خطبة عيد الفطر ١٤٣٩ التفاؤل بنصر الله

ابراهيم الهلالي
1439/09/24 - 2018/06/08 13:49PM

الْحَمْدُ للَهِ الَّذِي أَكَمَلَ لَنَا الدِّينَ. وَأَتَمَّ عَلَينَا النِّعْمَةَ، وَجَعَلَ أمُّتَنَا خَيْرَ أُمَّةٍ، وَبَعَثَ فِينَا رَسُولًا مِنَّا يَتْلُو عَلَينَا آياتِهِ وَيُزَكِّينَا وَيُعَلِّمُنَا الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ، أَحْمَدُهُ عَلَى نِعَمِهِ الْجَمَّةِ.وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، شَهَادَةً تَكُونُ لِمَنِ اعْتَصَمَ بِهَا خَيْرَ عِصْمَةٍ. وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَرْسَلَهُ لِلْعَالَمِينَ رَحْمَةً، وَفَرَضَ عَلَيهِ بَيَانَ مَا أَنْزَلَ إِلَيْنَا. فَأَوْضَحَ لَنَا كُلَّ الْأُمُورِ الْمُهِمَّةِ، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَعَلَى آلهِ وَأَصْحَابِهِ صَلاةً تَكُونُ لَنَا نُورًا مِنْ كُلِّ ظُلْمَةٍ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا. أَمَّا بَعدُ:فَأُوصِيكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَإِنَّها خَيْرُ الزَّادِ لِيَوْمِ الْمَعَادِ، وَتَقَلَّلُوا مِنَ الدُّنْيا وَتَخَفَّفُوا مِنْ أَحْمَالِهَا وَأثْقَالِهَا، فَإِنَّما هِيَ إِلَى فَنَاءٍ وَنَفَادٍ، {يَاقَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ }.
اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أكْبَرُ، لَا إلَهَ إلاَّ اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أكْبَرُ، ولِلَّهِ الْحَمْدُ.
اللهُ أَكْبَرُ قُولُوهَا بِلَا وَجَلٍ *** وَزَيِّنُوا الْقَلْبَ مِنْ مَغْزَى مَعَانِيِهَا..
اللهُ أكْبَرُ مَا أَحْلَى النِّدَاءَ بِهَا *** كَأَنَّه الرَّيُّ فِي الْأَرْواحِ يُحْييهَا.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ.. عِيدُكُمْ مُبَارَكٌ، وَتَقَبَّلَ اللهُ صِيَامَكُمْ وَقيامَكُمْ، وَصَلَوَاتِكُمْ وَصَدَقَاتِكُمْ، وَجَمِيعَ طَاعَاتِكُمْ، وَكَمَا فَرِحْتُمْ بِصِيَامِكُمْ، فَافْرَحُوا بِفِطْرِكُمْ، وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانَ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ بَلِقَاءِ رَبِّهِ، أَدَّيْتُم فَرْضَكُمْ، وَأَطَعْتُمْ رَبَّكُمْ، صُمْتُمْ وَقَرَأْتُمْ وَتَصَدَّقْتُمْ، فهَنِيئًا لَكُمْ مَا قَدَّمْتُمْ. افْرَحُوا وَابْتَهِجُوا وَاسْعَدُوا، وَانْشُرُوا السَّعَادَةَ وَالْبَهْجَةَ فِيمَنْ حَوْلَكُمْ، إِنَّ حَقَّكُمْ أَنْ تَفْرَحُوا بَعِيدِكُمْ وَتَبْتَهِجُوا بِهَذَا الْيَوْمِ. يَوْمُ الزِّينَةِ وَالسُّرُورِ، وَمِنْ حَقِّ أهْلِ الْإِسْلامِ فِي يَوْمِ بَهْجَتِهِمْ أَنْ يَسْمَعُوا كَلاَمًا جَمِيلًا، وَحَدِيثًا مُبْهِجًا، وَأَنْ يَرْقُبُوا آمالًا عِرَاضًا وَمُسْتَقْبَلًا زَاهِرًا، لَهُمْ ولِدِينِهِمْ وَلََأُمَّتِهِمْ.
أَيُّ فَرَحٍ أَعْظَمُ مِنْ فَرَحِ عَبْدٍ مُؤْمِنٍ أَطَاعَ رَبَّهُ بِمَا شَرَعَ، قَالَ تَعَالَى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} نَعَمْ حُقَّ لَكُمْ وَلِكُلِّ مُسْلِمٍ أَدْرَكَ هَذَا الْعِيدَ السَّعِيدَ، أَنْ يَفْرَحَ وَيُسَرَّ وَيَبْتَهِجَ، وَمَنْ أَحَقُّ مِنكُمُ الْيَوْمَ بِالْفَرَحِ وَأوْلَى بِالسُّرُورِ؛ بُلِّغْتُمْ رَمَضانَ، فَصُمْتُمْ نَهَارَهُ أَدَاءً لِرُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلامِ، وَقُمْتُمْ شَيئًا مِنْ لَيْلِهِ تَنَفُّلًا وَقَرَأْتُمُ الْقُرْآنَ، وَذَكَرْتُمْ رَبَّكُمْ وَدَعَوْتُمْ وَرَجَوْتُمْ، وَفَطَّرْتُم ُالصَّائِمِينَ وَزَكَّيْتُمْ وَتَصَدَّقْتُمْ، وَمِنْكُمْ مَنْ زَارَ الْبَيْتَ الْحَرامَ وَاعْتَمَرَ، وَمَنْ لَزِمَ الطَّاعَةَ وَاعْتَكَفَ، وَهَا أَنْتُمْ قَدْ أَكْمَلْتُمُ الْعِدَّةَ وَكَبَّرْتُمُ اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَشَكَرْتُمُوهُ، فَهَنِيئًا لَكُمْ مَا قَدَّمْتُمْ وَأَسْلَفْتُمْ، وَتَقَبَّلَ اللهُ مِنْكُمْ مَا عَمِلْتُمْ وَأَخْلَصْتُمْ.

