خطبة عيد الفطر 1443
عبدالله البصري
عيد الفطر 1443
الخطبة الأولى :
اللهُ أَكبَرُ ، اللهُ أَكبَرُ ، اللهُ أَكبَرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبَرُ ، اللهُ أَكبَرُ وَللهِ الحَمدُ ، اللهُ أكبرُ لهُ تَعنُو الجِبَاهُ ، اللهُ أكبرُ بِذِكرِهِ تَحلُو الحَيَاةُ ، اللهُ أَكبَرُ أَحلَى مَا رُطِّبَت بِهِ الشَّفَاهُ ، اللهُ أَكبَرُ وَالحَمدُ للهِ لا نَعبُدُ إِلاَّ إِيَّاهُ ، اللهُ أَكبَرُ وَلَهُ الشُّكرُ لا نَرجُو سِوَاهُ ، اللهُ أَكبَرُ عَلَيهِ تَوَكَّلنَا وَإِلَيهِ أَنَبنَا وَإِلَيهِ المَصِيرُ .
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ يَا أُمَّةَ الإِسلامِ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُسلِمُونَ . وَاعتَصِمُوا بِحَبلِ اللهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذكُرُوا نِعمَةَ اللهِ عَلَيكُم إِذْ كُنتُم أَعدَاءً فَأَلَّفَ بَينَ قُلُوبِكُم فَأَصبَحتُم بِنِعمَتِهِ إِخوَانًا وَكُنتُم عَلَى شَفَا حُفرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِنهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُم آيَاتِهِ لَعَلَّكُم تَهتَدُونَ . وَلْتَكُنْ مِنكُم أُمَّةٌ يَدعُونَ إِلى الخَيرِ وَيَأمُرُونَ بِالمَعرُوفِ وَيَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ المُفلِحُونَ . وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاختَلَفُوا مِن بَعدِ مَا جَاءَهُمُ البَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُم عَذَابٌ عَظِيمٌ " اللهُ أَكبَرُ ، اللهُ أَكبَرُ ، اللهُ أَكبَرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبَرُ ، اللهُ أَكبَرُ وَللهِ الحَمدُ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، أَمسِ كُنَّا في رَمَضَانَ ، وَاليَومَ نَحنُ في عِيدِ الفِطرِ ، وَكِلاهُمَا يَومَانِ مِن أَيَّامِ اللهِ وَنَحنُ عِبَادُ اللهِ ، وَللهِ في كُلِّ مِنهُمَا عَلَينَا أَعمَالٌ وَوَظَائِفُ ، مَا بَينَ وَاجِبٍ مَتبُوعٍ وَمُحَرَّمٍ مَمنُوعٍ ، وَمُستَحَبٍّ وَمُبَاحٍ وَمَكرُوهٍ " تِلكَ حُدُودُ اللهِ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجرِي مِن تَحتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الفَوزُ العَظِيمُ " وَإِنَّهُ كُلَّمَا امتَلأَ قَلبُ العَبدِ إِيمَانًا بِرَبِّهِ وَتَعظِيمًا لِشَرعِهِ ، وَوُقُوفًا عِندَ حُدُودِهِ وَامتِثَالاً لأَمرِهِ وَاجتنابًا لِنَهيِهِ ، كَانَ ذَلِكَ هُوَ حَظَّهُ مِنَ الانتِفَاعِ بِالعِبَادَاتِ ، وَغَايَةَ مَا يَستَفِيدُهُ مِنَ الطَّاعَاتِ ، وَكُلَّمَا كَانَ يَخبِطُ في حَيَاتِهِ خَبطَ عَشوَاءَ ، فَلا يَأتي مِنَ الأَمرِ إِلاَّ مَا اشتَهَتهُ نَفسُهُ ، وَلا يَذَرُ مِنَ المَنهِيِّ عَنهُ إِلاَّ مَا لم يَكُنْ لَهَا فِيهِ حَاجَةٌ ، وَلا يَفِي لِذِي حَقٍّ مِن عِبَادِ اللهِ بِحَقِّهِ ، وَلا يَضَعُ أَمرًا مِن أُمُورِ الشَّرعِ في نِصَابِهِ ، فَتِلكَ هِيَ مَسَاحَةُ نَقصِ الإِيمَانِ لَدَيهِ ، وَعَلامَةُ عَدَمِ انتِفَاعِهِ بِأَعمَالِهِ الَّتي ظَاهِرُهَا الصَّلاحُ ، إِذْ إِنَّ مِنَ المُتَقَرِّرِ شَرعًا وَعَقلاً ، وَالتَّجرِبَةُ تُؤَيِّدُهُ وَتُؤَكِّدُهُ ، أَنَّ لِلعِبَادَةِ الخَالِصَةِ لِوَجهِ اللهِ عَلَى مُرَادِ اللهِ ، أَثَرًا حَمِيدًا عَلَى صَاحِبِهَا في سُلُوكِهِ وَتَعَامُلِهِ وَخُلُقِهِ وَأَدَبِهِ ، فَلا تَكَادُ تَجِدُ مُحَافِظًا عَلَى صَلاتِهِ حَيثُ يُنَادَى بِهَا ، حَافِظًا لِصِيَامِهِ مُؤَدِّيًا لِزَكَاةِ مَالِهِ ، إِلاَّ وَهُوَ صَادِقٌ في قَولِهِ وَافٍ بِوَعدِهِ ، بَاقٍ عَلَى عَهدِهِ حَافِظٌ لِوِدِّهِ ، بَارٌّ لِوَالِدَيهِ وَاصِلٌ لِرَحِمِهِ ، مُكرِمٌ لِجَارِهِ وَضَيفِهِ وَصَدِيقِهِ ، لَيِّنُ التَّعَامُلِ سَهلُ الخَلِيقَةِ ، مَرضِيُّ السَّيرَةِ مَحمُودُ الطَّرِيقَةِ ، نَاصِحٌ في أَخذِهِ وَعَطَائِهِ ، هَيِّنٌ في قَضَائِهِ وَاقتِضَائِهِ ، سَمحٌ في بَيعِهِ وَشِرَائِهِ ، فَحَذَارِ حَذَارِ عِبَادَ اللهِ وَقَد وَدَّعنَا رَمَضَانَ ، أَن يَكُونَ يَومُ العِيدِ هُوَ آخِرَ العَهدِ بِأَثَرِ الشَّهرِ الحَمِيدِ ، لَقَد صُمنَا عَنِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالأَبضَاعِ في رَمَضَانَ طَاعَةً للهِ ، وَتَجَنَّبنَاهَا امتِثَالاً لأَمرِهِ ، وَتَرَكنَاهَا وُقُوفًا عِندَ حُدُودِهِ ، فَلْيَكُنْ هَذَا هُوَ شَأنَنَا في سَائِرِ زَمَانِنَا ، وَلْيَكُنْ هُوَ دَيدَنَنَا عَامَّةَ أَيَّامِنَا ، لِنَصُمْ عَمَّا حَرَّمَ اللهُ مِن دِمَاءِ النَّاسِ وَأَموَالِهِم وَأَعرَاضِهِم في كُلِّ حِينٍ ، وَلْنَحفَظْ لأَصحَابِ الحُقُوقِ حُقُوقَهُم في كُلِّ حَالٍ ، وَلْنَعلَمْ أَنَّ رَبَّ الشُّهُورِ وَاحِدٌ ، وَهُوَ لأَعمَالِنَا رَقِيبٌ مُشَاهِدٌ ، وَالكِرَامُ الكَاتِبُونَ مَعَنَا عَلَى الدَّوَامِ ، يَحفَظُونَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَّا مِن بَينِ يَدَيهِ وَمِن خَلفِهِ ، وَالحَيَاةُ رِحلَةٌ قَصِيرَةٌ مَحدُودَةٌ ، وَالأَيَّامُ فِيهَا قَلِيلَةٌ مَعدُودَةٌ ، وَنَحنُ عَن هَذِهِ الدُّنيَا رَاحِلُونَ ، وَعَلَى اللهِ عَمَّا قَرِيبٍ قَادِمُونَ ، وَبَينَ يَدَيهِ مَوقُوفُونَ ، وَعَلَى مَا عَمِلنَاهُ مُحَاسَبُونَ وَعَنهُ مَسؤُولُونَ " وَسَيَعلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ " أَجَل أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ العِبَادَاتِ مِن صَلاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَحَجٍّ وَنَحوِهَا ، لم تُشرَعْ يَومًا لِتَكُونَ تَكلِيفًا لأَعضَاءِ الإِنسَانِ وَلا إِرهَاقًا لِجَسَدِهِ ، وَلا جِبَايَةً لِمَالِهِ وَلا إِبعَادًا لَهُ عَن أَهلِهِ ، دُونَ أَن يَكُونَ لِكُلٍّ مِنهَا مَعنًى سَامٍ وَأَثَرٌ مَحمُودٌ في حَيَاتِهِ وَسُلُوكِهِ ، بَل إِنَّ أَثَرَ الصَّلاةِ أَوسَعُ مِن أَن يُحصَرَ في رَكَعَاتٍ تُؤَدَّى في المَسجِدِ ، وَثَمَرَةُ الصِّيَامِ أَبرَكُ مِن أَلاَّ تُوجَدَ إِلاَّ في إِمسَاكِ سَاعَاتٍ ثُمَّ تَفسُدَ ، وَلِلزَّكَاةِ مَعنًى بَل مَعَانٍ تَتَجَاوَزُ أَخذَ نِسبَةٍ ضَئِيلَةٍ مِن مَالِ غَنِيٍّ وَإِعَطاءَهَا لِفَقِيرٍ ، وَلِلحَجِّ مِن مَعَانِي السَّفَرِ بِالنُّفُوسِ وَالتَّحلِيقِ بِالقُلُوبِ في دُرُوبِ الخَيرِ وَالسُّمُوِّ بِهَا إِلى مَعَالي الأُمُورِ ، مَا يَفُوقُ أَيَّ سِيَاحَةٍ في الأَرضِ وَكُلَّ سَيرٍ في مَنَاكِبِهَا ، وَأَنتُم تَقرَؤُونَ قَولَ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالى : " إِنَّ الصَّلاةَ تَنهَى عَنِ الفَحشَاءِ وَالمُنكَرِ " وَقَولَهُ جَلَّ وَعَلا : " خُذْ مِن أَموَالِهِم صَدَقَةً تُطَهِّرُهُم وَتَزكِيهِم بِهَا " وَقَولَهُ تَعَالى : " الحَجُّ أَشهُرٌ مَعلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ في الحَجِّ وَمَا تَفعَلُوا مِن خَيرٍ يَعلَمْهُ اللهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيرَ الزَّادِ التَّقوَى " وَقَولَهُ جَلَّ وَعَلا : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ " وَقَولَ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ في الحَدِيثِ الَّذِي أَصلُهُ في البُخَارِيِّ : " مَن لم يَدَعْ قَولَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ وَالجَهلَ فَلَيسَ للهِ حَاجَةٌ في أَن يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ " وَقَولَهُ جَلَّ وَعَلا في المُنَافِقِينَ : " وَمَا مَنَعَهُم أَن تُقبَلَ مِنهُم نَفَقَاتُهُم إِلاَّ أَنَّهُم كَفَرُوا بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأتُونَ الصَّلاةَ إِلاَّ وَهُم كُسَالى وَلا يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُم كَارِهُونَ " اللهُ أَكبَرُ ، اللهُ أَكبَرُ ، اللهُ أَكبَرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبَرُ ، اللهُ أَكبَرُ وَللهِ الحَمدُ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ الدِّينَ مَنهَجُ حَيَاةٍ شَامِلٌ مُتَكَامِلٌ ، لا فَصلَ فِيهِ بَينَ الدِّينِ وَالدُّنيَا ، وَلا بَينَ حَيَاةِ العَبدِ في المَسجِدِ وَحَيَاتِهِ في بَيتِهِ أَو في سُوقِهِ أَو في عَمَلِهِ ، وَلا بَينَ أَيَّامِهِ في رَمَضَانَ وَهُوَ صَائِمٌ وَأَيَّامِهِ في سَائِرِ العَامِ وَهُوَ مُفطِرٌ ، إِذِ المُسلِمُ هُوَ المُسلِمُ في كُلِّ مَكَانٍ وَفي كُلِّ حِينٍ وَفي كُلِّ مَرحَلَةٍ ، هُوَ اليَومَ كَمَا هُوَ أَمسِ ، وَهُوَ في غَدٍ كَمَا هُوَ عَلَيهِ اليَومَ ، يَحدُثُ في العَالَمِ تَغَيُّرٌ سَرِيعٌ ، أَو يَكُونُ فِيهِ تَحَوُّلٌ غَرِيبٌ ، أَو تَمُرُّ بِه آفَاتٌ مِن شَرقِهِ إِلى غَربِهِ ، أَو تَكتَسِحُهُ فِتَنٌ مِن شِمَالِهِ إِلى جَنُوبِهِ ، أَو تَجتَمِعُ فِيهِ المُتَنَاقِضَاتُ أَو تَتَآلَفُ المُتَنَافِرَاتُ ، أُو تَختَلِطُ المُرَغِّبَاتُ أَو تَتَشَابَهُ المُرَهِّبَاتُ ، فَيَنحَرِفُ جَرَّاءَ ذَلِكَ مُستَقِيمُونَ وَيَتَفَلَّتُ مُتَمَسِّكُونَ ، وَيَتَرَاجَعُ مُتَقَدِّمُونَ وَيَفتُرُ مُجتَهِدُونَ ، إِلاَّ أَنَّ المُؤمِنَ الصَّادِقَ يَعلَمُ أَنَّهُ يَعبُدُ رَبًّا وَاحِدًا قَد آمَنَ بِهِ ، وَيَسِيرُ إِلى هَدَفٍ وَاحِدٍ قَدِ اقتَنَعَ بِهِ ، وَمِن ثَمَّ فَهُوَ مُستَسلِمٌ للهِ ، مُنقَادٌ لِمَولاهُ ، مُتَعَبِّدٌ لَهُ بِالعَمَلِ الخَالِصِ مِنَ الشِّركِ وَالبِدعَةِ ، لا يَتَغَيَّرُ وَلا يَتَحَوَّلُ تَأَثُّرًا بِمَا حَولَهُ ؛ لأَنَّهُ لا يُرِيدُ إِلاَّ مَا عِندَ اللهِ ، وَاللهُ تَعَالى بَاقٍ لا يَحُولُ وَلا يَزُولُ ، وَلا خِيرَةَ إِلاَّ فِيمَا اختَارَهُ تَعَالى وَقَضَاهُ " وَمَا كَانَ لِمُؤمِنٍ وَلا مُؤمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِن أَمرِهِم..." " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادخُلُوا في السِّلمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيطَانِ إِنَّهُ لَكُم عَدُوٌّ مُبِينٌ . فَإِنْ زَلَلتُم مِن بَعدِ مَا جَاءَتكُمُ البَيِّنَاتُ فَاعلَمُوا أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ "
اللهُ أَكبَرُ ، اللهُ أَكبَرُ ، اللهُ أَكبَرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبَرُ ، اللهُ أَكبَرُ وَللهِ الحَمدُ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، لَقَد عَلِمَ المُؤمِنُونَ أَنَّ رَأسِ المَالِ في هَذِهِ الحَيَاةِ هُوَ الدِّينُ ، وَأَنَّه قَد بَدَأَ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ ، وَأَنَّهَا كَانَت لَهُ عَلَى مَرِّ العُصُورِ عُقُودٌ وَسَنَوَاتٌ يُصِيبُ أَتبَاعَهُ فِيهَا ضَعفٌ وَفُتُورٌ وَتَرَاجُعٌ وَقُصُورٌ ، وَيَكثُرُ فِيهِمُ الانصِرَافُ وَيَظهَرُ الانحِرَافُ ، ثم لا يَلبَثُ أَن يَعُودَ قَوِيًّا فَتِيًّا ، تَتَوَقَّدُ جَذوَتُهُ في القُلُوبِ ، وَيَصحُو النَّاسُ فِيهِ بَعدَ غَفوَةٍ ، وَيَنتَبِهُونَ بَعدَ رَقدَةٍ ، وَيَستَقِيمُونَ عَلَيهِ وَيُقبِلُونَ بَعدَ اعوِجَاجٍ وَرَوَغَانٍ وَانصِرَافٍ ، بَل حَتَّى أَوقَاتُ الغُربَةِ الَّتي يُعصَرُ النَّاسُ فِيهَا عَصرًا وَيُغَربَلُونَ ، لا تَخلُو مِن رِجَالٍ قَد صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيهِ ، فَهُم صَابِرُونَ مُصَابِرُونَ ، مُرَابِطُونَ ثَابِتُونَ ، صَاحِبُ الصَّلاةِ مِنهُم في مَسجِدِهِ ، وَمُحِبُّ العِلمِ في زَاوِيَتِهِ ، وَعَاشِقُ الدَّعوَةِ في مَيدَانِهِ ، وَمَمدُودُ اليَدِ بِالعَطَاءِ وَالإِحسَانِ عَلَى عَطَائِهِ وَإِحسَانِهِ ، وَحَسَنُ الأَخلاقِ عَلَى طِيبِ تَعَامُلِهِ وَمَحمُودِ طِبَاعِهِ ، مُكتَفِينَ بِأَنَّهُم في نِعمَةٍ لَيسَت كَالنِّعَمِ ، وَأَنَّهُّم مَوعُودُونَ بِأَوفَى الجَزَاءِ وَأَعظَمِهِ ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : " بَدَأَ الإِسلامُ غَرِيبًا ، وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا ، فَطُوبَى لِلغُرَبَاءِ " رَوَاهُ مُسلِمٌ . فَإِذَا كُنتَ أَخِي المُسلِمَ تَحرِصُ عَلَى صَلاةِ الجَمَاعَةِ في وَسَطٍ مِمَّن