خطبة عيد الفطر 1436

المحيميد المحيميد
1436/09/29 - 2015/07/16 03:45AM
بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة عيد الفطر
د.محمد بن عبد الله المحيميد - القصيم- البصر
الحمد لله رب العالمين، أحمد سبحانه وأشكره بِمَا خَلَقْنَا وَرَزَقْنا وَهَدَانا وكفانا وآوانا وَعَلَّمْنا وَأَنْقَذْنا وَفَرّجَ عَنَّا ، اللهم لَكَ الْحَمْدُ بِالْإِسْلَامِ وَالْقُرْآنِ، وَلَكَ الْحَمْدُ بِالْأَهْلِ وَالْمَالِ وَالْمُعَافَاةِ، كَبَتَّ عَدُوَّنَا، وَبَسَطْتَ رِزْقَنَا، وَأَظْهَرْتَ أَمتَنَا، وَجَمَعْتَ فُرْقَتَنَا، وَأَحْسَنْتَ مُعَافَاتِنَا، وَمِنْ كُلِّ مَا سَأَلْنَاكَ رَبَّنَا أَعْطَيْتَنَا، فَلَكَ الْحَمْدُ عَلَى ذَلِكَ حَمْدًا كَثِيرًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبد الله ورسوله ، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى أزواجه أمهات المؤمنين وعلى أصحابه أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
أما بعد فيا أيها المسلمون: عيدُكم مُبارك ، أدَّيتم فرضَكم، وأطعتُم ربَّكم، صُمتم وقرأتُم وتصدَّقتُم، فهنيئًا لكم ما قدَّمتم، وبُشراكم الفوزَ -بإذن الله وفضله- أسأل الله سبحانه أن يجعلنا جميعا من عتقائه من النار ووالدِينا وأزواجَنا وذرياتِنا وجميعَ المسلمين في ذلكم الشهر الكريم ، وأن يجعلنا ممن صام الشهر وقامه وقام ليلة القدر إيماناً واحتساباً ، وان يسلكنا في عداد عباده المقبولين الفائزين المرحومين إنه جواد كريم
ثم أوصي نفسي وإياكم عباد الله بتقوى الله ومواصلة الأعمال الصالحة لتتحقق لنا السعادة في الدارين ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.
عيد بأية حال عدت يا عيد بما مضى أم لأمر فيك تجديد
أيها المسلمون : تتوالى الأعياد وتتكرر المواسم .. ومآسي الأمة تزداد ، وجراحها تتعمق
لقد أحل الكفر بالإسلام ضيما يطول عليه للدين النحيب
لقد شهدنا خلال أعوام قليلة مذابح ومآسي عديدة للمسلمين في أفغانستان والشيشان و البوسنة والهرسك والفلبين وكشمير والصومال ومالي ، أما في أركان والعراق والشام واليمن وليبيا وفلسطين فلا تزال الجراح تنزف ، ولم يكتف شياطين الإنس والجن بتسليط أعداء المسلمين من الكفرة على المسلمين بل أشعلوا الفتن وأوقدوا نيران الحروب بين المسلمين أنفسهم ؛ فكثيرٌ من بلاد المُسلمين اليوم القتال فيها على أشده بين المسلمين ، حمل بعضهم السلاح على بعض واستحلوا دماء إخوانهم واستلبوا أرضيهم وشردوهم من ديارهم .. ، فأفسَدوا على المظلومين مطالِبَهم العادِلة في العيش الكريم .. ووأدوا جهادهم للتحرر ممن ظلمهم سنين طويلة .. وأصبحوا أداة في يد أعداء الإسلام لتقسيمِ بلاد المُسلمين وشرذَمة شعوبهم.
الله أكبر لله أكبر..
