خطبة عيد الفطر لعام 1445 ( ارفع رأسك )

أحمد عبدالعزيز الشاوي
1445/09/30 - 2024/04/09 12:13PM

الحمد لله الذي أكمل لنا الدين وأتم علينا النعمة ورضي لنا الإسلام دينا ، والحمد لله الذي جعلنا من خير أمة وهدانا إليه صراطا مستقيما ، والحمد لله الذي لم يزل بنا رحيما كريما وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك الله كفى به ربا عظيما حليما واشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفوته من خلقه من كان بالمؤمنين رؤوفا رحيما صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وزوجاته ومن كان على سنته ثابتا ومقيما وسلم تسليما كثيرا والله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا

أما بعد فياأيها المسلمون والمسلمات : اجعلوا بينكم وبين عذاب الله وقاية واتقوا ربكم وقولوا قولا سديدا

ياايها الصائمون والصائمات وياأيها القائمون والقائمات : سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءاً بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم.

سلام عليكم فربكم وعدكم  أني لاأضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض ، وماكان الله ليضيع إيمانكم ، ووعدكم جنته بثمارها وأنهارها وشرابها وحورها وظلالها وآنيتها وعيونها وقال بعدها ( إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا ) فياهنيئا لمن صام وقام إيمانا واحتسابا

هنيئا لكم يوم أن كان شعاركم ( سمعنا وأطعنا ) دعيتم إلى الصيام فصمتم ورغبتم في القيام فقمتم ، عمرتم شهركم بالقرآن وسابقتم إلى البذل في كل ميدان .. هنيئا لكم فأنتم من قدر الشهر قدره وأنتم من ينشد فضله وأجره

هنيئا لكم فقد بعثتم الأمل في النفوس اليائسة وأحييتم التفاؤل في القلوب القانطة.. لقد أظهرتم صورة المجتمع الرائعة وجليتم صفحة الناس الناصعة فيشهد رمضان صورا مشرقة من الخيرية والإيجابية إقبالا على العبادة وتنافسا على البذل والعطاء .. في مشاهد عنوانها ( كنتم خير أمة )

هنيئا لكم أن هديتم لهذا الدين يوم ضلت فئام من البشر عن صراط الله المستقيم ( فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام )  فأي نعمة أعظم، وأي منة أمّن وأفضل من نعمة الهداية ، [هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ المُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ

إنه الإسلام ذلك الدين الذي من تمسك به عز وافتخر ومن جاهد تحت رايته ظفر وانتصر ..

إنه الإسلام دين ولاء وبراء وحب وبغض فهو دين فرق بين الأقربين حينما تفترق العقيدة والمنهج ، كما وحد بين الأبعدين على أسس من العقيدة لا على وطنية ولا قومية ولا عنصرية فهو دين لايقر  بهذه المعايير الهزيلة ويعلن : لافضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى

ارفع رأسك فأنت مسلم والإسلام يمنحك المكانة والكرامة والعزة ( ولله العزة ولرسوله ..

ارفع رأسك فأنت مسلم وبالإسلام كرمك الله حينما فتح لك باب التقرب إليه سبحانه أنى شئت ومتى شئت ولم يحوجك إلى وسطاء يتحكمون في ضميرك ويقفون حجاباً بينك وبين ربك [وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ]

الإسلام دين الواقع والحياة يعامل الناس على أنهم بشر لهم أشواقهم القلبية وحظوظهم النفسية وطبيعتهم الإنسانية فلم يفترض فيهم أن يكون كل كلامهم ذكراً، وكل صمتهم فكراً وكل تأملاتهم عبرة، وكل فراغهم عبادة.

ارفع رأسك فأنت مسلم وحينما أصبحت مسلما فأنت من أمة محمد ﷺ تلك الأمة التي لها من الخصائص ما ليس لغيرها .

قال ﷺ: «إنكم تتمون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله».

وأنت من أمة الوسطية بكل معانيها.

وأنت من الأمة الأقل عملاً والأكثر أجراً ، بل إنك من أمة تؤجر حتى على همها ونيتها ( من هم بالحسنة فلم يعملها كتبها الله له حسنة كاملة

حينما أصبحت مسلما فأنت في عبادة دائما لاتحدك قيود ولا حدود حتى في سلوكك وتعاملاتك وعلاقاتك ( وفي بضع أحدكم صدقة ، وتبسمك في وجه أخيك صدقة وإماطة الأذى عن الطريق صدقة ، وأفضل الصدقات ماتطعمه عيالك

أنت من الأمة الباقية المحفوظة، قال ﷺ سألت ربي ثلاثاً فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة، سألت ربي أن لا يهلك أمتي بالسنة، فأعطانيها، وسألته أن لا يهلك أمتي بالغرق فأعطانيها، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها.

