خطبة عيد الفطر لعام 1445هـ

محمد بن خالد الخضير
1445/09/28 - 2024/04/07 17:42PM

خطبة عيد الفطر لعام 1445هـ

الْحَمْدُ لِلَّهِ الرَّحِيمِ الْغَفَّارِ، الْعَزِيزِ الْجَبَّارِ، مُكَوِّرِ النَّهَارِ عَلَى اللَّيْلِ، وَمُكَوِّرِ اللَّيْلِ عَلَى النَّهَارِ، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ وَأَشْكُرُهُ عَلَى سَابِغِ فَضْلِهِ وَخَيْرِهِ الْمِدْرَارِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ، وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَ بِمِقْدَارٍ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، الْمُصْطَفَى الْمُخْتَارُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ الْأَطْهَارِ، وَصَحَابَتِهِ الْأَبْرَارِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا إِلَى يَوْمِ الْقَرَارِ.

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر الله أكبرُ كبيرًا، والحمدُ لله كثيرًا، وسبحانَ الله بُكرةً وأصيلاً.

مَا أَجْمَلَ صَبَاحَ الْعِيدِ! وَمَا أَسْعَدَ أَهْلَهُ الَّذِينَ أَتَمُّوا الْعِدَّةَ، وَأَخْرَجُوا الْفِطْرَةَ، وَوَدَّعُوا مَوْسِمًا عَظِيمًا مَذْكُورًا، قَدْ أَوْدَعُوا فِيهِ مِنْ حُلَلِ الطَّاعَاتِ، وَالْأَعْمَالِ الصَّالِحَاتِ، فَحُقَّ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَفْرَحَ بِهَذَا وَيَبْهَجَ، وَيَعِجَّ لِسَانُهُ بِالتَّكْبِيرِ وَيَلْهَجَ (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) [يونس: 58].

اللَّهُ أَكْبَرُ؛ جَعَلَ رَمَضَانَ مَوْسِمًا لِلْخَيْرَاتِ، وَاكْتِسَابِ الْحَسَنَاتِ، فَمِنَ الْعِبَادِ مَنْ نَصَبَ فِيهِ الْأَرْكَانَ، وَلَزِمَ الْقُرْآنَ، وَبَذَلَ الْإِحْسَانَ. وَالْيَوْمُ يَوْمُ الْجَوَائِزِ، حِينَ يُوَفَّى الْعَامِلُونَ أَجْرَهُمْ، فَيُغْفَرُ ذَنْبُهُمْ، وَيُقْبَلُ عَمَلُهُمْ، وَيُشْكَرُ سَعْيُهُمْ، جَعَلَنَا اللَّهُ -تَعَالَى- وَالْمُسْلِمِينَ مِنْهُمْ.

اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

عباد الله: كَثِيرًا مَا كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْأَلُ رَبَّهُ إِيَّاهَا، وَكَثِيرًا مَا كَانَ الصَّحَابَةُ-رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- يَسْأَلُونَ نَبِيَّهُمْ مِنَ الدُّعَاءِ فَيُرْشِدُهُمْ إِلَيْهَا.

هِيَ أَعْظَمُ عَطَايَا الْخَالِقِ لِلنَّاسِ، وَهِيَ بَعْدَ التَّقْوَى خَيْرُ لِبَاسٍ.

بِهَا تَصْفُو الْعِبَادَةُ، وَيَطِيبُ الْعَيْشُ، وَتَنْشَرِحُ الصُّدُورُ، وَتَقِرُّ الْعُيُونُ.

مَنْ فَقَدَهَا لَمْ يَطِبْ لَهُ كُلُّ مَوْجُودٍ، وَمَنْ حَازَهَا هَانَ عَلَيْهِ كُلُّ مَفْقُودٍ.

كَمْ تَرَحَّلَ لِأَجْلِهَا المُسَافِرُونَ! وَكَمْ تَضَرَّعَ فِي طَلَبِهَا المُتَوَجِّعُونَ!

جَاءَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ عَلِّمْنِي شَيْئًا أَسْأَلُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ، فَقَالَ: «سَلِ اللهَ الْعَافِيَةَ»، ثُمَّ مَكَثَ أَيَّامًا، ثُمَّ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: عَلِّمْنِي شَيْئًا أَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى، فَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَا عَبَّاسُ، يَا عَمَّ رَسُولِ اللهِ سَلِ اللهَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وصححه الألباني.

اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

الْعَافِيَةُ -يَا أَهْلَ الْعَافِيَةِ- مَعْنًى وَاسِعٌ يَصْعُبُ أَنْ يُحَدَّ، وَصُوَرُهَا تَطُولُ مَعَ الْعَدِّ، فَهِيَ تَشْمَلُ كُلَّ مَا سَلَّمَ الْعَبْدَ فِي أَمْرِ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ.

