خطبة عيد الفطر 1430 هـ
غازي بن طامي بن حماد الحكمي
خطبة عيد الفطر 1430 هـ
﴿الخُطْبَةُ الأُوْلَى﴾
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
الحمد لله الذي جعل خاتمة الطاعة عيداً وفضل هذه الأمة على سائر الأمم تكرمة منه وفضلاً ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة من أُخلصت له قولاً وفعلاً .
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خاتم النبيين وإمام المرسلين بعثه الله رحمة للعالمين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .
أما بعد فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، قال تعالى: ﭽ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭼ واشكروه على ما يسر لكم من النِّعم ظاهرة وباطنة
أيها المسلمون :
إن يومكم هذا يوم عظيم وعيد مبارك ، هو من محاسن الإسلام ، أوجب الله عليكم فطره وحرم عليكم صومه ، عاد هذا العيد لنعفو عمن ظلمنا ونُصلح ذات بيننا لنفوز بالعز والأجر من ربنا قال تعالى ﭽ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﭼ ،وقال النبي r ((وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ )) أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة t وقد تولى شهر الصيام والقرآن، وأقبل العيد الذي لا يشعر بفرحته إلا المؤمنون، الذين بادروا إلى امتثال أمر الله تعالى بصيام شهر رمضان والعمل بما ندبهم إليه رسول الله r من قيام لياليه، فالمؤمنون اليوم فرحون بفطرهم ، وإذا لقوا ربهم فرحوا بصومهم، لقد كان المؤمنون على مدى أيام ذلك الشهر الكريم ولياليه يسارعون ﭽ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭼ صاموا أيامه وقاموا لياليه يسارعون بذلك إلى مغفرة من ربهم للذنوب التي توبق مرتكبها في النار، ويسارعون بذلك أيضًا إلى الجنة التي من زحزح عن النار وأدخلها فقد فاز، أما النار التي هربوا منها فقد جاء في وصفها آيات كثيرة من كتاب الله U تخوف وتحذر منها، منها قوله تعالى : ﭽ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﭼ وجاء فيها من حديث رسول الله r ما أخرجه البخاري و مسلم عن أبي هريرة t أن النبي r قال: (( نَارُكُمْ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ )) فقال الصحابة y : يا رسول الله : إن كانت هذه لكافية فقال عليه الصلاة والسلام: (( فَإِنَّهَا فُضِّلَتْ عَلَيْهَا بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا كُلُّهَا مِثْلُ حَرِّهَا )) .
وأما الجنة التي سارع المؤمنون إليها فقد جاء في وصفها كذلك آيات كثيرة من كتاب الله عز وجل، ترغب فيها وتدعو إليها، منها: قوله تعالى خطابًا للمؤمنين يوم القيامة ـ كما في سورة الزخرف ـ ﭽ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﭼ
وجاء فيها من حديث رسول الله r ما أخرجه البخاري في صحيحه عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن النبي r قال: (( مَوْضِعُ سَوْطٍ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا )).
أيها الناس :
إننا في يوم عيد والعيد موسم فرح للصغار والكبار والرجال والنساء ، والعيد موسم صلة للأرحام وزيارة الأقارب ، وعطف على الفقراء ومواساة للبعيد عن أهله .
ألا فليكن العيد أيها المسلمون منطلقاً للتواصل والتراحم بينكم ، وليكن هذا العيد باباً لإزالة الشحناء والعداوات التي زرعها الشيطان بين الإخوة ، وليكن العيد موسماً من مواسم العطف والإحسان وتصفية للقلوب التي امتلأت من الأحقاد والشرور .
إن من حِكَم الإسلام العظيمة ، وحدةَ المسلمين ، وصفاء القلوب ، وذلك باجتماعهم على أعظم العبادات كالحج وصلاة الجمعة ، ولكن هناك موسم سنوي ، يدعوا إلى التآخي ويؤلف القلوب ويصفي النفوس ويجسد هذه المعاني قول النبي r ((إِنَّ الْمُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا وَشَبَّكَ أَصَابِعَهُ )) متفق عليه من حديث أبي موسى t .
فالعيد لمن حَسُنت نيته وطهُرت طويته ، والعيد لمن تذوق حلاوة الطاعة ولذيذ المناجاة .
يقول بعض السلف [ كلُ يومٍ يمرُ عليك لم تعص الله فيه فهو عيد ] ، وليس العيد لمن لبس الجديد ولمن تفاخر بالعُدد والعديد ، إنما العيد لمن خاف يوم الوعيد واتقى ذا العرش المجيد .
﴿الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ﴾
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى أهله وأصحابه أجمعين .
أما بعد :
فإنكم أيها الأخوة المسلمون قد ودعتم بالأمس شهر رمضان واستقبلتم اليوم العيد، فلا تودعوا بوداعكم شهرَ رمضانَ الصيام وقيام الليل وقراءة القرآن والإحسان والبر وسائر أعمال الخير. لا تودعوا هذه الأعمال بوداعكم لهذا الشهر الكريم، واعلموا أن وراءكم صيام أيام قال فيهن النبي r ما يقتضي أنها لو أضيفت إلى شهر رمضان عدلت صيام الدهر كله، قال فيما أخرجه أصحاب السنن عن أبي أيوب t عن النبي r : (( مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ )) فاحرصوا على صيامها واحرصوا بعدها على صيام الأيام المسنونة عن رسول الله r : كصيام الأيام البيض، والاثنين والخميس، وغيرها، واجعلوا من قيامكم ليالي شهر رمضان توطئة لتعودكم على قيام الليالي في بقية الشهور. واجعلوا من قراءتكم لكتاب الله تعالى صباحًا ومساءً منطلقًا للعزم على دوام تلاوته وتدبره وفهمه والعمل به واجعلوا من اعتيادكم الإحسان والبر سببًا لاستدامة سائر أعمال الخير التي كنتم عليها حريصين. دوموا على ما تعودتم عليه في هذا الشهر الكريم إلى سابق العهد فإنه كثيرًا ما يحل بنا هذا الشهر الكريم ونحن نعزم عزمًا أكيدًا فيما بيننا وبين ربنا على أن نُصلح وعلى أن نتوب وعلى ألا نرجع إلى ما كنا عليه عاكفين من المعاصي ولكن ما إن يبعد العهد بشهر رمضان حتى تعود النفوس إلى سابق عهدها من التكاسل والتواكل بل والوقوع مرة أخرى إلى سابق المعاصي والمخالفات، فإياكم وإياها أيها الإخوة المسلمون واعزموا على توبة نصوح أكيدة لا عودة بعدها أبدًا إلى الضلال والمعاصي واتقوا الله راقبوه في سركم وعلانيتكم فإن ربكم الذي أقبلتم على طاعته في شهر رمضان هو حري أن يُتقى ويُستغفر وأن يُناب إليه، وأن يُحب وأن يقبل عليه في سار العمر لا في شهر رمضان فحسب، إياكم وهذه العادة التي أصبحت فاشية في كثير من المسلمين إلا من رحم الله، لهم حالٌ في شهر رمضان ليسوا عليه في بقية الشهور.
وأما العيد الذي استقبلتموه فتواصلوا فيه وتزاوروا وتراحموا وتصالحوا، وأولى الناس منكم بالتواصل والتزاور أولو الأرحام كما أخرج البخاري ومسلم عن أنس t عن النبي r أنه قال: (( مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ )) من أراد أن يبسط له في الرزق ويوسع عليه وأن يبارك له في عمره وأجله فليصل رحمه.
ورتب عليه الشرع صلاحَ الأسرِ وتقويةَ العلاقاتِ ، فعن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله r ((الرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ تَقُولُ مَنْ وَصَلَنِي وَصَلَهُ اللَّهُ وَمَنْ قَطَعَنِي قَطَعَهُ اللَّهُ )) متفق عليه .
وعن أبي ذر t قال [ أوصاني خليلي أن لا تأخذني في الله لومة لائم وأوصاني بصلة الرحم وإن أدبرت ] .
معاشر النساء، اتقين الله ﭽ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭼ أقمن الصلاة، آتين الزكاة، أطعن الله ورسوله، أطعن أزواجكن بالمعروف، كنَّ من الصالحات القانتات، احذرن الألبسة المخالفة لشرع الله التي تظهر الزينة ، أو تتضمّن تشبهاً بالكافرات، وتعوُّدًا على ترك الحياء وإظهار الفتنة.
هذه ـ عباد الله ـ شمس العيد قد أشرقت، فلتشرق معها شفاهكم بصدق البسمة، وقلوبكم بصفاء البهجة، ونفوسكم بالمودة والمحبة، جددوا أواصر الحب بين الأصدقاء، والتراحم بين الأقرباء، والتعاون بين الناس جميعًا. في العيد تتقارب القلوب على الود، وتجتمع على الألفة، ويتناسى ذوو النفوس الطيبة أضغانهم، فيجتمعون بعد افتراق، ويتصافحون بعد انقباض، ويتصافون بعد كدر، فتكون الصلات الاجتماعية أقوى ما تكون حبًا ووفاء وإخاءً.
ألا وصلوا عباد الله على رسول الهدى فقد أمركم الله بذلك في كتابه فقال ﭽ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﭼ
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين .
وأسأل الله تبارك وتعالى أن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام .
وأن يوفقنا فيما نأتي وندع من الأمور.
وأن يرزقنا الإخلاص في جميع الأمور من الأقوال والأفعال والأحوال والأعمال.
وأسأله Uأن يصلح أئمتنا وولاة أمورنا.
وأن ينصر المجاهدين الذين يجاهدون في سبيله تعالى في كل مكان.
وأن يشفي مرضانا ويرحم موتانا.
وأن يصلح أحوالنا ويربط على قلوبنا .
وأن يختم بالباقيات الصالحات أعمالنا. آمين إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وصل اللهم وبارك وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
&&&&
المرفقات
1743273909_خطبة عيد الفطر 1430 هـ ملتقى الخطباء.doc
1743273914_خطبة عيد الفطر 1430 هـ ملتقى الخطباء.pdf