خطبة عيد الفطر لهذا العام 1437هـ

ابوعثمان ابوعثمان
1437/09/30 - 2016/07/05 22:55PM
خطبة عيد الفطر 1437هـ منسقة من عدة خطب مع إضافات

الْحَمْدُ للهِ المُتَفَرِّدِ بِالجَلَالِ وَالْكَمَالِ وَالْجَمَالِ، عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرِ المُتَعَالِ، أَحْمَدُهُ وَأَشْكُرُهُ عَلَى سَابِغِ النِّعَمِ وَجَزِيلِ النَّوَالِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، سَجَدَ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَصَفِيُّهُ وَخَلِيلُهُ، خَيْرُ مَنْ مَشَى، وَأَكْرَمُ مَنْ قَالَ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا إِلَى يَوْمِ المَآلِ.
أَمَّا بَعدُ، فَأُوصِيكُم – أَيُّهَا النَّاسُ – وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ، عَظِّمُوهُ بِإِسلامِ النُّفُوسِ إِلَيهِ، وَأَجِلُّوا أَمرَهُ بِامتِثَالِهِ، وَنَهيَهُ بِاجتِنَابِهِ، وَحُكمَهُ بِالرِّضَا بِهِ، فَإِنَّكُم في قَبضَتِهِ وَإِلَيهِ صَائِرُون ( (وَاتَّقُوا يَومًا تُرجَعُونَ فِيهِ إِلى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفسٍ مَا كَسَبَت وَهُم لا يُظلَمُونَ)[البقرة: 281]
اللهُ أَكْبَرُ (عَشْرَ مَرَّاتٍ).
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ الَّذِي سَنَّ وَشَرَعَ، وَرَفَعَ وَوَضَعَ، وَخَضَعَ لَهُ كُلُّ عَبْدٍ وَطَمِعَ.
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ عَلَا فَقَهَرَ، وَهَزَمَ وَنَصَرَ، وَعَلِمَ وَسَتَرَ، وَعَفَا وَغَفَرَ.
اللهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، وَالْحَمْدُ للهِ كَثِيرًا، وَسُبْحَانَ اللهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً.
اللهُ أكبرُ قُولُوْهَا بِلَا وَجَـــــــــــــلٍ وزينوا القلبَ من مغزى معانيهابها ستعلو على أفق الزمـــــان لنا رايات عز نسينا كيف نفديها الله أكبر ما أحلى النداءُ بهــــــــــــــــــا كــــــــــــــأنه الــــري في الأرواحِ يحيــــــــــــها
مَا أَجْمَلَ صَبَاحَ الْعِيدِ! وَمَا أَسْعَدَ أَهْلَهُ الَّذِينَ أَتَمُّوا الْعِدَّةَ، وَأَخْرَجُوا الْفِطْرَةَ، وَوَدَّعُوا مَوْسِمًا عَظِيمًا مَذْكُورًا، قَدْ أَوْدَعُوا فِيهِ مِنْ حُلَلِ الطَّاعَاتِ، وَالْأَعْمَالِ الصَّالِحَاتِ، فَحُقَّ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَفْرَحَ بِهَذَا وَيَبْهَجَ، وَيَعِجَّ لِسَانُهُ بِالتَّكْبِيرِ وَيَلْهَجَ {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}.
إِخْوَةَ الإِيمَانِ: كَثِيرًا مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُ رَبَّهُ إِيَّاهَا، وَكَثِيرًا مَا كَانَ الصَّحَابَةُ-رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- يَسْأَلُونَ نَبِيَّهُمْ مِنَ الدُّعَاءِ فَيُرْشِدُهُمْ إِلَيْهَا.
هِيَ أَعْظَمُ عَطَايَا الْخَالِقِ لِلنَّاسِ، وَهِيَ بَعْدَ التَّقْوَى خَيْرُ لِبَاسٍ.
