خطبة عيد الفطر 1444

محمد بن خالد الخضير
1444/09/28 - 2023/04/19 17:42PM

خطبة عيد الفطر لعام 1444هـ

الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْأَعْلَى، خَلَقَ فَسَوَّى، وَقَدَّرَ فَهَدَى، وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمَّى، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ وَأَشْكُرُهُ عَلَى مَا أَسْبَغَ مِنَ النِّعَمِ وَأَسْدَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى، وَالصِّفَاتُ الْعُلَى، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، نَبِيُّهُ الْمُصْطَفَى، وَخَلِيلُهُ الْمُجْتَبَى، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اهْتَدَى.

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر الله أكبرُ كبيرًا، والحمدُ لله كثيرًا، وسبحانَ الله بُكرةً وأصيلاً.

اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّه أَكْبَرُ، جَلَّ عَنِ الْأَشْبَاهِ وَالْأَنْدَادِ، وَتَنَزَّهَ عَنِ الصَّاحِبَةِ وَالْأَوْلَادِ، وَنَفَذَ حُكْمُهُ فِي جَمِيعِ الْعِبَادِ.

مَا أَجْمَلَ صَبَاحَكَ يَا عِيدُ، وَمَا أَسْعَدَ أَهْلَكَ الَّذِينَ أَتَمُّوا الْعِدَّةَ، وَأَخْرَجُوا الْفِطْرَةَ، وَخَتَمُوا مَوْسِمَ التَّقْوَى، وَقَدْ أَوْدَعُوهُ بِحُلَلِ الطَّاعَاتِ، وَنَفَائِسِ الْقُرُبَاتِ، وَبُشْرَاهُمُ الْفَوْزُ مِنَ اللَّهِ (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا)[النَّبَأ:31].

اللَّهُ أَكْبَرُ؛ جَعَلَ رَمَضَانَ مَوْسِمًا لِلْخَيْرَاتِ، وَاكْتِسَابِ الْحَسَنَاتِ، فَمِنَ الْعِبَادِ مَنْ نَصَبَ فِيهِ الْأَرْكَانَ، وَلَزِمَ الْقُرْآنَ، وَبَذَلَ الْإِحْسَانَ. وَالْيَوْمُ يَوْمُ الْجَوَائِزِ، حِينَ يُوَفَّى الْعَامِلُونَ أَجْرَهُمْ، فَيُغْفَرُ ذَنْبُهُمْ، وَيُقْبَلُ عَمَلُهُمْ، وَيُشْكَرُ سَعْيُهُمْ، جَعَلَنَا اللَّهُ -تَعَالَى- وَالْمُسْلِمِينَ مِنْهُمْ.

اللَّهُ أَكْبَرُ؛ يُمْهِلُ الْعَاصِينَ، وَيَقْبَلُ تَوْبَ التَّائِبِينَ، وَيَفْرَحُ بِهِمْ أَشَدَّ مِنْ فَرَحِ مَنْ أَضَلَّ دَابَّتَهُ فِي صَحْرَاءَ ثُمَّ وَجَدَهَا بَعْدَ الْيَأْسِ وَالْإِبْلَاسِ، فَيَا أَيُّهَا الْمُسْرِفُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ تُوبُوا إِلَى رَبِّكُمْ: (إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)[الزُّمَرِ: 53].

اللَّهُ أَكْبَرُ؛ جَعَلَ عِبَادَتَهُ فِي كُلِّ حَالٍ وَمَكَانٍ وَزَمَانٍ، وَلَمْ يَقْصُرْهَا عَلَى رَمَضَانَ، وَشَرَعَ نَوَافِلَ الصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ وَالصِّيَامِ وَالْإِحْسَانِ، فِي كُلِّ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ؛ فَضْلًا مِنْهُ -تَعَالَى- عَلَى عِبَادِهِ، لِيَتَقَرَّبَ إِلَيْهِ الْمُتَقَرِّبُونَ بِمَا يَسْتَطِيعُونَ، وَقَدْ قَالَ نَبِيُّنَا r: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ، عَلَيْكُمْ مِنَ الْأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا، وَإِنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ مَا دُووِمَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَلَّ" (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

