطَرِيقٌ لِتَفْرِيقِ الأُمَّةِ، قَالَ اللهِ تَعَالَى {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}، وَكَانَ مِنْ هَدْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ رَضَيِ اللهُ عَنْهُمُ التَّحْذِيرُ مِنَ الْبِدَعِ، فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضَيِ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِي خُطْبَةِ الْجُمْعَةِ (أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ وَخَيْرَ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ وَشَرَّ الأمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضَيِ اللهُ عَنْهُ قَالَ: اتِّبَعُوا وَلا تَبْتَدِعُوا فَقَدْ كُفِيتُمْ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضَيِ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: مَا يَأْتِي عَلَى النَّاسِ مِنْ عَامٍ إِلَّا أَحْدَثُوا فِيهِ بِدْعَةً وَأَمَاتُوا فِيهِ سُنَّةً، حَتَّى تَحْيَا الْبَدِعُ وَتَمُوتَ السُّنَنُ.
اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْد
إِخْوَةَ الْإِسْلَامِ: إِنَّ أَعْظَمَ الْمِنَنِ بَعْدَ اسْتِقَامَةِ الدِّينِ هِيَ وَجُودُ الأَمْنِ، وَاطْمِئْنَانُ النَّاسِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَأَهَالِيهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، وَإِنَّ هَذَا لا يَكُونُ إِلَّا بِوُجُودِ دَوْلَةٍ قَوِيَّةِ تَحْمِي شَعْبَهَا بِإِذْنِ اللهِ، وَتُدَافِعُ عَنْهُمْ وَتَحُوطُهُمْ وَتَقِفَ ضِدَّ كُلَّ عَادٍ وَبَاغٍ عَلَيْهِمْ، وَإِنَّ هَذَا لا يَكُونُ إِلَّا بِاسْتِقْرَارِ الدَّوْلَةِ وَانْتِظَامِ أَرْكَانِهَا، وَلِذَلِكَ فَإِنَّ الشَّرْعَ وَالْعَقْلَ يَدْعُو إِلَى الْوُقُوفِ مَعْ دَوْلَتِنَا لِتَسْتَقِيمَ حَيَاتُنَا، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ أَصْبَحَ مُعَافًى فِي بَدَنِهِ آمِنًا فِي سِرْبِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا) رَوَاهُ البُخَارِيُّ فِي الأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ. وَنَحْنُ نَحْمَدُ اللهَ عَلَى مَا مَنَّ بِهِ عَلَيْنَا بِهَذِهِ الدَّوْلَةِ، وَنَدْعُو اللهَ أَنْ يَحْفَظَ خَادِمَ الْحَرَمَيْنِ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ وَأَنْ يُعِينَهُمْ عَلَى مَا هُمْ فِيهِ، وَالدَّعَاءُ لَهُمْ أَقَلُّ حُقُوقِهِمْ عَلَيْنَا، قَالَ اللهَ تَعالَى {وَاعْتَصِمُوا بِحَبِلِ اللهِ جَمِيعَاً وَلا تَفَرَّقُوا}.
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ.
إِنَّ الْمَوْتَ حَقٌّ كَتَبَهُ اللهُ عَلَى بَنِي آدَمَ، وَلَكِنَّ الشَّأْنَ مَاذَا بَعْدَ الْمَوْتِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}، فَعَلَيْنَا الاسْتِعْدَادُ لِلْمُغَادَرَةِ بِطَاعَةِ اللهِ وَاجْتِنَابِ مَعَاصِيهِ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: هَذِهِ بَعْضُ التَّنْبِيهَاتِ عَلَى الْمُخَالَفَاتِ التِي تَتَعَلَّقُ بِالْمَوْتِ وَالْقُبُورِ.
(أَوَّلًا) يَجُوزُ الْبُكَاءُ عَلَى الْمَيِّتِ، لَكِنْ تَحْرَمُ النِّيَاحَةُ بِرَفْعِ الصَّوْتِ بِالْبُكَاءِ أَوْ شَقِّ الْجُيُوبِ أَوْ لَطْمِ الْخُدُودِ، فَهَذِهِ مِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ.
(ثَانِيًا) زِيَارَةُ الْقُبُورِ مَشْرُوعَةٌ فِي حَقِّ الرِّجَالِ فَقَطْ وَأَمَّا النِّسَاءُ فَلا يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَخْرُجَ قَصْدًا لِذَلِكَ، لَكِنْ لَوْ مَرَّتْ فِي طَرِيقِهَا بِالْمَقْبَرَةِ فَلَا بِأَسْ أَنْ تُسَلَّمَ وَتَدْعُوَ لَهُمْ، وَقَدْ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَعَنَ زَائِرَاتِ الْقُبُورِ.