لا يُقِيمُونَ لَهَا وَزنًا ، أَو تُنفِقُ مِن مَالِكَ وَتَتَصَدَّقُ وَقَد شَحَّ غَيرُكَ وَأَمسَكَ يَدَهُ ، أَو تَحرِصُ عَلَى حِفظِ أُسرَتِكَ وَقَدِ انفَلَتَ الآخَرُونَ مِن حَولِكَ وَتَرَكُوا الحَبلَ عَلَى الغَارِبِ ، فَاعلَمْ أَنَّكَ في نِعمَةٍ مِنَ اللهِ ، وَأَنَّهُ تَعَالى قَد أَحَبَّكَ إِذِ اختَصَّكَ بِطَاعَتِهِ وَالقُربِ مِنهُ وَدَوَامِ الاتِّصَالِ بِهِ ، في وَقتٍ أَدبَرَ فِيهِ مَن أَدبَرَ وَاستَغنَى مَنِ استَغنَى ، وَعَصَى مَن عَصَى وَتَوَلَّى مَن تَوَلَّى ، وَإِنَّهُ لَيَنبَغِي لَكَ أَن تَفرَحَ وَتُسَرَّ وَيَنشَرِحَ صَدرُكَ ، وَأَن تَصبِرَ وَتُصَابِرَ وَتُرَابِطَ " قُلْ بِفَضلِ اللهِ وَبِرَحمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفرَحُوا هُوَ خَيرٌ مِمَّا يَجمَعُونَ " " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ " اللهُ أَكبَرُ ، اللهُ أَكبَرُ ، اللهُ أَكبَرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبَرُ ، اللهُ أَكبَرُ وَللهِ الحَمدُ . وَأَقُولُ هَذَا القَولَ وَأَستَغفِرُ اللهَ فَاستَغفِرُوهُ وَتُوبُوا إِلَيهِ ، إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ .
**************************************
الخطبة الثانية :
اللهُ أَكبَرُ ، اللهُ أَكبَرُ ، اللهُ أَكبَرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبَرُ ، اللهُ أَكبَرُ وَللهِ الحَمدُ . اللهُ أَكبَرُ كَبِيرًا ، وَالحَمدُ للهِ كَثِيرًا ، وَسُبحَانَ اللهِ بُكرَةً وَأَصِيلاً ، سُبحَانَ الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى ، وَقَدَّرَ فَهَدَى ، وَأَخرَجَ المَرعَى فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحوَى . سُبحَانَهُ عَدَدَ خَلقِهِ ، وَسُبحَانَهُ رِضَا نَفسِهِ ، وَسُبحَانَهُ زِنَةَ عَرشِهِ ، وَسُبحَانَهُ مِدَادَ كَلِمَاتِهِ " لَهُ الحَمدُ في الأُولى وَالآخِرَةِ وَلَهُ الحُكمُ وَإِلَيهِ تُرجَعُونَ "
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ أَيُّهَا المُؤمِنُونَ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنظُرْ نَفسٌ مَا قَدَّمَت لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعمَلُونَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، اِفرَحُوا بِتَمَامِ شَهرِكُم ، وَاتَّقُوا اللهَ طُولَ دَهرِكُم ، وَأَحسِنُوا الظَّنَّ بِرَبِّكُم وَاحفَظُوا قُلُوبَكُم " وَلا تَكُونُوا كَالَّتي نَقَضَت غَزلَهَا مِن بَعدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا " وَاصِلُوا الطَّاعَةَ وَدُومُوا عَلَيهَا ، وَصُومُوا السِّتَّ مِن شَوَّالٍ وَلا تَنسَوهَا ؛ فَإِنَّهُ " مَن صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتبَعَهُ سِتًّا مِن شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهرِ " اللهُ أَكبَرُ ، اللهُ أَكبَرُ ، اللهُ أَكبَرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبَرُ .
أَيُّهَا الأُمَّهَاتُ وَالأَخَوَاتُ ، اتَّقِينَ اللهَ وَعَظِّمْنَ أَمرَهُ وَنَهيَهُ ، صَلِّينَ الخَمسَ وأَطِعْنَ الأَزوَاجَ ، وَانبُذْنَ السُّفُورَ وَلا تُكثِرْنَ اللِّجَاجَ ، اِضرِبنَ عَلَى الجُيُوبِ بِالخُمُرِ وَالحِجَابِ ، وَاحذَرْنَ كُفرَ العَشِيرِ وَاللَّعنَ وَالسِّبَابَ ، اِلزَمْنَ البُيُوتَ وَأَقلِلْنَ مِنَ الخُرُوجِ ، وَلا تَبَرَّجنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَّةِ وَاحفَظْنَ الفُرُوجَ ، بُيُوتُكُنَّ خَيرٌ لَكُنَّ ، وَأَمَّا جَدَلٌ يَدُورُ مُنذُ سَنَوَاتٍ وَهُوَ في ازدِيَادٍ ، حَولَ تَوظِيفِكُنَّ بَينَ الرِّجَالِ ، أَو مُمَارَسَتِكُنَّ لِمَا يَخُصُّهُم ، أَو مُزَاحَمَتِهِم خَارِجَ البُيُوتِ ، فَإِنَّمَا هَوُ إِخرَاجٌ لَكُنَّ مِن بُيُوتِ الكَرَامَةِ ، وَإِنزَالٌ مِن أَبرَاجِ العِزَّةِ ، وَزَجٌّ بِكُنَّ في أَوحَالِ الفِتنَةِ ، وَإِكرَاهٌ لَكُنَّ علَىَ نَبذِ السِّترِ وَالحِشمَةِ ، فَالحَذَرَ الحَذَرَ ، فَقَد شَهِدَ لَكُنَّ القَاصِي وَالدَّاني بِالبَذلِ وَالتَّفاني ، وَالنَّجَاحِ في تَربِيَةِ البَنِينَ وَالبَنَاتِ وَحِفظِ الأَزوَاجِ ؛ فَاحذَرْنَ وُشَاةَ السُّوءَ وَدُعَاةَ الفَسَادِ ، الَّذِينَ يَنفُخُونَ في الصَّغِيرِ وَيُضَخِّمُونَ الحَقِيرَ ، وَيَدَّعُونَ المَعرِفَةَ بِالخِلافَاتِ وَيُخَادِعُونَ بِشَوَاذِّ الآَراءِ ، وَالحَقُّ أَنَّ عِزَّكُنَّ في بُيُوتِكُنَّ وَحِجَابِكُنَّ وَسِترِكُنَّ ؛ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : " وَالمَرأَةُ رَاعِيَةٌ في بَيتِ زَوجِهَا وَهِيَ مَسؤُولَةٌ عَن رَعِيِّتِهَا " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . حَفِظَ اللهُ لَكُنَّ دِينَكُنَّ وَحَيَاءَكُنَّ ، وَمَلأَ قُلُوبَكُنَّ غِبطَةً وَسَكِينَةً . أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، العِيدُ ذِكرٌ وَشُكرٌ ، وَإِطعَامُ طَعَامٍ وَصِلَةُ أَرحَامٍ ، وَنَشرُ فَرَحٍ وَإِشَاعَةُ سُرُورٍ ، وَتَآلُفُ نُفُوسٌ وَتَقَارُبُ قُلُوبٍ ، وَنِسيَانُ مَاضٍ وَدَفنُ عُيُوبٍ ، تَصَافَحُوا وَتَصَالَحُوا ، وَأَفشُوا السَّلامَ بَينَكُم وَتَوَاصَلُوا " لا تَبَاغَضُوا وَلا تَقَاطَعُوا ، وَلا تَدَابَرُوا وَلا تَحَاسَدُوا ، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخوَانًا كَمَا أَمَرَكُمُ اللهُ " اللهُ أَكبَرُ ، اللهُ أَكبَرُ ، اللهُ أَكبَرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبَرُ ، اللهُ أَكبَرُ وَللهِ الحَمدُ .
المرفقات
1651402345_عيد الفطر 1443.doc
1651402353_عيد الفطر 1443.pdf
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق