خطبة عيد الفطر لعام 1436هـ
عبدالرحمن العليان
1437/09/29 - 2016/07/04 03:55AM
بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة عيد الفطر 1436هـ
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الإله الأعلى، خلق الجنة والنار وخلق لكلٍّ منهما أهلا، عدلا منه وامتنانا.
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أكمل الناس إيمانا، وأوسعهم رحمة وإحسانا، أكرم متبوع وأفضل نبي، من اهتدى بهديه فهو المهتدي، ومن رغب عنه فهو السفيه الشقيّ، عليه صلوات الله وسلامه وبركاته، ما تعاقب غداة وأصيل، وما أُروِيَ بعذب سيرته غليل، وما أغيظ بأنوار سنته منافقٌ دخيل، وعلى آله وصحبه الذين اتقوا ربهم فجعل لهم فرقانا، ووهبهم منه رحمة ورضوانا، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين..
الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر، كما هدانا سبلنا، وكما يسّر إكمال عدتنا.. الله أكبر كلما نصبت لعبادته أقدام، والله أكبر كلما يممت وجوه شطر المسجد الحرام، وعدد ما قُصِد مسجدُ سيد الأنام، عليه الصلاة والسلام.
الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا.أما بعد: فيا أيها المؤمنون والمؤمنات: ها قد أصبحتم في يوم عظيم أغر، بعد صيام شهر رمضان الذي كتب الله عليكم صيامه، وسن لكم قيامه؛ فسح في آجالكم فأدركتم موسما عظيما، تقال فيه العثرات، وتغفر الزلات، وتضاعف الحسنات، كيف وأبواب الجنان فيه مشرعة، وأبواب النار مغلقة، وفيه الليلة العظمى التي هي خير من ألف شهر، وقد رجوتم جوادا كريما، إلها برا رحيما، فتح بابه للراغبين، وأظهر غناه للسائلين؛ فأحسنوا الظن؛ فإن الله تعالى عند ظن عبده به.
أيها الناس: تأملوا كيف كان أمر المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها في هذا الشهر المبارك كل عام؟ لتسبروا أحوالَ المجتمعات المسلمة صغيرَها وكبيرَها، وحالَ الأسر والبيوت، بل فلينظر المسلم إلى قلبه الذي في صدره في شهر رمضان.
عجيبٌ ذاكم التراحمُ والتناصر، والإحساسُ بروح الجسد الواحد.. يوصَل كثيرٌ مما قُطع، ويُصلَحُ ما فسد من وُدّ، وتلين قلوبٌ بعد قسوة، وتنقاد أيدٍ إلى الحق.. وتجتمع أسرٌ قد تشتتت وتباعدت، وتعمر مساجد قد هجرت، وتبسط أكف قد قبضت.. إنه شهر البركات والرحمات.. شهر أنزل فيه القرآن فكان للناس هدى وذكرى وعبرة وثباتا وموعظة، وكلما متح الناس من أنهار تبيانه كانوا إلى الحق والخير أدنى، فيهديهم للتي هي أقوم في صغار الأمور وكبارها، فذاكم سِرُّ صلاح حال الناس في رمضان.
إنها عظمةُ هذا الإسلام، دينِ الله الذي ارتضاه لعباده إلى يوم الدين.. شرع الله دين الحق لتشع أنوراه بمبادئَ راسخة، وقيم كريمة، ما لها من أفول يوما من الدهر، ولا تقبل التلون والتبدل، فهي قيم مطلقة، ليس لها إلا ميزان واحد، لا يخضع لمصالح فردية، ولا لجشع نفسي، ولا لطمع يورث ظلما وجبروتا، بل هي مبادئُ الرحمة والعدل واللين والرفق، والحرية المسؤولة، والسلام الحقيقي غير المزيف، وبه يبنى صرحُ الحياةِ الحقةِ المطمئنة: (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم)، ولذا فلم يشهد التاريخُ نظاما أجلَّ ولا أكملَ من نظام الإسلام، ولا أصدقَ في الأنباء، ولا أعدلَ ولا أرحم في الأحكام منه، ولم ير الناس حكما أرأفَ من حكمه، ولا غزاةً أرحم من مسلمين فاتحين قطّ.
كيف ورسول هذا الدين هو محمد بن عبدالله r، الذي زكى البارئ أخلاقه جملة، فقال: (وإنك لعلى خلق عظيم).
بعثه الله من أم القرى، فقلاه أكثر أهله وعشيرته، وآذوه وضيّقوا عليه، فلم يعهدوا عليه كذبا، ولم يحفظوا عليه خيانة ولا غدرا، وظل يدعو إلى ربه، فهل كان معه سوط أو سيف، وهل كان يعطي ذهبا أو فضة أو ملكا؟ كلا.. بل كان ينذر بوحي ربه، فاتبعه بلال الحبشي، وسلمان الفارسي، وصهيبٌ الرومي، وثلة ممن كتب الله لهم السبقَ إلى الإسلام، ثم رغب في نصرته أهل المدينة، دونما رغبة أو رهبة، فهاجر والذين آمنوا معه، وبنى دولة الإسلام، على أجلِّ الأسس، وأعلى المبادئ، فلم يستثن العدل والأمانة والرحمة والرفق في حرب ولا سلم، ولا مع قريب ولا بعيد، ولا صديق ولا عدوّ، ولا في حال غضب ولا رضا، لم يعنف ولم يقبّح، ولم يضرب بيده غلاما ولا امرأة ولا خادما ولا أحدا إلا أن يجاهد في سبيل الله تعالى، وصدق الله: (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ لقلب لانفضوا من حولك)، وشهد بفضله وكماله الحبيب والبغيض، والمؤمن والكافر؛ فالسلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته.
وما أنزل الله كتابه، وأرسل رسوله r، وشرع شرائع دينه إلا لتزكية النفوس وتطهيرها من الرجس ودنيء الأخلاق: (لقد منَّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين)، ولقد علّلَ البشير النذير r بعثته بأوجز عبارة، وألمح إشارة، فقال: (إنما بُعِثتُ لأتمِّمَ صالح الأخلاق)، أخرجه أحمد والبخاري في الأدب المفرد. فلم تشرعِ الصلاة والزكاة والصيام وغيرها إلا لتنهى النفوس عن الفحشاء والمنكر، وتطهرَها من الشح والأنانية، ولخشية الله تعالى في الناس، فمن لم يَدَعْ قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه.
الله أكبر الله أكبر الله أكبر، ما أسلم عبد لربه وأناب، والله أكبر كلما استغفر مستغفر من ذنبه وتاب.
أيها المؤمنون: دين الإسلام هو دين القيم الراسخة، والأخلاق الفاضلة، فلا يصح دين بلا أخلاق، فمن زاد علينا في الخلق؛ زاد علينا في الدين، ولو جمعت أقوال صاحب الرسالة r في شأن الأخلاق لبلغت أسفارا ينوء بحملها المرء ذو القوة، فلقد أخبر - صلوات الله وسلامه عليه - أن أكثر ما يدخل الناس الجنة: تقوى الله وحسن الخلق. أخرجه الترمذي وأحمد.
وحين سئل r عن البر قال: (البر حسن الخلق) أخرجه مسلم في صحيحه, وقال أيضا: (ما من شيء أثقل في الميزان من حسن الخلق) أخرجه الترمذي وابن حبانَ وصححه.
الأخلاق في الإسلام كشجرة طيّبة في تربة الإيمان الطيبة، تسقى بعذب ماء التقوى، لا انفصام لها عن الإيمان، ولا انفكاك لها عن خشية الله ومراقبته؛ ولذا كان أكمل المؤمنين إيمانا أحسنَهم أخلاقا، إذ هي تنبع من القلب، وبقدر التخلي عن تلكم الأخلاق يتسرب الإيمان كما يتسرب الماء من الإناء المثقوب، ولا ينفع جمال الظاهر إذا كان الباطن خربا مظلما؛ إذ جمال الصورة في قبح نفسي كقنديلٍ على قبر مجوسي، ولا ينفع الفتيانَ حسنُ وجوههم إذا كانت الأخلاقُ غيرَ حسان، فمن سر بشجاعته التي يضعها في غير موضعها فليعلم أن الأسد أشجع منه، ومن سر بحمله الأثقال فليعلم أن الحمار أحمل منه، ومن سر بجمال سرباله فليعلم أن الطاووس حين يختال أجمل منه، فأي فخر وأي سرور في صفة يفوقه فيها سبع أو بهيمة أو جماد؟! بل إن المؤمن لا يغتبط إلا بما أبانه الله تعالى به عن الحيوانات العجماوات.
عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: اسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ r ذَاتَ لَيْلَةٍ فَقَالَ: «سُبْحَانَ اللَّهِ، مَاذَا أُنْزِلَ اللَّيْلَةَ مِنَ الفِتَنِ، وَمَاذَا فُتِحَ مِنَ الخَزَائِنِ، أَيْقِظُوا صَوَاحِبَاتِ الحُجَرِ، فَرُبَّ كَاسِيَةٍ فِي الدُّنْيَا عَارِيَةٍ فِي الآخِرَةِ» رواه البخاري.
إن من عبد الله أناسا يظهرون في المجتمع العام بالحرص على أداء بعض العبادات الظاهرة، والمحافظة عليها، عمروا ظواهرهم بأثواب التقى، لكنهم حشوا بواطنهم من الأدغال، يقول أحدهم أمام الناس بلسانه فيخال صديقا صدوقا، خلا وفيا، فإذا تولى فرى الأعراض فري الأديم، وغمز ولمز، ونم وأفسد، فهؤلاء أخطر من يكونون على المجتمع، وهم من عناهم النبي r بقوله: (وتجدون شر الناس ذا الوجهين وذا اللسانين، يأتي هؤلاء بوجه، وهؤلاء بوجه) رواه مسلم، ومنهم معجبون بـأعمالهم وما فعلوه من خير، في حين إنهم لم يبالوا بأمانات خانوها، وأموال بالباطل أكلوها، وأعراض استحلوها؛ فكيف يغتبط من يملك ألفا إذا كان ما عليه من الحقوق والتبعات يزيد على الألفين، وقد نسوا الإفلاس الحيقيقي الذي قال عنه رسول الله r: «إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة، وصيام، وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار» رواه مسلم.
الأخلاق الفاضلة بقاء الأمم، فإن هم ذهبت أخلاقهم من بذل الندى، وكف الأذى فقد ذهبوا، بالأخلاق الفاضلة يسمو المجتمع، وتحفظ كرامة أفراده، وتحفظ الحقوق، وتصلح الأحوال، ويكون النجاح.
أما سوءُ الأخلاق فتفسد العمل كما يفسد الخلّ العسل، إذا تفصَّمت عرى الأخلاق تفكَّك بناء المجتمع، وكان إلى البهيمية أقرب، وعمت العداوات، وغلبت الإحن..
انظروا أجاركم الله إلى هذا العالم المادي، الذي كفر بالله، وارتد عن مبادئ الإنسانية، وأسلم فطرته التي فطره الله عليها إلى الشياطين لتجتالها، كيف انحطَّ إلى حضيض أوهد، وشقاء مؤصد، فلا أخلاق إلا أخلاقُ النفعية والقوة والمادة، وثمَّةَ تخبَّطَتْ تلكم المجتمعاتُ في وضع المبادئ، وسنِّ التشريعات التي تحفظ لها الأخلاق، وما زالت في انحدار كلّما أدبر الزمن، لتشهدَ على نفسها بالتيه أمام التشريعات الإلهية المعجزة..
زعموا تحرير المرأة ولكن من طبيعتها، وأخرجوها من سكنها وطمأنينتها؛ لتشقى فيما لم تخلق له، وتُبتَذَلَ في غير ما يلائمها، وضيَّقُوا الطهر في الزواج، وفتحوا باب الخنا على مصراعيه، فتفككت الأسر، واختلطت الأنساب، وضاع الوفاء، وغُيِّب الحبُّ الحقيقي، وتصدّع بناءُ تلك المجتمعات، وعمّتِ الجرائم، وفشت الأمراض التي لم تكن في الذين مضوا، وبلغ الارتكاس أكبر مبلغ يوم أن ينادى بالشذوذ الجنسي، وتؤسس له الجمعيات والهيآت، ثم يغلب هؤلاء الشذاذ على الأمر فيستصدرون القوانين الرسمية للاعتراف برجسهم، ليهنِّئَ بعضُ كبار القوم بانتصار الشذوذ، وما عقاب الله الذي عاقب به أسلافهم من الظالمين ببعيد.
الله أكبر الله أكبر الله أكبر، ما تليت آيات الكتاب المبين، والله أكبر، (ولله العزة ولرسوله والمؤمنين)، واللهم صل وسلم على المبعوث رحمةً للعالمين.
