خطبة عيد الفطر لعام 1446هـ مختصرة
عبدالرحمن سليمان المصري
خطبة عيد الفطر لعام 1446هـ
الخطبة الأولى
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالمَيِنَ ، خَالِقُ كُلِّ شَيءٍ وَهَادِيْهِ ، وَرَازِقُ كُلِّ حَيِّ وَكَافِيهِ ، وَجَامِعُ النَّاسِ لِيَومٍ لَا رَيْبَ فِيهِ، شَرَحَ صُدُورَنَا لِتَوحِيدِهِ وَمَعْرِفَتهِ ، وَتَابَعَ عَلَيْنَا بِإِحْسَانِهِ وَنِعَمِهِ ، وَهَدَانَا لِلقِيامِ بِشُكْرِهِ وَعِبَادَتِهِ ، وَتَفَضَّلَ عَلى التَّائِبِينَ بِعَفْوِهِ وَمَغْفِرَتِهِ ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَعَلى آلهِ وَصَحْبهِ وسَلَّمَ تَسلِيماً كَثِيراً ، أمَّا بَعد :
اللهُ أَكْبَرُ ، اللهُ أَكْبَرُ ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ، واللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ ، وَلِلَّهِ الحَمْدُ .
اللهُ أَكْبَرُ عَدَدَ مَا هَلَّ هِلَالٌ وَأَنْوَرَ ، اللهُ أَكْبَرُ مَا لَاحَ الصُّبْح ُوَأَسْفَرَ ، اللهُ أَكْبَرُ مَا أَرْعَدَ سَحَابٌ وَأَمْطَرَ ، اللهُ أَكْبَرُ مَا ذَكَرَ ذَاكِرٌ للهِ وَكَبَّرَ ، اللهُ أَكْبَرُ عَدَدَ مَا تَابَ تَائِبٌ وَاسْتَغْفَرَ ، اللهُ أَكْبَرُ مَا فَرِحَ الصَّائِمُ بِتَمَامِ صَوْمِهِ وَاسْتَبْشَرَ .
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : اعْلَمُوا أَنَّ يَوْمَكُمْ هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ ، وَعِيدٌ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ كَرِيمٌ ، يَوْمُ فَرَحٍ وَسُرُورٍ، وَسَعَادَةٍ وَحُبُورٍ؛ حَرَّمَ الله عَلَيْكُمْ صَوْمَهُ وأَوْجَبَ عَلَيْكُمْ فِطْرَهُ ، تَوَّجَ اللهُ بِهِ شَهْرَ الصِّيَامِ ، وَافْتَتَحَ بِهِ أَشْهُرَ الْحَجِّ إِلَى بَيْتِهِ الْحَرَامِ .
لقد كُنْتُمْ بِالْأَمْسِ من الصَائِمِينَ القَائِمِينَ ، فصُمْتُمْ نَهَارَ رَمَضَانَ صَابِرِينَ ، وَقُمْتُمْ لَيَالِيَهُ مُتَعَبِّدِينَ ، تَرْجُونَ رَحْمَةَ رَبِّـكُمْ وَتَخَافُونَ عَذَابَهُ ، لَهِجَتْ أَلْسِنَتُكُمْ بِذِكْرِهِ ، وتَعَطَّرَتْ أَفْوَاهُكُمْ بِتِلَاوَةِ كِتَابِهِ ، وبَكَتْ عُيُونُكُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ ، وَاطْمَأَنَّتْ قُلُوبُكُمْ بِطَاعَتِهِ ، بُشْرَاكُمْ فَهَذَا يَوْمُ الْجَوَائِزِ ، يَوْمُ إِتْمَامِ الْأَجْرِ لِلْأَجِيرِ ، فَاقْبِضُوا جَوَائِزَكُمْ بِمَغفِرَةِ ذُنُوبِكُمْ ، وقَبُولِ أَعمالِكُمْ ، وشُكْرِ سَعْيِكُمْ، قَالَ صلى الله عليه وسلم :قَالَ اللهُ تَعَالَى فِي الحَدِيثِ القُدْسِيِّ: " لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ " رواه البخاري .
فَهَا نَحْنُ الْيَوْمَ نَفْرَحُ بِفِطْرِنَا، وَنَبْتَهِجُ بِإِتْمَامِ شَهْرِنَا، وَالْفَرَحُ الْأَكْبَرُ حِينَ نَقْدَمُ عَلَى رَبِّنَا ، فَنَرَى مَا أَعَدَّهُ اللهُ
كرامةً لِلصَّائِمِينَ ، قال صلى الله عليه وسلم : "إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ ، يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ "رواه البخاري .