(ثَالِثًا) يُشْرَعُ صُنْعُ طَعَامٍ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ فَقَطْ وَبَعْثُهُ إِلَيْهِمْ إِذَا أَشْغَلَهُمْ مَوْتُ قَرِيبِهِمْ عَنْ صُنْعِ طَعَامِهِمْ، وَأَمَّا التَّجَمُّعُ وَالْوَلائِمُ التِي تَحْصُلُ مُؤَخَّرًا فَهَذَا مُنْكَرٌ، وَإِشْغَالٌ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ، وَهُوَ فِي الْوَاقِعِ يُشْبِهُ الاحْتِفَالَ، قَالَ الشَّيْخُ ابْنُ بَازٍ رَحِمَهُ اللهُ : رَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللهُ وَابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ، جَيَّدٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِاللهِ الْبَجَلِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قاَلُ: كُنَّا نُعِدُّ الاجْتِمَاعَ إِلَى أَهلِ الْمَيِّتِ وَصَنْعَةَ الطَّعَامِ بَعْدَ الدَّفْنِ مِنَ النِّيَاحَةِ, فَمَا يَعتَادُهُ بَعْضُ النَّاسِ إِذَا مَاتَ مَيِّتُهُمْ صَنَعُوا طَعَامًا وَجَعَلُوا وَلِيمَةً هَذَا مِن عَمَلِ الْجَاهِلِيَّةِ، مِنْ عَمَلِ النِّيَاحَةِ، لا يَجُوزُ.
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ.
(رَابِعًا) انْتَشَرَ مُؤَخَّرًا عَادَةٌ انْتِشَارًا عَجِيبًا، وَهُوَ تَقْبِيلُ الْمَيِّتِ بَعْدَ التَّغْسِيلِ، بَل صَارُوا يُرَتِّبُونَ لِذَلِكَ طَوَابِيرَ الرِّجَالِ وَطَوَابِيرَ النِّسَاءِ، وَيَسْتَدِلُّونَ بِفْعِلِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ حِينَ قَبَّلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَهَذَا اسْتِدْلَالٌ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ.
وَذَلِكَ لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لَمْ يَدْخُلْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَجْلِ أَنْ يُقَبِّلَهُ, وَإِنَّمَا دَخَلَ لِيَتَأَكَّدَ هَلْ تُوُفِّيَ أَمْ لا، فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ وَقَبَّلَهُ وَقَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي طِبْتَ حَيًّا وَمَيِّتًا، وَعَرَفَ أَنَّهُ مَاتَ، فَخَرَجَ عَلَى النَّاسِ وَقَالَ: مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللهَ فَإِنَّ اللهَ حَيٌّ لا يَمُوتُ.
فَهُوَ إِذَنْ لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِ لِيُقَبِّلَهُ، ثُمَّ نَقُولُ: لَمْ يُقَبِّلْهُ غَيْرُهُ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، وَلا أَحَدٌ مِنْ زَوْجَاتِهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُنَّ، بَلِ ابْنَتُهُ فَاطِمَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا لَمْ يَثْبُتْ أَنَّهَا قَبَّلَتْهُ، ثُمَّ إِنَّهُ لَا فَائِدَةَ لِلْحَيِّ وَلَا لَلْمَيَّتِ مِنَ هَذَا التَّقْبِيلِ, وَخَيْرٌ مِنَ ذَلِكَ الدُّعَاءُ, فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ (إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ)
(خَامِسًا) يَنْبَغِي الْمُبَادَرَةُ إِلَى تَقْسِيمِ التَّرِكَةِ بَيْنَ الْوَرَثَةِ بَعْدَ وَفَاءِ دُيُونِ الْمَيِّتِ إِنْ كَانَ هُنَاكَ دُيُونٌ، وَأَمَّا تَأْخِيرُ التَّقْسِيمِ لِشُهُورٍ أَوْ لِسَنَوَاتٍ فَهَذَا مِنَ الْجِنَايَةِ عَلَى الْوَرَثَةِ وَمِنْ حِرْمَانِهِمْ مِنْ حَقِّهِمْ، وَأَقْبَحُ مِنْ ذَلِكَ مَنْ يَحْرِمُونَ النِّسَاءَ أَوْ يُعْطُونَهُنَّ قَلِيلًا مِنْ حَقِّهِنَّ وَيَمْنَعُونَ الْبَاقِي بِحُجَّةِ أَنَّهَا سَوْفَ تُعْطِيهِ زَوْجَهَا وَهُوَ حَقُّ أَبِيهِمْ، وَلا شَكَّ أَنَّ هَذَا حَرَامٌ، لِأَنَّ هَذَا مَالُهَا تَتَصَرَّفُ فِيهِ كَيْفَ شَاءَتْ.
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.
اللهُ أَكْبَرُ (7 مرات)، أَمَّا بَعْدُ: فَيَا أَيَّتُهَا الأَخَوَاتُ الشَّرِيفَاتُ، وَالْحَرَائِرُ الْمَصُونَاتُ الْعَفِيفَاتُ: يَا مَنْ أَعَزَّكُنَّ اللهُ بِالدِّينِ، وَشَرَّفَكُنَّ بِالسِّتْرِ وَالْجِلْبَابِ! تَمَسَّكْنَ بِحِجَابِكُنَّ، كَمَا تَتَمَسَّكْنَ بِدِينِكُنَّ، فَاللهَ اللهَ فِي حَيَائِكُنَّ وَعَفَافِكُنَّ، وَاعْلَمْنَ أَنَّ الْمَرْأَةَ بِصَلَاحِهَا يَصْلُحُ الْمُجْتَمَعُ، وَبِفَسَادِهَا يُصْبِحُ الْمُجْتَمُعُ فِي تَيهٍ وَسَرَابٍ, فَالْأُمُّ هِيَ الْمُجْتَمَعُ، وَالْأُمُّ هِيَ الْأَسَاسُ، وَهِيَ صَمَّامُ الْأَمَانِ بِإِذْنِ اللهِ.
