خطبة عيد الفطر 1444هـ

اللهُ أكبر .. اللهُ أكبر .. اللهُ أكبر .. اللهُ أكبر .. اللهُ أكبر .. اللهُ أكبر .. اللهُ أكبر .. اللهُ أكبر .. اللهُ أكبر .. اللهُ أكبرُ كبيرا .. والحمدُ للهِ كثيرا .. وسبحانَ اللهِ بُكرةً وأصِيلاً .

اللهُ أكبرُ تفرَّدَ عزًّا ومجداً وجلالاً ، اللهُ أكبرُ تقدَّس بهاءًا وسناءًا وجمالاً، اللهُ أكبرُ توحَّدَ عظمةً وكبرياءًا وكمالاً ..

سبحانَ من عنتِ الوجـوهُ لوجهـهِ .. ولـهُ سجـدَنا أوجُــهاً وجِـبـاهُ ..

سبحانَ من ملأَ الوجودَ أدلةً .. ليُبِينَ ما أخفى بما أبداهُ ..

سبحانَ من أحيا قلوبَ عبادهِ .. بنفائحٍ من فيضِ نورِ هُداهُ ..

هو أولٌ هو آخرٌ هو ظاهرٌ .. هو باطنٌ ليسَ العيونُ تراهُ ..

يا ذا الجلالِ وذا الجمالِ وذا الهُدى .. يا منعمًا عمَّ الوجودَ نداهُ ..

شمِلت لطائفُهُ الخلائقَ كُلَّها .. ما للخلائقِ كافلٌ إلا هو

وأشهدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له ، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُهُ ورسولُهُ، النبيُّ الأميُّ الإمام، أزكى الأنامِ، ومسكُ الختامِ، وبدرُ التمامِ، ورسولُ السلامِ، وخيرُ من صلى وصامَ، وتعبَّدَ لربه وقامَ، وطافَ بالبيتِ الحرامِ .. صلَّى اللهُ وسلَّم وباركَ عليهِ وعلى آلهِ الأعلامِ، وصحبهِ الكرامِ، والتابعينَ وتابعيهم بإحسانٍ إلى يوم التمامِ

الله أكبرُ الله أكبرُ لا إله إلا الله والله أكبرُ الله أكبرُ وللهِ الحمد .

يا أهلَ العيد : بطونُكُم جاعت وأكبادُكُم ظمِئت للهِ صيامًا ، وأقدامُكم انتصَبت للهِ قِياماً ،

وألسنتُكُم لهجَت بالقرآنِ تلاوةً وبيانًا ، وأيديكُم رُفِعت للهِ دعاءاً وتضرعاً وإيمانًا .

أفلحت وجوهُكم ، وأسعدَ الله أيامَكُم ، وباركَ أعيادَكم ، وأدامَ أفراحَكُم ، وتقبَّل الله منا ومنكُم، اللهم إنَّ جمعَ العيدِ بالأمسِ تعبُداً لك صاموا ... واليوم تعبُداً لك أفطروا .. اللهم كما أفرحتَنا بفطرِك فأفرحنا بالجنةِ عند لقائك .. قالها خليلُك صلى اللهُ عليه وسلم : للصائمِ فرحتان : فرحةٌ عند فِطره ، وفرحةٌ بلقاءِ ربِّه ياسُعدَنا وربي يوم نلقاك فرِحين ، اللهم لا تحرمنا فرحة لقائِك.

يا أهلَ العيد : العيدُ فرحٌ بفضلِ الله ، فرحٌ برحمةِ الله ، وما والله صُمنا ولا قُمنا ولا أفطَرنا إلا بفضلهِ وبرحمتهِ ( قل بفضلِ اللهِ وبرحمتهِ فبذلك فليفرحوا هو خيرٌ مما يجمعون ) .

يا أهلَ العيد : العيدُ عيدُ من عفَا ، وسامحَ من هفَا ، بزيارةٍ باتصالٍ برسالةٍ صِلُوا من قطَعكُم واجمعوا على الطهارةِ قلوبَكُم ، كلُّنا راحِلُون ، فلنرحَل وقد صفَتِ القلُوب فما أعظمَ الواصل عند علَّام الغيوب .   