اللهُ أَكْبَرُ ، اللهُ أَكْبَرُ ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ، واللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ ، وَلِلَّهِ الحَمْدُ .
أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ :
لَقَدْ خَلَقَكُمُ اللهُ تَعَالَى لِعِبَادَتِهِ ، وَأَمَرَكُمْ بِإِخْلَاصِ الدِّينِ لَهُ ، فحَافِظُوا عَلَى أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ وَأُصُولِ الْإِيمَانِ ، وَأَعْظَمِهَا بَعْدَ التَّوحِيدِ إِقَامَةُ الصَّلَاةِ ، حَافِظُوا عَليْهَا فِي الجُمَعِ وَالجَمَاعَاتِ ؛ وَأَدُّوهَا بِسَكِينَةٍ وَخُشُوعٍ .
وأَعظَمُ النَّاسِ حَقّاً عَلَيكُمْ بَعدَ حَقِّ اللهِ تَعَالىَ ؛ حَقُّ الوَالِدَينِ ، بِرُّوا بِوَالِدِيكُمْ ، وَأَحْسِنُوا إِلَى نِسَائِكُمْ ، وَصِلُوا أَرْحَامَكُمْ ، وَزُورُوا إِخْوَانَـكُمْ ، وَسَلِّمُوا عَلى جِيرَانَـكُمْ ، وَأَعِينُوا فُقَرَاءَكُمْ .
وَإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْعِبَادَاتِ الَّتِي أُمْرِنَا بِهَا، لَا سِيَّمَا فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ الفَضِيلِ : إِصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ ، وَتَرْكِ التَّشَاحُنِ وَالتَّبَاغُضِ وَالشِّقَاقِ ، قال صلى الله عليه وسلم : " أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ، قَالُوا: بَلَى، قَالَ: صَلَاحُ ذَاتِ البَيْنِ ، فَإِنَّ فَسَادَ ذَاتِ البَيْنِ هِيَ الحَالِقَةُ " رواه الترمذي بسند صحيح.
فالعِيدُ فُرصَةٌ لِلمُسلِمِ في تَصْفِيةِ النُّفُوسِ ، وإِزَالَةِ الشَّحنَاءِ مِنَ القُلُوبِ ، والعَفْوِ عنْ المُسلِمينَ ، قال ﷺ : " وَمَا زَادَ اللهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ ، إِلَّا عِزًّا ، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللهُ " رواه مسلم.
اللهُ أَكْبَرُ ، اللهُ أَكْبَرُ ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ، واللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ ، وَلِلَّهِ الحَمْدُ .
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي مَنَّ عَلَيْنَا فأَفْضَلَ ، و أَعْطَانَا مِنَ بَحْرِ جُودِهِ فَأَجْزَلَ ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَعَلى آلهِ وَصَحْبهِ وسَلَّمَ تَسلِيماً كَثِيراً ،أمَّا بَعد:
اللهُ أَكْبَرُ ، اللهُ أَكْبَرُ ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ، واللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ ، وَلِلَّهِ الحَمْدُ .
أَيَّتُهَا النِّسَاءُ الْمُؤْمِنَاتُ:
شَكَرَ اللهُ سَعْيَكُنَّ ، وتَقَبَّلَ الموْلَى طَاعَتَكُنَّ ، وَجَزَاكُنَّ اللهُ خَيْرَ الجَزَاءِ عَلى خِدْمَتِكُنَّ لِأَهْلِيكُنَّ فِي رَمَضَانَ ، وجَعَلَ اللهُ أَعْلَى الجِنَانِ مَنَازِلِكُنَّ ، أَطِعْنَ اللهَ ورَسُولَهُ ، وأَحْسِنَّ إلى أَزْوَاجِكُنَّ ، ولَا تُرْهِقُوا أَنْفُسَكُنَّ بِالُمقَارَنَاتِ ، وَإِيَّاكُنَّ وَالتَّكَلُّفَ ، فَهُوَ مُنغِّصٌ وَمُشَوِّشٌ لمِـُتعَةِ الحَيَاةِ .
وَلِتَعْلَمْ المَرْأَةُ المُسْلِمَةُ : أنَّ في لُزُومِ الحِجَابِ ، وتَربِيَةِ الأَبْنَاءِ ، والتَمَسُّكِ بِقِيَمِ الدَّينِ القَوِيمِ ، والتَّخَلُّقِ بِأَخْلاَقِ القُرآنِ العَظِيمِ ، والإِحْسَانِ إلى الجِيرَانِ ، عُنْوَانُ الفَلَاحِ في الدُّنيَا والآخِرَةِ ، قال صلى الله عليه وسلم : " إِذَا صَلَّتِ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا، وَصَامَتْ شَهْرَهَا، وحَصَّنَتْ فَرْجَهَا، وَأَطَاعَتْ بَعْلَهَا ، قِيلَ لَهَا: ادْخُلِي مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ " رواه أحمد وحسنه الألباني.
