خطبة عيد الفطر 1445 ه
الشيخ نواف بن معيض الحارثي
خطبة عيد الفطر المبارك 1445
يكبرُ (سبعا)
اللـهُ أَكْبَرُ مَا صَدَحَتِ الأَصْوَاتُ بِالتَّكْبِيرِ فِي المَسَاجِدِ، اللـهُ أَكْبَرُ مَا سَبَّحَ للـهِ رَاكِعٌ وَسَاجِدٌ، اللـهُ أَكْبَرُ مَا اسْـتَبْـشَرَ الصَّائِمُونَ بِعَظِيمِ الأَجْرِ، اللهُ أَكْبَرُ مَا قَامَ المُتَهَجِّدُونَ للـهِ يَرْجُونَ لَيْلَةَ القَدْرِ، اللـهُ أَكْبَرُ مَا تَاقَتْ قُلُوبُ الصَّائِمِينَ لِهَذَا العِيدِ، اللـهُ أَكْبَرُ مَا تَنَفَّسَ الصُّبْحُ بِهَذَا اليَوْمِ السَّعِيدِ.
هَلَّ الِهلَالُ فَحَيُّوا طَالِعَ العِيدِ ** حَيُّوا البَشِيرَ بِتَحْقِيقِ المَوَاعِيدِ
للـهِ فِي الخَلْقِ آَيَاتٌ وَأَعْجَبُهَا ** تَجْدِيدُ رَوْعَتِهَا فِي كُلِّ تَجْدِيدِ
الحَمْدُ للـهِ مُيَسِّرِ أَسْبَابِ البِرِّ وَالخَيْرَاتِ، المُثِيبِ عَلَى الصَّلاَحِ وَالطَّاعَاتِ، وَمُجْزِلِ الأُجُورِ وَالأَعْطِيَاتِ، وَرَافِعِ الصَّائمِينَ وَالقَائمِينَ أَعلَى الدَّرَجَاتِ، سُبْحَانَهُ يَقْبَلُ مِنْ عِبَادِهِ القَلِيلَ، ويُثِيبُهُمْ عَلَيْهِ الوَافِرَ الجَزِيلَ، ونَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللـهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، غَافِرُ الذَّنْبِ وَقَابِلُ التَّوْبِ، وَكَاشِفُ العُسْرِ وَالكَرْبِ، ونَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّداً عَبْدُ اللهِ ورَسُولُهُ، أَفْضَلُ مَنْ صَلَّى وصَامَ، وحَجَّ واعتَمَرَ وَبَلَّغَ رِسَالَةَ رَبِّهِ فِي الجَهْرِ وَالإِسْرَارِ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ المُصْطَفَى المُخْتَارِ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ البَرَرَةِ الأَخْيَارِ، مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ مِنَ الأَبْرَارِ إِلَى يَوْمِ القَرَارِ. أَمَّا بَعْدُ :
فاتَّقُوا اللـهَ تَبَارَكَ وتَعَالَى، واشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ التِي تَتَرادَفُ عَلَيْكُمْ وَتَتَوالَى، واعرفوا نعمتَه عليكم بهذا العيدِ السعيدِ، فلَقَدْ بَزَغَ فَجْرُ هَذَا اليَوْمِ السعيدِ لِيَرْسُمَ عَلَى مُحَيَّاكُمُ البَهْجَةَ وَالسُّرُورَ، وَيَنْشُرَ عَلَيْكُمْ نَسَمَاتِ الفَرَحِ وَالحُبُورِ، وَيُبَشِّرَكُمْ بِمَا أَعَدَّ اللـهُ لَكُمْ مِنْ عَظِيمِ الأُجُورِ، فهَذَا يَوْمُ الْأُعْطِيَاتِ ، وَمَوْسِمُ الْـمَكْرُمَاتِ، يومٌ توج اللـهُ به شهرَ الصيامِ وافتتحَ به أشهرَ الحجِّ إلى بيته الحرامِ، إنَّه يومُ الجوائزِ.
عن ابنِ عباسٍ yيرفَعُهُ قالَ: {إِذَا كَانَتْ غَدَاةُ الْفِطْرِ بَعَثَ اللَّـهُ الْمَلَائِكَةَ فِي كُلِّ بِلَادٍ، فَيَهْبِطُونَ الْأَرْضَ، فَيَقُومُونَ عَلَى أَفْوَاهِ السِّكَكِ، فَيُنَادُونَ بِصَوْتٍ يُسْمِعَ مَنْ خَلَقَ اللَّـهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا الْجِنَّ وَالْإِنْسَ، فَيَقُولُونَ: يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، اخْرُجُوا إِلَى رَبِّكُمْ رَبٍّ كَرِيمٍ يُعْطِي الْجَزِيلَ وَيَعْفُو عَنِ الذَّنْبِ الْعَظِيمِ، فَإِذَا بَرَزُوا إِلَى مُصَلَّاهُمْ يَقُولُ اللَّـهُ عَزَّ وَجَلَّ لِلْمَلَائِكَةِ: مَا جَزَاءُ الْأَجِيرِ إِذَا عَمِلَ عَمَلَهُ؟ " قَالَ: " فَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ: إِلَهَنَا وَسَيِّدَنَا جَزَاؤُهُ أَنْ تُوَفِّيَهُ أَجْرَهُ "، قَالَ: "فَيَقُولُ: فَإِنِّي أُشْهِدُكُمْ يَا مَلَائِكَتِي أَنِّي قَدْ جَعَلْتُ ثَوَابَهُمْ مِنْ صِيَامِهِمْ شَهْرَ رَمَضَانَ وَقِيَامِهِمْ رِضَايَ وَمَغْفِرَتِي، وَيَقُولُ: عِبَادِي، سَلُونِي، فَوَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَا تَسْأَلُونِي الْيَوْمَ شَيْئًا فِي جَمْعِكُمْ لِآخِرَتِكُمْ إِلَّا أَعْطَيْتُكُمْ، وَلَا لِدُنْيَاكُمْ إِلَّا نَظَرْتُ لَكُمْ انصرفوا مغفورا لكم" رواه الطبراني في معجمه والبيهقي في شعبه وغيرهما .
فَمُبَارَكٌ عَلَيْكُمُ الْفَرْحَةُ، وَهَنِيئًا لَكُمُ التَّمَامُ، وَلَكُمْ مِنَّا التَّهْنِئَةُ وَالتَّحِيَّةُ وَالسَّلَامُ وتقبّلَ اللـهُ منّا ومنْكُم صالحَ القولِ والعملِ .
أيها المؤمنون: لَقَدْ بَعَثَ اللَّـهُ تَعَالَى فِي كُلِّ أُمَّةٍ مِنَ الأُمَمِ رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ يَدْعُونَ الخَلْقَ إِلَى عِبَادَةِ اللَّـهِ تَعَالَى وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَاجْتِنَابِ كُلِّ مَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللـهِ، فَدِينُ الأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ وَاحِدٌ كُلُّهُمْ دَعَوُا الْـخَلْقَ إِلَى تَوْحِيدِ اللَّـهِ تَعَالَى، وَنَهَوْهُمْ عَنِ الشِّرْكِ ( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّـهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ)
فاحذروا الشركَ فإنَّه أكبرُ الآثامِ (إنَّه من يشرك باللـهِ فقد حرم اللـهُ عليه الجنةَ ومأواه النارُ وما للظالمينَ من أنصار) ، واحذروا قوادحَ التوحيدِ من السحرِ وغيرها، ومن أتى كاهناً أو عرافاً فصدقه بما يقول فقد كفرَ بما أُنزل على محمدٍ r.
وقرينُ التوحيد أن تشهدَ أن محمداً رسولُ اللـهِ صلواتُ اللـهِ وسلامُه عليه فحققوها بطاعتِه فيما أَمر واجتنابِ ما نهى عنه وزجر وتصديقِه فيما أخبر وألا يعبدَ اللـهَ إلا بما شرعَ مع محبتِه وتوقيره، والزموا ما جاء به r ، فإنّه لا طريقَ للجنةِ إلاّ من طريقتِه، ولا فلاحَ في الدنيا والآخرةِ إلاّ باتبِاعه وطاعتِه (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) .
اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ ، اللهُ أَكْبَرُ وَللـهِ الحَمْدُ (لكل أمة عيدا وهذا عيدُنا)
معاشر المسلمين: أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فَتَقْوَى اللهِ جِمَاعُ الخَيْرَاتِ، وَمَنْبَعُ البَرَكَاتِ، وَهِيَ مَنَاطُ الفَوْزِ فِي العُقْبَى (ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم إن اتقوا الله) .
الصلاةُ عمادُ الدِّينِ وعصامُ اليقينِ، هي ناصيةُ القرباتِ وغُرَّةُ الطاعاتِ وخيرُ الأعمالِ، فرأسُ الأمرِ الإسلامِ، وعمودُه الصلاةُ، من حافظَ عليها كانت له نوراً وبرهاناً ونجاةً يومَ القيامةِ (إنَّ الصلاةَ تنهى عن الفحشاءِ والمنكرِ). صوموا شهرَكم ومن أفطرَ منه وجب عليه أن يقضيَ عدّةَ ما أفطر من أيام أُخَر. ومَن صامَ رَمَضانَ ثُمَّ أتْبَعَهُ سِتًّا مِن شَوَّالٍ، كانَ كَصِيامِ الدَّهْرِ
أَدُّوا زَكَاةَ أَمْوَالِكُمْ ، طَيِّبَةً بِهَا نُفُوسُكُمْ ، ولا تتهاونوا في أداءِ فريضةِ اللـهِ في الحج (ولِلّـهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)
الأمرُ بالمعروف والنهيُ عن المنكر أصلٌ عظيمٌ من أصولِ الشريعة وركنٌ مشيدٌ من أركانها المنيعة "والَّذي نَفسي بيدِهِ لتأمُرُنَّ بالمعروفِ ولتَنهوُنَّ عنِ المنكرِ أو ليوشِكَنَّ اللَّـهُ أن يبعثَ عليكُم عقابًا منهُ ثمَّ تَدعونَهُ فلا يَستجيبُ لَكُم" الترمذي
لَاتَغْفُلُوا عَنْ ذِكْرِ اللَّـهِ، تَعَاهَدُوا كِتَابَهُ وَاعْرِضُوا عَلَيْهِ قُلُوبَكُمْ وَجَوَارِحَكُمْ فَهُوَ شرعُ اللَّـهِ فِيكُمْ، وَهُوَ بَرْنَامَجُ حَيَاتِكُمْ، وَفِيهِ مُرَادُ رَبِّكُمْ، وَمَكْمَنُ سَعَادَتِكُمْ وَطَرِيقُكُمْ إِلَى الجَنَّةِ ، وَاحْذَرُوا هَجْرَهُ وَتَعَدِّيَ حُدُودِهِ؛ فَيُقِيمُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْكُمْ حُجَّتَهُ وَعِنْدَهَا تُحْرَمُوا شَفَاعَتَهُ (إنَّ هذا القرآنَ يهدي للتي هي أقومُ) .
أيها المؤمنون والمؤمنات: إِنَّ القِيَمَ وَالأَخْلاقَ الرَّفِيعَةَ هِيَ دَعَائِمُ المُجتَمَعَاتِ الخَيِّرَةِ، وقِيمَةُ كُلِّ فَرْدٍ فِي مُجتَمَعِهِ بِمَا يَتَّصِفُ بِهِ مِنْ أَخْلاقٍ حَمِيدَةٍ، وَآدَابٍ مَجِيدَةٍ، وكَمَالُ إِيْمَانِ المَرْءِ إِنَّمَا يُقَاسُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ، فَقَدْ سُئِلَ النَّبِيُّ e: (أَيُّ المُؤْمِنِينَ أَكْمَلُ إِيْمَانًا؟ قَالَ: أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا).
أَلاَ وَإِنَّ مِنْ أَجَلِّ القِيَمِ وَالأَخْلاقِ-عباد الله- المُرُوءَةَ فِي الحَقِّ، وَالشُّكْرَ عَلَى المَعْرُوفِ، وَالعِفَّةَ عَنِ المَظَالِمِ، وَبَسْطَ الخَيْرِ، وَجَلْبَ المَوَدَّةِ، وَالتُّؤَدَةَ فِي الأُمُورِ، وَالصِّدقَ فِي المُعَامَلَةِ، وَالاستِقَامَةَ فِي السُّلُوكِ، وبذلَ الندى ، وكفَّ الأذى ، وسترَ العيوب، والعفوَ عن الزلل، وحسنَ العشرة، ولينَ الجانب، وبشاشةَ النفسِ وسماحتِها ، وأن تعرفَ لكلِّ ذي حقٍّ حقَه.
وإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ شَعَائِرِ الإِيمَانِ، وَأَوفَرِ حُظُوظِ البِرِّ والإِحْسَانِ، الإِحْسَانَ إِلَى الأَقَارِبِ مِنَ الوَالِدَيْنِ وَالأَزْوَاجِ والإِخْوَانِ والأرحامِ، فَإنَّ لِلْوَالِدَيْنِ حَقّاً عَلَى الوَلَدِ عَظِيماً، وفِي عُقُوقِهِمَا خَطَراً جَسِيماً (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً). وإنَّ العيدَ فرصةٌ عظيمةٌ لتصلَّ من قطعكَ ، وتعطيَ من حرمَكَ وتعفوَ عمَّن ظلمكَ (ألا تحبونَ أن يغفرَ اللـهُ لكم) ، و(مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ) خ.م .
