خطبة عيد الفطر 1443ه
د عبدالعزيز التويجري
خطبة عيد الفطر 1443ه
الحمد لله وأكبِّره تكبيرًا، والله أكبر وأذكره ذكرًا كثيرًا، والله أكبر أنفَذَ تصاريفَ الأقدار، وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ .. والحمد لله أفاضَ علينا من خزائن جُوده ما لا يُحصَر، والله أكبر شرعَ لنا شرائعَ الأحكام ويسَّر
لك الحمدُ يا ذا الجودِ والمجدِ والعلى ** تباركتَ تعطي من تشاءُ وتمنعُ
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له والعزَّةُ لله ولرسوله وللمؤمنين، والذِّلَّةُ والصّغَار لأهل الكفر والفُجور والمفسدين، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبدُ الله ورسوله خاتمُ النبيين وإمام المرسلين، صلَّى الله وسلَّم وباركَ عليه وعلى آله وأصحابه وازواجه، والتابعين ومن تبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد، الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرةً وأصيلاً،
فاتقوا الله معشر المؤمنين والمؤمنات حق التقوى، وتقرَّبوا إليه بما يحبُّ ويرضى، تزيَّنوا بلباس التقوى ذلك خير.
عيدُكم مُبارك، وتقبَّل الله صيامَكم وقيامَكم، وصلواتكم وصدقاتكم، وجميعَ طاعاتكم، وكما فرِحتم بصيامكم، فافرحوا بفِطركم، فإن للصائم فرحتين: فرحةٍ عند فِطره، وفرحةٍ بلقاء ربه، أدَّيتم فرضَكم، وأطعتُم ربَّكم، صُمتم وقرأتُم وتصدَّقتُم، فهنيئًا لكم ما قدَّمتم، وبُشراكم الفوزَ - بإذن الله وفضله -{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ}
فافرحوا وابتهِجوا واسعَدوا، وانشروا السعادةَ والبهجةَ فيمن حولكم، إن حقكم أن تفرحوا بعيدكم وتبتهِجوا بهذا اليوم يوم الزينةِ والسرور، ومن حقِّ أهل الإسلام في يوم بهجتهم أن يسمعوا كلامًا جميلاً، وحديثًا مُبهِجًا، وأن يرقُبوا آمالاً عِراضًا ومُستقبلاً زاهرًا لهم ولدينهم ولأمتهم.
فاهنأوا بعيدكم، وابتهِجوا بأفراحكم، وهل يكون انتظار الفرج إلا في الأزمات؟ وهل يُطلَبُ حسنُ الظن إلا في المُلِمَّات؟
(وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا)
عيدنا فخرنا، فلئن تفاخَرَتِ الأُممُ والدولُ بأعيادِها. فهذا هو عيدُنا أَهلَ الإسلام، جاءَ بِشَرِيْعَةٍ إلهيةِ، وبهديٍ نَبَوي. لَمْ يَقُم على عُنصُرِيَّةِ، ولا على جاهليةٍ، ولا على حدودٍ جُغرافية. بل عيدٌ جاءَ وَيَتَجَدَّدُ كُلَّ عامٍ بعد أداءِ رُكْنٍ عظيمٍ من أركان الإسلامِ. يُكَبَّرُ فيه اللهُ ويُذْكَر، ويُحمدُ فيه اللهُ ويُشْكَر. فَمَا مِنْ مُسْلِمٍ على وَجْهِ الأَرْضِ إِلا وهذا العيدَ عِيْدُه.
العيدُ أقبل مزهوًا بطلعتــــــــــــــــهِ ** كأنـــه فـــــارسُ في حلــــــةٍ رفــــــــــــلا
والمسلمون أشاعوا فيه فرحتهم ** كما أشاعوا التحايا فيه والقبلا
فليهنأ الصائم المنهي تعبـــــــــــــــده ** بمقدم العيد إن الصوم قد كملا
عيدٌ يعودُ الناسُ بعد صلاتهم للتزاورِ وصلةِ الأرحامِ ، والتهنئةِ والسلام .
هنيئًا لمُوسِرٍ يزرعُ البهجَة على شفَة مُحتاج، ومُحسنٍ يعطِفُ على أرملة ومسكين ويتيم، وصحيحٍ يعودُ مريضًا، وقريبٍ يزورُ قريبًا، العيدُ عيدُ من عفا عمن زلَّ وهفا، وأحسن لمن أساء، العيدُ عيدُ من حفِظَ النفسَ وكفَّ عن نوازِعِ الهوى، يلبسُ الجديد ويشكرُ الحميدَ المجيد من في فرحٍ لا يُنسِي، وبهجةٍ لا تُطغِي.
