خُطْبَةُ عِيد الْفِطْرِ لعام 1446هـ
أ.د عبدالله الطيار
الحمدُ لله الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ، أحْمَدُهُ سبحَانَهُ أهْلُ الْفَضْلِ والآَلاءِ، المسْتَحِقّ لجَوَامِعِ الْحَمْدِ والثَّنَاءِ، وأشهدُ ألّا إلهَ إلّا اللهُ، وحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وأشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ ورسُولُهُ صَلَّى اللهُ عليْهِ وعَلَى آلِهِ وأَصْحَابِهِ أمَّــا بَــــــــعْـــــــــــدُ:
فاتقوا الله عِبَادَ اللهِ، وافْرَحُوا بِمَا آَتَاكُمْ، واشْكُرُوهُ عَلَى مَا أَوْلَاكُمْ، وكَبِّرُوا اللهَ عَلى مَا هَدَاكُمْ، اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ.
أيُّهَا المُسْلِمُونَ: بُشْرَاكُمُ اليَوْمَ عِيدُكم، وشَعِيرَةُ دِينِكُم، وشَرِيعَةُ رَبّكِمْ، يَوْمٌ يُوَفَّى الصَّائِمُونَ أُجُورَهُمْ، وَيُلَبُّونَ نِدَاءَ رَبِّهِمْ، وَيَخْرُجُونَ لِصَلاةِ الْعِيدِ، بِوُجُوهٍ مُسْفِرَةٍ، ضَاحِكَةٍ مُسْتَبْشِرَةٍ، وَنُفُوسٍ مُقْبِلَةٍ، مُطْمَئِنَّةٍ آَمِنَةٍ، وقُلُوبٍ وَجِلَةٍ، تَرْجُو الأَجْرَ، وَتَرْنُو الْفَضْلَ، فَهَنِيئًا لكُم إِتْمَامَ شَهْرِ رَمَضَان واسْأَلُوا ربَّكُم المزيدَ مِنَ الْفَضْلِ والإِنْعَامِ، وأَبْشِرُوا بِسَعْيٍ مَشْكُورٍ، وَأَجْرٍ مَوْفُورٍ، قَالَ تَعَالى: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) البقرة: [185]. اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، لا إله إلا اللهُ، اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، وللهِ الحمدُ، اللهُ أكبرُ كبيراً، والحمدُ للهِ كثيراً، وسبحانَ اللهِ بكرةً وأصيلاً.
أيُّهَا المؤمنونَ: اعلموا -رعاكم الله- أنَّ مَنْ تَرَخَّصَ بِالْفِطْرِ في رمَضَانَ لِعُذْرٍ، فَالْوَاجِب عَلَيْهِ المُبَادَرَةُ بِالْقَضَاءِ؛ فَإِنَّهُ لا يَدْرِي مَا يَعْرِضُ لَهُ.
عباد الله: وممّا يشرعُ للمسلمِ بعدَ رمضانَ صِيَامُ ستَّةِ أيَّامٍ مِنْ شَوَّال، قالَ النبيُّ ﷺ: (مَن صامَ رَمَضانَ ثُمَّ أتْبَعَهُ سِتًّا مِن شَوَّالٍ، كانَ كَصِيامِ الدَّهْرِ) أخرجه مسلم (1164). ويجوز صيامُهَا متفرِّقَة ومتتابِعَة، ويُقَدَّمُ قضاءُ رمضانَ على صيامِ السِّتِّ من شوال، إلا إذا خَشِيَ انقضاءَ شَوَّال، كمَا لا يجوزُ الجمعُ بينَ نِيَّةِ الْقَضَاءِ والسِّتِّ مِنْ شَوَّال في يوْمٍ وَاحِدٍ.
أيُّهَا المُسْلِمُونَ: اعْلَمُوا أَنَّ يَوْمَكُمْ هَذَا شَعِيرَةٌ من شَعَائِرِ اللهِ عزَّ وجلَّ، قالَ تعالَى: (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ) الحج: [32] فَاجْعَلُوا مِنْ يَوْمِ عِيدِكُم عِبَادَةً لِرَبِّكُمْ، قالَ سُبْحَانَهُ: (لِّكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ) الحج: [67] وقالَ النبيُّ ﷺ: (إنّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا، وإنّ عِيدَنا هذا اليَوْمُ) أخرجه البخاري (3931) فأظْهِرُوا الْبِشْرَ والسُّرُورَ، وبُثُّوا الْفَرْحَةَ فِي الدُّورِ، وكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا، وعَلَى الْحَقِّ أَعْوَانًا، واسْتَبْشِرُوا خَيْرًا وأَحْسِنُوا الفَال، وأعْلِنُوا الْحَفَاوَةَ والاحْتِفَالَ، وكَبِّرُوا اللهَ عَلى كُلِّ حالٍ، اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، لا إله إلا اللهُ. اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، وللهِ الحمد.
أيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: إنّ عِيدَكُمْ دِينٌ وعِبَادَةٌ، وذِكْرٌ وتَكْبِيرٌ، وَصَلَاةٌ وصِلَةٌ، وشُكْرٌ للهِ عزَّ وجَلَّ عَلى تَمَامِ الْمِنَّةِ، وكَمَالِ النِّعْمَةِ، ومَظْهَرٌ مِنْ مَظَاهِرِ التَّكَافُلِ والتَّآَخِي، فَاجْعَلُوهُ كَمَا أَرَادَهُ اللهُ عزَّ وجلَّ، ولا تَجْعَلُوا عِيدَكُمْ مَوْسِمًا لانْتِهَاكِ الْمُحَرَّمَاتِ، ومِعْوَلًا لِهَدْمِ الْحَسَنَاتِ، والانْغِمَاسِ في المُبَاحَاتِ، والقعودِ عن الصَّلَوَاتِ، واحْذَرُوا أَنْ تُقَابِلُوا نِعْمَةَ إِتْمَامِ رَمَضَانَ بالوقوع في الآثَامِ، ففي السُّنَنِ أّنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا، فَقَالَ: مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ؟ قَالُوا: كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (إنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُم بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا، يَوم الأضحى، ويوم الفطرِ) أخرجه أبو داود (1134) وصححه الألباني.
عِبَادَ اللهِ: ولا يكون العيدُ عيدًا إلا بتَطْهِيرِ الْقَلوبِ مِنْ الآفَاتِ، وإِصْلاحِ مَا فَسَدَ مِنْ الْعَلاقَاتِ، وإِغْلاقِ مَدَاخِلِ الشَّيْطَانِ، وجَعَلَ الْخِلافَاتِ والنِّزَاعَاتِ فِي طَيِّ النِّسْيَانِ، فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ، وابْدَأُوا بِأَرْحَامِكُمْ، واعْفُوا واصْفَحُوا، فَمَنْ عَفَى وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلى اللهِ ومَا زَادَ اللهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إلا عِزًّا، واجْعَلُوا الْيَوْمَ عِيدًا للتَّوَاصُلِ والتَّكَاتُفِ، والتَّآخِي والتَّآلُفِ، وإيَّاكُمْ والْقَطيعَة فِي يَوْمِكُمْ هَذَا، فَقَطِيعَةُ الرَّحِمِ إِفْسَادٌ فِي الْأَرْضِ، واللهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينِ.
أيها المؤمنون: اعلموا أنَّ فَرْحَةَ الْعِيدِ لا تَكْتَمِلُ إلا بِوَطَنٍ سَالِمٍ، وأَمْنٍ وَارِفٍ، وَوَحْدَةٍ صَلْبَةٍ تَتَهَشَّمُ عَلَيْهَا أَمَانِي المتَرَبِّصِينَ، وأطْمَاعَ الْحَاقِدِينَ، فاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا، وَأَدُّوا شُكْرَ هَذِه النِّعْمَةِ بِالالْتِفَافِ حَوْلَ وُلَاةِ الْأَمْرِ، والْعُلَمَاءِ، ومحبتهم، والدُّعَاءِ لَهُمْ، والذَّبِّ عَنْهُمْ، وجَمْعِ الْقُلُوبِ عَلَيْهِمْ.
