خطبة عيد الفطر 1438

عبدالله البصري
1438/09/23 - 2017/06/18 14:14PM
عيد الفطر 1438
الخطبة الأولى :
اللهُ أَكبَرُ اللهُ أَكبَرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبَرُ ، اللهُ أَكبَرُ وَللهِ الحَمدُ .
الحَمدُ للهِ الَّذِي هَدَانَا لِلإِيمَانِ ، وَمَنَّ عَلَينَا بِإِدرَاكِ شَهرِ رَمَضَانَ ، وَوَفَّقَنَا فِيهِ لِلطَّاعَةِ وَالبِرِّ وَالإِحسَانِ ، أَعَانَنَا عَلَى الصَّلاةِ فِيهِ وَالصِّيَامِ ، وَيَسَّرَ لَنَا خَتمَ القُرآنِ وَالقِيَامَ ، وَأَفَاضَ أَلسِنَتَنَا بِالدُّعَاءِ وَالذِّكرِ ، فَلَهُ – تَعَالى - أَتَمُّ الحَمدِ وَأَوفَى الشُّكرِ ، أَشهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، شَهَادَةً أَرجُو بِهَا النَّجَاةَ يَومَ النُّشُورِ ، وَأُعِدُّهَا لِيَومٍ تُبَعثَرُ فِيهِ القُبُورُ ، وَيُحَصَّلُ مَا في القُلُوبِ وَالصُّدُورِ ، وَأَشهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُاللهِ وَرَسُولُهُ ، وَصَفِيُّهُ مِن خَلقِهِ وَخَلِيلُهُ ، بَلَّغَ الرِّسَالَةَ وَأَدَّى الأَمَانَةَ وَنَصَحَ لِلأُمَّةِ ، وَجَاهَدَ في اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ حَتَّى كَشَفَ اللهُ بِهِ الغُمَّةَ ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحبِهِ الغُرِّ المَيَامِينَ ، وَمَن سَارَ عَلَى سُنَّتِهِ وَاهتَدَى بِهَديِهِ إِلى يَومِ الدِّينِ.
خَرَجنَا وَسِترُ اللهِ يَجمَعُ شَملَنَا *** وَكُلُّ لِكُلٍّ مُسعِدٌ وَمُسَاعِفُ
وَقَد أَخَذَت كُلُّ البِقَاعِ حُلِيَّهَا *** بَهَاءً وَلا وَجهٌ مِنَ العَيشِ كَاسِفُ
فَللهِ كُلُّ الحَمدِ وَالشُّكرِ وَافِرًا *** بِهِ يَكتَفِي طَاوٍ وَيَأمَنُ خَائِفُ

اللهُ أَكبَرُ اللهُ أَكبَرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبَرُ ، اللهُ أَكبَرُ وَللهِ الحَمدُ .
أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم - أَيُّهَا النَّاسُ - وَنَفسِي بِخَيرِ الزَّادِ لِيَومِ المَعَادِ " يَا بَني آدَمَ قَدْ أَنزَلنَا عَلَيكُم لِبَاسًا يُوَارِي سَوآتِكُم وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقوَى ذَلِكَ خَيرٌ ذَلِكَ مِن آيَاتِ اللهِ لَعَلَّهُم يَذَّكَّرُونَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، كُنَّا أَمسِ في رَمَضَانَ ، في صَلاةٍ وَصِيَامٍ وَقِيَامٍ ، وَتَفطِيرٍ وَبِرٍّ وَإِطعَامِ طَعَامٍ ، وَزَكَاةٍ وَصَدَقَةٍ وَإِحسَانٍ ، وَذِكرٍ وَدُعَاءٍ وَتِلاوَةِ قُرآنٍ ، وَاليَومَ نَحنُ في عِيدِ الفِطرِ السَّعِيدِ ، قَد أَكمَلنَا شَهرَنَا بِفَضلِ اللهِ في أَمنٍ وَعَافِيَةٍ وَاطمِئنَانٍ ، وَأَتَمَّ المَولَى بِذَلِكَ عَلَينَا النِّعمَةَ وَأَظهَرَهَا ، فَحُقَّ لَنَا أَن نَفرَحَ بِفَضلِ اللهِ وَنَبتَهِجَ ، وَأَن نَسعَدَ بِرَحمَتِهِ وَنَغتَبِطَ ، وَأَن تَطِيبَ قُلُوبُنَا وَتَنشَرِحَ صُدُورُنَا ، وَأَن تُسَرَّ خَوَاطِرُنَا وَتَقَرَّ نَوَاظِرُنَا ، وَأَن نُكَبِّرَ اللهَ وَنَذكُرَهُ وَنَشكُرَهُ ، طَاعَةً لَهُ – سُبحَانَهُ - وَامتِثَالاً لأَمرِهِ حَيثُ قَالَ : " وَلِتُكمِلُوا العِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُم وَلَعَلَّكُم تَشكُرُونَ "
نَعَم – أَيُّهَا الإِخوَةُ - بِالأَمسِ كُنَّا نَنعَمُ بِتَنوِيعِ الطَّاعَاتِ ، وَنَأنَسُ بِكَثرَةِ القُرُبَاتِ ، وَاليَومَ نَحنُ في فَرَحٍ بِمَا وُفِّقنَا إِلَيهِ وَأُعِنَّا عَلَيهِ . اليَومَ نَفرَحُ بِالفِطرِ وَإِتمَامِ شَهرِ الصَّبرِ ، وَغَدًا نَفرَحُ بِالصَّومِ وَتَحصِيلِ الأَجرِ ، قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - : " لِلصَّائِمِ فَرحَتَانِ يَفرَحُهُمَا ، إِذَا أَفطَرَ فَرِحَ بِفِطرِهِ ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَومِهِ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ ، وَقَالَ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - : " الصِّيَامُ وَالقُرآنُ يَشفَعَانِ لِلعَبدِ ، يَقُولُ الصِّيَامُ : رَبِّ إِنِّي مَنَعتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ بِالنَّهَارِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ ، وَيَقُولُ القُرآنُ : رَبِّ مَنَعتُهُ النَّومَ بِاللَّيلِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ ، فَيُشَفَّعَانِ " رَوَاهُ أَحمَدُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
فَتَقَبَّلَ اللهُ مِنَّا وَمِنَ المُسلِمِينَ مَا قَدَّمنَاهُ ، وَغَفَرَ لَنَا وَلَهُم مَا أَخطَأنَا فِيهِ أَو نَسِينَاهُ ، وَجَعَلَنَا مِمَّن يُقَالُ لَهُم غَدًا في جَنَّةٍ عَالِيَةٍ : " كُلُوا وَاشرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسلَفتُم في الأَيَّامِ الخَالِيَةِ " اللهُ أَكبَرُ اللهُ أَكبَرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبَرُ ، اللهُ أَكبَرُ وَللهِ الحَمدُ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ حَيَاةَ المُسلِمِ بِفَضلِ اللهِ ، حُلوَةٌ وَإِن خَالَطَهَا بَعضُ الكَدَرِ ، هَنِيئَةٌ وَإِن شَابَهَا بَعضُ الحَزَنِ ، وَمَا ذَاكَ إِلاَّ بِإِيمَانِهِ بِاللهِ رَبًّا وَبِالإِسلامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا رَسُولاً ، وَرِضَاهُ بما قَدَّرَ اللهُ وَاستِسلامِهِ لِمَا قَضَاهُ ، وَاحتِسَابِهِ الأَجرَ في كُلِّ شَأنِهِ ، وَتَسلِيمِهِ لأَمرِ رَبِّهِ وَنَهيِهِ ، وَوُقُوفِهِ عِندَ حُدُودِهِ وَعَدَمِ تَجَاوُزِهَا " عَجَبًا لأَمرِ المُؤمِنِ ، إِنَّ أَمرَهُ كُلَّهُ خَيرٌ ، وَلَيسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلمُؤمِنِ ، إِن أَصَابَتهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيرًا لَهُ ، وَإِن أَصَابَتهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيرًا لَهُ "
إِنَّ المُسلِمَ - يَا عِبَادَ اللهِ - بَينَ عَطَاءٍ يَأتِيهِ فَيُوجِبُ عَلَيهِ الشُّكرَ ، وَبَلاءٍ يُصِيبُهُ فَيَستَوجِبُ مِنهُ الصَّبرَ ، وَلا تَنفَكُّ الدُّنيَا مَعَ صَفوِهَا مِن كَدَرٍ ، إِلاَّ أَنَّ المُؤمِنَ بِاحتِسَابِ الأَجرِ ، وَلُزُومِ الشُّكرِ وَالصَّبرِ ، وَدَوَامِ التَّوبَةِ مِن كُلِّ ذَنبٍ وَوِزرٍ ، تَتَحَقَّقُ لَهُ الرَّاحَةُ وَالرِّضَا ، وَتَفِيضُ عَلَيهِ السَّكِينَة وَيَغمُرُهُ الأُنسُ ، وَيَشعُرُ بِالطُمَأنِينَةِ وَهُدُوءِ النَّفسِ ،
وَالعَاقِلُ الحَصِيفُ الرَّشِيدُ ، يَعِيشُ حَيَاتَهُ كَيَومِ العِيدِ ، فَرِحًا بِإِيمَانِهِ ، مُنشَرِحَ الصَّدرِ بِإِحسَانِهِ ، مَسرُورًا بِطَاعَةِ اللهِ ، سَعِيدًا بِالقُربِ مِن مَولاهُ ، يَتَّقِيهِ حَيثُمَا كَانَ ، وَيُتبِعُ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ ، وَيُخَالِقُ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ .
وَمَا الأَعيَادُ في الإِسلامِ – إِخوَةَ الإِيمَانِ - إِلاَّ مَحَطَّاتٌ لإِظهَارِ الفَرَحِ وَالسُّرُورِ ، وَمَوَاقِفُ لإِعلانِ البَهجَةِ وَالحُبُورِ ، يَتَذَكَّرُ المَرءُ فِيهَا رَحِمًا مَقطُوعَةً فَيَصِلُهَا ، وَقَرَابَةً مَهجُورَةً فَيَزُورُهَا ، وَصَدَاقَةً مَنسِيَّةً لِيُجَدِّدَهَا ، وَعَلاقَةً وَاهِيَةً لِيُصلِحَهَا .
في العِيدِ تُنسَى الشَّحنَاءُ ، وَتُنزَعُ حُجُبُ البَغضَاءِ ، مُصَافَحَةٌ وَعِنَاقٌ وَسَلامٌ ، وَمَحَبَّةٌ وَوِفَاقٌ وَوِئَامٌ ، وَعَفوٌ وَصَفحٌ وَإِكرَامٌ ، تَتَعَانَقُ الأَفئِدَةُ قَبلَ تَصَافُحِ الأَكُفِّ ، وَيُسَلِّمُ المُسلِمُ عَلَى مَن عَرَفَ وَمَن لم يَعرِفْ ، يَلتَقِي أَفرَادُ المُجتَمَعِ كُلُّهُم بِلا استِثنَاءِ ، في مُوَدَّةٍ وَإِخَاءٍ وَصَفَاءٍ ، لا أَثَرَةَ وَلا خُصُوصِيَّةَ وَلا استِعلاءَ ، بَل تَصَافٍ وَصِدقٌ وَنَقَاءٌ ، فَالعِيدُ فَرَحُ مُجتَمَعٍ بِأَكمَلِهِ ، وَسَعَادَةُ أُمَّةٍ بِأَسرِهَا ، وَالمُسلِمُ في العِيدِ جَمِيلُ المَنظَرِ نَظِيفُ المَخبَرِ ، حَسَنُ الصُّورَةِ عَظِيمُ الخُلُقِ ، مُشرِقُ الجَبِينِ وَضَّاحُ المُحَيَّا ، طَلقُ الوَجهِ بَاسِمُ الثَّغرِ ، لا يَتَكَبَّرُ عَلَى ضَعِيفٍ لِضَعفِهِ ، وَلا يَتَرَفَّعُ عَلَى فَقِيرٍ لِقِلَّةِ ذَاتِ يَدِهِ ، وَلا يَتَجَهَّمُ لِمِسكِينٍ لِحَاجَتِهِ ، وَلا يَحتَقِرُ مُحتَاجًا لِمَسكَنَتِهِ ، لا تَرَاهُ إِلاَّ خَافِضَ الجَنَاحِ لِلمُؤمِنِينَ ، لَيِّنَ الجَانِبَ مَعَ المُسلِمِينَ ، سَمحًا سَهلاً حَلِيمًا ، هَشًّا بَشًّا كَرِيمًا ، يألَفُ وَيُؤلَفُ ، وَيُحِبُّ وَيُحَبُّ ، يَأخُذُ الأُمُورَ بِالرِّفقِ وَالمُلايَنَةِ ، وَيَتَعَامَلَ مَعَ غَيرِهِ بِالسَّمَاحَةِ وَالمُيَاسَرَةِ ، لا يَستَفِزُّهُ حُمقٌ وَلا نَزَقٌ ، وَلا يَستَخِفُّهُ سَفَهٌ وَلا غَضَبٌ ، وَلا يَحمِلُ في قَلبِهِ حِقدًا قَدُمَ عَهدُهُ ، وَلا يَتَذَكَّرُ خَطَأً بَعُدَ حِينُهُ ، وَلا يَجتَرُّ مَوقِفًا عَفَا عَلَيهِ الزَّمَنُ ، بَل يَصُدُّ الجَهلَ بِالحِلمِ ، وَيَمحُو العَثَرَاتِ بِالعَفوِ ، وَيَدفَعُ السَّيِّئَةَ بِالَّتي هِيَ أَحسَنُ ، يُفشِي السَّلامَ ، وَلا يُكثِرُ المَلامَ ، وَيُكرِمُ الأَهلَ وَالأَصحَابَ ، وَلا يَبدَأُ أَحَدًا مِنهُم بِعِتَابٍ ، يُعطِي أَكثَرَ مِمَّا يَأخُذُ ، وَيَبذُلُ فَوقَ مَا يَسأَلُ ، وَيُحِبُّ لإِخوَانِهِ مِنَ الخَيرِ مَا يُحِبُّهَ لِنَفسِهِ .
اللهُ أَكبَرُ اللهُ أَكبَرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبَرُ ، اللهُ أَكبَرُ وَللهِ الحَمدُ .
العِيدُ يَومُ الزِّينَةِ وَالتَّجَمُّلِ ، زِينَةٌ تَظهَرُ بها نِعمَةُ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ ، وَجَمَالٌ يَحكِي جَمَالَ أَروَاحِهِم وَيَشِفُّ عَن صَفَائِهَا ، دُونَ كِبرٍ أَو خُيَلاءَ ، أَو مُبَاهَاةٍ أَوِ استِعلاءٍ .
العِيدُ يَومُ التَّوسِعَةِ عَلَى العِيَالِ في المَأكلِ وَالمَشرَبِ ، وَالسَّمَاحِ لَهُم بِشَيءٍ مِنَ اللَّهوِ المُبَاحِ ، دُونَ تَجَاوُزٍ لِلحَدِّ المَعلُومِ إِلى الإِسرَافِ المَذمُومِ ، أَو وُقُوعٍ في تَبذِيرٍ مُجَرَّمٍ أَو إِتيَانِ مُنكَرٍ مُحَرَّمٍ .
العِيدُ يَومُ فُسحَةٍ وَنُزهَةٍ ، وَخُرُوجٍ مِن دَائِرَةِ الخُصُوصِيَّةِ إِلى دَوَائِرَ أَوسَعَ ، وَلَكِنْ دُونَ تَعَرٍّ أَو سُفُورٍ ، أَو تَحَلُّلٍ أَوِ اختِلاطٍ مَحظُورٍ .
لَيسَ العِيدُ عَادَةً اجتِمَاعِيَّةً تَخضَعُ لِرُسُومٍ قَبَلِيَّةٍ ، وَلا هُوَ مُنَاسَبَةً وَطَنِيَةً تَحكُمُهَا أَنظِمَةٌ حُكُومِيَةٌ ، وَلَكِنَّهُ عِبَادَةٌ رَبَّانِيَّةٌ وَفَرحَةٌ إِيمَانِيَّةٌ ، يَستَحِقُّهَا مَن أَقَامَ الصَّلاةَ وَآتى الزَّكَاةَ ، وَصَامَ وَقَامَ وَأَعطَى وَاتَّقَى ، وَصَدَّقَ بِالحُسنَى فَيُسِّرَ لِليُسرَى .