بِهَا تَصْفُو الْعِبَادَةُ، وَيَطِيبُ الْعَيْشُ، وَتَنْشَرِحُ الصُّدُورُ، وَتَقِرُّ الْعُيُونُ.
مَنْ فَقَدَهَا لَمْ يَطِبْ لَهُ كُلُّ مَوْجُودٍ، وَمَنْ حَازَهَا هَانَ عَلَيْهِ كُلُّ مَفْقُودٍ.
كَمْ تَرَحَّلَ لِأَجْلِهَا المُسَافِرُونَ! وَكَمْ تَضَرَّعَ فِي طَلَبِهَا المُتَوَجِّعُونَ!
جَاءَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ عَلِّمْنِي شَيْئًا أَسْأَلُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ، فَقَالَ: «سَلِ اللهَ الْعَافِيَةَ»، ثُمَّ مَكَثَ أَيَّامًا، ثُمَّ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: عَلِّمْنِي شَيْئًا أَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا عَبَّاسُ، يَا عَمَّ رَسُولِ اللهِ سَلِ اللهَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ.
أَلَا مَا أَحْوَجَنَا يَا أَهْلَ الإِيمَانِ أَنْ نَسْتَذْكِرَ وَنَتَذَاكَرَ شَأْنَ الْعَافِيَةِ فِي زَمَنٍ تَمُوجُ فِيهِ الْفِتَنُ بِأَهْلِهَا مَوْجًا، وَتَسُوقُهُمْ إِلَى الْبَلَاءِ فَوْجًا فَوْجًا! فِتَنٌ فِي السَّرَّاءِ تُلْهِي عَنِ الْآخِرَةِ، وَفِتَنٌ فِي الضَّرَّاءِ تَزْرَعُ الْيَأْسَ وَتَضُرُّ الدِّينَ.
عَافِيَتُنَا تَكُونُ في غَيْرَتِنا على بَلَدِنَا مِنْ تَحوُّلِهِ إِلى الأَسْوأِ، أو مِنَ صُوَرِ التَّفَتُّحِ التي يُفْتَحُ مَعَها أبواباً مِنَ التنازلاتِ وتَرْقِيْقِ المحرَّمَاتِ، فَمِنَ العَافِيَةِ الاحتسابُ وَالنَّصِيْحة، والأمْرِ بالمعروفِ والنَّهْيِّ عن المنكرِ، وَإلَّا نَفْعَلْ فَالْبَلاءُ مُنْتَظَرْ، ( أنهلِكُ وَفِيْنَا الصَّالحونَ؟ قال: نَعَمْ إِذا كَثُرَ الخَبَثُ).
عَافِيَتُنَا تَكونُ بِإِبْرَازِ عَظَمَةِ الْإِسْلَامِ وَتَشْرِيعَاتِهِ وَعَدْلِهِ وَحِفْظِهِ لِلْحُقُوقِ، فِي وَقْتٍ نَرَى الِانْبِهَارَ بِالْقِيَمِ الرَّنَّانَةِ المَسْتَوْرَدَةِ.
وَتُطْلَبُ عَافِيَتُنَا بِالْحِفَاظِ عَلَى أَمْنِ الْبَلَدِ حِسِّيًّا وَفِكْرِيًّا مِنْ تَيَّارَيْنِ مُتَبَاعِدَيْنِ:
تَيَّارٌ غَالٍ مُكَفِّرٌ، سَفِيهٌ مُفَجِّرٌ، تَجَاوَزَتْ مُوبِقَاتُهُ وَضَلَالَاتُهُ كُلَّ حَدٍّ وَحُدُودٍ.
وَآخَرُ جَافٍ مُنْهَزِمٌ، عَاقٌّ لِتُرَاثِهِ، زَاهِدٌ فِي أَصَالَتِهِ، لَدَيْهِ مُشْكِلَةٌ مَعَ الشَّرِيعَةِ، وَمُعْضِلَةٌ مَعَ النُّصُوصِ،فَهُوَ إمَّا مُشَكِّكٌ فِي ثُبُوتها، أو ساَعٍ لِعَلْمَنَتِها، وَتَحْرِيْفِهَا عنْ مَعَانِيْها.
وَضَاعَ الِاعْتِدَالُ بَيْنَ هَذِيْنِ الطَّرَفَيْنِ المتَطَرِّفَيْنِ: طَرَفٍ دَاعِشِيٍّ يُكَفِّرُ مَنْ يَقِفُ حِيَالَهُ، وَآخَرَ ليبرالي مَوْتُورٍ يُدَعْشِنُ مَنْ يَتَصَدَّى أَمَامَهُ يدفعه إعلامٌ عربي متصهين لا بعِبري
معشر الكرام: حادثة الأمس كدرت كل صفو, وحيرت كل حليم, في مدينة المصطفى ;, في شهر رمضان, وقبيل الإفطار, يتسلل ذلك المفتون, ليفجر بقرب مسجد نبينا, وعلى بعد خطوات من مرقد أصحابه, وفي بقاع مشى عليها رسولنا, وديار أحبها,
ولا ينقضي العجب إذا علمت أن هذا بدافع الجهاد ونصرة الدين, فنعوذ بالله من الضلال.
ومع اختلاط فرحنا بالعيد وحزننا على الحدث وعلى ما وصل إليه حال الغلاة أقول: إن الشيطان لا يعنيه أكسب من المرء انحرافاً أو غلواً, إفراطاً أو تفريطاً, فأي البابين كسبه من العبد فهو رابح, ولهذا أفسد أقوماً بالشهوات, وأفسد أقوماً بالغلو والشبهات
فالوصية للشباب: احذر أن يستزلك الشيطان فيحرف غيرتك للدين لمثل هذه المسالك, فمن له أدنى مسكة عقل يوقن أن مثل هذا ليس من الجهاد في شيء, وأي جهاد في إرهاب المسلمين, وفي ديارهم, بل وفي حرم نبيهم, وقد قال ; «المَدِينَةُ حَرَمٌ مَا بَيْنَ عَيْرٍ إِلَى ثَوْرٍ، فَمَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا، أَوْ آوَى مُحْدِثًا، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لاَ يُقْبَلُ مِنْهُ يَوْمَ القِيَامَةِ صَرْفا وَلاَ عَدْلا"
كارثةٌ والله أن يصل الأمر بالشاب إلى أن يرى في مثل هذا نصرة, أو أن يقره أدنى إقرارا, بل أن يفعله, كارثة أن يأخذ دينه وعقيدته من معرّفات مجهولة وأسماءَ مستعارة, وقومٍ عُرف كثير منهم بالغلو ,ويدَع العلماء الذين أجمعت الأمة على ديانتهم
وليست التضحية بالروح والبحث عن الشهادة كافٍ في التزكية, فقاتل علي بن أبي طالب وقتلة عثمان بن عفان رضي الله عنهما يبحثون عن الشهادة وإعزاز الأمة, لكنه الانحراف والله المستعان,
وفي صحيح مسلم:قال صلى الله عليه وسلم(هُمْ شَرُّ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ) ، وعند أحمد بسند جيد (طُوبَى لِمَنْ قَتَلَهُمْ وَقَتَلُوهُ)، قال ابن حجر في فتح الباري..: " وَفِيهِ أَنَّ الْخَوَارِجَ شَرُّ الْفِرَقِ الْمُبْتَدِعَةِ مِنَ الْأُمَّةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ "
ولكن كما قال ابن عمر عن غُلاة زمانه: "انطلقوا إلى آياتٍ نزلت في الكفار, فجعلوها على المسلمين".
وقال عنهم ابن تيمية: لم يكن أحد شراً على المسلمين منهم: لا اليهود ولا النصارى ; فإنهم كانوا مجتهدين في قتل كل مسلم لم يوافقهم، مستحلين لدماء المسلمين وأموالهم وقتل أولادهم، مكفرين لهم، وكانوا متدينين بذلك لعظم جهلهم وبدعتهم المضلة, نسأل الله الهداية لنا ولجميع المسلمين
واعلم أن أول مستفيدٍ من هذه الحوادث هم أعداء الدين, فهم يسعون جاهدين لزعزعت أمننا.
ومسلك الخوارج ليس بجديد على الأمة, فقد وجد في عهد الصحابة,
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ولله أكبر ولله الحمد
أخي المسلم: برّ والديك، وخصهما منك بالدعاء، وأكثر لهما من الاستغفار، ففي التنزيل العزيز: ﴿ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ ﴾ [نوح: 28] ويقول سبحانه: ﴿ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً ﴾ [الإسراء:24].
صل من قطعك، وأعط من حرمك، واعف عمن ظلمك، وعف عن المحارم تكن عابداً، وأحسن إلى جارك تكن مؤمناً ارحم المسكين، وأكرم الغريب، واسع على الأرامل فعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الساعي على الأرملة والمساكين كالمجاهد في سبيل الله، وكالذي يصوم النهار ويقوم الليل )
نحن في هذا اليوم جدير بنا أن نمدَّ أيدينا بالمصافحة، وألسنتَنا بالكلام الطيب، وقلوبنا بغَسلِها مِن الأضغان والأحقاد والشَّحناء والبغضاء؛ فيجب اليوم أن تتواصَلَ أرحامُنا، وتتقارَب قلوبُنا؛ هذا هو جوهر العيد في الإسلام
فلنغتنم هذه الفرصة، ولتجدد المحبة وتحل المسامحة والعفو محلّ العتب والهجران مع جميع الناس، من الأقارب والأصدقاء والجيران.
والسؤال الذي يطرح نفسه في ساحة العيد بالذات: القلوب المتنافرة أما آن لها أن تتصافح؟! أما زالت مصرة على معاندتها للفطر السوية؟! أما زال الكبر يوقد ضرامها ويشعل فتيل حقدها؟! ألا يمكن أن ينجح العيد في أن يعيد البسمة لشفاه قد طال شقاقها؟! إن هذه القلوب يُخشى عليها إن لم تُفلح الأعياد في ليّها للحق فإن لفح جهنم قد يكون هو الحل الأخير القادر على كسر مكابرتها ولي عناقها.
إلى متى هؤلاء يصمّون آذانهم عن قول رسول الهدى: "هجْر المسلم سَنَةً كسفك دمه"، وقوله: "تُعرض الأعمال على الله كل اثنين وخميس إلا المتخاصمَيْن، فيقول الله: أنظروا هذين حتى يصطلحا"؟!.
وإن لم يُفلح العيد في تحليل صلابة هذه القلوب فوعيد الله تعالى غير بعيد حين قال في كتابه الكريم: ﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ﴾ [محمد: 22-23].
عَافِيَتُنَا تَكُونُ في غَيْرَتِنا على بَلَدِنَا مِنْ تَحوُّلِهِ إِلى الأَسْوأِ، أو مِنَ صُوَرِ التَّفَتُّحِ التي يُفْتَحُ مَعَها أبواباً مِنَ التنازلاتِ وتَرْقِيْقِ المحرَّمَاتِ، فَمِنَ العَافِيَةِ الاحتسابُ وَالنَّصِيْحة، والأمْرِ بالمعروفِ والنَّهْيِّ عن المنكرِ، وَإلَّا نَفْعَلْ فَالْبَلاءُ مُنْتَظَرْ، ( أنهلِكُ وَفِيْنَا الصَّالحونَ؟ قال: نَعَمْ إِذا كَثُرَ الخَبَثُ).
عَافِيَتُنَا تَكونُ بِإِبْرَازِ عَظَمَةِ الْإِسْلَامِ وَتَشْرِيعَاتِهِ وَعَدْلِهِ وَحِفْظِهِ لِلْحُقُوقِ، فِي وَقْتٍ نَرَى الِانْبِهَارَ بِالْقِيَمِ الرَّنَّانَةِ المَسْتَوْرَدَةِ.
وَتُطْلَبُ عَافِيَتُنَا بِالْحِفَاظِ عَلَى أَمْنِ الْبَلَدِ حِسِّيًّا وَفِكْرِيًّا مِنْ تَيَّارَيْنِ مُتَبَاعِدَيْنِ:
تَيَّارٌ غَالٍ مُكَفِّرٌ، سَفِيهٌ مُفَجِّرٌ، تَجَاوَزَتْ مُوبِقَاتُهُ وَضَلَالَاتُهُ كُلَّ حَدٍّ وَحُدُودٍ.
وَآخَرُ جَافٍ مُنْهَزِمٌ، عَاقٌّ لِتُرَاثِهِ، زَاهِدٌ فِي أَصَالَتِهِ، لَدَيْهِ مُشْكِلَةٌ مَعَ الشَّرِيعَةِ، وَمُعْضِلَةٌ مَعَ النُّصُوصِ،فَهُوَ إمَّا مُشَكِّكٌ فِي ثُبُوتها، أو ساَعٍ لِعَلْمَنَتِها، وَتَحْرِيْفِهَا عنْ مَعَانِيْها.
وَضَاعَ الِاعْتِدَالُ بَيْنَ هَذِيْنِ الطَّرَفَيْنِ المتَطَرِّفَيْنِ: طَرَفٍ دَاعِشِيٍّ يُكَفِّرُ مَنْ يَقِفُ حِيَالَهُ، وَآخَرَ ليبرالي مَوْتُورٍ يُدَعْشِنُ مَنْ يَتَصَدَّى أَمَامَهُ..
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ.
اللهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، وَالْحَمْدُ للهِ كَثِيرًا، وَسُبْحَانَ اللهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا.
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ...








