خُطْبَةُ عِيدِ الْفِطْرِ 1445هـ
محمد بن مبارك الشرافي
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّين،(اللهُ أَكْبَرُ 9)
أَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا .
أَمَّا بَعْدُ فَيَا أَيُّهَا الْمُسْلِمُونُ: هَنِيئًا لَكُم وَغِبْطَةً, فَقَدْ مَنَّ الله عَلَيْكُمْ بِإِتْمَامِ صِيَامِ هَذَا الشَّهْرِ وَقِيَامِهِ، فَأَبْشِرُوا بِالْخَيْرِ وَالثَّوَابِ الْجَزِيلِ مِنَ الرَّبِّ الْكَرِيمِ، فَإِنَّكُمْ قُمْتُمُ بعَمَلٍ جَلِيلٍ، فَقَدْ صُمْتُمْ شَهْرًا, قَاسَيْتُمُ فِيهِ الْجُوعَ وَالْعَطَشَ، وَتَرَكْتُمُ الْمَلَذَّاتِ وَلَمْ تَنْسَاقُوا خَلْفَ الشَّهَواتِ، تُرِيدُونَ مَا عِنْدَ اللهِ، فَأَبْشِرُوا فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا.
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ، وَاللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ
عِبَادَ اللهِ : إِنَّكُمْ عَلَى دِينٍ عَظِيمٍ، وَمِلَّةٍ قَوِيمَةٍ، مِلَّةِ أَبِينَا إِبْرَاهِيم، إِنَّهُ دِينٌ لا يَقْبَلُ اللهُ سِوَاهُ {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}، إِنَّهُ دِينٌ أَرْكَانُهُ خَمْسَةٌ، شَهَادَةُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ وَإِقَامُ الصَّلاةِ وَإيتَاءُ الزَّكَاةِ وَصَوْمُ رَمَضَانَ وَالْحَجُّ، إِنَّنَا نُؤْمِنُ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَنُؤْمِنُ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ.
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ، وَاللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ أَعْظَمَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ التَّوْحِيد، وَأَعْظَمَ مَا نَهَى عِنْهُ الشِّرْك، قَالَ اللهُ تَعَالَى {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} فَالتَّوْحِيدُ: هُوَ إِفْرَادُ اللهِ بِالْعِبَادَةِ، وَالإِقْرَارُ لَهُ بِأَنَّهُ الْخَالِقُ الرَّازِقُ الْمَالِكُ الْمُدَبِّرُ لِمَلَكُوتِ السَّمَواتِ وَالأَرْضِ، وَأَنَّ لَهُ الأَسْمَاءَ الْحُسْنَى وَالصِّفَاتِ الْعُلَى ، فَهُوَ الرَّبُّ الْعَظِيمُ الْغِنِيُّ الْحَمِيدُ، وَمَنْ سِوَاهُ مَخْلُوقٌ ضَعِيفٌ لا يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ نَفْعًا، وَلا يَدْفَعُ عَنْهَا شَرًا وَلا ضَرًّا، قَالَ اللهُ تَعَالَى {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا}
وَأَمَّا الشِّرْكُ فَهُوَ دَعْوَةُ غَيْرِ اللهِ مَعَهُ، أَوْ صَرْفُ شَيْءٍ مِنْ حُقُوقِ اللهِ لِمَخْلُوقٍ كَائِنَاً مَنْ كَانَ، وَالشَّرْكُ خَطِيرٌ جِدًا عَلَيْكَ أَيُّهَا المؤْمِنُ وَأَيَّتُهَا المؤْمِنَةُ، لِأَنَّهُ إِذَا دَخَلَ فِي الْعِبَادَةِ أَفْسَدَهَا، كَمَا أَنَّ الْحَدَثَ إِذَا خَالَطَ الطَّهَارَةَ أَبْطَلَهَا قَالَ اللهُ تَعَالَى {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}
وَقَدْ تَكَاثَرَتِ الْأَدِلَّةُ مِنَ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ مُحَذِّرَةً مِنَ الشِّرْكِ, وَأَنَّهُ يَعُودُ، فَيَقَعُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ, فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا عَنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لا يَذْهَبُ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ حَتَّى تُعْبَدَ اللَّاتُ وَالْعُزَّى) رَوَاهُ مُسْلِمٌ, فَاحْذَرُوا الشِّرْكَ وَكُونُوا مِنْهُ عَلَى وَجَلٍ.