أيها المؤمنون: إِنَّ الـْمَعْصِيَةَ لَمْ تَظْهَرْ فِي قَوْمٍ إِلَّا وَقَدِ اسْتَحَقُّوا بِهَا عُقُوبَةَ اللـهِ، وإن للذنوبِ أثراً وضرراً على الفردِ والمجتمعِ فاجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ...الشِّرْكُ بِاللَّـهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّـهُ إِلَّا بِالحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ اليَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ الغَافِلاَتِ.
اقْصُدُوا الرِّزْقَ الْـحَلَالَ، وَلَا تَتَخَوَّضُوا فِي مَالِ اللَّـهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فإنَّه لا يدخُلُ الجنَّةَ لحمٌ ودمٌ نبَتا على سُحتٍ النَّارُ أَوْلى به .
إياكم والظلمَ فإنه ظلماتٌ يومَ القيامِة «مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ، فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ اليَوْمَ، قَبْلَ أَنْ لاَ يَكُونَ دِينَارٌ وَلاَ دِرْهَمٌ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ ) خ.
بجميلِ الكلامِ تدومُ المودةُ، وبحسنِ الخلُقِ يطيبُ العيشُ، وبلينِ الجانبِ تستقيمُ الأمورُ (أَلا أُخْبِرُكُمْ بأَهْلِ الجَنَّةِ؟ كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضاعِفٍ، لو أقْسَمَ علَى اللَّـهِ لَأَبَرَّهُ. ألا أُخْبِرُكُمْ بأَهْلِ النَّارِ؟ كُلُّ عُتُلٍّ جَوّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ )خ
(إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الحَدِيثِ، ولا تحسَّسوا وَلاَ تَجَسَّسُوا وَلاَ تَنَافَسُوا، وَلاَ تَحَاسَدُوا، وَلاَ تَبَاغَضُوا، وَلاَ تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللـهِ إخْوَانًا كَمَا أَمَرَكُمْ. المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ، لاَ يَظْلِمُهُ، وَلاَ يَخْذُلُهُ، وَلاَ يَحْقِرُهُ، التَّقْوَى هاهُنَا التَّقْوَى هاهُنَا-وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ - بِحَسْبِ امْرِىءٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أخَاهُ المُسْلِمَ، كُلُّ المُسْلِمِ عَلَى المُسْلِمِ حَرَامٌ: دَمُهُ، وَعِرْضُهُ، وَمَالُهُ. إنَّ اللـهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَى أجْسَادِكُمْ، وَلاَ إِلَى صُوَرِكُمْ، وَلكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وأعْمَالِكُمْ». و(المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، والمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللـهُ عَنْهُ». خ .م
اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ ، اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الحَمْدُ (لكل أمة عيدا وهذا عيدُنا)
أَيُّهَا المُسْـلِمُونَ: إِنَّ التَّأرِيخَ يُؤَكِّدُ أَنَّ صَلاَحَ المُجْـتَمَعَاتِ هُوَ فِي تمسكها بدينها ثم بوَحْدَةِ كَلِمَتِهَا، وَاجتِمَاعِ أَمْرِهَا، وَالتِئَامِ شَمْـلِهَا ، فأَطِيعُوا رَبَّكُمْ، وَاتَّبِعُوا نَبِيَّكُمْ، وَاسْمَعُوا لِوُلَاةِ أَمْرِكُمْ في غيرِ معصيةِ اللـهِ، وَحَافِظُوا عَلَى أَمْنِكُمْ، وَاحْرُسُوا أَرْضَكُمْ وَوَحْدَتَكُمْ، وَاشْكُرُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