اللهُ أَكْبَرُ ، اللهُ أَكْبَرُ ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ، واللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ ، وَلِلَّهِ الحَمْدُ .
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : إنَّ هَذِهِ النِّعَمَ الرَّبَّانِيَّةِ ، والعَطَايَا الإلهِيَّةِ ، الَّتِي فِيهَا تَتَقَلَّبُونَ ، وَعَلَيهَا تُمْسُونَ وَتُصْبِحُونَ ، وَبِهَا تَغدُونَ وَتَرُوحُونَ ؛ تَوْحِيدٌ وَإِيمَانٌ ، أَمْنٌ فِي الأَوْطَانِ ، وَعَافِيَةٌ فِي الأَبدَانِ ، وَسِعَةٌ فِي الأَرْزَاقِ ، جَمَعَكُمْ رَبُّكُمْ بَعْدَ الفُرْقَةِ ، وَكثَّركُم بَعدَ القِلَّة، وأَغنَاكُم بعدَ العَيْلَةِ، وآمَنَكُم بعدَ الخَوْف؛ نِعَمٌ إلهيةٌ عَظِيمَةٌ ، وشُكْرُ اللهِ تَعَالى ؛ هو الحَافِظُ لِـهَذِهِ النِّعَمِ المَوْجُودَةِ ، وَهُوَ الجَالِبُ لِلنِّعَمِ المـَفْقُودَةِ ، قال تعالى: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾إبراهيم : 7 .
اشْكُرُوا اللهَ عَلَى نِعْمَةِ الإِسْلاَمِ وَتَمَسَّكُوا بِشَرائِعِهِ ، وَتَخَلَّقُوا بِأَخْلَاقِ القُرْآنَ ، وَاهْتَدُوا بِهَدِي سَيِّدِ الأَنَامِ ، وَأَكْثِرُوا مِنْ ذِكْرِ اللهِ وَشُكْرِهِ سُبْحَانَهُ ، وَخَالِقُوا النَّاسِ بِخُلُقٍ حَسَنٍ ، فَمَا مِنْ شَيءٍ أَثْقَل فِي مِيزَانِ العَبْدِ المُؤْمِنِ يَوْم القِيَامَةِ مِنْ حُسْنِ الخُلُقِ .
اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، واللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، وَلِلَّهِ الحَمْدُ.
اللَّهُمَّ أَسْعِدْ في هَذا العِيدِ قُلُوبَنَا، وفَرِّجْ هُمُومَنَا، واشْفِ مَرضَانَا ، وارْحَمْ مَوْتَانَا ، وأَصْلِحْ أَحْوَالَنَا وأَحْوَالَ المُسْلِمينَ فِي كُلِّ مَكَانٍ ، وَعَجِّلْ بِالفَرَجِ لِإِخْوَانِنَا فِي غَزَّةَ .
اللَّهُمَّ وَفِّقْ وَليِّ أَمْرِنَا وَوَليِّ عَهْدِهِ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى ، وَاجْعَلْ بِلَادَنَا بِلَادَ إِيمَانٍ وَأَمَانٍ ، وَرَخَاءٍ وَسَعَةِ رِزْقٍ ، وَاكْفِنَا شَرَّ الْفِتَنَ ، مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ .
اللَّهَمَّ أَعِدْ عَلِينَا العِيدَ أَعْوَاماً عَدِيدَةٍ وَأَزْمِنَةٍ مَدِيدَةٍ ، فِي صِحَّةٍ وعَافِيةٍ ، وَفِي عِزٍّ لِلإِسْلَامِ وَالمُسْلِمِينَ ، وَسَلَامَةٍ وَأَمْنٍ وَطُمَأْنِينَةٍ ، إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٍ.
وصَلِّ اللهم ُوسَلِّم عَلىَ نبَينّا محُمَّدٍ وَعَلىَ آلهِ وَصَحْبِهِ أَجمْعَيِن
وَالحْمَْدُ للهِ رَبِّ الْعَاْلمَيِن
المرفقات
1743245085_خطبة عيد الفطر المبارك 1446.docx
1743245085_خطبة عيد الفطر المبارك 1446.pdf