بَيْدَ أَنَّ الرَّقَمَ الْأَوَّلَ فِي الْعَافِيَةِ هِيَ الْعَافِيَةُ الْعَقَائِدِيَّةُ، المُعَافَاةُ مِنَ الْكُفْرِ الظَّاهِرِ وَضَلَالَاتِهِ، وَالْكُفْرِ الْبَاطِنِ وَنَزَغَاتِهِ.

فَالْحَمْدُ للهِ الَّذِي عَافَانَا وَهَدَانَا لِلْإِسْلَامِ، وَلَمْ يَجْعَلْنَا مُشْرِكِينَ نَعْكُفُ عَلَى وَثَنٍ، أَوْ نَجْثُو لِصَنَمٍ، وَإِنَّمَا جَعَلَنَا مِنْ أُمَّةٍ مُصْطَفَاةٍ مُجْتَبَاةٍ مَرْحُومَةٍ (هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) [الحج: 78].

عباد الله: وَتَبْقَى الْعَافِيَةُ فِي الْبَدَنِ تَاجًا عَلَى الرُّؤُوسِ لَا يَرَاهَا إِلَّا مَنْ فَقَدَهَا، وَقَلِّبْ أَخِي نَظَرَكَ فِي المَشَافِي وَانْظُرْ إِلَى حَالِ المُتَوَجِّعِينَ، وَفِي أَقْسَامِ النَّقَاهَةِ يَرْتَدُّ إِلَيْكَ الطَّرْفُ كَسِيرًا وَهُوَ أَسِيفٌ.

إِنَّ عُضْوًا وَاحِدًا فَقَطْ فِي جَسَدِكَ لَا يُقَدَّرُ بِثَمَنٍ، وَكُلُّ مَسْحَةِ عَافِيَةٍ تَتَنَفَّسُهَا لَا تُقَابَلُ بِوَزْنٍ. عن ابن عمر - رضي الله عنهما-قال:كان من دعاء رسول الله- صلى الله عليه وسلم-:"اللّهُمَّ، إِنًّى أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِك، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتَك، وَفُجَاءَةِ نَقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ ".

اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

وَمِنَ الْعَافِيَةِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ الَّتِي تُبْقِي الْوُدَّ وَالتَّوَاصُلَ: التَّخَلُّقُ بِخُلُقِ التَّغَافُلِ، وَغَضُّ الطَّرْفِ عَنِ الأَخْطَاءِ، وَإِقْفَالُ أَبْوَابِ المُصَادَمَاتِ وَالشَّحْنَاءِ، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: «تِسْعَةُ أَعْشَارِ الْعَافِيَةِ التَّغَافُلُ»، وَيَتَأَكَّدُ التَّغَافُلُ مَعَ ذِي الرَّحِمِ الْقَرِيبِ. اِسْتَعِينُوا بِاَللَّهِ أَنْ يُوَفِّقَكُمْ فِي هَذَا اَلْعِيدِ أَنْ تَكُونُوا مِنَصَّاتٍ لِلْفَرَحِ وَالْبَهْجَةِ لِكُلٍّ مِنْ حَوْلِكُمْ. اِجْمَعُوا مَوَاجِعِكُمْ وَآلَامكُمْ وَمَلَامَكُمْ وَذِكْرَيَاتكُمْ اَلْمُحْزِنَةَ وَاحْفِرُوا لَهَا فِي مَقْبَرَةِ اَلنِّسْيَانِ، أُهِيلُواَ عَلَيْهَا تُرَابُ اَلتَّغَافُلِ وَالْعَفْوِ. تَعَالَوْا بِثِيَابِ جَدِيدَةٍ وَقُلُوبٍ جَدِيدَةٍ لَا تُفْسِدُوا أَعْيَادٌ أَحَبَّتْكُمْ بِالْكَلِمَاتِ اَلثَّقِيلَةِ: لَا نَرَاكُمْ إِلَّا فِي اَلْأَعْيَادِ كَأَنَّنَا لَسْنَا أَقَارِبَ مَا هَذِهِ اَلْقَطِيعَةِ أَشْغَلَتْكُمْ اَلدُّنْيَا وَنَحْوُ ذَلِكَ، اِسْتَبْدِلُوهَا بِالتَّرْحِيبِ وَالِاحْتِفَاءِ وَالتَّعْبِيرِ عَنْ اَلْمَحَبَّةِ وَالِامْتِنَانِ اِجْعَلُوا لِقَاءَكُمْ ذِكْرَى جَمِيلَةً يُحِبُّ اَلْآخَرُونَ أَنْ تَتَجَدَّدَ.

أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ لي ولكم ولجميعِ المسلمينَ من كلِّ ذَنبٍ فاستغفروهُ، إنَّه هو الغفورُ الرحيمُ.

الخطبة الثانية

الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحبّ ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

أَمَّا بَعْدُ عباد الله: اليومُ يومُ فرحٍ وسَعادةٍ، يومُ أُنسٍ وبهجةٍ، فافرَحُوا واسْعَدُوا بيومِكُم، فإنَّ فَرحَكُمْ بهذَا اليومِ عِبادةٌ تُؤجرُونَ عليهَا. اِفرَحُوا بِعِيدِكُم، وَكُلُوا وَاشرَبُوا وَلا تُسرِفُوا، فأَنتُم في عِيدٍ سَعيدٍ بإذنِ اللهِ، اسْعِدُوا أَطفالَكمْ ونِساءَكمْ، ولا تَنسَوا كذَلكَ مَنْ تَحتَ أَيدِيَكُمْ مِنَ الخدمِ والسائقينَ وغيرِهمْ، أَدْخِلُوا عَليهمُ الفرحَ والبهجةَ بهذا العيدِ وأَسعِدُوهُمْ.

أَيَّتُهَا الْأَخَوَاتُ الْمُسْلِمُات: ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ؛ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - قَالَ: «خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ فِطْرٍ أَوْ أَضْحَى- فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ، ثُمَّ أَتَى النِّسَاءَ فوَعَظَهُنَّ وَذَكَّرهُنَّ، وأمَرَهُنَّ بالصَّدَقَةِ»

فَيَا مَنْ جَمَّلَكِ اللَّهُ بِالإِيمَانِ ، وَزَيَّنَكِ بِالتَّقْوَى ، وَحَلَّاكِ بِالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ ، وِالْبُعْدِ عَنِ الْحَرَامِ ؛ كُونِيِ مِنَ الصَّالِحَاتِ، تَذَكَّرِي نِعْمَةَ اللهِ عَليْكِ إذْ جَعَلَكِ مِنْ أَتْبَاعِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كُونِي قُدْوةً، صُونِي بَيْتَكِ وَأَطِيعِي زَوْجَكِ، وَاعْتَنِي بِتَرْبِيَةِ أَوْلاَدَكِ؛ فَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا  ففي الحديث: "إذا صلَّت المرأةُ خمسَها، وصامَت شهرَها، وحفِظَت فرجَها، وأطاعَت زوجَها، قيل لها: ادخُلي الجنةَ من أي أبوابِ الجنة شِئتِ" رواه الإمام أحمد وصححه الألباني.

اللهم إنَّا نسألكَ بركاتِ هذا العيدِ وجوائزه.واجعل عيدَنا فوزاً برضاكَ والجنَّةَ. الَّلهُمَّ اِحْمِ بِلَادَنَا وَسَائِرَ بِلَادِ الإِسْلَامِ مِنَ الفِتَنِ، وَالمِحَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن، اللَّهُمَّ احْفَظْ إِمَامَنَا وَوَلِيَّ أَمْرِنَا خَادِمَ الحَرَمَينِ الشَّرِيفَينِ، وَوَفِّقْهُ وولي عهده لِمَا فِيهِ عِزُّ الإِسلامِ وَصَلاحُ المسلِمِين يَا رَبَّ العَالَمِين.

اللهم من أرادنا وأراد بلادنا بسوءٍ فرُدَّ كيدَه في نحره، واجعل تدبيرَه دمارًا عليه، اللهم انصُر جنودَنا المُرابِطين على ثُغورِنا، وكلَّ رِجال أمنِنا، اللهم احفَظهم بما يحفَظون من بلادِك المُقدَّسة وعبادِك المُؤمنين

اللهم اكتبنا في عداد الصائمين المقبولين، اللهم تقبَّل صيامنا وقيامنا، اللهم أَعِدْ علينا رمضان أعوامًا عديدة، وأزمنة مديدة، ونحن في صحة وعافية وحياة سعيدة، اللهم أحسن فرحتنا بالعيد، وأتممها بالحسنى والمزيد، يا رب العالمين، اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين، ونفس كرب المكروبين، واقض الدين عن المدينين، واشف برحمتك مرضانا ومرضى المسلمين

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار

سبحان ربِّك ربِّ العزة عمّا يصفون،وسلام على المرسلين، والحمد لله ربِّ العالمين

تقبَّلَ اللهُ طاعاتِكم، وكلُّ عام وأنتم بخيرٍ

 

 

المرفقات

1712500929_خطبة عيد الفطر لعام 1445هـ.pdf

1712602666_خطبة عيد الفطر لعام 1445هـ.pdf

1712602671_خطبة عيد الفطر لعام 1445هـ-- نسخة الجوال.pdf

المشاهدات 1289 | التعليقات 0