خُطْبَةُ عِيدِ الْفِطْرِ 1439 ثلاث خصال دعا إليه نبينا صلى الله عليه وسلم
أبو المقداد الأثري
جدول المحتويات
إِنَّ الحَمْدَ للهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَستَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا.
أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ بَعَثَ عَبْدَهُ وَرَسُولَهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَشِيرًا وَنَذِيرًا، وَدَاعِيًا إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا، وَقَدْ نَصَحَ الأُمَّةَ وَكَشَفَ اللهُ بِهِ الْغُمَّةَ وَأَزَاحَ بِهِ الظُّلْمَةَ، وَتَرَكَنَا عَلَى بَيْضَاءَ، لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لَا يَزِيغُ عَنْهَا إِلَّا هَالِكٌ.
وَإِنَّ مِنْ جَوَامِعِ كَلِمِهِ وَأَعْظَمِ نَصَائِحِهِ وَأَجَلِّ خُطَبِهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي مَسْجِدِ الخَيْفِ بِمِنَى فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ : « نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِي، فَبَلَّغَهَا، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ، غَيْرُ فَقِيهٍ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ، ثَلَاثٌ لَا يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُؤْمِنٍ: إِخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ، وَالنَّصِيحَةُ لِوُلَاةِ الْمُسْلِمِينَ، وَلُزُومُ جَمَاعَتِهِمْ، فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ، تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ».
إِخْوَةَ الْإِسْلَامِ:
ثَلَاثُ خِصَالٍ دَعَا إِلَيْهَا نَبِيُّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ، فَمَا أَعْظَمَهَا وَمَا أَجَلَّهَا، وَمَا أَعْظَمَ نَفْعَهَا عَلَى مُسْتَوَى الْفَرْدِ والمُجْتَمَعِ، وَفِي الدُنْيَا وَالآخِرَةِ.
أَمَّا الأُولَى: فَهِيَ إِخْلَاصُ الْعَمِلِ للهِ تَعَالَى، بِأَنْ يُعْبَدَ اللهُ وَحْدَهُ لَا شِرِيكَ لَهُ، وَبِأَنْ يَكُونَ المُرَادُ مِنَ الْعِبَادَةِ وَجْهُ اللهِ لَا يُرَادُ بِهَا الرِّيَاءُ وَلَا السُّمْعَةِ وَلَا الدُّنْيَا.
وَإِخْلَاصُ الْعَمَلِ للهِ وَحْدَهُ هُوَ الَّذِي لِأَجْلِهِ خَلَقَ اللهُ الثَّقَلَيْنِ، وَبِهِ أَرْسَلَ اللهُ الرُّسُلَ، وَأَنْزَلَ اللهُ الكُتُبَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}، وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}.
وَقَالَ تَعَالَى: { إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (2) أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ}، وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ}.
فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَّخِذَ مَعَ اللهِ شَرِيكًا يَعْبُدُهُ لَا بُدُعَاءٍ فِي رَخَاءٍ وَلَا بِاسْتِغَاثَةٍ فِي ضَرَّاءَ، وَلَا بِذَبْحٍ وَلَا بِنَذْرٍ ، بَلْ ذَلِكَ كُلُّهُ حَقٌّ خَالِصٌ للهِ تَعَالَى لَا شَرِيكَ لَهُ ، كَمَا هُوَ الْحَالُ فِي سَائِرِ أَنْوَاعِ الْعِبَادَةِ وَخِصَالِهَا وَشُعَبِهَا.
فَعَلَى مَنْ فُتِنُوا بِعِبَادَةِ الْأَمْوَاتِ، وَتَعَلَّقَتْ قُلُوبُهُمْ بِالتَّوَسُّلِ بِالْقُبُورِ وَالْأَضْرِحَةِ، وَالْأَشْجَارِ وَالْأَحْجَارِ، وَالأَوْلْيِاَءِ وَالسَّادَةِ أَنْ يَتُوبُوا إِلَى اللهِ وَأَنْ يُخْلِصُوا الدِّينَ للهِ كَمَا أَمَرَ اللهُ تَعَالَى، فَإِنَّ اللهَ لَا يَرْضَى أَنْ يُشْرَكَ مَعَهُ فِي عِبَادَتِهِ أَحَدٌ سِوَاهُ، وَلَوْ كَانَ مَلِكًا مُقَرَّبًا أَوْ نَبِيًّا مُرْسَلًا أَوْ وَلِيًّا صَالِحًا.
عَلَيْهِمُ المُبَادَرَةُ إِلَى التَّوْبَةِ قَبْلَ المَوْتِ لِأَنَّ الشِّرْكَ هُوَ أَعْظَمُ الذُّنُوبِ وَأَكْبَرُهَا، وَقَدْ تَوَعَّدَ اللهُ أَهْلَهُ بِقَوْلِهِ: { إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا}.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ إِخْلَاصَ الْعَمَلِ وَالدِّينِ لَكَ، وَنَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ وَالسَّلَامَةَ مِنَ الشِّرْكِ كُلِّهِ، أَكْبَرِهِ وَأَصْغَرِهِ، ظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ، إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ. اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، واللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ.
وَأَمَّا الخِصْلَةُ الثَّانِيَةُ: فَهِيَ مُنَاصَحَةُ وُلَاةِ أُمُورِ المُسْلِمِينَ، وَهِيَ وَصِيَّةٌ عَظِيمَةٌ مُوَجَّهَةٌ لِكُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الرَّعِيَّةِ بِأَنْ يُؤَدِّيَ الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْهِ لَوَلِيِّ الأَمْرِ، وَذَلِكَ بِاعْتِقَادِ بَيْعَتِهِ وَبِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لَهُ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةِ اللهِ، وَبِالدُّعَاءِ لَهُ بِالصَّلَاحِ وَالْعَافِيَةِ وَحُسْنِ الْبِطَانَةِ، وَبِالتَّعَاوُنِ مَعَهُ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَبِالصَّبْرِ عَلَى جَوْرِهِ وَظُلْمِهِ، وَعَدَمِ نَزْعِ الْيَدِ مِنْ طَاعَتِهِ لِأَجْلِ ذَلِكَ، وَمِنَ الصَّبْرِ عَلَى جَوْرِهِ الْقِيَامُ بِحُقُوقِهِ وَأدَاؤُهَا لَهُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «تُؤَدُّونَ الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْكُمْ، وَتَسْأَلُونَ اللهَ الَّذِي لَكُمْ»، وَمِنَ الصَّبْرِ عَلَى جَوْرِهِ وَظُلْمِهِ كَفُّ اللِّسَانِ عَنْ سَبِّهِ وَشَتْمِهِ وَالدُّعَاءِ عَلَيْهِ وَذِكْرِ مَعَايِبِهِ وَتَأْلِيبِ النَّاسِ عَلَيْهِ وَتَنْفِيرِ الْقُلُوبِ عَنْهُ، لِأَنَّ هَذَا يُنَافِي النُّصْحَ المأْمُورَ بِهِ لَهُمْ، وَلِأَنَّ الْأَحَادِيثَ النَّبَوِيَّةَ وَالآثَارَ السَّلَفِيَّةَ جَاءَتْ مُصَرِّحَةً بِالنَّهْيِ وَالزَّجْرِ عَنْ ذَلِكَ لِمَا تُفْضِي إِلَيْهِ مِنَ الْفِتَنِ الْكِبَارِ وَالمَصَائِبِ الْعِظَامِ.