لا يسعَدُ بالعيد من عقَّ والدَيْه، وحُرِم الرضا في هذا اليوم المبارَك السعيد، ولا يسعدُ بالعيد من يحسُد الناس على ما آتاهم الله من فضله، وليس العيد لخائنٍ غشَّاش يسعى بالفساد بين الأنام، كيف يفرحُ بالعيد من أضاعَ أموالَه في ملاهٍ مُحرمة، وفسوقٍ وفُجور؟
عيدنا تتجلى معه عظمةُ هذا الدين بتشريعاتهِ السامية، ومبادئهِ السامقةِ، وأخلاقياتهِ العاليةِ.. لايقبلُ التنازلَ فيه عن المبادئِ والمسلمات، ولا التهاونَ في الأحكامِ والتشريعاتِ
عيدٌنا يقول إن الله هو الكبير المتعال لا شرع إلا شرعه ولا حكم إلا حكمه {إِنِ الحكم إِلاَّ للَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ }
كلُ نظامٍ يخالفُ شرعَ اللهِ فهو باطل { أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}
عيدُ يُجلي لنا أنَّ تعظيمَ اللهِ وشرعَه وأمرَه ونهيَة ليس هواى متبعًا أو حكمًا تُغيره المستجدات والتقنات ..
لقد أنزل الله آيات بينات في من قالوا في غزة تبوك: "أيرجو محمد أن يفتح قصور الشأم وحصونها! هيهات هيهات" فأنزل الله{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (*) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ }
فاليحذرِ المسلمُ من أن يستهزئ بشيء من دين الله، أو يتندر في توجيه نبوي متعلق في حكم من احكام الإسلام.
ومن يتخذ نهجا سوى نهج أحمد ** فقد ضل وهو الخاسر المتصدع
{وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ }
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد
تُحفظُ بيضةُ الإسلامِ ويُحافظُ على دينِ الناسِ وأخلاقهِم وقيمهِم بإحياءِ شعيرةِ الأمرِ بالمعروفِ والنهي عن المنكرِ {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}.
الدين النصيحة ..إنما هي كلمةٌ طيبةٌ، أو رسالةٌ لطيفةٌ.. نصحَ عمرُ بن الخطابِ فتى وهو يُحتضر " فقال يابن اخي ارفع ثوبك فإنه أنقى لثوبك وأتقى لربك"
إذا رأت المرأةُ مخالفةً على أختِها أوإبنتِها أوجارتِها أوصاحبتِها في لباسها أو حجابها فلتقدم كلمةً طيبةً ونصيحةً عابرةً .. قال عَنْ جَرِيرٍ رضي الله عنه،: «بَايَعْتُ النَّبِيَّ عَلَى النُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ» متفق عليه
متى ما شاع الأمرُ بالمعروفِ والنهي عن المنكرِ والتناصحُ في البيوتِ والعملِ والمتاجرِ والمتنزهاتِ ضمنا العزةَ والتمكينَ وحفظنا ديننا وارتفعت عنا الشدائدَ والعقوبات، قال الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام "وَالذى نَفْسِى بِيَدِهِ. لتأمُرنَّ بِالْمعْرُوفِ وَلتَنْهَوُن عن المنكَر، أَوْ لَيوشِكن الله أن يَبعَثَ عَليْكُم عِقَابًا مِّن عِندِه، ثم لتَدْعُنَّه فَلَا يَسْتَجيبُ لَكُمْ"
الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرةً وأصيلاً،
عيدنا يعودنا ويرسخُ في أذهاننا أن الطاعةَ والانابةَ ليست مقصورةً في رمضان ، بل هي ثباتٌ واستقامةٌ وحسنُ عملٍ على الدوامِ.. إِياكَ أَن ُتخرم ما أحكمتَ، أو تهدمَ ما بنيتَ.. صَلاتُكَ فارعَها.. هي عَمودُ الدينِ.. احفظْها تُحْفَظْ، أٌقِمْها تَسْتَقِيم.. مَنْ لَمْ يَرعَ لِصلاتِه قَدراً تَخَطَّفَتْهُ الشياطين. مَنْ لَمْ يُقِم لها وَزْناً زَلَّت بِه القَدَمُ إلى أسفَلِ سافلين {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} أَقِم صلاتَك في وَقتِها {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا} مفروضةً في أَوقاتٍ معلومةٍ. وصلاةُ العصرِ في يوم العيد تثقلُ على كثيرِ من الناس، وفي صحيح البخاري " «مَنْ تَرَكَ صَلاَةَ العَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ» و«الَّذِي تَفُوتُهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ، كَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ».
الله اكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر ولله الحمد
وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي ولَكُمْ وللمسلمين والمسلمات فاستغفروه إن ربنا لغفور شكور.