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ، وَاللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ
أُمَّةَ الإِسْلامِ: إِنَّ السُّنَّةَ هِيَ جَمِيعُ مَا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ مِنْ عَقِيدَةٍ وَعَمَلٍ، وَاتِّبَاعُهَا مِنْ أَسْبَابِ مَحَبَّةِ اللهِ، وَالْفَلاحِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ قَالَ اللهُ تَعَالَى {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.
وَأَمَّا الْبِدْعَةُ: فَهِيَ الإِحْدَاثُ فِي الدِّينِ عَلَى خِلَافِ مَا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ مِنْ عَقِيدَةٍ أَوْ عَمَلٍ، وَكَانَ مِنْ هَدْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْذِيرُ أَصْحَابِهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ مِنَ الْبِدَعَ وَمِنَ الإِحْدَاثِ فِي الدِّينِ، مَعَ أَنَّهُمْ خَيْرُ الْقُرُونِ وَأَعْلَمُ الأُمَّةِ، فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا فِي وَصْفِ خُطْبَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ (أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَخَيْرَ الْهُدَىْ هُدَىْ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ، وَاللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ صَلاةَ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسْجِدِ أَمْرٌ وَاجِبٌ، وَفِيهَا أَجْرٌ عَظِيمٌ، فَمِنْ حِينَ أَنْ يَخْرُجَ الرَّجُلُ مِنْ بَيْتِهِ قَاصِدًا الْمَسْجِدَ لِلصَّلَاةِ فَهُوَ فِي أَجْرٍ وَفَضْلٍ، وَكَمَا أَنَّ أَجْرَهَا عَظِيمٌ فَتَرْكُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسْجِدِ ذَنْبٌ خَطِيرٌ، وَقَدْ عَزَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى تَحْرِيقِ بُيُوتِ مَنْ لا يَشْهَدُ الصَّلَاةَ، مَعَ أَنَّهُ أَرْحَمُ النَّاسِ بِالنَّاسِ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِأَنَّ تَرْكَ الْمَسْجِدِ شَأْنٌ خَطِيرٌ، فَاتَّقِ اللهَ يَا مُسْلِمُ وَحَافِظْ عَلَى صَلاةِ الْجَمَاعَةِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمَسْجِدِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ}.
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ، وَاللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ مَا يَحْفَظُ لَنَا اللهُ بِهِ دِينَنَا وَأَمْنَنَا الْعُلَمَاءَ وَالْحُكَّامَ الْمُسْلِمِينَأن ، فَبِالْحُكَّامِ يَحْفَظُ اللهُ الأَمْنَ، وَبِالْعُلْمَاءِ يَحْفَظُ اللهُ الدِّينَ، وَهَذَا أَمْرٌ يَغْفُلُ عَنْهُ الْكَثِيرُ وَلا يَفْهَمُهُ إِلَّا الْقَلِيلُ، قَالَ اللهُ تَعَالَى فِي شَأْنِ الْحَاكِمِ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}، وقَالَ سُبْحَانَهُ مُثْنِيًا عَلَى العُلَمَاءِ ورَافِعًا لِشَأْنِهِمْ {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)، وَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنَا فِي هَذِهِ البِلَادِ بِدَوْلَةٍ قَامَتْ عَلَى التَّوْحِيدِ وَنَشَرَتِ السُّنَّةَ, وَحَارَبِتِ الشِّرْكَ وَالبِدْعَةَ, فِلِلَّهِ الحَمْدُ وَالمنَّةُ, وَعَلَيْنَا أَنْ نَكُونَ يَدًا وَاحِدَةً مَعَ حُكَّامِنَا وَعُلَمَائِنَا, قَالَ الشَّيْخُ الْعَالِمُ مُحَمَّدُ بْنُ عُثَيْمِينَ رَحِمَهُ اللهُ: إِنَّنَا إِذَا احْتَرَمْنَا عُلَمَاءَنَا حَفِظْنَا شَرْعَنَا، وَإِذَا احْتَرَمْنَا أُمَرَاءَنَا حَفِظْنَا أَمْنَنَا.
