خطبة عيد الفطر 1437 هـ ( العافية في زمن مضطرب)
إبراهيم بن صالح العجلان
1437/09/29 - 2016/07/04 02:31AM
خطبة عيد الفطر 1437 هـ
(العافية في زمن مضطرب)
اللهُ أَكْبَرُ (عَشْرَ مَرَّاتٍ).
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ الَّذِي سَنَّ وَشَرَعَ، وَرَفَعَ وَوَضَعَ، وَخَضَعَ لَهُ كُلُّ عَبْدٍ وَطَمِعَ.
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ عَلَا فَقَهَرَ، وَهَزَمَ وَنَصَرَ، وَعَلِمَ وَسَتَرَ، وَعَفَا وَغَفَرَ.
اللهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، وَالْحَمْدُ للهِ كَثِيرًا، وَسُبْحَانَ اللهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً.
مَا أَجْمَلَ صَبَاحَ الْعِيدِ! وَمَا أَسْعَدَ أَهْلَهُ الَّذِينَ أَتَمُّوا الْعِدَّةَ، وَأَخْرَجُوا الْفِطْرَةَ، وَوَدَّعُوا مَوْسِمًا عَظِيمًا مَذْكُورًا، قَدْ أَوْدَعُوا فِيهِ مِنْ حُلَلِ الطَّاعَاتِ، وَالْأَعْمَالِ الصَّالِحَاتِ، فَحُقَّ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَفْرَحَ بِهَذَا وَيَبْهَجَ، وَيَعِجَّ لِسَانُهُ بِالتَّكْبِيرِ وَيَلْهَجَ {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}.
إِخْوَةَ الإِيمَانِ: كَثِيرًا مَا كَانَ النَّبِيُّصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُ رَبَّهُ إِيَّاهَا، وَكَثِيرًا مَا كَانَ الصَّحَابَةُ-رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- يَسْأَلُونَ نَبِيَّهُمْ مِنَ الدُّعَاءِ فَيُرْشِدُهُمْ إِلَيْهَا.
هِيَ أَعْظَمُ عَطَايَا الْخَالِقِ لِلنَّاسِ، وَهِيَ بَعْدَ التَّقْوَى خَيْرُ لِبَاسٍ.
بِهَا تَصْفُو الْعِبَادَةُ، وَيَطِيبُ الْعَيْشُ، وَتَنْشَرِحُ الصُّدُورُ، وَتَقِرُّ الْعُيُونُ.
مَنْ فَقَدَهَا لَمْ يَطِبْ لَهُ كُلُّ مَوْجُودٍ، وَمَنْ حَازَهَا هَانَ عَلَيْهِ كُلُّ مَفْقُودٍ.
كَمْ تَرَحَّلَ لِأَجْلِهَا المُسَافِرُونَ! وَكَمْ تَضَرَّعَ فِي طَلَبِهَا المُتَوَجِّعُونَ!
جَاءَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- إِلَى النَّبِيِّصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ عَلِّمْنِي شَيْئًا أَسْأَلُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ، فَقَالَ: «سَلِ اللهَ الْعَافِيَةَ»، ثُمَّ مَكَثَ أَيَّامًا، ثُمَّ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: عَلِّمْنِي شَيْئًا أَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى، فَقَالَصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا عَبَّاسُ، يَا عَمَّ رَسُولِ اللهِ سَلِ اللهَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ.
أَلَا مَا أَحْوَجَنَا يَا أَهْلَ الإِيمَانِ أَنْ نَسْتَذْكِرَ وَنَتَذَاكَرَ شَأْنَ الْعَافِيَةِ فِي زَمَنٍ تَمُوجُ فِيهِ الْفِتَنُ بِأَهْلِهَا مَوْجًا، وَتَسُوقُهُمْ إِلَى الْبَلَاءِ فَوْجًا فَوْجًا! فِتَنٌ فِي السَّرَّاءِ تُلْهِي عَنِ الْآخِرَةِ، وَفِتَنٌ فِي الضَّرَّاءِ تَزْرَعُ الْيَأْسَ وَتَضُرُّ الدِّينَ.
فَاسْتِشْعَارُنَا لِنِعْمَةِ الْعَافِيَةِ هُوَ الْخُطْوَةُ الأُولَى لِشُكْرِهَا، وَشُكْرُهَا سَبَبٌ لِقَرَارِهَا وَبَقَائِهَا.