عباد الله : هذه بعض أحوال المسلمين ، فما دورنا وما موقفنا ؟
مع الأسف لا يزال دور أهل الغَيرة منا مقتصرا على العويل والصراخ فحسب كحال النساء إلا من رحم الله وقليل ماهم ..؛
عباد الله: إن إنقاذ الأمة مسؤلية الجميع ليست مسؤلية الحكام والرؤساء فحسب ولا العلماء ولا المصلحين فحسب كلا والله بل كل منا مسؤل بحسب موقعه وما آتاه الله ، نعم يتفاوت حجم المسؤلية ولكن الكل مسؤل ما دام قد بلغ سن التكليف رجلا كان أو امرأة غنيا كان أو فقيرا حاكما كان أو محكوما عالما أو عاميا
لا يجوز لأحد أن يتخلف أو يقعد عن ركب نصرة إخوانه والدفع عن أمته والنهوض بها بما يستطيع .. ، وأقل ما يجب عليه أن يكف عن المعاصي فإنها أعظم سبب لوهن الأمة وتسليط أعدائها عليها فليحذر كل فرد منا أن تؤتى الأمة من قبله بسبب معاصيه.
خذوا بأسباب النصر والعز والكرامة ؛ واعلموا أن أهمَها وأعظمَها ثلاثةُ أمور ، أولها الإخلاص لله ؛ المتمثل بصدق التوجه إليه والرغبة فيما عنده والتوكل عليه في تحقيق ذلك ، وثانيهما: الصبر والمصابرة ؛ ( يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون)،. وثالثهما:تقوى الله بامتثال أوامره واجتناب معاصيه في كل صغيرة وكبيرة ؛(وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا إن الله بما يعملون محيط ) فإذا ما اتقى الله أفراد الأمة جعل الله لهم من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ورزقهم من حيث لا يحتسبون وبارك لهم في أرزاقهم . فيسخر لهم الحكام والرؤساء الصالحين ويفتح لهم من أسباب الرزق والنصر والتمكين ما لم يَدُر لهم بخَلَد وما لم يأخذوا له حساب. كما صرحت بذلك الآيات وصحت به الأحاديث،
واعلموا رحمكم الله أن من أعظم شروط التقوى ولوازمها أن تكون على بصيرة ونور من الله وهذا النور إنما يستمد من مشكاة النبوة بواسطة العلماء الربانيين الذين أمضو أعمارهم في العبادة والاشتغال بالعلم تعلما وتعليما ونصحا للأمة وتوجيها.
ولذا لما أداراك أعداء الإسلام من اليهود والنصارى وأذنابهم من العلمانيين واللبراليين والرافضة أثر سير الأمة خلف علمائها الربانيين في تحقيق التقوى ومن ثم سلامة المنهج ووحدة الصف وجمع الكلمة و تحقيق الهدف ونصر الأمة ودحر أعدائها .. ، لما أدركوا ذلك جيدا عمدوا إلى تشويه سمعة العلماء وافتراء الأكاذيب عليهم ، وسخروا ألسنتهم وأقلامهم لهذا الغرض من أجل إسقاطهم من أعين الناس ليزدروهم ومن ثم يتركوا الأخذَ عنهم ؛ وما تقرأ في بعض الصحف أو تسمع من بعض وسائل الإعلام من النيل من العلماء والوقيعة فيهم هو من هذا القبيل فلنتنبه ولا ننخدع.