الخطبة الثانية
الله أكبر الله أكبر الله أكبر، خلق فقدر، وشرع فيسر، والله أكبر، ما انفلق صبحُ عيدٍ وأسفر.. أما بعد فيا أيها المؤمنون:
لقد استبدلت تلكم المجتمعات الكافرةُ الذي هو الأدنى بالذي هو خير؛ وودّت لو سايرَها المسلمون وتسوّلوا على مبادئها الهشة، وأخلاقِها العفنة.. لقد مكرت مذْ أمد بعيد مكرا كبارا لئلا يبقى للمسلمين من الإسلام إلا اسمُه، إن هي اكتفت بذلك، وحاصَرَتِ المسلمين بمعاهدات تحلق الأخلاق كحلق الشعر، وتُوأَدُ من خلالها الفضائل، وعَقَدَتْ لذلكمُ المؤتمراتِ، وأصدرت التقاريرَ والبيانات، وأمدّت بالغيّ فريقًا من الذين اتخذوا من دون الله ورسوله والمؤمنين وليجة، فعاد ألئكم الكارهون يستنبتون في مجتمعاتهم الإسلامية أخلاقا دخيلة، لا تثبت بقدر ما تفسد من الأخلاق الأصيلة، رضعوا من أثداء الغرب حتى ثملوا، فغدوا يطلبون الأخلاق في فلسفات شتى ما لها من قرار؛ فأي فلسفة تلك التي تمثّل الأخلاق عندهم؟! أهي فلسفة اللذة التي نادى بها مسعورون من سدنة الشهوة؟ أم هي فلسفة القوة التي نادى بها جبابرة طغاة؟ أم فلسفة المنفعة والتي دعا إليها أنانيون؟ أم فلسفة حرية الفسوق والعصيان المكرَّهَيْن إلى السف الصالح؟
إنَّ ذلك كلَّه كسرابٍ بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا.
لقد سعى هؤلاء المنافقون سعيا حثيثا كي يميلَ المجتمعُ المسلم ميلا عظيما، وشَرِقوا بكل ما من شأنه بقاءُ صبغة الله وفطرته في نفوس الشباب على وجه أخصّ، فشكَّكوا في مناهج التعليم، وسخروا من محاضنِ التوجيه والدعوة، وقالوا في العلماء والمصلحين قولا عظيما، في حين إنهم يواجهون إقرار الشذوذ في دول الحرية والعدالة كما يزعمون ببرود مريب، لا يستنكرون انتكاس الفطر، ولا يسهمون في تحذير الناشئة من هذا الوباء.
لقد علم هؤلاء وأسيادهم، أن شجرة الأخلاق الباسقة، لا تحرَقُ إلا بشرارةٍ تُقدَح من فتيل الغرائز، فذهبوا كل مذهب في تهوين الاختلاط بين الجنسين وتشريعه، بل وفرضِه واقعا في كل مكان، وإنه لشيء يراد لهذه البلاد المباركة.
وفي مواقع التواصل الاجتماعي، والغرف المغلقة: عشراتُ الآلاف أو تزيد من المعرفاتِ الموجَّهةِ إلى الفتيان والفتيات، برموزٍ تشهد على أصحابها بالخسّةِ والدناءة، يُدعَى فيها إلى الفحشاء واستمرائها، وإلى الشذوذ الجنسي، ومجموعاتٌ يجتمعُ أصحابها على التواصي بالخيانة، وإشاعة الفاحشة، والمجاهرُ يظل مجاهرا بإشاعة المنكر؛ وإن استتر بأسماءٍ وألقاب وهمية، وهو بذلك يضيّق على نفسه عفوَ الله ورحمته الواسعة؛ فكلُّ أمةِ رسولِ الله r معافى إلا المجاهرين، وكان أولى لهؤلاء وأقومَ لو صرفوا هذا الجهد في علم وخير، وتواصٍ بالحق، وتواصٍ بالمرحمة.
وإن الأمانة أيها المؤمنون لتحتم على كل مؤمن بأن يقوم بما أوجب الله عليه من الرعاية والتوجيه وإحياء روح المراقبة في نفوس الناشئة، وأن يحذَر ويحذِّرَ من اتباع سبيل الغاوين، الذين قال الله عنهم :(ألئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا) وقال: (ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم وتوكل على الله)، وأن تُعنى محاضنُ التربية ومنابرُ التوجيه، بالحصانة من الأفكار الهدامة، والأخلاق المستكرهة، وذلكم بإحياء الأخلاق الإسلامية الحقة، والرجوع إلى المنبع الأصيل الذي يهدي إلى سواء السبيل.. وما شرٌّ من أحد الطرفين إلا الآخر، فالغلوّ هو الوجه الكالح المقابل لصفاقة وجه التفريط.. ولقد سُيِّرَ الغلاة الأغرار لضرب بلدانهم، وتفريق صف مجتمعاتهم، فقتلوا أهل الإسلام، وتركوا أهل الأوثان، واستخدموا من قبل الأعداء لإشعال نار الطائفية، وإشغال هذه البلاد، وهي تواجه حربها مع الرافضة المعتدين، ولقد استبانت سبيل الغلاة بما وفق الله له علماء هذه البلاد؛ إذ جلَّوا باطلهم، ودحضوا شبههم، وحذروا منهم أيما تحذير، فلم يتركوا لمغرور بهم تعلة.
الله أكبر الله أكبر الله أكبر، ما أفاض على عباده من خير عميم، والله أكبر، يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
أيها الفرحون بفضل الله:
فضائل الأخلاق صفة راسخة في النفس، تصدر عنها محاسن الأقوال والأفعال، ومن أراد الله به خيرا هداه لأحسنها، والموفق من جاهد نفسه للتخلق بأكملها، فإنما الحلم بالتحلم، كما العلم بالتعلم، ومن يتصبر يصبره الله، ومن يتعفف يعفَّه الله.
يبلغ المؤمن بحسن خلقه درجةَ الصائم القائم، والتحببُ إلى الناس نصف العقل، والصبر على أذاهم والمبادرة بالوصل آيةُ الفضل، ولَكَمِ استعبد الناسَ إحسانُ كريم، وجماعُ الأخلاق في قول الحق سبحانه: (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين).
إذا تخلق أبناء المجتمع المسلم بأخلاق الشيم والإباء تسامحوا، وإذا تسامحوا تواصلوا، وإذا تواصلوا تعاونوا، وإذا تعاونوا عملوا خيرا، وإذا كان ذلك كان النجاحُ والخيرُ وبلوغُ الآمال بعون الله.
تقبل الله منكم، وعيدكم عيد سعيد مبارك..
العيد أسنح مناسبة للعفو والصفح، والرحمة والرفق، والوصل والبر، والبذل والإحسان، عيد سعيد لمن رغب إلى ربه، فتقبله ورحمه، ومبارك على من عزم على الطاعةِ ومواصلة الإحسان، وإدامة الشكر.
لن يكون العيد سعيدا لعاقّ وقاطع، ولن يكون أنسا لمشاء بنيم، وذي ضغينة وحسد لمن آتاهم الله من فضله.
كيف يبتهج بالعيد من عزم على المعاصي، وبيّت ما لا يرضي ربه، في سفر أو إقامة، أو سر أو مجاهرة؟!
أيها المؤمنات:
اتقين الله تعالى، واذكرن ما سمعتن وتليتن من آيات الله والحكمة، وارضين بما شرع الله؛ فإن الله حكيم عليم، تجملن بالتقى والعفاف، واحذرن تهوين الحشمة بتتبع الرخص في الحجاب واللباس، أو كثرة الخروج من البيت لغير حاجة، والإثم ما حاك في النفس وكره المرء أن يطلَّع عليه الناس وإن أفتاه الناس وأفتوه...
تواصين بالحق، وتعاونّ على البر، واملأن المجالس بالذكر والشكر، واملأن بيوتكن عطفا ورحمة، وهدى وصلاحا، وأحطن فلذات أكبادكن بالتربية القويمة، والدعوة الصالحة..
أيها المبتهجون بالعيد: يوم العيد يوم شكر وحمد وثناء على الله تعالى بما هو أهله، حدود الله فيه لا تُتَعدّى، ومحارمه لا تنتهك، ومتى تجاوز الناس حدود الله في أفراحهم فما قدروه حق قدره، ولا شكروه على آلائه، وقد علمتم أنه اجتمع لكم في هذا اليوم عيدان: عيد الفطر، وعيد الأسبوع: يوم الجمعة، فاشكروا لربكم تعالى ولا تكفروه، كما هداكم ويسر إكمالَ العدة لكم.
وهذه هدايات يسيرة بمناسبة اجتماع هذين العيدين:
أولا: أن من شهد هذه الصلاة صلاة العيد أجزأه ذلك عن صلاة الجمعة، والأفضل الأخذ بالعزيمة وأداءِ صلاةِ الجمعة أخذا بقول جمهور العلماء.
ثانيا: أنه يجب على الإمام إقامة صلاة الجمعة ليشهدها من شاء شهودها ومن لم يشهد العيد.
ثالثا: أن من اكتفى بصلاة العيد عن الجمعة وجب عليه أن يصليها ظهرا في بيته، ولا تصلى في المساجدِ غير الجوامع، ولا ينادى للصلاة لها في غير الجوامع.