أَجَل – أَيُّهَا المُؤمِنُونَ – إِنَّ العِيدَ فَرحَةٌ بِانتِصَارِ الإِرَادَةِ الخَيِّرَةِ عَلَى الأَهوَاءِ الشِّرِّيرَةِ ، وَبَهجَةٌ بِطَاعَةِ الرَّحمَنِ ، وَسُرُورٌ بِمُخَالَفَةِ النَّفسِ وَالشَّيطَانِ ، دُونَ أَن يَنسَى المُسلِمُ في خِضَمِّ هَذَا الفَرَحِ أَنَّ لَهُ مَعَالِمَ فَيَنتَهِيَ إِلَيهَا ، وَحُدُودًا فَيَقِفَ عِندَهَا وَلا يَتَجَاوَزَهَا .
اللهُ أَكبَرُ اللهُ أَكبَرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبَرُ ، اللهُ أَكبَرُ وَللهِ الحَمدُ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، لَيسَ شَيءٌ أَحَبَّ إِلى شَيَاطِينِ الجِنِّ وَالإِنسِ مِن فَسَادِ ذَاتِ البَينِ ، وَزَرعِ القَطِيعَةِ بَينَ الأَحبَابِ وَالمُتَآلِفِينَ ، وَنَشرِ الخِلافَاتِ بَينَ الأَصحَابِ وَالمُتَآخِينَ ، حَتَّى يَنقَلِبَ الصَّدِيقُ الحَمِيمُ نِدًّا بَغِيضًا ، وَيَعُودَ الوَلِيُّ الحَبِيبُ عَدُوًّا كَرِيهًا ، وَلِذَا فَهُم لا يَألُونَ جُهدًا في التَّحرِيشِ وَالوَسوَسَةِ ، وَبَثِّ مَا يَجلِبُ الشِّقَاقَ وَالنُّفرَةَ ، يَبُثُّونَ الكِبرَ في الصُّدُورِ ، وَيَزرَعُونَ التَّعَالِيَ في النُّفُوسِ ، حَتَّى يَنزِعَ القَرِيبُ يَدَهُ مِنْ يَدِ قَرِيبِهِ ، وَيُشِيحَ الحَبِيبُ بِوَجهِهِ عَن حَبِيبِهِ ، وَيَنصَرِفَ قَلبُ الأَخِ عَن أَخِيهِ ، وَيَتَخَلَّى كَرِيمُ النَّفسِ عَن كَرَمِ أَخلاقِهِ ، وَطَيِّبُ القَلبِ عَن رِقَّةِ طَبعِهِ ، ثم لا يَسمَعُ بَعدَ ذَلِكَ تَوجِيهًا وَلا نُصحًا ، وَلا يَقبَلُ عَفوًا وَلا صُلحًا وَلا صَفحًا ، قَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - : " إِنَّ الشَّيطَانَ قَد أَيِسَ أَن يَعبُدَهُ المُصَلُّونَ في جَزِيرَةِ العَرَبِ ، وَلَكِنْ في التَّحرِيشِ بَينَهُم " رَوَاهُ مُسلِمٌ .
أَلا فَمَا أَجمَلَهُ بِالمُسلِمِينَ أَن يَجعَلُوا العِيدَ فُرصَةً لِلعَفوِ وَالصَّفحِ ، وَعَودِ القُلُوبِ لاجتِمَاعِهَا وَالنُّفُوسِ لِصَفَائِهَا ، وَمَن عَلِمَ قِصَرَ الحَيَاةِ وَقُربَ المَمَاتِ ، لم يُضِعْ عُمُرَهُ في اجتِلابِ العَدَاوَاتِ ، وَلم يَشغَلْ نَفسَهُ بِالانتِقَامِ مِنَ المُخطِئِينَ ، وَإِنَّمَا الحَيَاةُ الطَّيِّبَةُ وَالسَّعَادَةُ الحَقِيقِيَّةُ ، لِمَن تَبِعَ الحَقَّ وَأَحسَنَ إِلى الخَلقِ " مَن عَمِلَ صَالِحًا مِن ذَكَرٍ أَو أُنثَى وَهُوَ مُؤمنٌ فَلَنُحيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجزِيَنَّهُم أَجرَهُم بِأَحسَنِ مَا كَانُوا يَعمَلُونَ "
اللهُ أَكبَرُ اللهُ أَكبَرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبَرُ ، اللهُ أَكبَرُ وَللهِ الحَمدُ .
الخطبة الثانية :
اللهُ أَكبَرُ اللهُ أَكبَرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبَرُ ، اللهُ أَكبَرُ وَللهِ الحَمدُ .
اللهُ أَكبَرُ كَبِيرًا ، وَالحَمدُ للهِ كَثِيرًا ، وَسُبحَانَ اللهِ بُكرَةً وَأَصِيلاً .
الحَمدُ للهِ عَلَى مَا مَنَّ بِهِ وَأَعطَاهُ ، وَالشُّكرُ لَهُ عَلَى مَا أَنعَمَ بِهِ وَأَولاهُ ، هَدَانَا وَمَا كُنَّا لِنَهتَدِيَ لَولاهُ ، وَأَفَاضَ عَلَينَا الخَيرَ وَأَجرَاهُ ، فَلَهُ الحَمدُ حَتَّى يَبلُغَ الحَمدُ مُنتَهَاهُ ، أَشهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ ، وَأَشهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ وَمُصطَفَاهُ ، شَهَادَةً أَرجُو بها النَّجَاةَ يَومَ أَلقَاهُ ، يَومَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ وَلا جَاهٌ ، إِلاَّ مَن أَتَى اللهَ بِقَلبٍ سَلِيمٍ وَاتَّقَاهُ ...
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ – تَعَالى – تَسعَدُوا ، وَأَطِيعُوهُ تَهتَدُوا " وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الفَائِزُونَ "
أيها المسلمون ، الفَرَحُ وَردَةٌ نَضِرَةٌ ، وَالسُّرُورُ زَهرَةٌ فَوَّاحَةٌ ، وَالسَّعَادَةُ شَجَرَةٌ طَيِّبَةٌ تَعِيشُ في حُقُولِ الصَّفَاءِ ، وَتَحتَضِنُهَا بَسَاتِينُ النَّقَاءِ ، تُسقَى بِمَاءِ العَفوِ وَالتَّسَامُحِ ، وَتُروَى بِفَيضِ التَّغَافُلِ وَالتَّصَافُحِ ، تَزِيدُ ثِمَارُهَا بِالإِحسَانِ وَالعَطَاءِ ، وَتُؤتِي أُكُلَهَا بِالتَّرَاحُمِ وَالإِغضَاءِ ، فَإِذَا مَا تَعَرَّضَت لِرِيَاحِ الظُّنُونِ السَّيِّئَةِ ، أَو لَفَحَتهَا سَمَائِمُ التَّعنِيفِ وَكَثرَةِ اللَّومِ ، أَو سُلِّطَت عَلَيهَا نِيرَانُ الحَسَدِ وَالتَّبَاغُضِ ، أَو وُضِعَت في مُستَنقَعَاتِ التَّنَافُسِ غَيرِ الشَّرِيفِ ، ذَهَبَ رُوَاؤُهَا وزال بَهَاؤُهَا ، وَقَد تَنقَطِعُ جُذُورُهَا في بَعضِ المُجتَمَعَاتِ فَتَمُوتُ ، بِسَبَبِ مَعَاصٍ تَستَوحِشُ لَهَا القُلُوبُ ، وَذُنُوبٍ يَتَنَافَرُ مَعَهَا الوُدُّ ، أَو ظُلمٍ ظَالِمٍ لم يَعرِفِ العَدلُ إِلى قَلبِهِ سَبِيلاً ، أَو شُحِّ شَحِيحٍ لم يَبذُلْ مِنَ الإِحسَانِ كَثِيرًا وَلا قَلِيلاً ، وَقَد تَذبُلُ أَورَاقُهَا في نُفُوسٍ أُنَاسٍ فَترَةً مِنَ الزَّمَنِ ، بِسَبَبِ مِحَنٍ تَمُرُّ بِهِم وَبَلايا ، أَو فِتَنٍ تُحِيطُ بِهِم وَرَزَايا ، وَمَا حَالُ مُجتَمَعَاتٍ حَولَنَا بِخَافٍ عَلَينَا ، حَيثُ يَعِيشُ إِخوَانٌ لَنَا عِيدَهُم بَينَ خَوفٍ وَرُعبٍ ، تُصَبِّحُهُم صَوَارِيخُ العَدُوِّ ، وَتُمَسِّيهِم طَلَقَاتُ المُتَرَبِّصِ ، قَد أَضحَوا هَدَفًا لِخِطَطِ المَاكِرِينَ وَغَدرِ المُنَافِقِينَ ، هُدِّمَت مَسَاكِنُهُم ، وَأُخلِيَت دِيَارُهُم ، وَأُخرِجُوا مِن بِلادِهِم ، وَقُتِلَ أَطفَالُهُم وَنِسَاؤُهُم ، وَهُتِكَت أَعرَاضُهُم وَدِيسَت كَرَامَتُهُم ، وَانتُزِعَتِ الطُّمَأنِينَةُ مِن نُفُوسِهِم ، فَلَهُم مِنَّا خَالِصُ الدُّعَاءِ وَصَحِيحُ الرَّجَاءِ ، أَن يَكُونَ هَذَا العِيدُ مَطلَعَ رَحمَةٍ عَلَيهِم بَعدَ عَذَابٍ ، وَبُزُوغَ فَجرِ فَرَجٍ لَهُم بَعدَ شِدَّةٍ ، وَشُرُوقَ شَمسِ يُسرٍ بَعدَ عُسرٍ . وَمَا دُمنَا نَعِيشُ في بِلادِنَا في أَمنٍ وَإِيمَانٍ ، وَعَافِيَةٍ وَاطمِئنَانٍ ، تُؤَلِّفُ بَينَنَا رَابِطَةُ الإِسلامِ ، وَتَجمَعُنَا أُخُوَّةُ الدِّينِ ، وَيَشُدُّ أَعضَاءَ جَسَدِنَا كَرِيمُ الصُّحبَةِ ، وَيَربِطُنَا حُسنُ الجِوَارِ ، وَلَنَا في تَبَادُلِ التَّقدِيرِ وَدَوَامِ التَّآخِي أَكبَرُ المَصَالِحِ ، فَلْنَحرِصْ عَلَى وِحدَةِ الصَّفِّ وَاجتِمَاعِ الكَلِمَةِ وَالتَّآلُفِ ، وَلْنَحذَرِ الفُرقَةَ وَتَشَعُّبَ الرَّأيِ وَتَصَدُّعَ البَنَاءِ ، وَمَا يَكُنْ بَينَنَا مِن نَصِيحَةٍ مُتَبَادَلَةٍ ، أَو إِرَادَةِ إِصلاحٍ خَيِّرَةٍ ، فَلْتَكُنْ مِن بَابِ الأَمرِ بِالمَعرُوفِ بِالمَعرُوفِ ، وَالنَّهيِ عَنِ المُنكَرِ بِلا مُنكَرٍ .
طَبِيعِيٌّ أَن يَختَلِفَ الرَّأيُ قَلِيلاً ، وَأَلاَّ تَتَّفِقَ وُجُهَاتُ النَّظَرِ تَمَامَ الاتِّفَاقِ ، وَلَكِنَّ حُسنَ الأَدَبِ وَاجِبُ الجَمِيعِ ، وَبَذلَ العُذرِ مِن لَوَازِمِ الذَّوقِ الرَّفِيعِ ، وَالرِّفقُ وَحُسنُ الظَّنِّ يُمنٌ وَبَرَكَةٌ ، وَالفَظَاظَةُ وَالعُنفُ وَالغِلظَةُ شُؤمٌ وَمَحقٌ ، وَالاعتِذَارُ عَنِ الخَطَأِ هُوَ قِمَّةُ التَّوَاضُعِ ، وَلم يَجعَلِ اللهُ لأَحَدٍ قَلبَينِ في جَوفِهِ ، حَتَّى يَجعَلَ أَحَدَهُمَا مَنبَعًا لِلسَّعَادَةِ وَالخَيرِ وَالحُبِّ , وَالآخَرَ مَبعثًا لِلشَّقَاءِ وَالشَّرِّ وَالكُرهِ ، فَلْنَقصُرْ قُلُوبَنَا عَلَى الحُبِّ وَالوُدِّ ، وَالحَذَرَ الحَذَرَ مِن تَضيِيقِهَا بِالبُغضِ وَالحِقدِ ، وَإِن أُلجِئنَا لِبَعضِ التَّفَرُّقِ حِينًا مِنَ الدَّهرِ ، فَلْيَكُنْ بِعَدلٍ وَحُسنِ رِعَايَةٍ لِلعَهدِ .