ومما يذكر فيشكر، ما نلحظه من خدمات فائقة ومميزة في الحرمين الشريفين من تنظيم الحشود، وتنظيم التفطير، والاعتكاف، وما يقدم للمعتكفين من خدمات مجانية، فرح بها الجميع. اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، لا إله إلا اللهُ. اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، وللهِ الحمد.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَة:
الحمدُ للهِ حقَّ حَمْدِهِ، والشُّكْرُ لَهُ على آَلائِهِ ونِعَمِهِ، وأشهدُ ألّا إلهَ إلّا اللهُ، وحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وأشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ ورسُولُهُ صَلَّى اللهُ عليْهِ وعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، أما بعد: فاتقوا الله عباد الله والْتَفُّوا فِي هَذَا الْيَوْمَ حَوْلَ الآَبَاءِ والأُمَّهَاتِ، وَوَسِّعُوا على الْأَهْلِ والْعِيَالِ دونَ إِسْرَافٍ أَوْ تَبْذيرٍ، وصِلُوا الإِخْوَةَ والْأَخَوَاتِ، وذَوِي الْقُرْبَى والْجِيرَانَ، وأَظْهِرُوا الْبَشَاشَةَ والْبِشْرَ على صَفَحَاتِ الْوُجُوهِ، ولِينُوا لإِخْوَانِكُمْ، وأَحْسِنُوا إِلَى ضُعَفَائِكُمْ وفُقَرَائِكُمْ، ولا ننسى فئة تقدم خدمات كبيرة للمحافظة وسكانها، وهم عمّال النظافة، فمن حقهم تهنئتهم، وإدخال السرور عليهم، وكذا الخدم في البيوت، وتقديم الهدايا لهم؛ ليفرحوا مع أهل البيت، وابْدَأُوا إِخْوَانَكُمْ بِالتَّهْنِئَّةِ، فقد كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ ﷺ إذَا الْتَقَوْا يَوْمَ الْعِيدِ يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: تقبَّلَ اللهُ مِنَّا وَمِنْكَ) حسن إسناده الألباني في تمام المنة (354)
عباد الله: وكَانَ مِنْ هَدْيِ نَبِيِّكُمْ ﷺ أَنْ يَذْهَبَ لِصَلَاةِ الْعِيدِ مِنْ طَرِيقٍ ويَعُودَ مِنْ طَرِيقٍ آَخَرَ ففي الحديث (كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إِذَا كَانَ يَوْمُ عِيدٍ خَالَفَ الطَّرِيقَ) رواه البخاري (986).
أَسْأَلُ اللهَ عزَّ وجلَّ أنْ يَجْعَلْ عِيدَنَا عيد نَصْرٍ وَتَمْكِينٍ، وأَمْنٍ وَرَخَاءٍ، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ إِلَى رِضَاكَ، وَاجْعَلْ عَمَلَهُمَا فِي رِضَاكَ، اللَّهُمَّ فِي هَذَا الْيَوْم الأَغَرّ الْمَيْمُون اشْفِ مَرْضَانَا، وارْحَمَ مَوْتاَناَ، وَأَجِبْ دُعاءنا، واجْمَعْنَا ووَالِدِينَا وإخواننا، وأخواتنا، وأزْوَاجنا وذُرِّيَّاتنا في جَنَّاتِ النَّعِيم، تَقَبَّلَ اللهُ مِنَّا ومِنْكُم صَالِحَ الْأَعْمَالِ، ورزقنَا وإيَّاكُم الإخلاصَ، وأعَادَ عليْنَا وعليكُم مِنْ بَرَكَاتِ الْعِيدِ، ونَسْأَلُهُ سُبْحَانَهُ مِنْ فَضْلِهِ الْمَزِيد، إنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ مٌجِيبٌ.
الأحد 1 /10/ 1446 هـ