الأُمُّ مَدْرَسَةٌ إِذَا أَعْدَدْتَهَا …. أَعْدَدْتَ شَعْبَاً طَيِّبَ الْأَعْرَاقِ.
قَالَ اللهُ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ مَظَاهِرِ الْعِيدِ مَا يَحْدُثُ بَيْنَ الأَهْلِ وَالْجِيرَانِ مِنَ صِلَةٍ لِلْأَرَحَام وَتَبَادُلٍ للتَّزَاوِرِ وَالسَّلامِ، مِمَّا لَهُ الأَثَرُ الْبَالِغُ عَلَى النُّفُوسِ فِي نَشْرِ الْمَحَبَّةِ وَالأُلْفَةِ وَالتَّعَاوُنِ بَيْنَ الأَقَارِبِ، وَهَذِهِ عِبَادَةٌ عَظِيمَةٌ جَاءَتْ بِهَا الشَّرِيعَةُ، قَالَ اللهُ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ}, وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ ، وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ) أَخْرَجَهُ اَلْبُخَارِيُّ .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُ: إِنَّ الْعِيدَ فُرْصَةٌ عَظِيمَةٌ لِتَصِلَ مَنْ قَطَعَكَ وَتُعْطِيَ مَنْ حَرَمَكَ وَتَعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَكَ، وَمَنْ تَرَكَ شَيْئًا للهِ عَوَّضَهُ اللهُ خَيْرًا مِنْهُ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ وَالْمُسْلِمَاتُ: إِنَّ الْعَمَلَ الصَّالِحَ لَنْ يَنْقَطِعَ بِانْقِضَاءِ رَمَضَانَ، بَلْ لا نَزَالُ نَتَعَبَّدُ لِرَبِّنَا سُبْحَانَهُ بِالصَّلاةِ وَالْقُرْآنِ وَالصِّيَامِ وَالصَّدَقَةِ حَتَّى نَلْقَاهُ وَهُوَ رَاضٍ عَنَّا.
وَإِنَّ مِنْ ذَلِكَ صَيَامَ سِتٍّ مِنْ شَوَّال قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّال كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ) رواه مسلم, فَيَجُوزُ صِيَامُهَا مُتَفَرِّقَةً وَمُجْتَمِعَةً، مِنْ أَوِّلِ الشَّهْرِ أَوْ آخِرِهِ، وَلَكِنْ مَنْ كَانَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ رَمَضَانَ فَلا يَصُومَنَّهَا حَتَى يَقْضِي.
اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنَّا الصَّيِامَ وَالْقِيَامَ وَالْقُرْآنَ، وَأَعِنَّا عَلَى كُلِّ خَيْرٍ وَجَنِّبْنَا كُلَّ شَرٍّ، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي أَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُلُوبِنَا وَأَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَاتِنَا، وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ، وَاجْعَلْنَا شَاكِرِينَ لِنِعْمَتِكَ مُثْنِينَ بِهَا عَلَيْك، قَابِلِينَ لَهَا وَأَتِمَّهَا عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ كُنْ لَنَا وَلا تَكُنْ عَلَيْنَا، وَانْصُرْنَا وَلا تَنْصُرْ عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ أَحْوَالَ الْمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ مَكَانٍ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ، اللَّهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَهُمْ وَاحْفَظْ أَعْرَاضَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَاغْفِرْ لِمَوْتَاهُمْ وَاشْفِ مَرْضَاهُمْ، اللَّهُمَّ وَلِّ عَلَيْهِمْ خِيَارَهُمْ وَاكْفِهِمْ شِرَارَهُمْ يَا مَنْ بِيَدِهِ الأَمْرُ يَا رَحْمَنُ يَا رَحِيم، اللَّهُمَّ أَتِمَّ عَلَيْنَا نِعْمَةَ الأَمْنِ وَالإِيمَانِ وَالسَّلَامَةِ وَالإِسْلَامِ, اللَّهُمَّ وَفِّقْ إِمَامَنَا خَادِمَ الحَرَمَينِ الشَّرِيفَينِ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِمَا تُحِبُّهُ وَتَرْضَاهُ, اللَّهُمَّ أَصْلِحْ بِطَانَتَهُمْ وَوُزَرَاءَهُمْ يَا رَبَّ العَالمَينَ, اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ وَالْحَمْدِ للهِ رَبِّ العَالَمِينْ.
المرفقات
1742995131_خُطْبَةُ عِيدِ الْفِطْرِ 1446هـ.pdf
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق