خُطْبَةُ عِيْدِ الفِطْرِ 1433هـ (منوعه)

فهد موفي الودعاني
1433/09/28 - 2012/08/16 14:28PM
خُطْبَةُ عِيْدِ الفِطْرِ 1433هـ

الْحَمْدُ للهِ اللَّطِيفِ الْمَنَّان ، الْغَنِيِّ الْقَوِيِّ ذِي السِّلْطَان ،الْحَلِيمِ الرَّحِيمِ الرَّحْمَن ! اللَّهُمَّ أَنْتَ الأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ ، وَأَنْتَ الآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ ، وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ ، وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ ! تَعْلَمُ مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ وَمَا لَمْ يَكْنْلَوْ كَانَ كَيْفَ يَكُونُ ! أَرْسَيْتَ الأَرْضَ بِالْجِبَالِ فِي نَوَاحِيَها , وَأَرْسَلْتَ السَّحَابَ الثِّقَالَ بِمَاءٍيُحْيِيهَا , ثُمَّ قَضَيْتَ بِالْفَنَاءِ عَلَى سَاكِنِيها !
أَحْمَدُ اللهَ وَأَشْكُرُهُ , وَمِنْ مَسَاوِيِ عَمَلِي أَسْتَغْفِرُه ، وَأَشْهَدُأَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، جَلَّ عَنِ النُّظَرَاءِ وَالأَمْثَالِ وَتَقَدَّسَ عَنِالشُّرَكَاءِ وَالأَضْدَادِ ، لا مَانِعَ لِمَا أَعْطَى وَلا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعَ وَلا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْهُ الْجَدُّ !
وَأَشْهَدُ أَنَّ إِمَامَنَا وَقُدْوَتَنَا وَأُسْوَتَنَا مُحَمَّدَاً رَسُولُ اللهِ ، أَرْسَلَهُاللهُ بَشِيرَاً وَنَذِيراً وَدَاعِيَاً إِلَيْهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجَاً مُنِيرَاً ، فَفَتَحَ اللهُ بِهِ أَعْيُنَاً عُمْيَاً ,وَآذَانَاً صُمَّاً , وَقُلُوبَاً غُلْفَا ، فَصَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ الْغُرِّ الْمَيَامِينِ وَمَنْتَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَي يَوْمِ الدِّين !
اللهُ أَكْبَرُ, اللهُ أَكْبَرُ , اللهُ أَكْبَرُ, اللهُ أَكْبَرُ , اللهُ أَكْبَرُ, اللهُ أَكْبَرُ , اللهُ أَكْبَرُ, اللهُ أَكْبَرُ , اللهُ أَكْبَر !
أَّمَا بَعْدُ : فَنَحْمَدُ اللهَ حَمْدَاً كَثِيراً طَيِّبَاً عَلَى مَا مَنَّ بِه وَتَفَضَّل , مَدَّ فِي أَعْمَارِنَا فَصُمْنَا شَهْرَنَا , وَحَضَرْنَا عِيدَنَا , وَوَسَّعَ فِي أَرْزَاقِنَا , وَأَصَحَّ أَبْدَانَنَا , وَأمَّنَنَا فِي أَوْطَانِنَا , فَلِرَبِّنَا الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ وَالتَّمْجِيد !
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : وَاصِلُوا الطَّاعَةَ بِالطَّاعَة , فَإِنَّ رَبَّ رَمَضَانَ هُوَ رَبُّ شَوَّالٍ وَربُّ غَيْرِهِ مِنَ الشُّهُور , وَبِئْسَ الْقَوْمُ لا يَعْرِفُونَ اللهَ إِلَّا فِي رَمْضَان , إِنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ ( وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ) ! وَإِيَّاكُمْ أَنْ تَكُونُوا ( كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا ) فَتُتْبِعُوا أَعْمَالَكُمُ الصَّالِحَةَ أَعْمَالاً سَيِّئَةً تُفْسِدُهَا عَلَيْكُمْ أَوْ تُنْقِصُهَا !
فَلا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْعِيدُ وَالْفَرَحُ سَبَبَاً لِلْمُخَالَفَاتِ الشَّرْعَيِّةِ , كَالاخْتِلاطِ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ غَيْرِ الْمَحَارِمُ , فَهَذَا غَلَطٌ عَظِيم , وَلَيْسَ مِنَ الْمَنْهَجِ الْقَوِيمِ أَنْ يَعْمَدَ الرَّجُلُ إِلَى لِحْيَتِهِ التِي زَيَّنَهُ اللهُ بِهَا فَيَحْلِقَهَا أَوْ يُقَصِّرَهَا , بِحُجَّةِ أَنَهُ عِيْدٌ وَسُرُورٌ , أَوْ يَلْبَسُ الرَّجُلُ الثِّيَابَ التِي تَكُونُ تَحْتَ الْكَعْبَيْنِ , فَهَذَا مُحَرَّمٌ وَكَبِيرَةٌ مِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ ! أَوْ أَنْ يَنَامَ الْبَعْضُ عَنِ الصَّلاةِ الْمَكْتُوبَةِ فِي يَوْمِ العِيدِ وَلا يَعْمَلُ الأَسْبَابَ لِلاسْتِيَقاظ لَهَا !
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ وَالْمُسْلِمَاتِ : إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ مَا يَجْلِبُ سَعَادَةَ الْقَلْبِ , ويُبْعِدُ الْهَمَّ وَيُزِيلُ الْغَمَّ , كَثْرةَ الطَّاعَاتِ وَالتَّقَرُّبَ بِالْعِبَادَةِ إِلَى رَبِّ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتِ , قَالَ اللهُ تَعَالَى (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) ! فَالتَّعَبُّدُ للهِ عَزَّ وَجَلَّ بِالصَّلاةِ وَقَرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالصَّوْمِ وَالصَّدَقَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَسْبَابِ انْشَرَاحِ الصَّدْرِ وَأُنْسِ الْقَلْبِ وَطِيبِ الْعَيْش !!! هَذَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ رَضَيِ اللهُ عَنْهُ لَمَّا حَضْرَتْهُ الْوَفَاةُ بَكَى ، وَاشْتَدَّ بُكُاؤُهُ فَقِيلَ لَهُ : مَا يُبْكِيكَ رَحِمَكَ اللهُ ؟ إِنَّ اللهَ غَفوْرٌ رَحِيم ؟ فَقَالَ : أَمَا وَاللهِ مَا تَرَكْتُ بَعْدِي شَيْئَاً أَبْكِي عَلَيْه ، وَمَا أَبْكَي مِنْ دُنْيَاكُمْ إِلَّا عَلَى ثَلاث : الظَّمَأِ فِي يَوْمِ هَاجِرَةٍ بَعْيدٍ مَا بَيْنَ الطَّرَفَينِ . أَوْ لَيْلَةٍ يِبِيتُ الرَّجُلُ فِيهَا يَرَاوِحُ مَا بَيْنَ جَبْهَتِهِ وَقَدَمَيْهِ . أَوْ غَدْوَةٍ أَوْ رَوْحَةٍ فِي سَبِيلِ الله .
اللهُ أَكْبَرُ, اللهُ أَكْبَرُ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ , و اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْد
عِبَادَ اللهِ : إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَنَا لِحِكْمَةٍ عَظِيمَةٍ بَيَّنَهَا لَنَا لِنَسِيرَ عَلَيْهَا فَقَالَ (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُون) فَأَعْظَمُ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ هُوَ التَّوْحِيدُ , وَأَعْظَمَ مَا نَهَى عَنْهُ هُوَ الشِّرْكُ . قَالَ اللهُ تَعَالَى (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا)
فَمَنِ الذِي خَلَقَنَا مِنَ الْعَدَمِ ؟ وَمَنِ الذِي رَبَّانَا بِالنِّعَمْ , وَمَنْ الذِي أَعَدَّنَا وَأَمَدَّنَا ؟ إِنَّهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ ! إِنَّهُ الرَّبُّ الْعَظِيمُ الذِي قَالَ عَنْ نَفْسِهِ (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) إِنَّهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ الَّذِيْ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَالصِّفَاتُ الْعُلْيَا اللَّائِقَةُ بِهِ سُبْحَانَهُ , وَهُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِلْعِبَادَةِ دُونَ مَنْ سِوَاهُ , قَالَ اللهُ تَعَالَى ( إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آَتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا )
اللهُ أَكْبَرُ, اللهُ أَكْبَرُ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ , و اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْد
أُمَّةَ الإِسْلامِ : إِنَّ اتِّبَاعَ النَّبِيِّ مُحَمِّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ رَضَيِ اللهُ عَنْهُمْ فِي الْعَقِيدَةِ وَالْعَمَلِ وَاجِبٌ شَرْعِيٌ حَتْماً , وَهُوَ مِنْ أَسْبَابِ مَحَبَّةِ اللهِ , وَالْفَلاحِ فِي الدُّنيَا وَالآخِرَةِ قَالَ اللهُ تَعَالَى (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)
وَأَمَّا الْبِدْعَةُ فَهِيَ مُحَرَّمَةٌ , لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى ( وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ) ! وَكَانَ مِنْ هَدْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ رَضَيِ اللهُ عَنْهُمُ التَّحْذِيرُ مِنَ الْبِدَعِ وَمِنَ الإِحْدَاثِ فِي الدِّينِ , فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضَيِ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِي خُطْبَةِ الْجُمْعَةِ ( أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ وَخَيْرَ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ وَشَرَّ الأمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ
وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضَيِ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : اتِّبَعُوا وَلا تَبْتَدِعُوا فَقَدْ كُفِيتُمْ . وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضَيِ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ : مَا يَأْتِي عَلَى النَّاسِ مِنْ عَامٍ إِلَّا أَحْدَثُوا فِيهِ بِدْعَةً وَأَمَاتُوا فِيهِ سُنَّةً حَتَّى تَحْيَا الْبَدِعُ وَتَمُوتَ السُّنَنُ !
اللهُ أَكْبَرُ, اللهُ أَكْبَرُ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ , و اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْد
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : إِنَّ مَنْزِلَةَ الْعُلَمَاءِ عَظِيمَةٌ فِي دِينِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ , فَهُمْ خُلَفَاءُ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أُمَّتِهِ , وَهُمُ الذِينَ حَازُوا مِيرَاثَهُ , فَحَمَلُوا الْعِلْمَ وَأَرْشَدُوا النَّاسَ لِمَصَالِحِ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُم , وَلِذَا كَانَ احْتَرَامُهُمْ وَتَقْدِيرُهُمْ وَأَخْذُ الْعِلْمِ عَنْهُمُ مِمَّا يُتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى اللهِ , قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ مُثْنِيَاً عَلَيْهِمْ رَافِعَاً لِشْأَنِهِمْ ( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ )
وَإِنَّ مِمَّا يُؤْسِفُ حَقَّاً , وَيُحْزِنُ صِدْقَاً أَنَّهُ قَدْ صَارَ بَعْضَ النَّاسِ يَتَكَلَّمُ فِي الْعُلَمَاءِ وَيَقْدَحُونَ فِيهِمْ بِمَا لا يَنْبَغِي مِنْ مُسْلِمٍ يَرْجُو اللهَ وَالدَّارَ الآخِرَةَ , قَدَحُوا فِيهِمْ بِحُجَّةِ أَنَّهُمْ مُقَصِّرُونَ فِي الدَّعْوَةِ , أَوْ فِي إِنْكَارِ الْمُنْكَرَاتِ , أَوْ أَنَّهُمْ عُلَمَاءُ السَّلاطِينِ , أَوْ أَنَّهُمْ مُدَاهِنُونَ لِلْحُكَّامِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مَمَّا يَنْدَى لَهُ الْجَبِينُ , وَيَحْزَنُ لَهُ الْمُسْلِمُ الْعَاقِلُ !!! وَهَذَا نَذِيرُ خَطَرٍ وَبَادِرَةُ شَرٍّ , وَهُوَ قَوْلُ مُتَخَرِّصٍ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى جُهُودِ الْعُلَمَاءِ الْعَظِيمَةِ فِي تَعْلِيمِ الْعِلْمِ , وَتَوْجِيهِ الأُمَّةِ , وَإِنْكَارِ الْمُنْكَرَاتِ , وَدَرْءِ الْفِتَنِ وَالشُّبُهَاتِ , بَلْ هُوَ مَغْرُورٌ مِسْكِينٌ قَدْ صَارَ مَطِيَّةً لِلشَّيْطَانِ , وَبُوقَاً لِدُعَاةِ الْفِتْنَةِ , وَقَائِلاً بِغَيْرِ عِلْمٍ , وَاللهُ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً)
فَالْوَاجِبُ عَلَيْنَا خَوْفُ رَبِّنَا , وَحِفْظُ أَلْسِنَتِنَا , وَاحْتَرَامُ عُلُمَائِنَا , وَالدُّعَاءُ لَهُمْ بِظَهْرِ الْغَيْبِ بِالتَّوْفِيقِ وَالتَّسْدِيدِ , ثُمَّ الذَّبُّ عَنْ أَعْرَاضِهِمْ مِمَّنْ يَنَالُ مِنْهُمْ مِنَ الْجُهَّالِ وَالْمُغْرِضِينَ ! قَالَ ابْنُ عَسَاكِرٍ رَحِمَهُ اللهُ : اعْلَمْ يَا أَخِي وَفَقَّنَا اللهُ تَعَالَى وَإِيَّاكَ لِمَرْضَاتِهِ، وَجَعَلَنَا مِمَّن يَتَقِّيهِ وَيَخْشَاهُ حَقَّ تُقَاتِهِ ، أَنَّ لُحَومَ الْعُلَمَاءِ مَسْمُومَةٌ ، وَعاَدَةَ اللهِ فِي هَتْكِ أَسْتَارِ مُتْنَقِّصِيهِمْ مَعْلُومَةٌ ، وَأَنَّ مَنْ أَطَلَقَ لِسَانَهُ فِي الْعُلَمَاءِ بِالثَّلْبِ، ابتْلَاهُ اللهُ قَبْلَ مَوْتِهِ بِمَوْتِ الْقَلْبِ .
اللهُ أَكْبَرُ, اللهُ أَكْبَرُ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ , واللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْد

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةِ

الْحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى مَنْ لا نَبِيَّ بَعْدَهُ .
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ, اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ , اللهُ أَكْبَر
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ مَظَاهِرِ الْعِيدِ مَا يَحْدُثُ بَيْنَ الأَهْلِ وَالْجِيرَانِ مِنَ التَّزَاوِرِ وَالسَّلامِ وَتَبَادُلُ التَّهَانِي بِالْعِيدِ , مِمَّا لَهُ الأَثَرُ الْبَالِغُ عَلَى النُّفُوسِ فِي نَشْرِ الْمَحَبَّةِ وَالأُلْفَةِ وَالتَّعَاوُنِ بَيْنَ الأَقَارِبِ , وَهَذِهِ عِبَادَةٌ عَظِيمَةٌ جَاءَتْ بِهَا الشَّرِيعَةُ , قَالَ اللهُ تَعَالَى (وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ) َقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ , وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ, فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ) أَخْرَجَهُ اَلْبُخَارِيُّ .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُ : إِنَّ الْعِيدَ فُرْصَةٌ عَظِيمَةٌ لِتَصِلَ مَنْ قَطَعَكَ وَتُعْطِيَ مَنْ حَرَمَكَ وَتَعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَكَ , وَمَنْ تَرَكَ شَيْئَاً للهِ عَوَّضَهُ اللهُ خَيْرَاً مِنْهُ ! إِنَّ صِلَةِ الرَّحِمِ طَرِيقٌ لِلسَّعَادِةِ فِي الدُّنْيَا وَطَرِيقٌ لِلْجَنَّةِ فِي الآخِرَةِ , عَنْ أَبِي أَيُّوبَ رَضَيِ اللهُ عَنْهُ ، قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ أَعْمَلُهُ يُدْنِينِي إلى الْجَنَّةِ وَيُبَاعِدُنِي مِنَ النَّارِ، قَالَ (تَعْبُدُ اللهَ وَلَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا , وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ ، وَتَصِلُ ذَا رَحِمِكَ) فَلَمَّا أَدْبَرَ الرَّجُلُ ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنْ تَمَسَّكَ بِمَا أَمَرْتُهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُ : إِنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ سَبَبٌ لِمَغْفِرَةِ الذُّنُوبِ , فَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضَيِ اللهُ عَنْهُمَا أنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنِّي أَصَبْتُ ذَنْبًا عَظِيمَاً ، فَهَلْ لِيَ مِنْ تَوْبَةٍ ؟ فَقَالَ : (هَلْ لَكَ مِن أمٍّ ؟) قَالَ : لا ، قَالَ (فَهَلْ لَكَ مِنْ خَالَةٍ ؟) قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ (فَبِرَّها) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ
اللهُ أَكْبَرُ, اللهُ أَكْبَرُ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ , واللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْد
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : إِنَّ قَطِيعَةَ الرَّحِمِ وَالتَّهَاجُرَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ ذَنْبٌ عَظِيمٌ , وَمِنْ أَسْبَابِ عَدَمِ رَفْعِ الأَعْمَالِ , لِأَنَّ الْمُسْلِمَ يُعْرِضُ عَنْ قَرِيبِهِ أَوْ عَنْ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ , وَهَذَا لا يُحِبُّهُ اللهُ , قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (هَجْرُ الْمُسْلِمِ أَخَاهُ كَسَفْكِ دَمِهِ) صَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ فِي صَحِيحِ الْجَامِعِ .
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الاثْنِيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئَاً إِلَّا رَجُلاً كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاء , فَيُقَالُ أَنْظِرَا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا , أَنْظِرَا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا , أَنْظِرَا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا) رَوَاهُ مُسْلِمٌ
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ : إِنَّ مِنَ الْمُوَفَّقِينَ مَنْ يَسْتِغِلُّ فُرْصَةَ الْعِيدِ فَيَسْعَى بالصُلْحِ بَيْنَ الأَقَارِبِ وَالأَصْدِقَاءِ , وَهَذَا عَمَلٌ جَلِيلٌ وَقُرْبَةٌ إِلَى اللهِ , قَالَ اللهَ تَعَالَى (لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا)
اللهُ أَكْبَرُ, اللهُ أَكْبَرُ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ , واللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْد
أَيَّتُهَا الْمُسْلِمَاتُ الْمُؤْمِنِات : إِنَّ الْمَرْأَةُ إِذَا صَلَّتْ خَمْسَهَا وَصَامَتْ شَهْرَهَا وَأَحْصَنَتْ فَرْجَهَا وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا فَلْتَدْخُلْ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شَاءَتْ ! إِنَّكِ أَيَّتُهَا المرْأَةُ : الأُمُّ الحَنُونُ , وَالزَّوْجَةُ العَطُوفُ , وَالبِنْتُ الرَّقِيقَةُ , وَالأُخْتُ الحَانِيَة ! إِنَّكِ أَيَّتُهَا المرْأَةُ إِنْ صَلَحْتِ صَلَحَ الْمُجْتَمَع , وَإِنْ فَسَدْتِ فَعَلَى الأُسْرَةِ السَّلام ! إِنَّكِ أَيَّتُهَا المرْأَةُ مُسْتَهْدَفَةٌ مِنْ الشَّيْطَانُ وَمِنْ حِزْبِهِ أَعْدَاءِ الإِسْلامِ ! إِنَّهُمْ يُرِيدُونَ إِخْرَاجَكِ مِنْ بَيْتِكِ لِتَكُونِي سِلْعَةً مُبْتَذَلَةً , وَآلَةً رَخِيْصَةً ! تَعْمَلِينَ فِي الْمَصَانِعِ , وَتَخْتَلِطِينَ مَعَ الرِّجَال ! إِنَّهُمْ يُرِيدُونَ نَزْعَ حِجَابَك , وَتَقْصِيرَ ثِيَابَكَ , وَتَعْرِيَةَ بَدَنَكِ ! إِنَّهُمْ يُرِيدُونَكِ كَنِسَاءِ أُورُبَّا , تَلْهَثِينَ وَرَاءَ كُلِّ مَا أَنْتَجَهُ الغَرْبَ وكُلِّ مَا صَنَعَهُ الشَّرْقُ مِنْ مُتَعِ الْحَيَاةِ وَأَدَوَاتِ التَّجْمِيلِ وَمُودِيْلاتِ اللِّبَاس , لِكَيْ تَنْشَغِلِي عَنْ دِيْنِكِ , وَيُلْهُونَكِ عَنْ مُهِمَّتِكِ فِي الْحَياة , مِنْ خِدْمَةِ زَوْجِكِ وَإِصْلاحِ بَيْتِكِ ! فَكُونِي عَلَى حَذَرٍ , حَفَظَكِ اللهُ , وَسَدْدَ عَلَى طَرِيقِ الحَقِّ خُطَاكِ !
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ , واللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْد
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ وَالْمُسْلِمَاتُ : إِنَّ الْعَمَلَ الصَّالِحَ لَنْ يَنْقَطِعَ بِانْقِضَاءِ رَمَضَانَ , بَلْ لا نَزَالُ نَتَعَبَّدُ لِرَبِّنَا سُبْحَانَهُ بِالصَّلاةِ وَالْقُرْآنِ وَالصِّيَامِ وَالصَّدَقَةِ حَتَّى نَلْقَاهُ وَهُوَ رَاضٍ عَنَّا .
وَإِنَّ مِنْ ذَلِكَ صَيَامَ سِتٍّ مِنْ شَوَّال قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتَّاً مِنْ شَوَّال كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ ) رواه مسلم ! فَيَجُوزُ صِيَامُهَا مُتَفَرِّقَةً وَمُجْتَمِعَةً , مِنْ أَوِّلِ الشَّهْرِ أَوْ مِنْ آخِرِهِ , لَكِنَّ الأَفْضَلَ أَنْ تَكُونَ مُتَتَابِعَةً , وَتَكُونَ مُبَاشَرَةً بَعْدَ يَوْمِ الْعِيدِ , يَعْنِي يَبْدَأُ الصِّيَامَ مِنْ يَوْمْ غَدٍ ! وَلَكِنْ مَنْ كَانَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ رَمَضَانَ فَلا يَصُومَنَّ السِّتَّ حَتَى يَقْضِي !
اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنَّا الصَّيِامَ وَالْقِيَامَ وَالْقُرْآنَ , وَأَعِنَّا عَلَى كُلِّ خَيْرٍ وَجَنِّبْنَا كُلَّ شَرٍّ , اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي أَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُلُوبِنَا وَأَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَاتِنَا , وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ , وَاجْعَلْنَا شَاكِرِينَ لِنِعْمَتِكَ مُثْنِينَ بِهَا عَلَيْك , قَابِلِينَ لَهَا وَأَتَمَّهَا عَلَيْنَا .
اللَّهُمَّ كُنْ لَنَا وَلا تَكُنْ عَلَيْنَا , وَانْصُرْنَا وَلا تَنْصُرْ عَلَيْنَا , اللَّهُمَّ أَصْلِحْ أَحْوَالَ الْمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ مَكَانٍ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ , اللَّهُمَّ أَصْلِحَ شَأْنَ إِخْوانِنَا فِي سُورَيَا وَفِي بُورْمَا , اللَّهُمَّ عَجِّلْ بِنَصْرِهِمْ عَلَى أَعْدَائِهِمْ , اللَّهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَهُمْ وَاحْفَظْ أَعْرَاضَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَاغْفِرْ لِمَوْتَاهُمْ وَاشْفِ مَرْضَاهُمْ , اللَّهُمَّ وَلِّ عَلَيْهِمْ خِيَارَهُمْ وَاكْفِهِمْ شِرَارَهُمْ يَا مَنْ بِيَدِهِ الأَمْرُ يَا رَحْمَنُ يَا رَحِيم ! اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي دُورِنَا وَأَصْلِحْ وُلاةَ أُمُورِنَا وَأَصْلِحْ لِوُلاةِ أُمُورِنَا بِطَانَتَهُمْ وَاهْدِهُمْ سُبَلَ السَّلامِ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ , سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ , وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ , وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ! اللَّهُمَّ صّلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّين !
اللهُ أَكْبَرُ, اللهُ أَكْبَرُ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ , واللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْد
المرفقات

خُطْبَةُ ...doc

خُطْبَةُ ...doc

المشاهدات 8740 | التعليقات 1

جزاكما الله كل خير