ويا شهر رمضان غير مودع ودّعناك، وغير مقليّ فارقناك، كان نهارك صدقة وصياماً، وليلك قراءة وقياماً، فعليك منا تحية وسلاماً.
سلام من الرحمن كل أوان *** على خير شهر قد مضى وزمان
لئن فنيت أيامك الغر بغتـة *** فمـا الحزن من قلبي عليك بفان

اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أكْبَرُ، لَا إلَهَ إلاَّ اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أكْبَرُ، ولِلَّهِ الْحَمْدُ.
إخواني : في هذا العصر الذي استقوت فيه أمم الكفر والضلال على أمة الإسلام ، وعاثوا فيها فساداً ، وقتلاً وتشريداً ، وجمعوا لها النكاية بكل أنواعها، خاصة على أهل السنة، مستعينين بمنافقي هذه الأمة، الذين باعوا أنفسهم لشياطين الإنس والجن، وخانوا دينهم ، واغتالوا أوطانهم ، وغدروا بإخوانهم، فأظلمت على كثير من المسلمين الدنيا، وضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وضاقت عليهم أنفسهم، وظنوا أنهم قد خُذِلوا، وظنوا بالله الظنوناً، وتمكن منهم اليأس بنصر الإسلام والمسلمين لكل هؤلاء نقول: لقد وعد الله -عز وجل- المؤمنين بالنصر فقال عز وجل ( وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ), وهذا النصر -عباد الله- ليس مقصوراً على نصر التمكين ولكن النصر له صور مختلفة، فلا بد للمؤمنين من نوع من أنواع هذا النصر.

فمن أنواع النصر الذي وعد الله به المؤمنين: نصر العزة، والتمكين في الأرض، وجعل التمكين للإسلام، والجولة للإسلام، كما نصر الله -عز وجل- داود وسليمان -عليهما السلام-, قال تعالى:( وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ)، وقال عز وجل:( فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا). فجمع الله -عز وجل- لهذين النبيين الكريمين بين النبوة والحكم والملك العظيم، وكما نصر الله -عز وجل- نبيه محمداً -صلى الله عليه وآله وسلم-، فما فارق النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- الدنيا حتى أقرّ الله -عز وجل- عينه بالنصر المبين، والعز والتمكين، بل جعل الله -عز وجل- النصر ودخول الناس في دين الله أفواجاً علامة قرب أجل النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- فقال تعالى:( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا), فما فارق النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- الدنيا حتى حكم الإسلام جزيرة العرب، ثم فتح تلامذته من بعده البلاد شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، حتى استنار أكثر المعروف من الأرض بدعوة الإسلام، وسالت دماء الصحابة في الأقطار والأمصار، يرفعون راية الإسلام، وينشرون دين النبي -عليه الصلاة والسلام-، حتى وقف عقبة بن عامر على شاطئ الأطلنطي وقال: "والله يا بحر لو أعلم أن وراءك أرضٌ تفتح في سبيل الله لخضتك بفرسي هذا". وهذا الخليفة المسلم هارون الرشيد نظر إلى السحابة في السماء تجوز قصره في بغداد وقال لها: "أمطري حيث تشائين فسوف يأتيني خراجك". وكانت بغداد عاصمة الخلافة وحاضرة الإسلام حينئذ يقطنها أكثر من مليون ونصف المليون نسمة مع حركة علمية وثقافية وصناعية أبهرت الدنيا، بينما كانت روما في ذلك التأريخ مظلمة بجهلها ديناً ودنيا، وليس بها إلا حوالي ثلاثين ألف نسمة كما يقول المؤرخون.
ومن أنواع النصر كذلك -عباد الله-: أن يُهلك الله -عز وجل- الكافرين والمكذبين، وينجي رسله وعباده المؤمنين. قال -عز وجل- حاكياً عن نوح -عليه السلام: (فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ * فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ * وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ * تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ * وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ * فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ), وكما نصر الله -عز وجل- هوداً وصالحاً ولوطاً وشعيباً -عليهم الصلاة والسلام-، أهلك الله -عز وجل- الكافرين والمكذبين، وأنجى رسله وعباده المؤمنين.
النوع الثالث -عباد الله- من النصر: وهو نصر العقيدة والإيمان، وهو أن يثبت المؤمنون على إيمانهم، وأن يضحوا بأبدانهم حماية لأديانهم، وأن يؤثروا أن تخرج أرواحهم ولا يخرج الإيمان من قلوبهم، فهذا نصر للعقيدة ونصر للإيمان، ألم تعلموا -عباد الله- خبر الغلام في قصة أصحاب الأخدود, حين عجز الملك عن قتله فقال له: إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به – وانظر إلى عزة الإسلام وهو يقول للملك: "ما آمرك به" – قال: ما هو؟ قال: تجمع الناس في صعيد واحد، وتصلبني على جذع، ثم خذ سهماً من كنانتي، ثم ضع السهم في كبد القوس ثم قل: باسم الله رب الغلام، ثم ارمني، فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني، فجمع الناس في صعيد واحد، وصلبه على جذع، ثم أخذ سهماً من كنانته، ثم وضع السهم في كبد القوس ثم قال: باسم الله رب الغلام، ثم رماه فوقع السهم في صدغه، فوضع يده في صدغه في موضع السهم فمات. فقال الناس: آمنا برب الغلام، آمنا برب الغلام، فأتي الملك فقيل له: أرأيت ما كنت تحذر، قد والله نزل بك، قد آمن الناس. فانظروا -عباد الله- كيف ضحى بحياته من أجل الدعوة، فعلى الدعاة إلى الله -عز وجل- أن لا يبخلوا بشيء في سبيل نشر دعوتهم، ولو أنفقوا حياتهم ثمناً لإيمان الناس، فقد مضى الغلام إلى ربه، إلى رحمته وجنته، وآمن الناس بدعوته، عند ذلك أمر الملك بحفر الأخاديد في أفواه السكك وأضرم فيها النيران وقال: من لم يرجع عن دينه فأقحموه فيها، أو قيل له: اقتحم.ففعلوا حتى جاءت امرأة ومعها صبي فتقاعست أن تقع فيها، فقال لها الغلام: يا أماه اصبري فإنك على الحق. وسجل الله -عز وجل- لنا في كتابه الخالد خاتمة القصة، وعاقبة الفريقين في الآخرة فقال عز وجل: (قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ * النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ * إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ * وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ * وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ).
نوع رابع -عباد الله- من أنواع انتصار المؤمنين: وهو أن يحمي الله -عز وجل- عباده المؤمنين من كيد الكافرين، كما قال تعالى: (وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا), وكما قال عز وجل لنبيه -صلى الله عليه وسلم: (وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ). وجاء في السيرة المباركة كيف عصمه الله -عز وجل- من الرجل الذي رفع عليه السيف وهو نائم r وقال: من يعصمك مني يامحمد؟ فقال: "الله" فارتجف الرجل وسقط السيف من يده, وقصة الشاة المسمومة التي أنطقها الله -عز وجل- وأخبرت النبي r بأنها مسمومة, وقصة إجلاء بني النضير, ونزول جبريل وميكائيل يوم أحد يدافعان عن النبي .r
نوع خامس: من النصر الذي ينصر الله -عز وجل- به عباده المؤمنين وهو نصر الحجة كما قال تعالى: (وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ) [الأنعام: 83], وكما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك". فهذا الظهور أدناه أنه ظهور حجة وبيان، وقد يكون معه ظهور السلطان فهذه أنواع من النصر تدخل في وعد الله -عز وجل: (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ), ولكن النصر الذي بشرنا الله -عز وجل- به، وبشرنا به رسوله -صلى الله عليه وسلم- هو النصر الأول، وهو نصر التمكين والظهور قال تعالى: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ).
وقال النبي r : (ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر، إلا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل به الكفر). وقال r: (إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوى لي منها). وأتت الأحاديث الصحيحة بأن المسلمين لهم لقاء حتمي مع الروم وهم النصارى. وعن أبي هريرة أن رسول الله قال r "لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق أو بدابق -والأعماق ودابق موضعان بالشام قرب حلب- فيخرج إليهم جيش بالمدينة من خيار أهل الأرض يومئذ، فإذا تصافوا قالت الروم: خلوا بيننا وبين الذين سبوا منا نقاتلهم، فيقول المسلمون: لا والله لا نخلي بينكم وبين إخواننا، فيقاتلوهم، فينهزم ثلث لا يتوب الله عليهم أبداً، ويقتل ثلثهم أفضل الشهداء عند الله، ويفتتح الثلث لا يفتنون أبداً، فيفتحون قسطنطينية".
كما أتت الأحاديث الصحيحة كذلك بأن المسلمين سوف يقاتلون اليهود. عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر, فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم يا عبد الله, هذا يهودي خلفي تعال فاقتله إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود", وقوله: "يا مسلم" يدل على أن المسلمين في هذا الوقت يعملون بدين الله، لا ينتسبون إلى الإسلام ظلماً وزوراً.
فلا تيأسوا عباد الله، ولا تستعجلوا موعود الله، وثقوا بالله ونصره فهو الحكيم الخبير، ولا يؤخر شيء إلا لحكم بالغة، ولا يعجل سبحانه لأنه ليس شيء يفوت عليه، وهو العزيز القدير.
اللهم أقر أعيننا بنصر الإسلام والمسلمين في كل مكان، واجعلنا من عبادك الصالحين وأوليائك المتقين، الذين تنصر بهم الدين، واختم لنا بخاتمة السعادة آمين.
اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أكْبَرُ، لَا إلَهَ إلاَّ اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أكْبَرُ، ولِلَّهِ الْحَمْدُ.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ...الخ.
*******************************