وَنَحْنُ فِي هَذَا الْبَلَدِ الطَّيِّب ِالمُبَارَكِ نَعِيشُ فِي ظِلَالِ وَلَايَةٍ مُسْلِمَةٍ تَحْكُمُ فِينَا بِكِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَقُومُ عَلَى عَقِيدَةِ السَّلَفِ الصَّالِحِ فَلَهَا عَلَيْنَا حَقٌّ عَظِيمٌ أَنْ نَقِفَ مَعَهَا بِكُلِّ مَا أُوتِينَا مِنْ قُوَّةٍ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْعُسْرِ وَالْيُسْرِ وَالمَنْشَطِ وَالمَكْرَهِ، فَإِنَّ الأَعْدَاءَ وَالمُتَرَبِّصِينَ وَدُعَاةِ الْفِتَنِ كَثِيرٌ، فَلْنَكُنْ عَلَى حَذَرٍ مِنْهُمْ وَلَا سِيَّمَا الْجَمَاعَاتُ السِّيَاسِيَّةُ الَّتِي تَلْبِسُ لِبَاسَ الدِّينِ لِشِدَّةِ تَلْبِيسِهَا وَعِظَمِ خَطَرِهَا وَعَلَى رَأْسِهَا التَّنْظِيمُ الإِرْهَابِيّ المَعْرُوفُ بِجَمَاعَةِ الإِخْوَانِ المُسْلِمِينَ. فَإِنَّهُ مَا فَتِئَ يُرَبَّي الْأَجْيَالَ عَلَى عَدَاوَةِ دَوْلَتِهِمْ وَبُغْضِ حُكَّامِهِمْ وَبُغْضِ الْعُلَمَاءِ الرَّبَّانِيِّينَ وَرِجَالِ الْأَمْنِ المُخْلِصِينَ حَتَّى يُحَقِّقَ مِنْ خِلَالِ هَذِهِ التَّرْبِيَةِ أَهْدَافَهُ فِي تَدْمِيرِ الْبِلَادِ، وَإِفْسَادِ ذَاتِ الْبَيْنِ بَيْنَ الْعِبَادِ، وَإِزَالَةِ نِعْمَةِ الاجْتِمَاعِ وَالْأُلْفَةِ الَّتِي مَنَّ اللهُ بِهَا عَلَيْنَا. لَا حَقَّقَ اللهُ لَهُمْ غَايَةً وَلَا رَفَعَ لَهُمْ رَايَةً إِنَّهُ قَوِيٌّ عَزِيزٌ. اللهُ أكبَرُ اللهُ أكْبَرُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَلِله الْحَمْدُ.
وَالْوَصِيَّةُ الثَّالِثَةُ مِنَ الْوَصَايَا النَّبَوِيَّةِ الْكَرِيمَةِ لُزُومُ جَمَاعَةِ المُسْلِمِينَ، وَهِيَ وَصِيَّةٌ عَظِيمَةٌ تَعْنِي التَّمَسُّكَ بِمَا كَانَتْ عَلَيْهِ الْجَمَاعَةُ الأُولَى الَّتِي اجْتَمَعَتْ عَلَى الْحَقِّ وَلَمْ تَتَفَرَّقْ فِيهِ، وَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، وَذَلِكَ بِالِإيْمَانِ بِكُلِّ مَا جَاءَ عَنِ اللهِ وَرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا. وَاجْتِنَابِ الْبِدَعِ وَالمُحْدَثَاتِ، وَالْبَرَاءَةُ مِنَ الْفِرَقِ وَالْأَحْزَابِ المُخَالِفَةِ لِلسُّنَّةِ.
وَمِنْ لُزُومِ جَمَاعَةِ المُسْلِمِينَ لُزُومِ السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لِوَلِيِّ الْأَمْرِ لِأَنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ أَهْلُ أُلْفَةٍ وَاجْتِمَاعٍ، وَأَمَّا الخُرُوجُ وَالشُّذُوذُ عَلَى الْجَمَاعَةِ وَنَزْعُ الْيَدِ مِنَ الطَّاعَةِ، وَالتَّمَرُّدُ عَلَى وُلَاةِ الْأُمُورِ، وَسُلُوكُ مَسْلَكِ المُظَاهَرَاتِ فَهُوَ مِنْ طَرِيقَةِ وَمَنْهَجِ الْخَوَارِجِ وَالرَّوَافِضِ وَالمُعْتَزِلَةِ وَأَذْنَابِهِمْ. فَاحْذَرُوا الْفِرَقَ والْبِدَعَ وَالْجَمَاعَاتِ، فَإِنَّ الْفِرَقَ كُلَّهَا فِي النَّارِ إِلَّا مَنْ كَانَ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ، كَمَا ثَبَتَ عَنْ نَبِيِّنَا الْكَرِيمُ. فَمَنِ اجْتَمَعَتْ فِيهِ هَذِهِ الْخِصَالُ الثَّلَاثُ فَقَدْ سَلِمَ قَلْبُهُ مِنَ الْخِيَانَةِ وَالحِقْدِ وَالشَّحْنَاءِ. وَأَنْعِمْ وَأَكْرِمْ بِقَلْبِ مُوَحّدٍ سَلِمَ مِنْهَا. وَمَنْ لَزِمَ الْجَمَاعَةَ نَالَتْهُ بَرَكَةْ دَعْوَةِ المُسْلِمِينَ، وَبَرَكَةِ اجْتِمَاعِهِمْ كَمَا يُشِيرُ إِلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ)
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الحَمْدِ.
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِهَدْيِ سَيِّدِ المرْسَلِينَ أَقُولُ هَذَا الْقَوْلُ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمِ.
الْخُطْبَةُ الثَانِيَةُ
الحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشْهَدُ أنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اتَّبَعَهُمْ بِإِحْسَانٍ وَسَلِّمَ تَسْلِيمًا.
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الحَمْدُ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ وَآلائِهِ، فَالحَمْدُ للهِ عَلَى نِعْمَةِ بُلُوغِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَعَلَى صِيَامِهِ وَقِيَامِهِ، وَنَسْأَلُهُ سُبْحَانَهُ أَنْ يُتِمَّ عَلَيْنَا نِعْمَتَهُ بِقَبُولِ صَالِحِ أَعْمَالِنَا وَالتَّجَاوُزُ عَنْ سَيِّئَاتِنَا وَمَغْفِرَةِ ذُنُوبِنَا وَزَلَّاتِنَا، إِنَّهُ جَوَادٌ كَرِيمٌ عَفُوٌّ حَلِيمٌ.
مَعَاشِرَ المؤْمِنِينَ: إِنَّ هَذَا الْيَوْمَ شُرِعَتْ لَنَا فِيهِ هَذِهِ الصَّلَاةُ، فَمَنْ أَدْرَكَهَا مَعَ الْجَمَاعَةِ صَلَّاهَا مَعَ الإِمَامِ، وَمَنْ فَاتَتْهُ صَلَّاهَا مُنْفَرِدًا أَوْ جَمَاعَةً مَعَ غَيْرِهِ بِصِفَتِهَا المَشْرُوعَةِ دُونَ خُطْبَةٍ.
وَشُرِعَتْ لَنَا فِيهِ زَكَاةُ الفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ مِنْ قُوتِ الْبَلَدِ تُعْطَى لِلْفُقَرَاءِ وَالمَسَاكِينِ، وَالْوَاجِبُ أَنْ تُخْرَجَ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ. وَمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ فَأَخَّرَهَا عَمْدًا أَوْ نَسْيَانًا فَهِيَ فِي ذِمَّتِهِ حَتَّى يُؤَدِيَهَا، وَيَسْتَغْفِرُ اللهَ وَيَتُوبُ إِلَيْهِ مِنْ تَأْخِيرِهَا بِلَا عُذْرٍ شَرْعِيٍّ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ، فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ» أَيْ إِنْ شَاءَ اللهُ قَبِلَهَا بِفَضْلِهِ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا فَلَمْ يَقْبَلْهَا سُبْحَانَهُ.
عِبَادَ اللهِ: تَذَكَّرُوا بِاجْتِمَاعِكُمْ هَذَا اجْتِمَاعُكُمْ يَوْمَ الْعَرْضِ الْأَكْبَرِ عَلَى اللهِ ، وَكَمَا تَزَيَّنْتُمْ لِهَذَا المَقَامِ بِالمَلَابِسِ الْحَسَنَةِ الزَّاهِيَةِ وَالرَّوَائِحِ الطَّيِّبَةِ الزَّاكِيَةِ فَتَزَيَّنُوا لِذَلِكَ المَقَامِ بِلِبَاسِ الْإِيْمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَذَلِكَ هُوَ لِبَاسُ التَّقْوَى.