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ، وَاللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ
أَيُّهَا الشَّبَابُ: إِنَّكُمْ مُسْتَقْبَلُ الْأُمَّةِ وَأَمَلُهَا بَعْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَاحْفَظُوا دِينَكُمْ وَحَافِظُوا عَلَى طَاعَةِ مَوْلَاكُمْ, وَأَقْبِلُوا عَلَى الْقُرْآنِ كِتَابِ رَبِّكُمْ، وَأَقْبِلُوا عَلَى مَدَارِسِكُمْ وَجَامِعَاتِكُمْ فَإِنَّ فِيهَا مُسْتَقَبَلَكُمُ الدِّينِيَّ وَالدُّنْيَوِيَّ، وَإِنَّ النَّجَاحَ يَبْدَأُ مِنْ أَيَّامِ الدِّرَاسَةِ، فَإِنَّهَا الْخُطْوَةُ الْأُولَى لِنَجَاحَكِ فِي حَيَاتِكَ.
وَاحْذَرُوا -وَفَّقَكُمُ اللهُ- مِنَ الْفِتَنِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ، فَاحْذَرُوا مِنَ الْمُخَدِّرَاتِ وَالْمُنَبِّهَاتِ فَإِنَّهَا هَلاكٌ لِلدِّينِ وَالدُّنْيَا، وَطَرِيقٌ لِلسُّجُونِ وَالْأَمْرَاضِ وَالْجُنُونِ، وَاحْذَرُوا كَذَلِكَ مِنَ الْأَفْكَارِ الْهَدَّامَةِ وَالْإِلْحَادِيَّةِ، فَإِنَّهُمْ يُرِيدُونَ سَلْبَ دِينِكُمْ وَجَرَّكُمْ لِلضَّيَاعِ، واحْذَرُوا مِنْ فِتَنِ الشَّهَوَاتِ وَالشُّبُهَاتِ, وَاحْرِصُوا عَلَى العِفَّةِ فِي أَنْفِسِكُمْ وَمَنْ حَوْلَكُمِ، وَعَلَيْكُمْ بِبِرِّ وَالِدِيكُمْ وَصِلَةِ أَرْحَامِكُمْ، وَالانْتِبَاهِ لِإِخْوَانِكُمْ وَأَخَوَاتِكُمْ، وَتَحَمَّلُوا الْمَسْؤُولِيَّةَ فَإِنَّكُمْ إِنْ شَاءَ اللهُ أَهْلٌ لَهَا.
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ، وَاللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ
اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِعَفْوِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْكَ لا نُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى مَنْ لا نَبِيَّ بَعْدَهُ، (اللهُ أَكْبَرُ،7)
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ وَالْمُسْلِمَاتِ: إِنَّ مِنَ الْفِتَنِ التِي خَرَجَتْ عَلَيْنَا قَرِيبًا، وَوَقَعَ النَّاسُ فِيهَا مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ: الْجَوَّالُ: هَذَا الْجِهَازُ الصَّغِيرُ الذِي عَبَثَ بِحَيَاةِ كَثِيرٍ مِنَ النَّاس ِكِبَارًا وَصِغَارًا رِجَالًا وَنِسَاءً، فَصَارَ يَأْخُذُ مِنْهُمْ السَّاعَاتِ الطِّوَالَ، وَعَطَّلَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ وَاجِبَاتِهِم الدِينِيَّةَ وَالدُنْيَوِيَّةَ، فَضَيَّعُوا وَظَائِفَهُمْ وَأَخَلُّوا بِأَعْمَالِهِمْ وَفَشِلُوا فِي مَدَارِسِهِمْ وَجَامِعَاتِهِمْ، بَلْ ضَيَّعَ الْبَعْضُ عَائِلَتَهُ، وَعَقَّ وَالِدَيْهِ وَقَطَعَ رَحِمَهُ مِنْ حَيْثُ يَشْعُرُ أَوْ لا يَشْعُرُ، فَكَمْ مِنَ الْأَوْلادِ يَأْتِي إِلَى أَبَوَيْهِ ثُمَّ يُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ يُخْرِجُ هَذَا الْجَوَّالَ وَيَتَنَقَّلُ فِي بَرَامِجِهِ، وَيَتْرُكُ وَالِدَيْهِ يَنْظُرَانِ إِلَيْهِ نَظَرَ الْحَسْرَةِ وَالْأَسَفِ، وَكَمْ مِنَ الْأَقَارِبِ إِذَا الْتَقَوا كَانُوا يَتَبَادَلُونَ أَطْرَافَ الْحَدِيثِ وَيَتَآنَسُونَ، وَالآنَ صَارُوا يَتَنَاسَونَ، فَيَحْضُرُونَ اللِّقَاءَ وَمَا إِنْ يَسْتَقِرَّ بِهِمُ الْمَجْلِسُ حَتَّى يُخْرِجَ كُلٌّ مِنْهُمْ جَوَّالَهُ، وَيُقَلِّبَ أَصَابِعَهُ بَيْنَ بَرَامِجِهِ، وَيَتْرُكَ مَنْ حَوْلَهُ وَيَتْرُكَ مُؤَانَسَتَهُمْ لِئَلَّا يَفُوتَهُ شَيْءٌ مِنْ بَرَامِجِ هَذَا الْعَدُوِّ الْجَدِيدِ.