عباد الله : وليت الأمر انتهى عند أولئك القوم الذين ظهر نفاقهم وافتضح أمرهم ، ولكن المصيبةَ كلَ المصيبة أن تستلم الراية من أولئك طائفة من شباب المسلمين سيماهم الصلاح والاستقامة فيُعملون ألسنتهم وأقلامهم في النيل من علماء الأمة وازدرائهم والتعالي عليهم ، واتهامهم بالعمالة والمجاملة على حساب الدين ، ورميهم بأبشع الألفاظ وأقذعها في مقابل الرفع من شأن أشخاص أحسن ما يقال عنهم بأنهم طلبة علم مبتدئين حديثوا عهد بالاستقامة لم تعرف لهم في الإسلام سابقة لا في نصح ولا عبادة ، فتقدم أقوالهم وآراؤهم على أقوال وآراء علمائنا الأجلاء الذين شابت لحاهم في الإسلام قبل أن يولد هؤلاء ،وتقطعت قلوبهم غيرة وحرقة على أحوال المسلمين قبل أن يستفيق أولئك من غيهم وسفههم ؛
ومما نقموا به على علمائنا أنهم لم يخرجوا للجهاد وأن العلم على حد زعمهم لا سيما فيما يتعلق بمسائل الجهاد لا يؤخذ إلا من المجاهدين ، ومن عباراتهم:( أهل الثغور – علماء الجهاد – أفقه وأعلم الناس) ، ومقولة (لا يُفتي قاعد لمجاهد) ، وما علم أولئك أن كثير من علماء المسلمين لم يخرجوا في الجهاد بل إن الأئمة الأربعة جميعهم ؛ أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد-رحمهم الله- لم يذكر عن أحد منهم أنه شارك في معركة من معارك المسلمين ؛ رغم وضوح الرأية في أزمانهم وسهولة الخروج للجهاد وعدم وجود من يحاسب الخارج إليه ، ومع هذا فالناس في القديم والحديث عالة على فقههم وآرائهم وفتاويهم في مسائل الجهاد وغيرها .
الله أكبر الله أكبر ..
عباد الله : إن التنقص من العلماء الربانيين والتعالي عليهم ظاهرة خطيرة وبادرة مخزية سنها الخوارج ؛ أولئك القوم الذي لم يسلم من نقدهم وتعاليهم عليه والتظاهر بأنهم أكثر ورعا وغيرة منه على الدين والعدل.. صفوة الخلق صلى الله عليه وسلم ؛ فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ –رضي الله عنه- قَالَ : بَعَثَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَهُوَ بِالْيَمَنِ بِذَهَبَةٍ فِي تُرْبَتِهَا ، إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَسَمَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .. ، إلى أن قال: فَجَاءَ رَجُلٌ كَثُّ اللِّحْيَةِ ، مُشْرِفُ الْوَجْنَتَيْنِ ، غَائِرُ الْعَيْنَيْنِ ، نَاتِئُ الْجَبِينِ ، مَحْلُوقُ الرَّأْسِ ، فَقَالَ : اتَّقِ اللَّهَ ، يَا مُحَمَّدُ ، - تأملوا-رحمكم الله- لم يقل: اتق الله يا رسول الله ، بل قال من التعالي والكبر: اتق الله يامحمد- نعوذ بالله من ذلك. قَالَ : فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ إِنْ عَصَيْتُهُ ، أَيَأْمَنُنِي عَلَى أَهْلِ الأَرْضِ وَلاَ تَأْمَنُونِي ؟ قَالَ : ثُمَّ أَدْبَرَ الرَّجُلُ ، فَاسْتَأْذَنَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ فِي قَتْلِهِ ، يُرَوْنَ أَنَّهُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا قَوْمًا يَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ يَقْتُلُونَ ، أَهْلَ الإِسْلاَمِ ، وَيَدَعُونَ أَهْلَ الأَوْثَانِ ، يَمْرُقُونَ مِنَ الإِسْلاَمِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ ، لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ) أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما-رحمهما الله.
فحذار حذار رحمكم الله أن نقع في منهج الخوارج دون أن نشعر لا يكفي حسن النية والرغبة في الخير والإصلاح بلا علم ،
اعلم – يا عبد الله- أن مسؤليتك في إنقاذ نفسك والنجاة بها من النار أهم وأولى من نصر المسلمين وإقامة دولة لهم.. ، إحذر أن ترمي نفسك في النار من أجل نجاة الآخرين ونصرتهم ، فإنه والله لن يغنوا عنك من الله شيئا .. ، تأكد قبل أن تضع قدمك في أي طريق أنها على سنة ، لا تحملك العاطفة الجياشة والتعصب الأعمى ومشاكلة الرفاق وتقليدهم على المخاطرة بنفسك إلى النار ، كن فطنا ولبيبا .. لا تظن أن أهل السنة حين يحجمون ويتورعون في بعض المواقف أن ذلك جبنا منهم وخوفا من القتل أو السجن أوالتعذيب بالدنيا أو أو .. ، وأنك أنت الشجاع المقدام الذي لا يهاب .. ، كلا والله ما الموت أو القتل أو عذاب الدنيا أو ذهابها يخافون .. ، كل ذلك هين عندهم بالنسبة لما بعده ، إنما حملهم على الإحجام الخوفُ من الله واتقاء عذاب النار .. فاتق الله يا عبد الله واحذر أن تَلِجَ هذا النفق المظلم ، وتسلك هذا المنهج الخطير فإنه منهجُ الخوارج شرِ الخلقِ والخليقة ، كما صحت بذلك الأحاديث ، ولا تغتر بما يتظاهرون به من الحماس للدين والغيرة على حرمات المسلمين ، ولا تنخدع بشدة اجتهادهم في العبادة ؛ فعن أبي سعد الخدري رضي الله عنه أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : ( يخرج فيكم قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم وصيامكم مع صيامهم وعملكم مع عملهم ويقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية) رواه البخاري ومسلم-رحمهما الله.
حذاري حذاري يا عبد الله أن تكون من كلاب النار وأنت لا تشعر ؛ في جهل مركب تظن أنك على الحق وأنت على باطل ؛ فعن أبي غَالِبٍ –رحمه الله-قال : لَمَّا أُتِيَ بِرُءُوسِ الْأزَارِقَةِ ( الخوارج) فَنُصِبَتْ عَلَى دَرَجِ دِمَشْقَ، جَاءَ أَبُو أُمَامَةَ فَلَمَّا رَآهُمْ دَمَعَتْ عَيْنَاهُ فَقَالَ: " كِلَابُ النَّارِ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، هَؤُلَاءِ شَرُّ قَتْلَى قُتِلُوا تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ، وَخَيْرُ قَتْلَى قُتِلُوا تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ الَّذِينَ قَتَلَهُمْ هَؤُلَاءِ.. ". قَالَ: فَقُلْتُ: فَمَا شَأْنُكَ دَمَعَتْ عَيْنَاكَ ؟ قَالَ: رَحْمَةً لَهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ..الحديث) أخرج الإمام أحمد –رحمه الله – وغيره وهوصحيح
ولنحذر-أيضا- أيها المسلمون من الغلو في الدين وتكفير المسلمين فإنه أيضا من سيما الخوارج ؛ وقد حذر منه صلى الله عليه وسلم فقال: ((إيّاكم والغُلوّ، فإنّما أهلك من كان قبلكم الغلوّ)) رواه أحمد ؛ فالغلاةُ يتعَصّبون لجماعتِهم، ويجعلونَها مصدرَ الحقّ، ويغلُون في قادتِهم ورؤسائِهم، ويكفّرون أهلَ الإسلام ويتبرّؤون مِن مجتمعاتِ المسلمين، ولا يصلّون خلفَ أئمّة المسلمين ؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله-:(والمقصود هنا: أنّ الخوارج ظهروا في الفتنة، وكفّروا عثمان وعلياً -رضي الله عنهما- ، ومن والاهما، وباينوا المسلمين في الدار، وسمّوا دارهم دار الهجرة ، وكانوا كما وصفهم النبيّ صلى الله عليه وسلم: يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان، وكانوا أعظم الناس صلاةً وصياماً وقراءةً) ، وقال في موضع آخر: (مُجْتَهِدِينَ فِي الْعِبَادَةِ لَكِنْ كَانُوا جُهَّالًا فَارَقُوا السُّنَّةَ وَالْجَمَاعَةَ).إهـ
حذاري يا عبد الله أن تكفر أحدا من المسلمين فلن تسأل يوم القيامة لم لم تكفر فلانا أو فلانا ؛ لكن إن كفّرت أحدا فاستعد للمحاسبة ؛ فعن ابْنَ عُمَرَ –رضي الله عنهما قال : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (أَيُّمَا امْرِئٍ قَالَ لأَخِيهِ : يَا كَافِرُ ، فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا ، إِنْ كَانَ كَمَا قَالَ ، وَإِلاَّ رَجَعَتْ عَلَيْهِ).رواه البخاري ومسلم-رحمهما الله ، تنبه وكن يقضا ودع عنك أمرا لم تكلف فيه أصلا واحمد الله على ذلك ؛ فالسلامة لا يعدلها شيء ؛ ورحم الله الإمام الغزالي حيث قال في كتابه "التفرقة بين الإيمان والزندقة": (والذي ينبغي: الاحترازُ عن التكفيرِ ما وُجدَ إليه سبيلاً، فإن استباحة دماءِ المُصلين المقرين بالتوحيد خطأ، والخطأ في تركِ ألفِ كافرٍ في الحياة أهونُ من الخطأ في سفكِ دمٍ لمسلمٍ واحد).
الله أكبر الله أكبر..
أيها المسلمون :أرجوا أن لا يفهم البعضُ من كلامي هذا التنفيرَ من الجهادِ في سبيل الله ؛ كلا والله فالذي أعتقده – كما يعتقده أهل السنة والجماعة- أن الجهاد في سبيل الله بنية خالصة لإعلاء كلمة الله ، وتحت راية واضحة نقية .. عبادةُ عظيمةُ من أجل العبادات بل هو ذروة سنام الإسلام وطريق عزة الأمة كما تظافرت على ذلك نصوص الكتاب والسنة
اللهم أحينا حياة السعداء وأمتنا ميتة الشهداء واحشرنا في زمرة المصطفى صلى الله عليه وسلم ، اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه.
اللهم بارك لنا في القرآن العظيم وانفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ،
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية :
الحمد لله معيد الجمع والأعياد، ومبيد الأمم والأجناد، وجامع الناس ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا ند ولا مضاد، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله المفضّلُ على جميع العباد، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم التناد، وسلم تسليمًا
الله أكبر ..
أما بعد :
أيتها الأخت المسلمة :: اتقي الله تعالى ولاتكوني عوناً للأعداء على الأمة فإنهم يعتبرونك من أهم الأوراق الرابحة في أيديهم ، إيّاك إيّاك أن تؤتى الأمةُ من قبلك فإن عاقبة ذلك العار في الدنيا والنار في الآخرة ..،
لا تَشغلي علماءَ الأمةِ ودعاتهَا وولاتهَا والغيورين عليها بأن تجعلين منك قضية لهم في حجابك أو عملك أو تبرجك أو وسائل تجملك وأزيائك وغير ذلك مما يخصك ..
أجل أيها الأخوات : ماذا يعني أن تنافس المرأةُ الرجلَ في الخروج إلى الأسواق لحاجة ولغير حاجة ، وما ذا يعني زهدُ كثيرٍ من النساء في العباءة الضافية الساترة ، وانجفالهُن بشكل ملفت لِلُبس العباءةِ الفاتنةِ ؛ كمن تلبس عباءة الكتف أو العباءة المخصرة التي تبرز المفاتن وتحجم الأعضاء وغيرها مما فيه مشابهة لملابس الكافرات.. ومما يلفت نظرالرجال إليها والافتتان بها ؛ ، ألا فلتعلم المرأة المسلمة أن هذه الأعمال لا تجوز وأنها تجر إلى الهاوية في الدنيا والآخرة..
فاتقي الله أختي المسلمة وكوني سباقة إلى كل خير بعيدة عن كل شر ، كوني لبنة صالحة في بناء الأمة ..لاتنسي أنك مربيةُ النشءِ وصانعةُ الأجيال
الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق
إن مهمتك خطيرة ودورك عظيم فتفطني له وإياك إياك أن تغفلي عنه:
قد هيؤك لأمر إن فطنت له فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل
احذري ثم احذري ثم احذري أن تغتري بما عليه أكثر النساء فإنهن أكثر أهل النار كما صح بذلك الحديث عن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم .
ثم أبشري ان اتقيتي الله تعالى في فرائضِه وحدودِه ، وصنت عِرضَك ، وأطعتي زوجَك بالمعروف بقول الحبيب صلى الله عليه وسلم : " إِذَا صَلَّتِ المَرأَةُ خَمسَهَا، وَصَامَت شَهرَهَا، وَحَصَّنَت فَرجَهَا، وَأَطَاعَت زَوجَهَا، قِيَلَ لها: ادخُلِي الجَنَّةَ مِن أَيِّ أَبوَابِ الجَنَّةِ شِئتِ " رَوَاهُ ابنُ حِبَّانَ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . حفظك الله من كل مفسد وفتان ، وأعانك على القيام بما حملك من الأمانة.
الله أكبر..
عِبَادَ اللهِ، حَافِظُوا عَلَى أركان دينكم وَجَانِبُوا المعاصي والشَّهَوَاتِ ، تواصوا بالحق والصبر ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإنه عنوانُ خيريتنا وحارسُ أخلاقنا وعقيدتنا ، لنجتهد جميعا في الدعوةُ والإصلاحُ ؛ ولننبذ الأنانية والسلبية والانكفاء على الذات ، ولنحذر َعَزَاءَ الجَاهِلِيَّةِ وَفَخرَهَا بِالأَحسَابِ وَطَعنَهَا في الأَنسَابِ، فَإِنَّمَا هُوَ مُؤمِنٌ تَقِيٌّ أَو فَاجِرٌ شَقِيٌّ، وَالنَّاسُ بَنُو آدَمَ وَآدَمُ مِن تُرَابٍ ، لنكن إيجابيين في مجتمعاتنا متعاونيين مع إخواننا على البر والتقوى ؛ ليحفظَ ربُنا علينا نعمَه ويوالي علينا مننَه ، ويُتمَها علينا في الدنيا والآخرة
أيها المسلمون والمسلمات : ما أجمل أن نجعل من عيدنا فرصة لتجديدِ العهدِ مع ربنا للقيام بحق والدينا واستغلالِ وجودِهما على قيد الحياة ، ولنجعله فرصة لصلة أرحامنا ،وتفقدِ أحوالِهم وقضاءِ حوائجهم.
عباد الله :ما أجمل أن يكون العيد فرصة لصلة المتهاجرين والتقاء المتقاطعين ورحم الله من أعان على ذلك ، ولنعلم أن الرجل الكريم هو من يعفو عن الزلة ولا يحاسب على الهفوة ؛قال تعالى في صفات المتقين " وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ ، عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ "
ولنحرص عباد الله على احترام حقوق المسلمين عموماً والجيران خصوصاً ونعظم ذلك في قلوب أولادنا وبناتنا وأهلينا ونشدد عليهم في ذلك ، ولنعمل جاهدين على تربيتهم تربية صالحة ، وعلى التحلي بالأخلاق الفاضلة ، والآداب الكريمة ؛ فإن عقبى ذلك حميدة علينا وعليهم في الدنيا والآخرة وهو من أعظم أسباب الأمن وإشاعة الطمأنينة في المجتمع .
اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبرُ، اللهُ أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ.
وفي غمرة الفرح والسرور في عيدنا لا ننسى أن نمد يد العون للمحتاجين ونرسم البسمة على وجوه البائسين من المسلمين هنا وفي مختلف أقطار الدنيا ،كما لا ننسى إخوة لنا في القبور ، وآخرين على الثغور يجابهون الأعداء ، وإخوة على الأسرة والفرش يصارعون الأمراض والأدواء وآخرين في السجون يتمنون اللقاء فلنمدهم بالدعاء من قلوب مخبتة لعل الله أن يلطف بهم ويفرج عنهم0
اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبرُ، اللهُ أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ.
صلوا بعد هذا وسلموا ..
المرفقات

740.doc

المشاهدات 2327 | التعليقات 1

جزيت خيرا وفضلا وتقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال أجدت وأفدت وأبنت الله ينفع بك شيخ المحيميد