عباد الله: نبينا محمدٌ rأكمل الناس أخلاقًا، وصفه الله بقوله: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم: 4]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسولِ اللهِ r قال: «إِنَّما بُعثتُ لأتمَّمَ صالحَ الأخلاقِ» صححه الألباني

هُوَ ٱلَّذِى بَعَثَ فِى ٱلأُمّيّينَ رَسُولاً مّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ ءايَـٰتِهِ وَيُزَكّيهِمْ وَيُعَلّمُهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِى ضَلَلٍ مُّبِينٍ 

إنَّ الْبَريـةَ يـومَ مبعثِ أحمـدٍ          نَظـرَ الإلهُ لهـا فبدّلَ حالَهَا

بل كرّمَ الإنسانَ حينَ اختارَ مِن          خيرِ البريـةِ نجمهَا وهِلالهَا

نشأ وعاش متحليًا بكل خلقٍ كريمٍ مبتعدٍ عن وصفٍ ذميم، وكان أكرم الخلق نفسًا؛ فما رد سائلاً، وأطلقهم وجهًا، قال جرير -رضي الله عنه-: "ما رآني رسول الله r إلا تبسم" صحيح الجامع، وأشدهم وفاءً، إن مرض أحدٌ من صحابته عادَهُ، وإن افتقده سأل عنه، وكان أرحمهم قلبًا، يتجوز في صلاته إذا سمع بكاء الصبي كراهة أن يشق على أمه، وألينهم طبعًا، إذا دخل إلى بيته اشتغل في مهنة أهل بيته.

اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

أيها المسلمون: شرع الله لعبادة أنواعًا من الطاعات والقربات، وأمرنا وأمر الأمم قبلنا بعبادةٍ تقرب العبد من ربه وإلى خلقه، بها يثقل الميزان يوم القيامة؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: "ما من شيءٍ أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلقٍ حسن". رواه الترمذي وصححه الألباني.  

وترفع في درجاته وتزيد في حسناته؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: "إن المؤمن ليدرك بحسن الخلق درجة الصائم القائم". رواه أبو داود وصححه الألباني.

وثوابه يتضاعف ولو كان بأمر يسير منها، قال النبي r: "لا تحقرن من المعروف شيئًا ولو أن تلقى أخاك بوجهٍ طلق". وقال -عليه الصلاة والسلام-: "إن خياركم أحاسنكم أخلاقًا". رواه البخاري.

 وهي أكثر ما يدخل الناس الجنة، سئل النبي r عن أكثر ما يدخل الناس الجنة فقال: "تقوى الله وحسن الخلق". رواه الترمذي وصححه الألباني.

بها يكمل إيمان العبد؛ "أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا"، وأعلى الدرجات في الآخرة لمن أداها؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: "أنا زعيم ببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه". رواه أبو داود.

وقد كان النبي rيدعو ربه في صلاته أن ينالها فكان يقول: "اللهم اهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت". رواه مسلم.

وأقرب الناس منزلةً إلى الرسل يوم القيامة أحسنهم خلقًا؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: "إن من أحبكم إليَّ وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا". رواه الترمذي وصححه الألباني.

اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

أيها المسلمون: أخلاق المؤمن استقامة في دين، وبشاشة في لين، وعفو مع إحسان، وكرم في العطاء، وعطاء في الفاقة، وتفريج كربة، وكلمة طيبة، وإفشاء سلام، وبر بالوالدين، وإحسان للجار، والله -عز وجل- قسَّم الأخلاق كما قسم الأرزاق، والقرآن جامع لمكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، سُئِلت عائشة -رضي الله عنها- عن خلق النبي r فقالت: "كان خلقه القرآن" رواه مسلم.

فاقتدوا بنبيكم بالتخلق بأخلاق القرآن، وسيروا على نهج صحابته الكرام، وكونوا بأخلاقهم أسوة لغيركم، تنالوا السعادة في الدارين

أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ لي ولكم ولجميعِ المسلمينَ من كلِّ ذَنبٍ فاستغفروهُ، إنَّه هو الغفورُ الرحيمُ.