الخطبة الثانية :
الحمدُ للهِ كثيرًا، واللهُ أكبرُ كبيرًا؛ أفرحَنَا بالعيدِ، ورزقَنَا الجديدِ، ومتعَنَا بالعيشِ الرغيدِ؛ فلهُ الحمدُ لا نحصي ثناءً عليهِ كما أثنى هوَ على نفسِهِ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ؛ جعلَ العيدَ منْ شعائرِهِ المعظمةِ: ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾ [الحج: 32].

وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ؛ صلى اللهُ وسلمَ وباركَ عليهِ وعلى آلِهِ وأصحابِهِ وأتباعِهِ إلى يومِ الدينِ.
اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، لا إلهَ إلا اللهُ، واللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، وللهِ الحمدُ.
معشر المسلمين: أما وقد انتهى رمضان فإن المؤمن عُمُرُة كلُه عبادة, ومادام النفس يتردد فهو لربه يتعبد, وما رمضان إلا موسم مضاعفة ومحطة استزادة, وما زلنا في الطريق الذي ينتهي بحلول الأجل.
يا من عمرتم المساجد في رمضان صلاة وقياماً, يا من تقلبتم في الطاعات ليلاً ونهاراً, حزتم كنوزاً فعليها فحافظوا.
أيها المؤمنون: عشنا مع كتاب الله أوقاتاً رائعة, فدم عليه, ولا تنقطع , فالحرمان أن تعود بعد رمضان لهجر القرآن
الصدقات والإنفاق, موسمها كل آن, فدم على السخاء والبذل زكاةً وتطوعاً
الصيام نافلة يباعد المولى بها العبد سبعين خريفاً عن النيران, فطوبى لمن خرج من رمضان وقد عزم على أن يكون له عبادات يداومها, وقرباتٍ يفيء لها, وأحب العمل أدومه وإن قل .
معشر المسلمين : أحسن الظن بربك أن أعتق من النار رقبتك, فلا تعد لتوبقها في النار كرة أخرى, أحسن الظن به أن قد أنار قلبك فلا تطفئه بالأوزار تارة أخرى, فالتحدي يبدأ اليوم, حين يقلّ المعين على الطاعة, وينتهي شهر العبادات الجماعية, وينطلق الشياطين, فاستعن بالله وسله التوفيق, والعصمة, والدنيا كلها ابتلاء, ويوشك المرء أن يترحل عنها, فطوبى والله لمن صابر نفسه عن المحرمات, وجدّ في الطاعات, فذاك هو التوفيق الحقيقي.
أيتها المرأة المسلمة: يا ابنة الإسلام يا من تنتسبين لأشرف الأديان وخير الرسل, لا تظني المجد والشرف حكراً على الرجال, ولا نفع الأمة من خصوصياتهم وحدهم, كلا, بل المسلمون اليوم هم إلى المرأة المتمسكة بدينها أحوج ما يكونون
كوني قدوة في مجتمعك مؤثرة في عائلتك داعية بقولك وفعالك, الجيل يتخرج على يديكِ والأزواج لك عليهم التأثير الكبير فما هو أثرك على الجميع في استصلاحهم.
اغرسي الخير دعوة ومناصحة توجيهاً وتربية تجدين ذلك يوم تنشر الدواوين
أيتها الفاضلة: الرهان عليك كبير, ومكر الأعداء مستطير, وكل هذا يبوء بالفشل حين تعيشين في الدينا صالحة مصلحة, صالحة في نفسك, مصلحة لذريتك ومجتمعك, والأمر ليس إلا كلمة نصح تقدميها, وتذكير تسدينه, وتعليم للجيل توجهينه
أختنا الموفقة: يحدثونك عن حرية المرأة ولا حرية ولا عزّ للمرأة أفضل من عبوديتها لله, ولا ذل ولا تخلف أشد من تركها لأوامر الدين.
أيتها المؤمنة: الذي أمر الرجال بغض البصر أمرك بذلك, وفي زمن التقنية الحديثة انفتحت أبواب للنظر لا حصر لها, وكم جرّ التساهل فيها من شرور, فإذا أردت أن يسلم لك قلبك, فغضي البصر عما حرم الله, وإذا أردتي أن تكون مرتاحة البال فغضي البصر عما لا ثمرة منه من تتبع تفاصيل حياة فلانة وفلان, فذاك فوق أن يشغل ويلهي, يضعف القناعة فيما رزقتِ من نعم, ومن فقد القناعة في نعمه فقد السعادة من حياته
أيتها الموفقة: المتمسكة بعبائتها, وعفتها, وأخلاقها, وحيائها, وشرفها, لن نقول بأنها قابضة على الجمر, , ولكن نقول بأنها قابضة على شرف الدنيا وشرف الآخرة.
أمة الإسلام: حينما خاطب النبي ; الصحابيات في خطبة العيد ويوم الفرح قائلاً لهن: " تصدقن فإنكن أكثر أهل النار" بيّن لهن سبب ذلك وأنه اللسان, فقال" تكثرن اللعن وتكفرن العشير" فلسان المرأة أخطر عليها من كل شيء, ربما كانت مصلية صائمة, لكنها تهدم كل ذلك بلسانها, بالغيبة تارة, والسخرية والتنقص تارة, والتطاول على الزوج تارة, وغير ذلك, فصوني لسانك عما يسوء, وأطلقيه فيما يُحمد
ولقد اختصر الرحيم ; طريق النجاة في أربع خصال " إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحفظت فرجها وأطاعت زوجها دخلت الجنة" فاعرضيها على نفسك كل يوم, وحذار أن تقصري في أي منها, لتستنقذي نفسك من النار.
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: الْيَوْمَ عِيدُنَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ، وَهُوَ يَوْمُ الْفَرَحِ بِأَدَاءِ الصِّيَامِ، فَلْنُظْهِرِ الْفَرَحَ وَالسُّرُورَ فِيهِ، وَلْنَنْشُرِ الْبَهْجَةَ بِهِ فِي بُيُوتِنَا وَأُسَرِنَا وَمُجْتَمَعِنَا؛ فَإِنَّ الْفَرَحَ بِهِ مِنْ شَعَائِرِهِ. لِنَبَرَّ فِي عِيدِنَا وَالِدِينَا، وَلْنَصِلْ أَرْحَامَنَا، وَلْنُكْرِمْ جِيرَانَنَا، وَلْنَلْتَزِمْ فِي فَرَحِنَا بِشَرْعِ رَبِّنَا، فَلَا نُجَاوِزْ ذَلِكَ إِلَى المُنْكَرَاتِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ مُفْسِدٌ لِفَرَحِ الْعِيدِ، مُوجِبٌ لِسَخَطِ رَبِّنَا سُبْحَانَهُ، مُنَافٍ لِشُكْرِهِ عَزَّ وَجَلَّ.

وَلْنَتَذَكَّرْ فِي عِيدِنَا إِخْوَةً لَنَا تَسَلَّطَتْ عَلَيْهِمْ قُوَى الشَّرِّ وَالطُّغْيَانِ فَأَخْرَجَتْهُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ، وَسَلَبَتْهُمْ أَمْنَهُمْ وَرَاحَتَهُمْ، فَهُمْ بَيْنَ قَتِيلٍ وَشَرِيدٍ وَطَرِيدٍ وَأَسِيرٍ، فَرَّجَ اللهُ -تَعَالَى- كَرْبَهُمْ، وَخَذَلَ أَعْدَاءَهُمْ. فَلْنَخُصَّهُمْ فِي عِيدِنَا بِمُوَاسَاتِهِمْ وَالدُّعَاءِ لَهُمْ.

وَلْنُتْبِعْ رَمَضَانَ بِصِيَامِ سِتَةِ أَيَامٍ مِنْ شَوَالَ، فَإِنَّ مَنْ صَامَهَا مَعَ رَمَضَانَ كَانَ كَمَنْ صَامَ الدَّهْرَ كُلَّهُ؛ كَمَا جَاءَ فِي الحَدِيثِ الصَحِيحِ.

وبعد معاشر المسلمين: فقد كان من سنة المصطفى عليه السلام أنه إذا أتى من طريق رجع من طريق آخر فليتحر المرء تطبيقها, ويقرر أكثر العلماء أن من لم يخرج زكاة الفطر قبل الصلاة تعين عليه إخراجها وهو آثم إن كان التأخير بلا عذر, فامضوا اليوم لعيدكم وافرحوا بيومكم, وحق لكم أن تفرحوا وقد اصطفاكم ربكم من بين الناس فجعلكم مسلمين, وأمد في أعماركم فبلغكم تمام الشهر وأنتم سالمين,
عباد الله
لقد رأيت في بعض الناس وقوعا في ما حرم الله وذلك بالتحاكم إلى مذاهب القبائل وأعرافها وذلك إما لجهل منهم أو هربا من شرع الله فاسمع رعاك الله لما
قاله العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله في رسالة له بعنوان : " حكم التحاكم إلى العادات والأعراف القبلية
من عبد العزيز بن باز إلى من يطلع عليه من المسلمين ، وفقني الله وإياهم لمعرفة الحق واتباعه آمين .
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته . . . . أما بعد .
ولوجوب النصيحة لله ولعباده أقول وبالله التوفيق :
يجب على المسلمين أن يتحاكموا إلى كتاب الله ، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في كل شيء ، لا إلى القوانين الوضعية والأعراف والعادات القبلية . قال الله تعالى : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالا بَعِيدًا )
وقال تعالى : أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) .
فيجب على كل مسلم أن لا يقدم حكم غير الله على حكم الله ورسوله كائنا من كان ، فكما أن العبادة لله وحده ، فكذلك الحكم له وحده ، كما قال سبحانه : ( إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ ) .
فالتحاكم إلى غير كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم من أعظم المنكرات ، وأقبح السيئات ، وفي كفر صاحبه تفصيل عند العلماء ، قال تعالى : ( فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) ؛ فلا إيمان لمن لم يحكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم في أصول الدين وفروعه ، وفي كل الحقوق ، فمن تحاكم إلى غير الله ورسوله ، فقد تحاكم إلى الطاغوت.
وعلى هذا يجب على مشايخ القبائل ، ألا يحكموا بين الناس بالأعراف التي لا أساس لها في الدين ، وما أنزل الله بها من سلطان . . بل يجب عليهم أن يردوا ما تنازع فيه قبائلهم إلى المحاكم الشرعية ، ولا مانع من الإصلاح بين المتنازعين بما لا يخالف الشرع المطهر ، . لقوله صلى الله عليه وسلم : ( الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا حرم حلالا أو أحل حراما ) ، كما يجب على القبائل جميعا ألا يرضوا إلا بحكم الله ورسوله .... " انتهى من "مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز" (5/142).
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابتِه الغُرِّ الميامين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمُسلمين، وأذِلَّ الشركَ والمُشركين، ودمِّر أعداءَ الدين، واجعَل هذا البلدَ آمنًا مُطمئنًّا، وسائرَ بلاد المُسلمين.
اللهم آمِنَّا في أوطانِنا، وأصلِح إمامنا وولي أمرنا، اللهم وفِّقه لهُداك، واجعَل عملَه في رِضاك، اللهم وفِّقه ونائبَيه لما فيه صلاحُ العباد والبلاد، واسلُك بهم سبيلَ الرشاد.
اللهم أصلِح أحوالَ المُسلمين في كل مكان، اللهم اجمَعهم على الهُدى والسنَّة، اللهم احقِن دماءَهم، وآمِن روعاتهم، واحفَظ دينَهم وأعراضَهم وأموالَهم وديارَهم، اللهم انصُر المُستضعَفين من المُسلمين في كل مكان.
اللهم انصُر دينَك وكتابَك وسُنَّة نبيِّك وعبادَك المؤمنين، اللهم عليك بأعداء الدين فإنهم لا يُعجِزونك.
اللهم ادفع عنا الغلا والوبا، والرِّبا والزِّنا، والزلازِل والمِحَن، وسُوءَ الفتن ما ظهرَ منها وما بطَن.
اللهم اغفِر ذنوبَنا، واستُر عيوبَنا، ويسِّر أمورَنا، وبلِّغنا فيما يُرضِيك آمالَنا، واغفِر لنا ولوالدِينا ووالدِيهم وذُرِّيَّاتهم، وأزواجنا وذُرِّيَّاتنا إنك سميعُ الدعاء.
اللهم تقبَّل صيامَنا ودُعاءَنا وصالحَ أعمالنا، وثبّشتنا على الحقِّ والهُدى، يا أرحم الراحمين.
سبحان ربِّك ربِّ العزَّة عما يصِفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

المشاهدات 1302 | التعليقات 2

هذه خطبة جمعتها من عدة خطب


مرفق ملف وورد

المرفقات

https://khutabaa.com/wp-content/uploads/attachment/7/3/3/خطبة%20عيد%20الفطر%201437هه.docx

https://khutabaa.com/wp-content/uploads/attachment/7/3/3/خطبة%20عيد%20الفطر%201437هه.docx