تَعَالَوا نُسَامِحْ بَعضَنَا يَومَ عِيدِنَا *** فَمَا فَازَ في الأَعيَادِ إِلاَّ المُسَامِحُ
وَلا تُكثِرُوا لَومًا وَخَلُّوا عِتَابَكُم *** بَعِيدًا فَإِنَّ المَوتَ غَادٍ وَرَائِحُ

اللهُ أَكبَرُ اللهُ أَكبَرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبَرُ ، اللهُ أَكبَرُ وَللهِ الحَمدُ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، اللهَ اللهَ بِطَاعَةِ اللهِ وَرَسُولِهِ ، وَالتَّمَسُّكِ بِالسُّنَّةِ وَهَديِ السَّالِفِينَ ، وَالحَذَرَ الحَذَرَ مِنَ المَعَاصِي وَاتِّبَاعِ الخَالِفِينَ المُخَالِفِينَ ، وَلْنَتَذَكَّرْ أَنَّ لَبِنَاتِ المُجتَمَعِ هِيَ الأُسَرُ ، وَعِمَادَ صَلاحِهَا هُوَ النِّسَاءُ ، وَأَصلُ صَلاحِ النِّسَاءِ قَرَارُهُنَّ في البُيُوتِ ، وَابتِعَادُهُنَّ عَن مَوَاطِنِ السُّفُورِ وَالاختِلاطِ المَحظُورِ ، وَرَبُّ الأُسرَةِ هُوَ وَلِيُّ أَمرِهَا ، وَهُوَ المَسؤُولُ عَن تَقوِيمِهَا وَأَطرِهَا ، وَكُلُّكُم رَاعٍ وَكُلُّكُم مَسؤُولٌ عَن رَعِيَّتِهِ ... وَإِنَّنَا مِن هَذَا المِنبَرِ ، لَنُنَاشِدُ الأَخوَاتِ وَالأُمَّهَاتِ وَالزَّوجَاتِ وَالبَنَاتِ ، أَن يَكُنَّ صَالِحَاتٍ قَانِتَاتٍ ، حَافِظَاتٍ لِلغَيبِ بما حَفِظَ اللهُ ، وَأَن يَمتَثِلْنَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أُمَّهَاتِ المُؤمِنِينَ وَنِسَاءَ المُسلِمِينَ ، مِن تَقوَى اللهِ وَالقَرَارِ في البُيُوتِ ، وَنَبذِ التَّبَرُّجِ وَالخُضُوعِ بِالقَولِ ، أَعَادَ اللهُ عَلَينَا وَعَلَيكُمُ العِيدَ أَعوَامًا عَدِيدَةً ، في حَيَاةٍ سَعِيدَةٍ وَعِيشَةٍ رَغِيدَةٍ ، وَأَعَزَّنَا بِطَاعَتِهِ وَأَعَزَّ بِنَا دِينَهُ ...
رَعَى اللهُ أَيَّامًا مَضَت وَلَيَالِيًا *** خِفَافًا بِنَا مَرَّت كَمَرِّ السَّحَائِبِ
وَيَا لَيتَهَا لم تَمضِ عَنَّا فَفَقدُهَا *** عَلَى النَّفسِ إِحدَى مُوجِعَاتِ المَصَائِبِ

اللهُ أَكبَرُ اللهُ أَكبَرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبَرُ ، اللهُ أَكبَرُ وَللهِ الحَمدُ .
المرفقات

عيد الفطر 1438.doc

عيد الفطر 1438.doc

عيد الفطر 1438.pdf

عيد الفطر 1438.pdf

المشاهدات 2011 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا