خطبة عيد الفطر 1440هـ ( نَفْرَحُ بِالعِيد وَحُقَّ لَنَا أَنْ نَفْرَحَ )
سعود المغيص
الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْأَعْلَى، خَلَقَ فَسَوَّى، وَقَدَّرَ فَهَدَى، وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمَّى، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ وَأَشْكُرُهُ عَلَى مَا أَسْبَغَ مِنَ النِّعَمِ وَأَسْدَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى، وَالصِّفَاتُ الْعُلَى، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، نَبِيُّهُ الْمُصْطَفَى، وَخَلِيلُهُ الْمُجْتَبَى، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اهْتَدَى.
اللَّهُ أَكْبَرُ (تِسْعًا)، اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا، وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا.
أمّا بعدُ : أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ :
اِتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى حَقَّ التَّقْوَى, وَاُشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ الَّتِي لَا تُعَدُّ وَلَا تُحْصَى; وَالَّتِي مِنْهَا إِدْرَاكُ شَهْرِ رَمَضَانَ, وَإِكْمَالُهُ وَإِتْمَامُهُ, وَالتَّقَرُّبُ إِلَى اللهِ بِأَنْوَاعِ الطَّاعَاتِ فِيِهِ , فَاُشْكُرُوا اللّه تَعَالَى عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ, وَاسْأَلُوهُ أَنْ يَتَقَبَّلَ مِنْكُمْ, وَأَنْ يَغْفِرَ لَكُمْ مَا بَدَرَ مِنْكُمْ
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : نَفْرَحُ بِالعِيد وَحُقَّ لَنَا أَنْ نَفْرَحَ لِأَنَّنَا بِفَضْلِ رَبِّنَا أَدْرَكْنَا شَهْرَ رَمَضَانَ فَصُمْنَاهُ وَقُمْنَاهُ ,
نَفْرَحُ بِالْعِيدِ لِأَنَّهُ يَأْتِي فَيُفْرِحُ الصَّغِيرَ وَالكَبِيرَ, وَالغَنِيَّ وَالفَقِيرَ, وَيُسَاوِي بَيْنَ أَفْرَادِ الْـمُجْتَمَعِ كُلِّهِمْ ،
نَفْرَحُ بِالْعِيدِ لِأَنَّه تَتَصَافَى القُلُوبُ, وَتَتَصَافَحُ الأَيْدِي, وَيَتَبَادَلُ الجَمِيعُ التَّهَانِي ، وَإِذَا كَانَ فِي القُلُوبِ رَوَاسِبُ خِصَامٍ أَوْ أَحْقَادٌ فَإِنَّهَا فِي العِيدِ تُسَلُّ فَتَزُولُ, وَإِنْ كَانَ فِي الوُجُوهِ عَبُوسٌ فَإِنَّ العِيدَ يُدْخِلُ البَهْجَةَ إِلَى الأَرْوَاحِ وَالبَسْمَةَ إِلَى الوُجُوهِ والشِّفَاهِ, فَالعِيدُ فُرْصَةٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ لِيَتَطَهَّرَ مَنْ دَرَنِ الأَخْطَاءَ, فَلَا يَبْقَى فِي قَلْبِهِ إِلَّا بَيَاضُ الأُلْفَةِ وَنُورُ الإِيمَانِ,
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : اُشْكُرُوا اللَّهَ تَعَالَى أَنْ خَلَقَكُمْ مُسْلِمَيِنَ مِنْ أَصْلَابٍ مُؤْمِنَةٍ مُوَحِّدَةٍ ، قَدْ خَلْقُكُمْ لِطَاعَتِهِ ، وَاِسْتَعْمَلَكُمْ فِي عِبَادَتِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) وَمَنْ فَضْلِهِ وَمِنَّتِهِ وَكَرَمِهِ وَرَحْمَتِهِ، أَنْ أَرْسَلَ إِلَيْكُمْ رَسُولًا مِنْ أنْفُسِكُمْ ويتكلَّمُ بِلُغَتِكُمْ يُعَلِّمُكُمُ الطَّريقَ الصَّحيحَ ،وَالْـمَسْلَكَ الْبَيِّنَ الْوَاضِحَ لِعبادةِ ربِّنا ، كَما قَالَ تَعَالَى ( لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ ( وَوَعَدَ مَنْ أَطَاعَهُ وَأَطَاعَ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفَوْزَ وَالْفَلَاحَ بِالدُّنْيَا وَالآخِرَةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى ( قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ) وَقَدْ أَمرَنَا اللهُ تَعاَلى أَنْ نَكُونَ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا أُمَّةً وَاحِدَةً نَعْتَصِمُ بِكِتَابِهِ وَنَتَّبِعُ سُنَّةَ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،وَنَـحْذَرُ التَّفَرُّقَ وَالاخْتِلاَفَ فِي الْعَقِيدَةِ وَالتَّوجُّهِ ، كَمَا قالَ تَعَالَى( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ... الآيَة ) وَلاَ يَرْتَفِعُ شَأْنُ الأمّةِ الإسْلاَمِيّةِ ،وَلَا تَقْوى شَوْكَتُها، وَلَا يَدُومُ عِزُّهَا وَيَتَحَقّقُ نَصْرُها ،إِلَّا إِذَا كَانَتْ عَلَى مَا كَانَ عَليْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَصْحَابُهُ فِيِ الْعَقِيِدَةِ وَالْعِبَادَةِ وَالتَّوَجُّهِ وَالسُّلُوكِ ، وَابْتـَعَدَتْ عَنِ السُّبُلِ الشَّيْطَانِيَّةِ الَّتِي تُفَرِّقُها ، كَمَا قالَ تَعالى ( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)
فَانْظُرُوا في حَالِكُمْ، وَحَاسِبُوا أنفُسَكُمْ , واتّقُوا اللهَ ربَّكُمْ ، واهْنَئُوا بِعيدِكُمْ ، والْزَمُوا الصّلاحَ وأصْلِحُوا ،
جَعَلَ اللهُ عِيدَكُمْ مُبَارَكاً ، وأيّامَكُمْ أَيَّامَ سَعَادَةٍ وَهَنَاءٍ وَفضْلٍ وَإحْسَانٍ وعَمَل. ،
أقولُ ما تَسْمَعُونَ، وأسْتغفِرُ اللهَ لِي ولكُم ولِجميعِ الْمُسلميِنَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فاسْتَغْفِروهُ إنّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرّحِيم.