الخطبة الثانية :
الحمدُ لله أحاط بكل شيءٍ علماً، وجعل لكل شيءٍ قدراً ، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ على عبده ورسوله محمد وعلى آله وأصحابِه ومن اهتدى بهديهِ إلى يوم الدِّينِ. أما بعد
في العيد يتجلى جمع شمل الأسرة ، التي إن قَويتِ بترابُطها حققت لها مجداً، وصنعت لها فخراً. وكَسَبَت لها عِزاً. الأسرةُ إن قَويَت بإيمانِها وصلاحها.. عاشت تقيةً، وحُشِرَت يوم الحسابِ رَضيةً {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ}
كم هو شموخٌ وعزٌ وفخرٌ حينما نرى نسائنا تزدحم بهن عتبات المساجد في رمضان ، كم هو سعادة وإسعاد حينما نسمع عن حافظات للقرآن واخريات علون في مراقي السنة ..
كم هو عز وثبات ورقي في فتاةٍ مُؤمنَةٍ.. لها مِن الجَمَالِ ما يُغني. ولها من الأناقَةِ ما يُبْهِر. قَرَنَت جمالَها بصِدْقِ تَدَيُّنِها. وأَوثَقَت أناقَتَها بصدقِ حيائها. تَسْتَمتِعُ في الحياةِ بما أَحَلَّهُ اللهُ لها {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ..}
تَلْبَسُ من اللباسِ أَرقاهُ، ومن الحُلِيِّ أحْلاهُ، ومِنَ الزِّينةِ َحسَنها. ولها كَمالُ عَقْلٍ، تُدرِكُ بِه أَن كُلَّ شيءٍ في الحياةٍ قابِلٌ لِمُسايَرَةِ الموضةِ ومجاراةِ المدَنِيَّةِ.. ما لَمْ يُتَخطى حواجِزَ الشَّرِيعةِ وأَوامِرَها. فأَوامِرُ اللهِ لا تُعصى، ونواهيهِ لا تُنتَهَك.
فتاةٌ مُؤمنَةٌ.. عَلِمَت أَنَّ الحجابَ ليسَ عادةً مُجتَمَعِيَّة، ولا خِياراً ذاتياً. وإِنما فَرِيْضَةٌ جاءَت في نَصِّ الكتابِ في آياتٍ محكمات {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} حجابٌ تَحْجِبُ بِهِ عَن الرجالِ زِينَتها، وتُـخْفِي بِهِ عنهم مفاتِنها، فَلَزِمَت الحجابَ كما شُرِعْ.
لاتزال الفتاة تعيش بعز وشموخ مالم تصغي إلى إعلام خادع، وإسناب فاتن، وبهرجة حضارية مقيته، تتقاذفها الدعايات، وتلخسها النظرات، ويتحرش بها ساقطي المروءات. أذلك خيرُ أم حياة مع أسرة محشومه، وبيت مستوره ، وكرامة مصونة؟
يا نساء المسلمين: إن الله سمى الزواج ميثاقا غليظا ، لا يحل نقضه من أجل عبودية لرغبات النفس، أو استجابة لنداءات حاملات معاول هدم البيوت وتشتيت الأسر. قال عليه الصلاة والسلام (أَيُّمَا امْرَأَةٍ اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا مِنْ غَيْرِ بَأْسٍ لَمْ تَرِحْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ) أخرجه أهل السنن.
والزوج قِوام الأسرة، يَرعى شُؤُونَها وَيَحْمِيْهَا، يَقُومُ على مَصَالِحها، ويكابِدُ في تحقيقِ مكاسِبها، سيادَةُ الأُسرَةِ عائدةٌ إليه، وولايَتُها ورعايتُها موكلَةٌ إليه. تَبقى الأُسرةُ في قوةٍ ومَنَعَةٍ.. ما كانَ لها وَلِيٌّ مُصٍلِحٌ لا يُنازَعُ في ولايَتِه. تاهَتْ أُسرَةٌ أَوْهَنَت أَمرَ وَلِيِّها وراعيها. تَعْدُو عليها العَوَادِي، وَيَجْتَرِئُ عليها العِدا. وخاَبَ وَلِيٌّ أضاعَ الولايَةَ أَو استَهانَ بِحقوقِها. «مَا مِنْ عَبْدٍ اسْتَرْعَاهُ اللَّهُ رَعِيَّةً، فَلَمْ يَحُطْهَا بِنَصِيحَةٍ، إِلَّا لَمْ يَجِدْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ» أخرجه البخاري.
يا أيها الأبناء والبنات: إن أردتم السعادة والنجاح والفلاح فلزمو أقدام آبائكم وامهاتكم ، لن تجدوا أحنى عليكم ولا أنصح لكم ولا أرحم بكم من والديكم، الزموهم فثم الجنة، طاعةً وخدمةً وبراً ورحمة. تفلحوا وتسعدوا وتدخلوا جنة ربكم.
اللهم اجعل عيدنا سعيدنا وشملنا ملتما ، واكفنا شر الأشرار، وشر طوارق الليل والنهار ، اللهم احفظنا وازاجنا وذرياتنا من مضلات الفتن ..اللهم آمنا في دورنا ...ربنا تقبل منا....
المرفقات
1651355255_خطبة عيد الفطر 1443.docx
1651355260_خطبة عيد الفطر 1443.pdf