خطبة عيد الفطر 1446هـ

راشد بن عبد الرحمن البداح
1446/09/25 - 2025/03/25 15:13PM

خطبة عيد الفطر 1446هـ

 

اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ لا إلهَ إلا اللهُ - اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ وللهِ الحمدُ

 

الحمدُ للهِ الذي بنعمتهِ تتمُ الصالحاتُ. واللهُ أكبرُ بفضلهِ تُحصَّلُ الدرجاتُ، وبكرمِهِ تُبدَّلُ السيئاتُ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ ربُّ البرياتِ. وأشهدُ أن محمدًا عبدُهُ ورسولهُ المؤيدُ بالآياتِ، صلى اللهُ وسلمَ عليهِ حتى المماتِ. أما بعدُ: فإليكم مَنْظَرَينِ جميلَينِ مُبهجَينِ رأيناهُما منذُ بدءِ شهرِ رمضانَ المباركِ وحتى ساعتِنا هذهِ:

 

·       الأولُ: منظرُ تلكَ الحشودِ المَهيبةِ المتواليةِ التي شهدَتْ صلاةً وصياماً بجوارِ الحرمينِ الشريفينِ طيلةَ رمضانَ، متزامناً مع هذه التوسعةِ الثالثةِ الضخمةِ للحرمينِ، ويقابلُهُ تفوقٌ باهرٌ في إدارةِ الحشودِ المليونيةِ، وتنظيمٌ وتنظيفٌ باهرٌ، وأعظمُ منه تطهيرُ الحرمينِ من كلِ علائمِ الشركِ والبدعةِ.

 

فالحمدُ للهِ على حمايةِ حِمَى التوحيدِ والسنةِ، وعلى وخدمةِ الحرمينِ في كَنَفِ الدولةِ السعوديةِ العظمَى، وأجزلَ اللهُ أجرَ ملوكِها، وأعزَهم بتحكيمِ الإسلامِ، ووقاهُمُ الفَتانينَ، ورحمَ اللهُ صقرَ الجزيرةِ ومؤسِسَها وموحِدَها ومعظِّمَ شأنِ العلماءِ.

 

وإنَّ اللهَ حافِظٌ دينَهُ وحُماةَ دينِهِ، وأهلَ بيتهِ. ألمْ يَقُلْ جبريلُ لأمِ إسماعيلَ -عليهمُ السلامُ- بعدَ أنْ أغاثَ لهفتَها: لاَ تَخَافُوا الضَّيْعَةَ.. وَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَهْلَهُ. رواهُ البخاريُ([1]).

فيا أيُها الموحِدُ المفارِقُ للشركِ وأهلِهِ، ويا أيُها السُنِّيُ المفارقُ للبدعةِ وأهلها: هل شَعُرتَ بعِظَمِ نعمةِ التوحيدِ والسنةِ، ببلدِ التوحيدِ والسنةِ؟!

فاللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ على ما هديتَنا، ولك الحمدُ على ما أعطيتَنا.

·       المنظرُ الثاني المبهجُ: منظرُ الناسِ وهم يَتعانقونَ قائلِينَ: تقبلَ اللهُ منا ومنكم، في مظهرٍ جميلٍ لا تراهُ في دينٍ إلا في دينِك العظيمِ الكاملِ. فاحسِب كم يدًا صافحْتَ من الآنَ وحتى آخرَ الأسبوعِ؟! واحتسِب أن تتحاتَّ خطاياكَ، تصديقًا بقولِ النَّبِيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا صَافَحَ أَخَاهُ تَحَاتَتْ خَطَايَاهُمَا كَمَا يَتَحَاتُّ وَرَقُ الشَّجَر. رواهُ البزارُ وصححهُ الألبانيُ([2]).

اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ على ما هدَانا، وللهِ الحمدُ على ما أعطَانا.

 

العيدُ موسمٌ لتوثيقِ تواصُلِ الأرحامِ والجيرانِ، ويومُ وفاءِ الأصدقاءِ، العيدُ يومُ مرحِ وفرحِ الأطفالِ، ويومُ التوسعةِ على الفقراءِ. العيدُ يومُ النفوسِ الكريمةِ تتناسَى أضغانَها، فتتصافَى بعدَ كدَرٍ، وتتصافَحُ بعدَ انقباضٍ.

(ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ ‌كَأَنَّهُ ‌وَلِيٌّ حَمِيمٌ)

 

ونداءٌ عاجِلٌ وعاتِبٌ لمن تتوالَى عليه الأيامُ، وهو هاجرٌ أخاهُ، أو قريبَهُ أو جارَهُ أو زميلَهُ: العيدُ فرصةٌ للسلامِ، وتناسِي الأضغانِ، ودَحرِ الشيطانِ، فسلِّم على من هَجَرْتَهُ قبلَ تراهُ ممدَّداً على مِغسلةِ الموتى، وقبلَ أن ينطبقَ عليكَ قولُ نبيِكَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَنْ هَجَرَ أَخَاهُ سَنَةً فَهُوَ كَسَفْكِ دَمِهِ([3]).

 

 

اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ لا إلهَ إلا اللهُ - اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ وللهِ الحمدُ

اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ لا إلهَ إلا اللهُ - اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ وللهِ الحمدُ

 

 

يا عبدَ اللهِ ويا أَمَة اللهِ: هل تَفَكرنَا وقارَنَّا بين عبوديةِ اليومِ وأمسِ وغداً، فاليومَ يَحرمُ صيامُهُ، وأمسِ يجبُ صيامُهُ، وغداً يُسنُ صيامُهُ: (‌وَرَبُّكَ ‌يَخْلُقُ مَا يَشاءُ وَيَخْتارُ مَا كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) فنحنُ نتقلبُ بين عبوديتِنا لربِنا أمراً ونهياً، ونقولُ: (‌سَمِعْنا ‌وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ)

 

ولئنْ قُلنا: وداعاً رمضانُ شهرُ البركاتِ. فلنَقُلْ: أهلاً بالعيدِ موسمِ المسراتِ، فكما أن رمضانَ موسمٌ فالعيدُ أيُّها المتعيِّدونَ موسمٌ، فلا نتحزَّنْ على رحيلِ رمضانَ؛ فالمواسمُ لن تنقطعَ، والقرآنُ لن يرحلَ، والصومُ لن ينتهِيَ، والمساجدُ مُشْرَعةٌ، والدعاءُ مفتوحٌ، لكنَّ اللهَ تفضلَ علينا بشهرٍ حَشَدَ لنا فيه من الخيراتِ ما يعوِّضُ به عَجزَنا وكسَلَنا.

 

أيُها المتعيِّدونُ والمتعيِّداتُ: من علامةِ قبولِ صيامِنا وقيامِنا أن نشكرَ ونحذرَ كفرانَ النعمِ، كاللهوِ المحرمِ، والإسرافِ في الولائمِ، والحلوياتِ، والسَّفْراتِ. واذكرُوا أننا نعيشُ نعمةَ الإيمانِ والأمانِ والصحةِ والغِنى، في الوقتِ الذي يُتَخَطَّفُ الناسُ فيهِ مِن حولِنا، في حروبٍ طاحنةٍ ومجاعاتٍ قاتلةٍ، وفقرٍ وتضييقٍ في المعايشِ ومكرٍ كُبَّارٍ: (فاعتبِرُوا يا أُولِي الأبصارِ).

 

 

·         فاللهُمَّ يا عظيمَ المنِّ، يا واسعَ المغفرةِ، يا باسطَ اليدينِ بالرحمةِ، تفضلتَ علينا بشهرٍ مضاعفٍ حسناتُهُ، اللهُمَّ فتسلَّمهُ بجودِك مضاعفًا، وما كان فيه من تقصيرٍ فكن بفضلِك عافيًا.

 

·         اللهم تقبل صيامَنا وقيامَنا، وزكواتِنا وزياراتِنا ومعايداتِنا ومصافحاتِنا.

·         اللَّهُمَّ إِنّا نَسْأَلُكَ النَّعِيمَ الْمُقِيمَ الَّذِي لَا يَحُولُ وَلَا يَزُولُ.

·         اللهم واغفر لمن قضَى نحبَهُ قبلَ هذهِ الأزمانِ المضاعفةِ.

·         واغفر لنا ووالدِينا وزوجاتِنا وذرياتِنا وبارك فيهم، وارزقنا جميعًا الفردوسَ بعد عمرٍ طويلٍ على عملٍ صالحٍ.

 

·         اللهم واحفظ علينا دينَنا، وأعراضَنا ومقدساتِنا، وبارك في أرزاقِنا واقضِ ديوننا، واكشف همومَنا، وارزق نساءَنا مزيدَ الحشمةِ والتبصرِ بكيدِ مُتَّبعِي الشهواتِ، الذين يريدونَ أن نميلَ ميلاً عظيمًا.

·         اللهم احفظ ولاةَ أمرِنا وارزقهُم بطانةَ الصلاحِ، وسددهُم في قراراتِهم ومؤتمراتِهم، واكفِنا وإياهم وبلادَنا شرَّ الحاسدِينَ والمتربصِينَ.

·         اللهم وانصر مجاهدِينا ومرابطِينا على الحدودِ، واحفظهم من كلِ الجهاتِ.

·         اللهم وانصر المستضعفينَ من المسلمينَ في بقاعِ الأرضِ.

·         اللهم يا ذا النعمِ التي لاتُحصَى عددًا نسألكَ أن تصليَ وتسلمَ على محمدٍ أبدًا.

اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ لا إلهَ إلا اللهُ - اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ وللهِ الحمدُ

 

---
([1]) صحيح البخاري (3184)
([2])كشف الأستار عن زوائد البزار على الكتب الستة (2  /311) انظر: صحيح الترغيب والترهيب (3  /23)للألباني

([3])سنن أبي داود (4917) وصححه الحاكم في المستدرك (7292) والذهبي، والإشبيلي في الأحكام الشرعية (3/ 182) والنووي في رياض الصالحين (ص: 452) والعراقي في المغني عن حمل الأسفار (1/ 540) والألباني في الأدب المفرد (404)

 

المرفقات

1742904826_��عيـــد الفطــــــــــر 1446�.docx

1742904826_��عيـــد الفطــــــــــر 1446�.pdf

المشاهدات 626 | التعليقات 0