أنت من أمة أراد الله لها اليسر والتخفيف وكره لها العسر

أنت من أمة عفي عنها حديث النفس والوسوسة والهاجس والخاطرة وعفي عنها ما وقعت فيه بسبب الخطأ والنسيان والإكراه

بهذا صحت الأخبار عن النبي المصطفى ﷺ.

ارفع رأسك فأنت مسلم وأنت من أمة لها النصر والتمكين والغلبة إلى يوم الدين، قال ﷺ: «بشر أمتي بالنصر والسناء والتمكين فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة من نصيب».

أنت مسلم والإسلام يحمي عرضك وكرامتك مع حرمة دمك ومالك، فلا يجوز أن يؤذى إنسان في حضرته ولا أن يهان في غيبته سواء كان هذا الإيذاء للجسم بالأفعال أم للنفس بالأقوال، فربما كان جرح القلب بالكلام أشد من جرح الأبدان بالسياط أو السنان.

أنت مسلم وفي الإسلام  كفلت لك الحرية بغير سدود وإنما بحدود تحفظ للفرد دينَه وكرامته، وللمجتمع مبادئه وقيمه، وللأسرة كيانها ولحمتها وخصوصيتها

إن الحرية في الإسلام ليست انفلاتا من الدين ولا أذى للآخرين ولا تهربا من التكاليف ولا تطاولا على أحكام الشريعة ورموز الأمة .. إنها ليست حرية كفر تمارس تحت مسمى حرية الفكر ، وليست منفذا يتسلل منه المنهزمون للطعن في الدين والتشكيك في الثوابت والنيل من رسول الله وصحابته وعلماء الأمة ودعاتها .. إنها ليست مبررا للإلحاد ولا هي حجة للنافرين من الجدية وأخذ الكتاب بقوة إلى مستنقع غثاثة الرخص والتساهل

إن الحرية في الإسلام تعني أن تعبّد نفسك لله وحده في توجهات قلبك وعقائده وفي مسار فكرك ونوازعه وفي أقوالك وأفعالك وفي القوانين التي تهيمن على المجتمع وتسيره ، وإن الحرية في غير الإسلام حرية جوفاء لامعنى لها بل هي العبودية المذلة المهينة ، وإن الخضوع للزعماء والمناهج والقوانين والنظم وما تحبه النفس بعيدا عن تشريع الخالق إنما هي عبودية واي عبودية

في ظل الإسلام قد كفلت معيشتك إما بعمل مشروع، فإن لم يكن للإنسان دخل يكفيه كان على أقاربه الموسرين أن يحملوه ويعينوه [وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ]

وإن لم يكن له أقارب موسرون وجبت كفايته من الزكاة، والزكاة لم تجب لتحقيق الكفاية فحسب للإنسان الفقير، بل لتحقيق تمام الكفاية له ولمن يعول من أهل وأقربين.

هذه معالم من بعض ما أفاء به الإسلام عليك، وتلك ثمار لهذا الدين العظيم والذي هو نعمة ومنة ( اليوم أكملت .. ) ( الله يمن عليكم .. )  فالحمد لله الذي هدانا للإسلام وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، ولولا الإسلام لكنا كالأنعام بل أضل سبيلاً.  .. الله أكبر الله أكبر

 

 

 

 

 

 

 

الخطبة الثانية ... أما بعد

إن هذا الدين الذي ننعم في ظله بالأمن على أعراضنا وعلى ديننا وعلى أخلاقنا وعلى بيوتنا وعلى أموالنا وأنفسنا .. هذا الدين الذي نتفيؤ ظلال مكارمه أمنا في الأوطان وصحة في الأبدان ورغدا في العيش

هذا الدين الذي هو دين الله ولن يقبل سواه

هذا الدين تنقض عراه اليوم بمعاول المنكرات يحملها من يريدون أن تميلوا ميلا عظيما ، وفؤوس المخالفات والتجاوزات وطرح سنابي مدمر يبثه مشاهير زائفون ومشهورات بالتبرج والعري يتاجرن بالأجساد لإفساد العباد والتي تعتبر كسيل العرم يهدم أمن الأمة ورخاءها ويؤذن بعقاب من ربها .. ولاشيء يحد من طوفان الشهوات والشبهات مثل تفعيل الاحتساب ونشر ثقافته وتعليم الناس طرقه ومجالاته وثماره ،

إنه لن تسلم سفينة المجتمع إلا عندما تشعر الأمة كلها بالمسؤولية عن حماية السفينة وتحصينها من الغرق. وحينما تتقبل الأمة هذه الشعيرة وترفع أهلها فالكبر بطر الحق ، وليس من شأن المؤمن أنه إذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم بل هو ممن إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم قالوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون

لايجوز في شرعنا تلك العبارات الدخيلة مثل قولهم للمحتسب: لست وصيا علينا ، أنا حر ، ذهب زمن الوصاية ، لاتتدخل في شؤون الآخرين ، وأمثالها

إنه كما يشاد بمن ينقذ أرواح الناس وأبدانهم فيجب أن يحتفى بمن ينقذ أخلاقهم ودينهم ويحفظ لهم أمنهم ورخاءهم ، إننا نحب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , لأننا نعلم أننا إذا تخلينا عنه حقت اللعنة والصيحة والرجفة , وماتت عمد البقاء وانهارت الخيام , وتزلزلت صوامد البناء , والله يقول في سورة هود: وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون!

إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أمانة في عنق كل مسلم ينتسب لهذا الدين ولو كان ظالماً لنفسه فلو لم يعظ في الناس من هو مذنب فمن يعظ العاصين بعد محمد. وكم علمنا لعصاة مقصرين مواقف في الغيرة للدين ولحرمات المسلمين تبهج النفوس وتسعد القلوب

وختاما يتوجه الحديث إلى تلك النجوم المضيئة .. التي أحيت بخشوعها وخضوعها بيوت الله في رمضان .. إلى المؤمنات الصالحات القانتات اللاتي رسمن بعفافهن وحشمتهن معالم التفاؤل والأمل

ياأيتها المسلمات : ماأجمل مشاهدكن وأنتن تقفن بين يدي الله مصليات داعيات ، والأجمل أن يقترن هذا الخشوع وهذا الخضوع بتعظيم الله وتعظيم أوامره ونواهيه في الأسواق وميادين العمل وفي الأفراح والمناسبات  .. ماأجمل أن تتحول هذا الدموع التي عطرت فرش المساجد إلى وقود يشعل نور الخوف من الله وخشيته ومراقبته ليكون شعار المسلمة أمام كل شبهة وشهوة ( إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم )

ياأيتها المسلمات إني مذكركن أنكن ربان سفينة الأمن الأخلاقي ، ومفتاحها بأيديكن فإما أن تتقين الله وتحفظن تلك السفينة من الغرق أو تسلمنه لدعاة الشهوات لنغرق وتغرقن .. وإنما يغرقها من فتحت للمتسللين من غزاة الأفكار والعقول والأخلاق ثغرات حصنها وأقفال قلعتها فالثبات الثبات أمام طوفان الشهوات والشبهات فثباتكن جهاد وثباتكن عزة وشموخ ، وثباتكن بوابة الدخول إلى جنة الدنيا ونعيم الآخرة

الله أكبر الله أكبر

أيها المسلمون والمسلمات : ماأجمل أن نجعل من عيدنا فرصة للتصافي والتآخي ونزع بذور الشحناء وزرع ثمر الود والإخاء وأن لاندع للشيطان فرصة للتحريش ولنجعل العيد عيدا حينما ننتصر على الهوى ونتغلب على الذات ونرضي رب الأرض والسموات بالتجرد من كل حقد وشحناء وبث روح التسامح والعفو والصفاء.. وما أجمل أن نظهر معالم الأخوة في عيدنا بمد يد العون للمحتاج ورسم البسمة على وجوه البائسين .. وأحسِنوا إلى خدمكم وعمالكم والوافدين إلى بلادكم ..

كونوا مبتهجين ومبهجين واحذروا أن تستحضروا في العيد مؤلم الذكريات والمواقف والمشاهد ومواضيع الخلاف ومحتقنات العلاقات فأنتم في موطن فرح وسعادة .. تزاوروا وتهادوا وتبسموا .. اجمعوا مواجعكم وآلامكم وملامكم وذكرياتكم المحزنة واحفروا بها في مقبرة النسيان .. أهيلوا عليها تراب التغافل والعفو والصفح ( ألاتحبون أن يغفر الله لكم

وفي غمرة الفرح والسرور لاتنسوا إخوة لكم في القبور وآخرين على الثغور وإخوة يصارعون الأمراض والأدواء وآخرين بعيدين يتمنون اللقاء ومضطهدين مشردين في بلاد مسلمة فأظهروا أخوتكم بالدعاء لهم من قلوب مخبتة 0

ولنتذكر في هذا اليوم ماأفاء الله علينا من نعم وما دفع عنا من نقم ولنستعن بنعم الله على طاعته ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم

اسأل الله أن يجعل عيدنا مغفرة وقبولا ، وفوزا ورضوانا وأن يجعل عيدكم سعيدا وأيامكم كلها عيدا ..

 

المرفقات

1712654008_خطبة عيد الفطر 1445 (1).doc

المشاهدات 1418 | التعليقات 0