يا أهلَ العيد: أَيُّهَا النَّاسُ: قَرَأَ الْمُسْلِمُونَ الْقُرْآنَ فِي رَمَضَانَ، وَاسْتَمَعُوا لِآيَاتِهِ فِي التَّرَاوِيحِ وَالْقِيَامِ. وَمِمَّا قَرَؤُوا وَسَمِعُوا آيَاتُ التَّدَافُعِ، وَأَنَّهُ سُنَّةٌ رَبَّانِيَّةٌ قَضَى اللَّهُ -تَعَالَى- بِهَا عَلَى الْعِبَادِ، وَأَنْصَتُوا لِقَصَصِ التَّدَافُعِ فِي الْقُرْآنِ، وَكُرِّرَتْ عَلَيْهِمْ فِي السُّوَرِ؛ لِيَفْهَمُوا هَذِهِ السُّنَّةَ الرَّبَّانِيَّةَ الْعَظِيمَةَ. وَأَوَّلُهَا قِصَّةُ آدَمَ وَإِبْلِيسَ، ثُمَّ قَصَصُ نُوحٍ، وَهُودٍ، وَصَالِحٍ، وَإِبْرَاهِيمَ، وَلُوطٍ، وَمُوسَى، وَشُعَيْبٍ مَعَ أَقْوَامِهِمْ، وَقِصَصٌ أُخْرَى غَيْرُهَا، كُلُّهَا نَمَاذِجُ لِلتَّدَافُعِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ. وَقَرَؤُوا غَزْوَةَ بَدْرٍ فِي الْأَنْفَالِ، وَغَزْوَةَ أُحُدٍ فِي آلِ عِمْرَانَ، وَغَزْوَةَ الْخَنْدَقِ وَقُرَيْظَةَ فِي الْأَحْزَابِ، وَغَزْوَةَ بَنِي النَّضِيرِ فِي الْحَشْرِ، وَغَزْوَةَ حُنَيْنٍ وَتَبُوكَ فِي التَّوْبَةِ، وَكُلُّهَا نَمَاذِجُ لِلتَّدَافُعِ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ. وَقَرَؤُوا أَخْبَارَ الْوِفَاقِ وَالْخِلَافِ بَيْنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَبَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ وَالْمُنَافِقِينَ، وَهُوَ مِنْ تَدَافُعِ أَهْلِ الْبَاطِلِ فِيمَا بَيْنَهُمْ؛ (وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) ، "أَيْ نُسَلِّطُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ"، وَفِي آيَةٍ أُخْرَى: (تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى). وَفِي الْقُرْآنِ آيَاتٌ جَامِعَةٌ لِلتَّدَافُعِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ؛ كَقَوْلِهِ -تَعَالَى-: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ) ؛ لِتَشْمَلَ تَدَافُعَ الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ، وَالتَّوْحِيدِ وَالشِّرْكِ، وَالسُّنَّةَ وَالْبِدْعَةِ، وَالطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ، وَالْمَعْرُوفِ وَالْمُنْكَرِ، وَهُوَ مَا شَهِدَتْهُ الْبَشَرِيَّةُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا، وَلَنْ يَنْفَكَّ زَمَنٌ عَنْهُ ، مُنْذُ أَنْ خَاطَبَ اللَّهُ -تَعَالَى- آدَمَ وَحَوَّاءَ وَإِبْلِيسَ قَائِلًا لَهُمْ: (اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) ، وَإِلَى آخِرِ الزَّمَانِ.

سُنَّةٌ رَبَّانِيَّةٌ عَظِيمَةٌ لِصَالِحِ الْبَشَرِ؛ إِذْ لَوْلَا تَدَافُعُهُمْ لَفَسَدَتْ أَحْوَالُهُمْ ؛ فَالتَّدَافُعُ يُحي الأرضَ ويحمِيها ويُحقِّقُ المصالحَ ويُبقِيها ؛ وَلِذَا قَالَ اللَّهُ -تَعَالَى-: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) وَمِنْ فَضْلِهِ عَلَى الْعَالَمِينَ قَضَاؤُهُ بِسُنَّةِ التَّدَافُعِ بَيْنَهُمْ. وَفِي آيَةٍ أُخْرَى: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا). فلنَفهم عبادَ اللهِ هذه السُّنَّةَ وهي قدرُ الله (قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ) ، وتيقنُوا بِأَنَّ هَذَا التَّدَافُعَ فِي صَالِحِ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَنَّهُ ابْتِلَاءٌ بحكمةِ أحكمِ الحاكمين (وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ) . فليصبِر أهلُ الإيمانِ وليتقُّوا وليوقِنُوا بوعد الله (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ). وليتَعلَّقوا بالله فيما يخشَون (وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) .

وليأخذُوا بوصيةِ نبيِّهم صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم عندما قال : ( تلزمُ جماعةَ المسلمينَ وإمامَهم ) .

يا أهلَ العيد : أُلْقِيَ إِبْرَاهِيمُ فِي النَّارِ فَكَانَتْ بَرْدًا وَسَلَامًا، وَأُلْقِيَ يُوسُفُ فِي الْجُبِّ ثُمَّ كَانَ عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ، وَأُلْقِيَ مُوسَى فِي الْيَمِّ طِفْلًا رَضِيعًا فَلَمْ يَغْرَقْ، وَخَرَجَ فِرْعَوْنُ بِجُنْدِهِ وَعَتَادِهِ وَجَبَرُوتِهِ فَغَرِقَ. فَمَنْ قَرَأَ ذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنَّهُ -سُبْحَانَهُ- يَجْعَلُ الْمِحَنَ مِنَحًا، وَالْعُسْرَ يُسْرًا، وَيُعْقِبُ الْكَرْبَ فَرَجًا، وَالضِّيقَ سَعَةً، وَيَقْلِبُ الْقِلَّةَ كَثْرَةً، وَالضَّعْفَ قُوَّةً، وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَبِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ، أقول ما سمعتم ولي ولكم أستغفرُ اللهِ فاستغفروهُ إنَّه كان غفَّارا.

                                         الخطبة الثانية

الله أكبر ..الله أكبر .. الله أكبر .. الله أكبر .. الله أكبر .. الله أكبر كم للهِ من لطفٍ خفيٍّ  يدِقُ خفاهُ عن فهم الذكِيِّ .. الله أكبر كم يُسرٍ أتى من بعدِ عُسرٍ .. ففرَّجَ كُربةَ القلبِ الشجِيَّ .. إذا ضاقت بكَ الأحوالُ يوماً .. فلُذ بالقادرِ المولى العليِّ أشهد أن لا إله حق غيره، وأشهد أن محمداً عبدالله ورسوله أَمَّا بَعْدُ:

اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

أَيَّتُهَا الْمَرْأَةُ الْمُسْلِمَةُ، أَيَّتُهَا الصَّائِمَةُ الْقَائِمَةُ: إِنَّ قَضَايَا الْمَرْأَةِ جُزْءٌ مِنَ التَّدَافُعِ بَيْنَ أَهْلِ الْحَقِّ وَأَهْلِ الْبَاطِلِ، وإنّ أعظمَ ميثاقٍ لحقوقِ المرأةِ عرفتْهُ البشرية، كانَ في ظلالِ الإسلامِ (اللهم إني أُحَرِّجُ حقَ الضعيفين: المرأةُ واليتيم)، وقدْ تولّى اللهُ بنفسِه تباركَ وتعالَى الإفتاءَ في شأنِك فقال: (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ)، ولمّا أدّبَ اللهُ نساءَ النبيِ صلّى اللهُ عليهِ وسلّم في الأحزابِ قالَ العلماء: ونساءُ الأمةِ تبعٌ لهن في ذلك، ولضمانِ حقوقِك نزلتْ سورتي: النساءِ الكُبرى والصُغرى، فعزيزٌ على الأمةِ أنْ تُؤْتَى منْ قِبَلِك وتُنْقَضُ عُرَاها عَبَرَ بَوّابَتِك،  إنّ لكلِ دهرٍ حمَّالةُ حطبٍ فأُجيرُك من سيرتِها بيدَ أنْ الشرَّ يُعْلَمُ لِيُتَوقّى، وإنّ لكلِ دهرٍ خديجة: (آمنتْ بي إذّ كفرَ بي الناس، وصدقتْنِي إذ كذبَنِي الناس، وواستْنِي بمالِها إذ حرمَنِي الناس) فكوني واحةَ أمل، وجبلَ ثباتٍ، ومنارةَ وعي.

    أيّتُها المسلمة: مجتمعُكِ محتاجٌ لعطائِك وبذلِك، ورحمَ اللهُ من أعانَ على الدينِ بشطرِ كلمةٍ فكيفَ بمنْ تُربّي أجيالًا؟!

    وإياكِ أنْ تجرُّك حظوظَ نفسِك إِلَى الاختلاطِ المحرم بالرِّجال أعيذُك بالله أن تنفَتني أو تُفتني.  وَثِقِي أنّ اللباسَ الشرعيَّ المحتشم؛ دليلُ وعيِك، وأمارةُ علمِك، وليسَ وصايةً عليك، ولا تحجيرًا لحريتِك، والواثقةُ بهويتِها تمشي ملكة!

حفظَك اللهُ منْ كلِّ سوءٍ ومكروه، وأسبغَ عليكِ نعمَه ظاهرةً وباطنة.

يا صاحبَ العيد : صَلاتُكَ فارعَها.. هي عَمودُ الدينِ.. احفظْها تُحْفَظْ، أقِمْها تَسْتَقِم.. مَنْ لَمْ يَرعَ لِصلاتِه قَدراً تَخَطَّفَتْهُ الشياطين. مَنْ لَمْ يُقِم لها وَزْناً زَلَّت بِه القَدَمُ إلى أسفَلِ سافلين {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} أَقِم صلاتَك في وَقتِها {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا} مفروضةً في أَوقاتٍ معلومةٍ.

واعلموا أن عيدَكُم هذا العامَ وافقَ يومَ الجُمعة ، فمن صلَّى العيدَ جازَ له تركُ الجمعةِ لكن لابدَّ أن يُصلي الظهرَ في بيتِه ؛ إذ لا تُشرع صلاتُها في مساجدِ الأوقات ، وإن صلَّى الجمعةَ سقطت الظهرَ عنه بذلك جاءت السُّنَّةَ عن حبيبكُم r .

وإننا بإذنِ الله سنقيمُ صلاةَ الجمعةِ اليومَ في هذا الجامعِ في وقتِها تقبَّل اللهُ منَ الجميع .

يا أهلَ العيد : العيدُ عيدُ من أتبعَ الحسنةَ بالحسنةِ ومنها صِيَامِ سِتٍّ مِنْ شَوَّالَ ، فأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ.. أسألُ اللهَ أن يجعلَ أيامَكُم عيدًا، وأن يجعلَ عيدَكُم سعيدًا.. اللهم صل على محمد ...

 

المشاهدات 1284 | التعليقات 0