رَأَيْتُ الْبَلَاءَ كَقَطْرِ السَّمَاءِ *** وَمَا تَنْبُتُ الْأَرْضُ مِنْ نَامِيَهْ
فَلَا تَسْأَلَـنَّ إِذَا مَا سَأَلْتَ *** إِلَهَكَ شَيْئًا سِوَى الْعَافِيَهْ
الْعَافِيَةُ -يَا أَهْلَ الْعَافِيَةِ- مَعْنًى وَاسِعٌ يَصْعُبُ أَنْ يُحَدَّ، وَصُوَرُهَا تَطُولُ مَعَ الْعَدِّ، فَهِيَ تَشْمَلُ كُلَّ مَا سَلَّمَ الْعَبْدَ فِي أَمْرِ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ.
بَيْدَ أَنَّ الرَّقَمَ الْأَوَّلَ فِي الْعَافِيَةِ هِيَ الْعَافِيَةُ الْعَقَائِدِيَّةُ، المُعَافَاةُ مِنَ الْكُفْرِ الظَّاهِرِ وَضَلَالَاتِهِ، وَالْكُفْرِ الْبَاطِنِ وَنَزَغَاتِهِ.
فَالْحَمْدُ للهِ الَّذِي عَافَانَا وَهَدَانَا لِلْإِسْلَامِ، وَلَمْ يَجْعَلْنَا يَهُودًا نَغْدُو إِلَى بِيعَةٍ، وَلَا نَصَارَى نَمْشِي إِلَى كَنِيسَةٍ، وَلَا جَعَلَنَا مُشْرِكِينَ نَعْكُفُ عَلَى وَثَنٍ، أَوْ نَجْثُو لِصَنَمٍ، وَإِنَّمَا جَعَلَنَا مِنْ أُمَّةٍ مُصْطَفَاةٍ مُجْتَبَاةٍ مَرْحُومَةٍ {هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}.
وَالْحَمْدُ للهِ الَّذِي عَافَانَا مِنْ عَقَارِبِ النِّفَاقِ، فَلَمْ يَجْعَلْنَا كَارِهِينَ لِلشَّعَائِرِ، مُبْطِنِينَ الْعَدَاوَةَ فِي الضَّمَائِرِ، لَمْ يَجْعَلْنَا مِمَّنْ مَشْرُوعُهُ الْأَمْرُ بِالمُنْكَرِ وَالنَّهْيُ عَنِ المَعْرُوفِ، بَلْ سَلَّمَنَا مِنْ هَذَا كُلِّهِ وَجَعَلَنَا مُسْتَجِيبِينَ للهِ، مُحِبِّينَ لِسُنَّةِ نَبِيِّهِ، رَاجِينَ نُصْرَةَ دِينِهِ.
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ.
وَمِنَ الْعَافِيَةِ فِي الدِّينِ -حَفِظَنَا اللهُ وَإِيَّاكُمْ بِالدِّينِ- أَنْ يَصُونَ المَرْءُ صَدْرَهُ عَنِ الشُّبَهِ الْخَطَّافَةِ، وَأَلَّا يَجْعَلَ قَلْبَهُ مُسْتَوْطَنًا لِزَبَائِلِ الْأَفْكَارِ، فَقَلْبُ الْإِنْسَانِ ضَعِيفٌ، وَالشُّبَهُ فِي الدِّينِ مَزْلَقَةٌ مَدْحَضَةٌ، وَمِنَ الْوَصَايَا الْمُحَمَّدِيَّةِ: «فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ».
فِقْدَانٌ لِلْعَافِيَةِ وَأَيُّ فِقْدَانٍ حِينَمَا يَتَجَلَّدُ الْإِنْسَانُ فِي نُصْرَةِ الْبَاطِلِ وَتَشْيِيدِ صَرْحِهِ، فَلَا تَرَاهُ إِلَّا مِعْوَلَ هَدْمٍ لِمُجْتَمَعِهِ فِي نَشْرِ الْفَسَادِ، وَمُدَافَعَةِ الْخَيْرِ وَالْإِصْلَاحِ، لَا تَجِدُهُ إِلَّا غَمَّازًا لِلشَّعَائِرِ وَأَهْلِهَا، شَائِعًا لِلْفَوَاحِشِ وَمُقَدِّمَاتِهَا، يَشْمَئِزُّ إِذَا ذُكِرَ اللهُ، وَيَسْتَبْشِرُ إِذَا صُدَّ عَنْ سَبِيلِهِ.
نَعَمْ لَنْ يَسْلَمَ المَرْءُ مِنَ العِصْيانِ وَالخَطَأِ، وَأَيُّنَا الْعَبْدُ الَّذِي مَا أَلمَّ بِذَنْبٍ؟! لَكِنْ فَرْقٌ بَيْنَ مَنْ يُذْنِبُ وَيَطْلُبُ السَّتْرَ وَيَخْشَى الْعَيْبَ، وَبَيْنَ مُجَاهِرٍ مُتَبَجِّحٍ لَا يَعْبَأُ بِنَشْرِ الْقَاذُورَاتِ وَالمُفَاخَرَةِ بِهَا، وَلِذَا قَالَ نَبِيُّنَاصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا المُجَاهِرِينَ».
فَاحْمَدِ اللهَ يَا عَبْدَ اللهِ أَنْ عَافَاكَ مِنْ هَذَا الصِّنْفِ، وَسَلَّمَكَ مِنْ أَنْ تَحْمِلَ أَثْقَالَ غَيْرِكَ مَعَ أَوْزَارِكَ.
وَتَبْقَى الْعَافِيَةُ فِي الْبَدَنِ تَاجًا عَلَى الرُّؤُوسِ لَا يَرَاهَا إِلَّا مَنْ فَقَدَهَا، وَقَلِّبْ أَخِي نَظَرَكَ فِي المَشَافِي وَانْظُرْ إِلَى حَالِ المُتَوَجِّعِينَ، وَفِي أَقْسَامِ النَّقَاهَةِ يَرْتَدُّ إِلَيْكَ الطَّرْفُ كَسِيرًا وَهُوَ أَسِيفٌ.
إِنَّ عُضْوًا وَاحِدًا فَقَطْ فِي جَسَدِكَ لَا يُقَدَّرُ بِثَمَنٍ، وَكُلُّ مَسْحَةِ عَافِيَةٍ تَتَنَفَّسُهَا لَا تُقَابَلُ بِوَزْنٍ، وَصَدَقَ الْقَائِلُ:
مَا أَنْعَمَ اللهُ عَلَى عَبْدِهِ *** بِنِعْمَةٍ أَوْفَى مِنَ الْعَافِـيَهْ
وَكُلُّ مَنْ عُوفِيَ فِي جِسْمِهِ *** فَإِنَّهُ فِي عِيـشَةٍ رَاضِيَهْ
لَا طَعْمَ لِلصِّحَّةِ وَالمَالِ، وَلَنْ يَهْنَأَ الْعَبْدُ بِمَأْكَلٍ وَلَا مَشْرُوبٍ، وَلَا مَسْكَنٍ وَلَا مَرْكُوبٍ، وَهُوَ لَا يَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَمَالِهِ، فَلَا عَافِيَةَ أَغْلَى مِنْ سَلَامَةِ الْأَوْطَانِ مِنَ الْحُرُوبِ، وَالْقَلَاقِلِ وَالْكُرُوبِ، قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «لَا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ، وَسَلُوا اللهَ الْعَافِيَةَ».
وَمِنَ الْعَافِيَةِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ الَّتِي تُبْقِي الْوُدَّ وَالتَّوَاصُلَ: التَّخَلُّقُ بِخُلُقِ التَّغَافُلِ، وَغَضُّ الطَّرْفِ عَنِ الأَخْطَاءِ، وَإِقْفَالُ أَبْوَابِ المُصَادَمَاتِ وَالشَّحْنَاءِ، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: «تِسْعَةُ أَعْشَارِ الْعَافِيَةِ التَّغَافُلُ»، وَيَتَأَكَّدُ التَّغَافُلُ مَعَ ذِي الرَّحِمِ الْقَرِيبِ، وَقَدِيمًا قَالَتِ الْعَرَبُ: (لَا تَقْطَعِ الْقَرِيبَ وَإِنْ أَسَاءَ، فَإِنَّ المَرْءَ لَا يَأْكُلُ لَحْمَهُ وَإِنْ جَاعَ).
وَإِذَا كَانَ هَذَا قَدْرُ الْعَافِيَةِ فَاعْلَمُوا -رَحِمَكُمُ اللهُ- أَنَّ الْعَافِيَةَ تُسْتَجْلَبُ بِشُكْرِهَا، وَالسَّعْيِ فِي بَقَاءِ أَسْبَابِهَا، وَالتَّضَرُّعِ إِلَى أَلَّا نُصَابَ فِي عَافِيَتِنَا وَتُرْفَعَ عَنَّا بِسَبَبِ مَا كَسَبَتْ أَيْدِينَا، فَغِيَرُ اللهِ لَا تَكُونُ إِلَّا بَعْدَ تَغَيُّرٍ مِنَ الْخَلْقِ {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}.
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ.
اللهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، وَالْحَمْدُ للهِ كَثِيرًا، وَسُبْحَانَ اللهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا.
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ...
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
أَعْدَاءٌ مُتَصَالِحُونَ، وَقَتَلَةٌ مُتَوَاطِئُونَ، وَفِرَقٌ بِدْعِيَّةٌ تَتَنَفَّسُ كُرْهًا، وَتَتَحَيَّنُ لِتَنْفِيسِ هَذَا الْكُرْهِ.
إِنَّنَا -يَا أَهْلَ هَذِهِ الْبِلَادِ- نَنْعَمُ بِعَافِيَةٍ فِي إِثْرِ عَافِيَةٍ، فَمِنْ شُكْرِهَا الْقِيَامُ بِحَقِّهَا، وَمِنْحَقِّهَا الْمُحَافَظَةُ عَلَى تَدَيُّنِ الْمُجْتَمَعِ وَصَلَاحِهِ، وَأَنْ لَا نَكُونَ دُعَاةً لِفَتْحِ بَابِ الْمُحَرَّمَاتِ وَالتَّحَايُلِ عَلَيْهَا، وَلَا مُهَوِّنِينَ مِنْ أَثَرِهَا وَآثَارِهَا عَبْرَ أَيِّ وَسِيلَةٍ إِعْلَامِيَّةٍ.
وَمِنَ اسْتِجْلَابِ الْعَافِيَةِ: نَشْرُ الْعِلْمِ وَالْخَيْرِ، وَاسْتِثْمَارُ الْأَمْوَالِ مَعَ اللهِ وَإِنْفَاقُهَا فِي نَشْرِ سُنَّةِ الْهَادِي الْبَشِيرِ، فَنِعْمَةُ التَّوْحِيدِ لَا يَقْدُرُهَا إِلَّا مَنْ عَاشَ فِي مُجْتَمَعَاتٍ قَدْ رَاجَتْ فِيهَا الْبِدَعُ وَالْخُزَعْبَلَاتُ.
عَافِيَتُنَا تَكُونُ في غَيْرَتِنا على بَلَدِنَا مِنْ تَحوُّلِهِ إِلى الأَسْوأِ، أو مِنَ صُوَرِ التَّفَتُّحِ التي يُفْتَحُ مَعَها أبواباً مِنَ التنازلاتِ وتَرْقِيْقِ المحرَّمَاتِ، فَمِنَ العَافِيَةِ الاحتسابُ وَالنَّصِيْحة، والأمْرِ بالمعروفِ والنَّهْيِّ عن المنكرِ، وَإلَّا نَفْعَلْ فَالْبَلاءُ مُنْتَظَرْ، ( أنهلِكُ وَفِيْنَا الصَّالحونَ؟ قال: نَعَمْ إِذا كَثُرَ الخَبَثُ).
عَافِيَتُنَا تَكونُ بِإِبْرَازِ عَظَمَةِ الْإِسْلَامِ وَتَشْرِيعَاتِهِ وَعَدْلِهِ وَحِفْظِهِ لِلْحُقُوقِ، فِي وَقْتٍ نَرَى الِانْبِهَارَ بِالْقِيَمِ الرَّنَّانَةِ المَسْتَوْرَدَةِ.
عَافِيَتُنَا نتحرَّاها بِاجْتِمَاعِنَا، وَجَمْعِنَا لِأَهْلِ السُّنَّةِ فِي كُلِّ صُقْعٍ عَلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَعَلَى مُحْكَمَاتِ الدِّينِ، لَا أَنْ يَخْرُجَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْنَا مَنْ يُصَدِّرُ لِلْعَالَمِينَ التَّصْنِيفَ وَالتَّبْغِيضَ، وَالإِيذَاءَ وَالتَّحْرِيضَ.
نَحْرُسُ عَافِيَتَنَا بِالْيَقَظَةِ مِنْ تَحَرُّكَاتِ الْأَعْدَاءِ وَمَكْرِهِمْ وَتَرَبُّصِهِمْ، وَبِالذَّاتِ الْأَفَاعِي الصَّفَوِيَّةُ، فَمِنْ حِفْظِ الْعَافِيَةِ وَاسْتِبَاقِ الْبَلاَءِ: بَتْرُ كُلِّ تَوَرُّمٍ صَفَوِيٍّ، فَقَدْ عَلَّمَتْنَا الْأَحْدَاثُ وَالتَّارِيخُ أَنَّ هَذِهِ التَّوَرُّمَاتِ لَا تُوَلِّدُ إِلاَّ اسْتِجْلَابَ الْفِتَنِ، وَالْبُعْدَ عَنِ الْعَافِيَةِ فِي الدُّنْيَا وَالدِّينِ.
وَتُطْلَبُ عَافِيَتُنَا بِالْحِفَاظِ عَلَى أَمْنِ الْبَلَدِ حِسِّيًّا وَفِكْرِيًّا مِنْ تَيَّارَيْنِ مُتَبَاعِدَيْنِ:
تَيَّارٌ غَالٍ مُكَفِّرٌ، سَفِيهٌ مُفَجِّرٌ، تَجَاوَزَتْ مُوبِقَاتُهُ وَضَلَالَاتُهُ كُلَّ حَدٍّ وَحُدُودٍ.
وَآخَرُ جَافٍ مُنْهَزِمٌ، عَاقٌّ لِتُرَاثِهِ، زَاهِدٌ فِي أَصَالَتِهِ، لَدَيْهِ مُشْكِلَةٌ مَعَ الشَّرِيعَةِ، وَمُعْضِلَةٌ مَعَ النُّصُوصِ،فَهُوَ إمَّا مُشَكِّكٌ فِي ثُبُوتها، أو ساَعٍ لِعَلْمَنَتِها، وَتَحْرِيْفِهَا عنْ مَعَانِيْها.
وَضَاعَ الِاعْتِدَالُ بَيْنَ هَذِيْنِ الطَّرَفَيْنِ المتَطَرِّفَيْنِ: طَرَفٍ دَاعِشِيٍّ يُكَفِّرُ مَنْ يَقِفُ حِيَالَهُ، وَآخَرَ ليبرالي مَوْتُورٍ يُدَعْشِنُ مَنْ يَتَصَدَّى أَمَامَهُ.
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ.
وَلِلْمَرْأَةِ عَافِيَتُهَا: أَنْ تَكُونَ حَيِيَّةً سِتِّيرَةً بَعِيدَةً عَنْ مُخَالَطَةِ الرِّجَالِ وَفِتْنَتِهِمْ، عَافِيَتُهَا فِي دِينِهَا وَدُنْيَاهَا قَنْطَرَةٌ لِعَافِيَتِهَا فِي أُخْرَاهَا، وَقَدِ اخْتَصَرَهَا لَنَا النَّبِيُّصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ:
«إِذَا صَلَّتِ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا، وَصَامَتْ شَهْرَهَا، وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا، وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا قِيلَلَهَا: ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ» رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.
عِبَادَ اللهِ: أَسَبَغَ اللهُ عَلَيْنَا نِعَمَ الْخَيْرَاتِ، وَتَقَبَّلَ مِنَّا وَمِنْكُمْ صَالِحَ الطَّاعَاتِ، وَأَعَادَ عَلَيْنَا شَهْرَنَا الْغَالِي وَنَحْنُ نَرْفُلُ بِالْعَافِيَةِ وَالمَسَرَّاتِ.
صَلُّوا بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى خَيْرِ الْبَرِيَّةِ....
المرفقات
خطبة عيد الفطر..العافية في زمن مضطرب.doc
خطبة عيد الفطر..العافية في زمن مضطرب.doc
المشاهدات 3053 | التعليقات 3
أحسن الله إليك
خطبة طيبة وموضوع نافع
بارك الله فيك خطبة جامعة نفعنا الله واياك بها فقط تحتاج الماح حول تمادي التكفيررين على المقدسات حيث ان الخطبه كانت قبل التفجير
أسأل الله ان يحفظنا واياك والمسلمين وأن يعافينا في دنيانا وفي ديننا وآخرتنا
ناشد الفوائد
خطبة ماتعة ومفيدة
أجدت وأفدت
جزاك الله خيرا ياشيخ إبراهيم
تعديل التعليق