عباد الله: إِنَّ الشَّبَابَ هُمْ رَكِيزَةُ الْـمُجْتَمَعِ، وَرِجَالُ الْغَدِ وَالْـمُسْتَقْبَلِ، فَمَا بَالُ بَعْضِ الشبابِ يَتَّخِذُونَ التَّقْلِيدَ الأعمى لَـهُمْ مَنْهَجًا، وَالتَّبَعِيَّةَ طَرِيقًا وَمَسْـلَكًا؟ أَمَا يَرْغَبُونَ فِي اسْتِقْلالِ شَخْصِيَّاتِهِمْ؟ أَمَا يُحِبُّونَ أَنْ يَكُونَ لَـهُمْ كِيَانُهُمْ وَإِبْدَاعُهُمْ؟ لِمَاذَا يُعَطِّـلُونَ عُقُولَـهُمْ وَيَدفِنُونَ قُدُرَاتِهِمْ؟
فيا معشر الشبابِ -تَجَمَّـلُوا بِالأَخْلاقِ، وَتَزَيَّنُوا بِالحِلْمِ وَالعِلْمِ، وَتَفَاضَلُوا فِيمَا بَيْنَكُمْ بِالتَّقْوَى، وَاستَمْسِكُوا بِالعُرْوَةِ الوُثْقَى؛ واجْعَلُوا عُقُولَكُمْ قَائِدًا نَحْوَ الحَقِيقَةِ وَالصَّوَابِ، نَائِيًا بِكُمْ عَنْ كُلِّ مَا فِيهِ شَكٌّ وَارتِيَابٌ، وَارْبَؤُوا بِأَنْفُسِكُمْ عَنْ مَزَالِقِ التَّقْـلِيدِ وَالهَوَى، واقتدوا بنبيِكم الكريمِ والصحابةِ الأخيارِ فَالاقتِداءُ بِأَهْـلِ الخَيْرِ وَالصَّلاحِ سَبَبُ الفَوْزِ والفَلاَحِ، وسَبيلُ الظَّفَرِ والنَّجَاحِ، وَهُوَ مِنْ مُقْـتَضَياتِ العَقْلِ الرَّشِيدِ وثَمَرَاتِ الفِكْرِ السَّدِيدِ (لقد كان لكم في رسول الله أسوةٌ حسنة)
ألا فاتقوا الله عباد الله واعرفوا فضل الله عليكم ووَاصِلُوا فِعْلَ الخَيْرَاتِ، وَعَضُّوا بِالنَّواجِذِ عَلَى أَسْبَابِ الطَّاعَاتِ، واستَمِرُّوا فِي دَرْبِ البِرِّ والقُرُبَاتِ واعلموا أن السنة لمن خرج إلى مصلى العيد من طريق أن يرجع من طريق آخر إن تيسر ذلك اقتداء بالنبي عليه السلام وإظهارا لشعائر الله (فبشر عباد الذي يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب)... اللهم تقبل منا ...
الخطبة الثانية لعيد الفطر
يكبر خمسا ثم يقول :
الحَمْدُ للـهِ ذِي المَنَّ وَالإِكْرَامِ، أَكْرَمَنَا بِشُهُودِ شَهْرِ الصِّيَامِ، وَشَرَعَ لَنَا عِيدَ الفِطْرِ بَعْدَ التَّمَامِ، فَلَهُ الحَمْدُ عَلَى جَمِيلِ إِحْسَانِهِ وَعَظِيمِ امتِنَانِهِ، وَنَشْهَدُ أن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللـهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، جَعَلَ العِيدَ جَائِزَةً لِلعَابِدِينَ، وَفَرْحَةً لِلصَّائِمِينَ، وَنَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ e، دَعَا النَّاسَ إِلَى أَنْ يَكُونُوا مُتَآلِفِينَ، وَلِنَعْمَاءِ رَبِّهِمْ شَاكِرِينَ، e وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَعَلَى التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ. أَمَّا بَعْدُ: فياأَيُّهَا المُؤْمِنُونَ:
تَعتَرِضُ الإِنْسَانَ فِتَنٌ كَثِيرَةٌ، وَمَخَاطِرُ جَمَّةٌ، فِي دِينِهِ وَحَيَاتِهِ، وَفِي أَفْكَارِهِ وَأَخْلاقِهِ، وَفِي مَوَاقِفِهِ وَأَعْمَالِهِ (بَادِرُوا بالأعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ المُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا ).م.
وَالسَّعِيدُ مَنْ عَرَفَ المَخْرَجَ مِنْهَا فَالتَزَمَ هَدْيَ القُرآنِ، وَثبتَ فِي المَوَاطِنِ، وَاستَعانَ بِاللهِ فِي جميعِ أُمُورِهِ (فمن اتبع هداي فلا يضلُ ولا يشقى )
أيَّتُها الأخواتُ الشريفاتُ، والحرائرُ المصوناتُ العفيفاتُ: فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ الأَغَرِّ خَطَبَ r الرِّجَالَ، ثُمَّ خَطَبَ النِّسَاءَ فَوَعَظَهُنَّ وَذَكَّرَهُنَّ، فَقَالَ: «تَصَدَّقْنَ فَإِنَّ أَكْثَرَكُنَّ حَطُبُ جَهَنَّمَ» فَقَامَتِ امْرَأَةٌ مِنْ سِطَةِ النِّسَاءِ سَفْعَاءُ الـْخَدَّيْنِ فَقَالَتْ: لِمَ يَا رَسُولَ اللـهِ؟ قَالَ: «لِأَنَّكُنَّ تُكْثِرْنَ الشَّكَاةَ وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ» قَالَ: «فَجَعَلْنَ يَتَصَدَّقْنَ مِنْ حُلِيِّهِنَّ يُلْقِينَ فِي ثَوْبِ بِلَالٍ مِنْ أَقْرِطَتِهِنَّ وَخَوَاتِمِهِنَّ». م .
يا نساء المسلمين: تذكري أن مَنْ أَطَاعَتْ رَبَّهَا ، وَصَلَّتْ فَرْضَهَا ، وَصَامَتْ شَهْرَهَا ، وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا ، دَخَلَتِ الْـجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِهَا شَاءَتْ "؛ فَأَيُّ نَعِيمٍ أَعْظَمُ مِنْ هَذَا ؟! وَأَيُّ غَايَةٍ مَقْصُودَةٍ أَشْرَفُ مِنْ دُخُولِ جَنَّةِ النَّعِيمِ ، وَرُؤْيَةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ؟!
ألا فالتزمنَ بشرعِ اللـهِ وحافظنَ على الحجابِ، فَالْحِجَابُ تَوْجِيهُ رَبِّ الْأَرْبَابِ ، وَتَوْصِيَةُ سَيِّدِ الْأَحْبَابِ ، وَهُوَ سَتْرٌ وَصَوْنٌ ، وَالْقَرَارُ فِي الْبُيُوتِ كَرَامَةٌ وَعَوْنٌ ، ثُمَّ إِنَّ بَنَاتِكُنَّ عِنْدَكُنَّ أَمَانَةٌ ، فَكُنَّ لَـهُنَّ قُدْوَةً وَحَصَانَةً ، عَوِّدْنَهُنَّ الصَّلَاةَ وَالْـحَيَاءَ وَالْحِشْمَةَ وَالسَّتْرَ-ويا معشر الرجالِ- احْمُوا جِدَارَ الْعَفَافِ قَبْلَ سُقُوطِهِ ، وَدَافِعُوا عَنِ الْـحَيَاءِ قَبْلَ خُدُوشِهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ الْغَيْرَةَ عَلَى الْـحُرُمَاتِ شَرَفٌ ، تَدُلُّ عَلَى عِزَّةِ الْمُسْلِمِ، وَعَلَى سُمُوِّهِ، وَنُبْلِ أَخْلَاقِهِ، والَّذِي لَا يَغَارُ عَلَى مَحَارِمِهِ فِي عَقْلِهِ نَقْصٌ، وَفِي رُجُولَتِهِ خَلَلٌ، ولا بارك الله بعد العرضِ في المالِ !
يَا أَهْلَ الْعِيدِ السَّعِيدِ: اجْعَلُوا هَذَا اليَوْمَ فُسْحَةً بَعْدَ الصِّيَامِ، وَفَرْحَةً بَعْدَ نِعْمَةِ التَّمَامِ، بِالتَّوْسِعَةِ عَلَى الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ، بِالفَرَحِ المَشْرُوعِ، وَالْـحَذَرِ مِنَ المَمْنُوعِ، أَطْلِقُوا الفَرَحَ وَالاِبْتِسَامَةَ، وَابْتَعِدُوا عَنِ الْعِتَابِ وَالْـمَلَامَةِ، وَبِهَذَا تَتَصَافَحُ النُّفُوسُ المُطْمَئِنَّةُ، وَتَتَلَاقَى القُلُوبُ المُؤْمِنَةُ، جَعَلَ اللـهُ عِيدَكُمْ سَعِيدًا، وَعَمَلَكُمْ صَالِحًا رَشِيدًا ...
اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ ، اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الحَمْدُ (لكل أمة عيدا وهذا عيدُنا)
ثم صلوا وسلموا ...........
المرفقات
1712547137_خطبة عيد الفطر 1445.pdf
1712547138_خطبة عيد الفطر 1445.docx