حَتَّى فِي رَمَضَانَ أَشْغَلَ النَّاسَ عَنِ الطَّاعَةِ وَالْعِبَادَةِ، فرُبُّمَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ فِي الْبَيْتِ ثُمَّ يَضَعُ الْجَوَّالَ أَمَامَهُ، وَرُبَّمَا عَلَى الْمُصْحَفِ لِئَلَّا يَفُوتَهُ مُكَالَمَةٌ تَدْخُلُ أَوْ مَقْطَعٌ يَنْزِلُ أَوْ رَابِطٌ يُرْسَل، وَمَا إِنْ يَسْمَعُ صَوْتَ شَيْءِ مِنْ تِلْكَ الْبَرَامِجِ حَتَّى يُبْعِدَ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ، وَيُقْبِلَ عَلَى جِهَازِهِ الذِي أَجْهَزَ عَلَيْهِ.
فَعَلَيْنَا أَنْ نَضْبِطَ اسْتِخْدَامَ الْجَوَّالَ فِيمَا يَنْفَعُ وَنَتَوَقَّى كَثِيرًا مِنْ بَرَامِجِهِ فَإِنَّهَا ضَارَّةٌ، وَأَقَلُّ أَضْرَارِهَا تَضْيِيعُ الْأَوْقَاتِ.
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ، وَاللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ
أَيَّتُهَا الْمُسْلِمَات: إِنَّكُنَّ نِصْفُ المجْتَمَعِ, وَأَنْتُنَّ مُرَبِّيَاتُ النِّصْفِ الآخَرَ, فَصَارَتِ المرْأَةُ هِيَ المجْتَمَعَ, فَقِيمَتُكِ كَبِيرَةٌ وَأَثَرُكَ عَظِيمٌ, وَلِذَلِكَ جَاءَتِ الأَدِلَّةُ بِاحْتِرَامِ المرْأَةَ وَتَقْدِيرِهَا, أُمًّا وَبِنْتًا وَزَوْجَةً وَأُخْتًا, بَلْ جَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِقْيَاسَ الخَيْرِيَّةِ عِنْدَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ, فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (خَيْرُكُمْ خيركم لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي) رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِي.
وَاعْلَمِي أَيَّتُهَا المؤْمِنَةُ أَنَّ طَرِيقَ الجَنَّةِ سَهْلٌ عَلَيْكِ وَغَيْرُ شَاٍّق, فَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِذَا صَلَّتِ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا، وَصَامَتْ شَهْرَهَا، وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا، وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا، قِيلَ لَهَا: ادْخُلِى الْجَنَّةَ مِنْ أَىِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ لِغَيْرِهِ.
وَأُوصِيكِ أَيَّتُهَا المبَاركَةُ بِبَيْتِكِ وَأَوْلَادِكِ بِالتَّرْبِيَّةِ الصَّالِحَةِ وَالصَّبْرِ عَلَيْهِمْ, فَأَنْتِ مَأْجُورَةٌ عَلَى تَعَبِكِ, وَاحْرِصِي عَلَى تَنْشِئَتِهِمْ عَلَى الصَّلَاةِ وَالصَّلَاحِ, وَالفَتَيِاتِ عَلَى الحَيَاءِ وَالعَفَافِ وَلُبْسِ لِبَاسِ الحِشْمَةِ وَالوَقَارِ, وَالبُعْدِ عَنِ المودِيلَاتِ الغَرْبِيَةِ وِالأَلْبِسَةِ الشَّرْقِيَّةِ, وَاحْرِصِي عَلَى تَرْبِيَةِ الجَمِيعِ لِلْإِقْبَالِ عَلَى القُرْآنِ وَمَحَبَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ، وَاللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ
أَيُّهَا المؤْمِنُونَ وَالمؤْمِنَاتِ: احْذَرِوا مِنَ الْوُقُوعِ فِي الْمُعَامَلَاتِ الرِّبَوِيَّةِ الْمُحَرَّمَةِ، فَإِنَّهُ قَدْ شَاعَ بَيْنَ بَعْضِ النَّاسِ الْمُدَايَنَاتُ فُلُوسًا بِفُلُوسٍ، فَيُعْطِي الرَّجُلُ صَاحِبَهُ أَوْ تُعْطِي المرْأَةُ صَاحِبَتَهَا عَشْرَةَ آلافِ رِيَالٍ بِخَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفًا إِلَى الْعَامِ الْقَادِمِ، وَهَذَا رِبًا مُحَرَّمٌ، وَرُبَّمَا ذَهَبوا إِلَى مَحَلَّاتِ الْأَسْلَاكِ مِنْ أَجْلِ تَحْلِيلِ الْمُعَامَلَةِ صُورِيًّا، وَهَذَا لا يَنْفَعُ، فَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا، وَمُؤْكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ، وَقَالَ (هُمْ سَوَاءٌ) رَوَاهُ مُسْلِم.
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ، وَاللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ وَالْمُسْلِمَات: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ صَامَ رَمْضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتَّاً مِنْ شَوَّال كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ، فَيَجُوزُ صِيَامُهَا مُتَفِرَّقَةً وَمُجْتَمِعَةً، مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ أَوْ مِنْ آخِرِهِ، لَكِنَّ الأَفْضَلَ أَنْ تَكُونَ مُتَتَابِعَةً وَتَكُونَ مُبَاشَرَةً بَعْدَ يَوْمِ الْعِيدِ، يَعْنِي يَبْدَأُ الصِّيَامُ مِنْ يَوْمِ غَدٍ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: هَذَا يَوْمُ عِيدِكُمْ فَافْرَحُوا بِنِعْمَةِ رَبِّكُمْ وَهَنِّئُوا بَعْضَكُمْ وَصِلُوا أَرْحَامِكُمْ وَزُورُا أَقَارِبَكُمْ، وَانْشُرُوا الأُلْفَةَ وَالْخَيْرَ والتَّسَامُحَ وَالْمُسَامَحَةَ بَيْنَكُمْ.
اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنَّا الصِّيَامَ وَالْقِيَامَ وَالْقُرْآنَ، وَأَعِنَّا عَلَى كُلِّ خَيْرٍ وَجَنِّبْنَا كُلَّ شَرٍّ وَوَفِّقْنَا لِمَا تُحِبُّهُ وَتَرْضَاهُ، اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلاةَ أُمُوْرِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْ خَادِمَ الْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ لِهُدَاكَ، وَاجْعَلْ عَمَلَهُ فِي رِضَاكَ، وَهيِّئْ لَهُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ، اللَّهُمَّ وَفِّقْه وَوَلِيَّ عَهْدِهِ وَسَدِّدْهُمْ وَأَعِنْهُمْ، وَاجْعَلْهُما مُبارَكِيْنَ مُوَفَّقِيْنَ لِكُلِّ خَيْرٍ وَصَلاحٍ، اللَّهُمَّ كُنْ لِلْمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ مَكَانٍ وَزَمَان، اللَّهُمَّ احْفَظْ أَعْرَاضَهُمْ وَآمِنْ رَوْعَاتِهِمْ، اللَّهُمَّ وَاكْشِفْ عَنْهُمُ الْبَلاءَ، يَا ذَا الْجَلالِ وَالإِكْرَام، اللَّهُمَّ كُنْ لِإِخْوَانِنَا مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي كُلِّ مَكَان، اللَّهُمَّ مَنْ كَادَهُمْ فَكِدْهُ وَمَنْ أَرَادَهُمْ بِشَرٍّ أَوْ سُوءٍ أَوْ فِتْنَةٍ فَاجْعَلْ كَيْدَهُ فِي نَحْرِهِ، وَاجْعَلْ تَدْبِيرَهُ تَدْمِيرًا عَلَيْهِ، اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِأَعْدَاءِ الدِّينِ فِي أَيِّ مَكَان، سُبْحَانَ رَبِّكِ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
المرفقات
1712329352_خُطْبَةُ عِيدِ الْفِطْرِ 1445هـ.pdf
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق