خطبة عيد الفطر 1436هـ ــ أربع رسائل ..

عبدالله اليابس
1436/09/29 - 2015/07/16 10:51AM
خطبة عيد الفطر الجمعة 1/10/1436هـ
الحمد لله رب العالمين.. الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر.. الله أكبر الله أكبر.. لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد. الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلاً. الله أكبر ما نطق بذكره وتعظيمه ناطق، الله أكبر ما صَدَق في قصده وعَمَله صادق، الله أكبر ما أقيمت شعائر الدين, الله أكبر ما رفرفت بالنصر أعلام المؤمنين، الله أكبر كلما صام صائم وأفطر، وكلما لاح صباح عيد وأسفر, الله أكبر كلما لاح برق وأنور، وكلما أرعد سحاب وأمطر, الحمد لله الذي سهل لعباده طريق العبادة ويسر، ووفاهم أجورهم من خزائن جوده التي لا تنفد ولا تحصر، ومنَّ عليهم بأعياد تعود عليهم بالخيرات والبركات وتتكرر، وتابع لهم بين مواسم العبادة لتُملأ الأوقات بالطاعة وتعمر, أحمده على نعمه التي لا تحصى ولا تحصر، وأشكره على فضله وإحسانه، وحُقَ له أن يُشكر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله انفرد بالخلق والتدبير .. وكل شيء عنده بأجل مقدر، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أفضل من تعبد لله، وصلى، وزكى، وحج، واعتمر صلى الله عليه، وعلى آله الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهر, وعلى أصحابه الذين سبقوا إلى الخيرات فنعم الصحب والمعشر، وعلى التابعين لهم بإحسان ما بدا الفجر وأنور، وسلم تسليما كثيرًا.
أَمَّا بَعْدُ: فكلَّ عام وأنتم بخير, وعيدكم مبارك, وتقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال.
قف بالمصلى فهذا اليوم مشهودُ *واسمع حديث الهدى فالقول محمود
عيدٌ أتيتَ وشهرُ الخير منسلخ ** من بعد أن كان للقرآن ترديد
أتيتَ تحمل للصوَّام تهنئةً *** ففيك جائزة الصوَّامِ يا عيدُ
أتيتَ يا عيدُ والأرواح مشرقةٌ *** فللبلابل ألحان وتغريد
اليوم هو الأول من شوال, وهو يوم عيد الفطر المبارك, جعله الله عيد بركة وعز ونصر للإسلام والمسلمين.
وفي يومنا هذا اجتمع للمسلمين عيدان: عيد الفطر السنوي, وعيد الجمعة الأسبوعي, فمن حضر صلاتنا هذه فإن صلاة الجمعة لا تجب عليه, فيجوز له أن يترخص ويصليها ظهرًا, وإن أتى وصلى الجمعة مع جماعة المسلمين نال أجرها بإذن الله, كما أفتت بذلك اللجنة الدائمة للإفتاء, لحديث ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (اجتمع عيدان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: يوم فطر وجمعة, فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم العيد, ثم أقبل عليهم بوجهه فقال: يا أيها الناس! إنكم قد أصبتم خيرًا وأجرًا, وإنا مُجَمِّعُون, ومن أراد أن يُجَمِّع معنا فليُجمِّع, ومن أراد أن يرجع إلى أهله فليرجع).
أيها الإخوة والأخوات .. بين يدي اليوم لكم أربع رسائل.. أبعثها إليكم, وأرجو الله أن يبارك فيها:
الرسالة الأولى: إلى من أحسن وأحسنت في رمضان, وأكرمهم الله باغتنام أوقاته بالطاعة والعبادة, فأخذوا حظهم من قيام الليل, وعاشوا مع آيات القرآن, إلى من بذلوا أوقاتهم وجهدهم رجاء الفوز والرضوان, من الكريم المنان.
إلى هؤلاء يقال: أبشروا والله, فإنكم تعبدون ربًا كريمًا, لا يُضِيع أجر من أحسن عملاً.
إنكم تتعاملون مع الله, تبيعون أنفسكم في سوق الآخرة لله, وتمارسون التجارة الرابحة مع الله, (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ), الجنة .. وأي ربح أعظم من الجنة؟
ليس عيد المحب قصد المصلى *** وانتظار الأمير والسلطان
إنما العيد أن تكون لدى اللـ *** ـه كريماً مقرباً في أمـــــــــــــــان
عيدكم هو العيد الحقيقي, فما أجمل العيد بعد تمام الطاعة, ما أجمل العيد بعد غفران الذنوب والأوزار إن شاء الله.
لقد كانت الفرصة مهيأة لكم خلال الشهر المنصرم للاجتهاد في الطاعات, فأبواب الجنة مُفَتَّحَة, وأبواب النار مُغَلَّقة, والشياطين مصفدة, وقد وفقتم لاستغلالها فاحمدوا الله على ذلك.
أما إنكم اليوم قد عدتم إلى معترك الحياة, وها هي الشياطين قد أُطلقت, ورجعت لما كانت عليه من سابق عهدها, تريد أن تُنَفِّذَ مشروع كبيرهم إبليس في الحياة: (قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ).
هذا أوان الثبات على الطاعات حتى الممات, حافظوا على صحيفة أعمالكم, حافظوا على بياضها وانتبهوا أن تتلطخ بسواد المعاصي, يقول ابن رجب رحمه الله: (يا من أعتقه مولاه من النار, إياك أن تعود بعد أن صرت حراً إلى رِقِ الأوزار, أيبعدك مولاك من النار وتتقربُ منها, وينقذُك منها وأنت تُوقِعُ نفسَك فيها ولا تحيدُ عنها).
إن من علامات قبول الأعمال الاستمرار على الأعمال الصالحة, فحاذر من العودة للذنوب, ولا تنقطع عن الصيام, حافظ على صيام ثلاثة أيام من كل شهر, واحرص على صيام ستة أيام من شوال فإن صيامها مع رمضان كصيامِ السنة كلها, روى الإمام أحمد والترمذي من حديث أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ صَامَ رَمَضَانَ، ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ، فَذَلِكَ صِيَامُ الدَّهْرِ".
لا تترك قيام الليل, وحافظ على ورد ثابت من قراءة القرآن, وأشغل نفسك بالصالحات, ثبتنا الله جميعًا على دينه, وجعلنا من عباده الصالحين.
أما الرسالة الثانية: فهي إلى من قصر أو قصرت في اغتنام الشهر الراحل .. وكلنا كذلك:
لقد فرطنا في موسم عظيم من مواسم الخيرات, ورحلت عنَّا ساعات مباركة أُعليت فيها الدرجات, وفاز أقوام بالفضل فحُطَّت عنهم السيئات..
ترحل الشهر وا لهفاه وانصرما*** واختص بالفوز بالجنات من خَدَمَا
وأصبح الغافل المسكين منكسرًا ***مثلي فيا ويحه يا عُظم ما حُرما
من فاته الزرع في وقت البدار فما *** تَراه يحصُد إلا الهمَّ والندما
ولئن كان هذا الموسم فات .. فإن العام كلُه موسم للحسنات.. ورب أقوام فاتهم موسم من مواسم الخيرات .. وأدركوا الجنة في غيره:
إن كان عفوك لا يرجوهُ ذو خطإٍ*** فمن يجود على العاصين بالكرم
لله عز وجل في كل لحظةٍ فضلٌ وكرم, يده بالخير مبسوطة, يقول لك كل ليلة: هل من تائب؟ هل من مستغفر؟ هل من داع؟ أفما آن أن تلبي نداء الله؟
إذا كان لا يرجوك إلا محسن *** فمن الذي يرجو ويدعو المذنبُ
(كل ابن آدم خطاء .. وخير الخطائين التوابون)
إذا أوجعتك الذنوب فداوها *** برفع يد في الليل والليل مظلم
ولا تقنطنْ من رحمة الله إنما *** قنوطك منها من ذنوبِك أعظمُ
فرحمته للمحسنين كرامةٌ *** ورحمـــــــــــته للمذنـــــــبين تَــــــــــــــكَرُمُ
ألا فليكن هذا العيد .. عيدًا فعلياً بمفارقة المعاصي .. عيدًا حقيقيًا بمحو الذنوب .. وتكفير السيئات.. أطرق وأطرقي رأسكِ الآن .. وتأملوا في ذنوبكم .. وتذكروا أن الله تعالى سيمحوها كلها قبل أن تقوموا من مصلاكم إذا صحت منكم الآن التوبة وستتبدل إلى حسنات .. (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) .. فاللهم تقبل توباتنا .. واغفر ذنوبنا يا رب العالمين.
أما الرسالة الثالثة: فهي إليكنَّ أيتها الأخوات .. إليكِ يا من وفقكِ الله لحضور جماعة المسلمين لصلاة العيد, وامتثلتِ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك, وما كان ذلك ليتم بعد توفيق الله لولا محبتكِ للخير, ومحبتكِ لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم.
لكن اسمحي لي أيتها الفاضلة أن أذكرك بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أمرك بالحضور إلى صلاة العيد يومين في السنة قد أمرك بأمر طيلة العام, وأنت بإذن الله ممن يمتثله, لقد أمر الله تعالى رسولَه صلى الله عليه وسلم أن يسدي لكِ نصيحة: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ} .. هذا في حال خروج المرأة من بيتها, وهذا حالها مع غير محارمها .. تتستر حتى لا يعرفها أحد .. فتغطي من جسدها كل ما يدعو لمعرفتها .. (ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ) ..
فلا تكشف وجهها ــ حتى لا تُعرف ــ, ولا تلبس لباسًا ضيقًا أو فيه زينة لأن الله تعالى يقول: {وَلاَ يُبدِينَ زِينَتَهُن إِلا مَا ظَهَرَ مِنهَا} قال ابن كثير رحمه الله: (لَا يُظهِرْنَ شَيْئًا مِنَ الزِّينَةِ لِلْأَجَانِبِ، إِلَّا مَا لَا يُمْكِنُ إِخْفَاؤُهُ) ثم قال الله تعالى في آخر الآية: {وَلاَ يَضرِبنَ بِأَرجُلِهِن لِيُعلَمَ مَا يُخفِينَ مِن زِينَتِهِن} .. فإذا كان الضرب بالرجل ليظهر صوت الخلخال المستور محرمًا .. فما بالكِ بالزينة الظاهرة على العباءة؟