الخطبة الثانية

الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحبّ ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

أَمَّا بَعْدُ عباد الله: اليومُ يومُ فرحٍ وسَعادةٍ، يومُ أُنسٍ وبهجةٍ، فافرَحُوا واسْعَدُوا بيومِكُم، فإنَّ فَرحَكُمْ بهذَا اليومِ عِبادةٌ تُؤجرُونَ عليهَا. اِفرَحُوا بِعِيدِكُم، وَكُلُوا وَاشرَبُوا وَلا تُسرِفُوا، فأَنتُم في عِيدٍ سَعيدٍ بإذنِ اللهِ، اسْعِدُوا أَطفالَكمْ ونِساءَكمْ، ولا تَنسَوا كذَلكَ مَنْ تَحتَ أَيدِيَكُمْ مِنَ الخدمِ والسائقينَ وغيرِهمْ، أَدْخِلُوا عَليهمُ الفرحَ والبهجةَ بهذا العيدِ وأَسعِدُوهُمْ بالهَدايا المُنَاسِبةِ.

يا معشر النساء: اتَّقين الله وأدِّين ما أوجبَه الله عليكنَّ من حُسن تربية الأولاد، ورعاية الأُسرة، وحقِّ الزوج، والجيران، والأقرباء؛ ففي الحديث: "إذا صلَّت المرأةُ خمسَها، وصامَت شهرَها، وحفِظَت فرجَها، وأطاعَت زوجَها، قيل لها: ادخُلي الجنةَ من أي أبوابِ الجنة شِئتِ" رواه الإمام أحمد وصححه الألباني.

والتزِمن السِّترَ والعفافَ، ولا تُكلِّفنَ الأزواجَ ما لا يُطيقُون، وقُدوتُكنَّ زوجاتُ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وبناتُه - رضي الله عنهن -

اللهم إنَّا نسألكَ بركاتِ هذا العيدِ وجوائزه.واجعل عيدَنا فوزاً برضاكَ والجنَّةَ. الَّلهُمَّ اِحْمِ بِلَادَنَا وَسَائِرَ بِلَادِ الإِسْلَامِ مِنَ الفِتَنِ، وَالمِحَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن، اللَّهُمَّ احْفَظْ إِمَامَنَا وَوَلِيَّ أَمْرِنَا خَادِمَ الحَرَمَينِ الشَّرِيفَينِ، وَوَفِّقْهُ وولي عهده لِمَا فِيهِ عِزُّ الإِسلامِ وَصَلاحُ المسلِمِين يَا رَبَّ العَالَمِين.

اللهم من أرادنا وأراد بلادنا بسوءٍ فرُدَّ كيدَه في نحره، واجعل تدبيرَه دمارًا عليه، اللهم انصُر جنودَنا المُرابِطين على ثُغورِنا، وكلَّ رِجال أمنِنا، اللهم احفَظهم بما يحفَظون من بلادِك المُقدَّسة وعبادِك المُؤمنين

اللهم اكتبنا في عداد الصائمين المقبولين، اللهم تقبَّل صيامنا وقيامنا، اللهم أَعِدْ علينا رمضان أعوامًا عديدة، وأزمنة مديدة، ونحن في صحة وعافية وحياة سعيدة، اللهم أحسن فرحتنا بالعيد، وأتممها بالحسنى والمزيد، يا رب العالمين، ،اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين، ونفس كرب المكروبين، واقض الدين عن المدينين، واشف برحمتك مرضانا ومرضى المسلمين

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار

سبحان ربِّك ربِّ العزة عمّا يصفون،وسلام على المرسلين، والحمد لله ربِّ العالمين

تقبَّلَ اللهُ طاعاتِكم، وكلُّ عام وأنتم بخيرٍ

المرفقات

1681915303_خطبة عيد الفطر لعام 1444هـ.pdf

المشاهدات 1491 | التعليقات 0