الخطبة الثانية

الحمد لله حمد الفائزين ، أحمده سبحانه وأشكره ، فكم من نعمة أسداها جل في علاه ، وكم من نقمة دفعها بفضله ورضاه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ونبيه وخليله ، خير من صلى وصام ، وتلا القرآن وقام صلى الله عليه وعلى آله الكرام ، وعلى صحابته أولى الشجاعة والإقدام وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .
الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد
أما بعد فيا معاشر المسلمين : احذروا الركون إلى الدنيا وكفران النعم فإنكم تعيشون نعمة الأمن والصحة والغنى, في الوقت الذي يُتَخَطف الناس من حولكم في حروب طاحنة ومجاعات قاتلة وأمراض فتاكة ( فاعتبروا يا أولي الأبصار ). اشتهت زوجة المعتمد بن عباد -أحد ولاة الأندلس-أن تمشي في الطين وتحمل القرب؟! فأمر المعتمد أن ينثر المسك على الكافور والزعفران وتحمل قرباً من طيب المسك لتخوض فيه زوجته تحقيقاً لشهوتها, وتجري السنة الإلهية وتتهاوى حصون الإسلام في الأندلس بسبب اللهو والغفلة والإغراق في الشهوات, ليؤخذ المعتمد أسيراً من الأندلس إلى أغمات بالمغرب وتبقى بناته، بنات الملك والثراء، قاطنات القصور الفارهة، يتجرعن كأس الفقر بعد الغنى والذلة بعد العزة يغزلن للناس -يتكسبن- حتى إذا علم المعتمد بذلك تمثل يقول:

فيما مضى كنت بالأعياد مسرورا *** فساءك العيد في أغماتَ مأسورا
ترى بناتِك في الأطمار جائعـةً *** يغزلن للنـاس ما يملكن قطميرا
برزن نحوك للتسليم خــاشعةً *** أبصارهن حسيراتٍ مكاسـيرا
يطأن في الطين والأقدامُ حافيـةً *** كأنهــا لم تطأ مسكاً وكافورا
من بات بعدك في ملك يُسرُ به *** فإنمـا بات بالأحـلام مسرورا
وصدق الله إذ يقول سبحانه: ( وضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون )
عباد الله : إن المسلم يجب عليه أن تكون له القوامة التامة في بيته والمقصود بها أن يأمر وينهى بما فيه طاعة ربه ومصلحة بيته ، وإني لأوجه هذا لخطاب لولي المرأة فأقول اتقوا الله فوالله إن في لبس نسائنا في الأعياد والمناسبات ما يندى له الجبين ، فالقصير أصبح سمة للبس الكبيرة قبل الصغيرة وكذا لبس البنطال ، وكذا لبس العاري والضيق ، حتى العباءةَ التي هي للستر أصبحت أداةَ فتنة وإغراء ، فبعض النساء بدون عباءة أقل فتنة من تلك العباءة التي ترتديها ، وحدث ولا حرج عن ذلك النقاب الذي تفنن في فتنته من لا يرقبون في المؤمنين إلاًّ ولا ذمة ، وأقول إن أكبر دليل على انتشار ذلك في وسط النساء أنك لا تكاد تجد لبسا ساترا لنسائك في الأسواق.
وأقول لأختي المسلمة في كل مكان يا أمة الله : احذري من التبرج والسفور ، ومن التشبه بالرجال فإن المتشبهة بالرجال ملعونة على لسان محمد r ، وكوني أمَةً صالحة قارّة في بيتك، مراقبة لربك، مطيعة لزوجك ، أيتها المسلمات تصدقن وأكثرن من الصدقة فلقد رآكُنَّ النبي r أكثر أهل النار لإكثاركن من اللعن وكفران العشير أي الزوج، فالحذر الحذر من مهاوي الردى والضلال.

كما أنبه إلى الحذر من الوقوع في المعاصي بعد رمضان ، خصوصا ما يسمونه بإحياء أيام وليالي العيد وذلك على مزامير الشيطان أو الطبول، أو حضور تلك الاحتفالات التي فيها نقض لما أحكمت من الطاعات فلا تكونوا كالتي نقضت غزلها بعد قوة أنكاثاً.

الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد
وختاماً عِبَادَ اللَّهِ.. يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:”لَا يَشْكُرِ اللهَ مَنْ لَا يَشْكُرِ النَّاسَ” أخرجه أبو داودَ. ففِي محافظتنا هذه أَبْدَعَ أَبْنَاؤُها فِي أيَّامِ هَذَا الشَّهْرِ الْكَرِيمِ عَبِرَ إِقَامَةِ أَعْمَالٍ خَيْرِيَّةٍ وَمَشَارِيعَ نَوْعِيَّةٍ، وَبَرامِجَ تَطَوُّعِيَّةٍ، جُهُودٌ كَبِيرَةٌ وَأَعْمَالٌ جَلِيلَةٌ يَرَاهَا الْجَمِيعُ؛ فَقدْ أَطْعَمُوا الْجَائِعَ، وَأَحْسَنُوا لِلْفَقِيرِ، وَفَطَّرُوا الصَّائِمَ، وَعَلَّمُوا الْجَاهِلَ وَاعْتَنَوْا بِكِتَابِ اللهِ جَلَّ وَعَلَا.. كُلُّ الشُّكْرِ وَبالِغِ التَّقْدِيرِ وَخَالِصِ الدُّعَاءِ لِلْمُشْرِفِينَ عَلَى هَذِهِ الْجِهَاتِ الْخَيْرِيَّةِ وَالْعَامِلِينَ مَعَهُمْ . وَيَبْقَى دَوْرُكُمْ أَيُّهَا الْكُرَمَاءُ فِي اسْتِمْرَارِ الدَّعْمِ والْمُؤَازَرةِ، فَمَشَارِيعُهُمْ قَائِمَةٌ بَعْدَ اللهِ عَلَى أَمْثَالِكُمْ.
ولَا نَنْسَى أئِمَّةَ الْمَسَاجِدِ الذينَ اجْتَهَدُوا فِي إقَامَةِ الصَّلَوَاتِ وَاعْتَنَوْا بِبُيُوتِ رَبِّهِمْ، وَكَمْ يُفْرِحُنَا -وَاللهِ- أَنْ نَرَى بَعْضَ الْمَسَاجِدِ قَدْ امْتَلَأَتْ بِالْمُصَلِّينَ خَلْفَ شَبَابٍ حُفَّاظٍ حَبَاهُمُ اللهِ حُسْنَ الصَّوْتِ وَجَوْدَةَ الْقِرَاءَةِ، وَلَا نَنْسَى إِخْوَتَنَا فِي الْجِهَاتِ الْأَمْنِيَّةِ وَالْقِطَاعَاتِ الْخَدَمِيَّةِ فَجُهُودُهُمْ كَبِيرَةٌ وَأَعْمَالُهُمْ مَشْهُودَةٌ، فَلِلْجَمِيعِ الشُّكرُ وَالدُّعَاءُ.
أَيُّهَا الْمُسلِمُونَ… أُذَكِّرُكُمْ جَمِيعًا وَأَحُثُّ نَفْسِي وَإِيَّاكُمْ عَلَى صِيَامِ سِتَّةِ أيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ، فَفِي الْحَديثِ الصَّحِيحِ: “مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ” رواه مسلمٌ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ، تَقَبَّلَ اللهُ طَاعَاتِكُم وَصَالِحَ أَعْمَالِكُمْ، وَقَبِلَ صِيَامَكُمْ وَقيامَكُمْ وصَدَقَاتِكُمْ وَدُعَاءَكُمْ، وَضَاعَفَ حَسَنَاتِكُمْ، وَجَعَلَ عِيدَكُمْ مُبَارَكًا وَأيَّامَكُمْ أيامَ سَعَادَةٍ وَهَنَاءٍ وَفَضْلٍ وَإحْسَانٍ، وَأَعَادَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ بَرَكَاتِ هَذَا الْعِيدِ، وَجَعَلَنَا فِي الْقِيَامَةِ مِنَ الآمِنِينَ، وَحَشَرَنَا تَحْتَ لِوَاءِ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ.

وصلوا وسلموا على الهادي البشير ...الخ.

المشاهدات 1688 | التعليقات 0