وإذا كان هذا ما يتعلق بلباس المرأة عند غير المحارم .. فإن المرأة يجوز لها أن تتزين عند محارمها أو عند النساء وفق ما جاء في قول الله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ} فيجوز للمرأة المسلمة التي تخشى الله تعالى وتحبَه وتحرص على امتثال أوامره أن تُظهر أمام محارمها ما يظهر منها غالبًا وهو الرأس والرقبة والكفان والذراعان والقدمان وأطراف الساقين .. أما سوى ذلك فإنه لا يجوز لها أن تكشفه إلا أمام الزوج فقط.
ولتعلمي أيتها الفاضلة أن عورة المرأة أمام المرأة كعورتها أمام الرجال المحارم, فلا يجوز لها أن تكشف ظهرها أو أعالي ساقيها أو فخذيها ونحو ذلك بحجة أنها أمام النساء, فإن الأدلة الشرعية تدل دلالة صريحة على حرمة ذلك, ولا صحة أن عورة المرأة أمام المرأة من السرة إلى الركبة, فإن الله تعالى بعد قوله في الآية: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ} بعد أولئك الرجال المحارم قال: {أو نسائهن} .. مما يدل على أن عورة المرأة أمام المرأة كعورتها أمام أبيها أو أخيها مثلاً بمثل.
إن التكشف يناقض الحياء وقد قال صلى الله عليه وسلم :" إن لكل دين خلقاً ، وإن خلقَ الإسلامِ الحياء", وقال عليه الصلاة السلام : "الحياء والإيمان قُرِنَا جميعاً، فإن رفع أحدهما رفع الآخر ".
إذًا فالتبرج أيتها الفاضلة علامة على عدم الإيمان كما مر في الحديث.. بل أدهى من ذلك فإن التكشف علامة على النفاق عياذاً بالله تعالى منه, قال النبي صلى الله عليه وسلم :"شر نسائكم المتبرجات المتخيلات وهن المنافقات لا يدخلن الجنة إلا مثل الغراب الأعصم "، والغراب الأعصم : هو أحمر المنقار والرجلين.
أيتها الأخت الفاضلة.. المحبة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم.. ها قد علمتِ حكم الله في لباسك .. وها قد مر بك موسم الطاعات, فلا تدنسي صحيفتك بلباس تخالفين فيه أمر ربك, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى "، قالوا: يا رسول الله ومن يأبى ؟ قال : "من أطاعني دخل الجنة ، ومن عصاني فقد أبى", فاللهم اجعل جميع الحاضرات ممن يقتدين بأمر رسولهن صلى الله عليه وسلم, وأدخلهن الجنة يا رب العالمين.
أما الرسالة الرابعة: فهي إلينا جميعًا .. بأن نتذكر أن هذا العيد عيد لجميع المسلمين.. فلنعش هذا العيد مع جميع إخواننا.. عيشوا العيد مع إخوانكم المغتربين .. فهم ضيوف عندكم.. تركوا أهلهم في سبيل لقمة عيشهم.. فكونوا لهم خيرًا من أهلهم..
تذكروا نعمة الله عليكم بالأمن والأمان, عيشوا العيد مع إخوانكم.. ممن ابتلاهم الله تعالى بالحروب والفتن.. ادعوا لهم في هذه الأيام أن يرفع الله ما حل بهم.. هنئوا بالعيد من كان منهم بيننا.. هنئوهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي.. سواء عرفتموهم أم لم تعرفوهم .. عيشوا معهم الفرحة.. لنثبتَ أن العيد يجمع المسلمين بالفرح والسرور, اللهم اكشف الغمة عن هذه الأمة, واجعل أيامها أعيادًا بالنصر والعز والتمكين يا رب العالمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين .
اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك ويذل فيه أهل معصيتك ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات إنك يا ربنا سميع كريم مجيب.
عباد الله .. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى, وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي, يعظكم لعلكم تذكرون, فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم, واشكروه على نعمه يزدكم, ولذكر الله أكبر, والله يعلم ما تصنعون.
المرفقات

خطبة عيد الفطر 1436.doc

خطبة عيد الفطر 1436.doc

المشاهدات 1911 | التعليقات 1

وفقك الله يا شيخ وجزاك خيرا ورزقنا الله وإياك الحكمة

ذكر حكم صلاة العيد يوم الجمعة أول الخطبة فيه حكمة فبعض المصليين قد يتعجلون الخروج فيعرفوا الحكم

الرسائل بتوعها وأسلوبها فيه حكمة

مخاطبة النساء وتحريك مكامن الخير فيها قبل النصيحة من الحكمة

جعل الخطبة وآحدة فيه إطلاع الناس على سنة النبي صلى الله عليه وسلم وأن فيها تنوع وهو من الحكمة

وفقك الله وجزاك خيرا ونفع بك