وَاعْتَبِرُوا بِسِرْعَةِ انْقِضَاءِ شَهْرِ رَمَضَانَ عَلَى سُرْعَةِ انْقِضَاءِ الْأَعْمَارِ وَحُلُولِ الآجَالِ، فَاسْتَعِدُّوا لِهَاذِمِ اللَّذَّاتِ وَمُفَرِّقِ الْجَمَاعَاتِ، وَاعْتَبِرُوا بِمَنْ عَيّدَ مَعَكُمْ فِي عَامِكُم الْفَائِتِ ثُمَّ هُوَ اليَوْمَ رَهِينُ عَمَلِهِ فِي ظُلُمَاتِ الْقُبُورِ، يَتَرَقَّبُ النَّفْخَةَ فِي الصَّورِ وَالْبَعْثِ لِيَوْمِ النُّشُورِ. فَإِنَّكُمْ غَدًا مِثْلُهُم، وَسَيَنْزِلُ بِكُمْ مَا نَزَلَ بِهِمْ، فَإِنَّ كُلَّ نَفْسٍ ذَائِقَةِ المَوْتِ وَلَا بُدَّ. وَمَا مِنَّا مِنْ أَحَدٍ إِلَّا قَدْ نُعِيَتْ لَهُ نَفْسُهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ المَوْتِ}.
وَالمَوْتُ يَا عِبَادَ اللهِ لَيْسَ هُوَ نِهَايَةُ المَطَافِ إِنَّمَا المَوْتُ بَابٌ لِأَحَدِ دَارَيْنِ إِمَّا بَابٌ إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا بَابٌ إِلَى النَّارِ فَاحْرِصْ يَا عَبْدَ اللهِ عَلَى أَنْ تَكُونَ الْجَنَّةُ دَارَكَ. وَالْفِرْدَوسُ مَصِيرَكَ وَقَرَارَكَ؛ بِأَنْ تَعْمَل بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى تَلْقَى رَبَّكَ.
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الحَمْدُ.
اللَّهُمَّ تَقَبَّلْْ صِيَامَنَا وَقِيَامَنَا وَصَالِحَ أَعْمَالِنَا، وَتَجَاوَزْ عَنْ ذُنُوبِنَا وَسَيِّئَاتِنَا اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنَ الْفَائِزِينَ بِجَنَّاتِكَ، النَّاجِينَ مِنْ نِيرَانِكَ.
اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنَّا.
اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي دُورِنَا وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اللَّهُمَّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا وَسَائِرَ بِلَادِ المُسلمين، اللَّهُمَّ وفق إمامنا وولي عهده لما تحب وترضى وخذ بنواصيهم للبر والتقوى، اللهم هيء لهم البطانة الصالحة الناصحة يا رب العالمين.
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلَامَ وَالمُسْلِمِينَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالمُشْرِكِينَ، وَانْصُرْ عِبَادِكَ المُوَحِّدِينَ، اللَّهُمَّ انْصُرْ جُنُودَنَا وَرِجَالَ أَمْنِنَا ، وَأَيِّدْهُمْ بِتَأْيِيدِك، وَاحْفَظْهُم بِحِفْظِكَ، وَاجْزِهِمْ خَيْرَ الْجَزَاءِ عَلَى مَا يَقُومُونُ بِهِ مِنْ حِمَايَةِ أَمْنِنَا وَحُدُودِنَا وَمُقَدَّسَاتِنَا يَا سَمِيعَ الدُّعَاءِ.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، وَأَدْخِلْنَا الجَنَّةَ مَعَ الأبْرَارِ. اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
اعداد الدكتور الشيخ / علي الحدادي
المرفقات
العيد-1
العيد-1