الخطبة الثانية :
الْحَمْدُ للهِ مُعِيدِ الْجُمَعِ وَالأَعْيادِ ، ومُبِيدِ الْأُمَمِ والْأَجْنادِ، وَجَامِعِ النَّاسَ إِلَى يَوْمَ الْحَشْرِ وَالتَّنَادِ ، والصَّلاةُ والسَّلَامُ عَلى عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ الْمُفَضَّلِ عَلى جَميعِ الْعِبَادِ، صَلّى الله عَليْهِ وَعَلى آلِهِ وأصْحابِهِ وأعْوانِهِ وسَلّم تَسْلِيماً كثيراً ..
أمّا بَعْدُ عِبادَ اللهِ :
أُشْكُرُوا اللهَ تَعَالَى أنْ مَنَّ عَلَيْكُمْ إِدْراكَ شَهْرِ الَّصوْمِ فَصُمْتُمْ أيّامَهُ وقُمْتُمْ لَيَالِيَهُ ،ومِنْ شُكْرِ اللهِ تَعَالَى مُواصَلَةَ أعْمَالِ الْـخَيْرِ ، وَالاسْتِمْرَارِ عَلَى الطَّاعَةِ ، وَمِنْ ذَلكَ صِيامُ سِتّةِ أيامٍ مِنْ شَهْرِ شَوَّالٍ ، فَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :" مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ "
أيّها الأُخْتُ الْمُسْلِمَةُ : إِنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ أَنْزَلَ فِيكِ سُوَراً وآياتٍ تُتْلَى إِلَى يَوْمِ الْقِيامَةِ ، فَاسْتَمْسِكِ بِشرعِ اللهِ ، وَكُونِيِ مِنَ الصّالِحاتِ ، تَذَكَّرِي نِعْمَةَ اللهِ عَليْكِ إذْ جَعَلَكِ مِنْ أتْباعِ مُحمّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، كُونِي قُدْوةً ،وداعِيَةً إِلى اللهِ تعالى ، صُونِي بَيْتَكِ وأطِيعِي زوجَكِ، واعْتَنِي بِتربِيَةِ أوْلادَكِ ؛فَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤولةٌ عَنْ رَعِيّتِها .
أيّها الأُخْتُ الْمُسْلِمَةُ لقد حصل نقص عظيم عند كثير من النساء في اللباس وتجاوز للحدود المشروعة كما هو معلوم. فمنهن من تتساهل بالتبرج والسفور أمام الرجال الأجانب. ومنهن من تتساهل بلبس الملابس التي لا تستر العورة التي أمرها الله بسترها أمام النساء.
وكثير من الأسر تتساهل مع الفتيات المقاربات للبلوغ او اللواتي بلغن بحجة أنهن صغيرات فتنشؤهن على نزع الحياء بالتعري والملابس الفاضحة في الأسواق والحدائق العامة.
فلتتذكر المسلمة قوله تعالى ( ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ) وقوله تعالى { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا } وقال سبحانه: ﴿ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ﴾ فهل يُعقل أن ينهى الله سبحانه المرأة أن تضرب برجلها خوفاً من أن يُسمع صوت خِلخالها الذي لا يرى، ثم تسمح لنفسها أن تبدي ذراعيها بما عليهما من الساعة والحلي؟ أو ثم تسمح لنفسها أن تكشف عن ثيابها الجميلة التي تحت عباءتها؟
فيا إماء الله ، ويا نساء المسلمات، لا تنخدعن ولا تغركن الحياة الدنيا ، وإياكن ومزاحمة الرجال والاختلاط بهم ، أو أن تلبس لباسا لا يستر ما أُمرت بستره اما لكونه قصيرا او مشقوقا او شفافا او ضيقا فكأنها عارية فإن ذلك من أسباب الفتنة التي حذر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم..
نسأل الله أن يصلح نساء المسلمات وأن يرزقهن الحشمة والعفة والحياء وأن يحفظهن من دعاة الفواحش والتبرج والسفور ودعاة الأهواء والبدع والفتن.
اللّهُمَّ أحْيِنا مُؤْمِنينَ وَتَوَفَّنَا مُسْلِمينَ ،وَألْحِقْنا بِالصَّالِحينَ غَيْرَ خَزايا ولا مَفْتُونِينَ، تَقَبّلْ تَوْبَتَنا ،وَاغْسِلْ حَوْبَتَنا ،واشْفِ صُدُورَنا ،وَطَهّرْ قُلوبَنا ،وَحَصّنْ فُرُوجَنا، وارْحَمْ أمْواتَنَا ،واشْفِ مَرْضَانَا، وَاقْضِ دُيونَنَا واهْدِ ضَالَّنَا، وَأَدِمْ أَمْنَنَا، وَانْصُرْ جُنُودَنَا ، وَوَفِّقْ وُلاةَ أُمُورِنا ، وَأَصْلِحْ أَحْوالَ أُمَّتِنا يَارَبَّ الْعَالَمِيِن
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كم صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد ،
( سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ )