خطبة عيد الفطر عام 1444
الشيخ نواف بن معيض الحارثي
خطبة عيد الفطر المبارك 1444
يكبرُ (سبعا)
اللـهُ أَكْبَرُ مَا صَدَحَتِ الأَصْوَاتُ بِالتَّكْبِيرِ فِي المَسَاجِدِ، اللـهُ أَكْبَرُ مَا سَبَّحَ للهِ رَاكِعٌ وَسَاجِدٌ، اللهُ أَكْبَرُ مَا اسْـتَبْـشَرَ الصَّائِمُونَ بِعَظِيمِ الأَجْرِ، اللهُ أَكْبَرُ مَا قَامَ المُتَهَجِّدُونَ للـهِ يَرْجُونَ لَيْلَةَ القَدْرِ، اللـهُ أَكْبَرُ مَا تَاقَتْ قُلُوبُ الصَّائِمِينَ لِهَذَا العِيدِ، اللهُ أَكْبَرُ مَا تَنَفَّسَ الصُّبْحُ بِهَذَا اليَوْمِ السَّعِيدِ.
اللهُ أَكبَرُ مِلءَ السَّمعِ رَدَّدَهَا
في مَسمَعِ البِيدِ ذَاكَ الذَّرُّ وَالحَجَرُ
اللهُ أَكبَرُ مَا أَحلَى النِّدَاءَ بها
كَأَنَّهُ الرِّيُّ في الأَروَاحِ يَنتَشِرُ
الْـحَمْدُ للهِ الَّذِي مَنَّ عَلَيْنَا بِإِتْمَامِ شَهْرِ الصِّيَامِ وَقِيَامِهِ، وَجَعَلَ لَنَا عِيدَ الفِطْرِ مِسْـكًا لِخِتَامِ أَيَّامِهِ، نَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ عَلَى تَفَضُّـلِهِ وَإِنْعَامِهِ، وَنَشْكُرُهُ عَلَى تَوفِيقِهِ وَإِكْرَامِهِ، وَنشْهَدُ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، جَعَلَ عِيدَ الفِطْرِ فَرْحَةً لِلصَّائِمِينَ، وَبُشْرَى لِعِبَادِهِ المُتَّقِينَ، وَنشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، سَنَّ العِيدَ لأُمَّـتِهِ، وَأَمَرَهُمْ بِاتِّبَاعِ هَدْيِهِ وَالتَّمَسُّـكِ بِسُنَّتِهِ، صلى الله عليه وسلم صلاة دائمةً لا تنقطع إلى يوم الدين ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحَابَتِهِ الطيبين الطاهرين، وَرَضِيَ اللهُ عَمَّنْ تَبِعَهُمْ بإحسانٍ مَا أَقَرَّتِ الكَائِنَاتُ له بِوَحْدَانِيَّـتِهِ، وَأَذْعَنَتِ المَخْلُوقَاتُ لِرُبُوبِيَّـتِهِ أَمَّا بَعْدُ :
فَيَا عِبَادَ اللـهِ: اتَّقُوا اللـهَ تَبَارَكَ وتَعَالَى، واشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ التِي تَتَرادَفُ عَلَيْكُمْ وَتَتَوالَى، واعرفوا نعمتَه عليكم بهذا العيدِ السعيدِ ، لَقَدْ بَزَغَ فَجْرُ هَذَا اليَوْمِ السعيدِ لِيَرْسُمَ عَلَى مُحَيَّاكُمُ البَهْجَةَ وَالسُّرُورَ، وَيَنْشُرَ عَلَيْكُمْ نَسَمَاتِ الفَرَحِ وَالحُبُورِ، وَيُبَشِّرَكُمْ بِمَا أَعَدَّ اللـهُ لَكُمْ مِنْ عَظِيمِ الأُجُورِ، فَاليَوْمَ عَيْدُ الإِكْرَامِ لِلنُّفُوسِ الطَّائِعَةِ لِرَبِّهَا، المُتَأَسِّيَةِ فِي رَمَضَانَ بِهَدْيِ نَبِيِّهَا e (إنَّ لكل قوم عيدا وهذا عيدُنا)
يومٌ توج اللـهُ به شهرَ الصيامِ وافتتحَ به أشهرَ الحجِّ إلى بيته الحرام ، يومُ بشرٍ وسرورٍ، وفرحٍ وحبورٍ، إنه يومُ الجوائز ، فعن ابنِ عباسٍ يرفَعُهُ قالَ: ( إِذَا كَانَتْ غَدَاةُ الْفِطْرِ بَعَثَ اللَّـهُ الْمَلَائِكَةَ فِي كُلِّ بِلَادٍ، فَيَهْبِطُونَ الْأَرْضَ، فَيَقُومُونَ عَلَى أَفْوَاهِ السِّكَكِ، فَيُنَادُونَ بِصَوْتٍ يُسْمِعَ مَنْ خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا الْجِنَّ وَالْإِنْسَ، فَيَقُولُونَ: يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، اخْرُجُوا إِلَى رَبِّكُمْ رَبٍّ كَرِيمٍ يُعْطِي الْجَزِيلَ وَيَعْفُو عَنِ الذَّنْبِ الْعَظِيمِ، فَإِذَا بَرَزُوا إِلَى مُصَلَّاهُمْ يَقُولُ اللَّـهُ عَزَّ وَجَلَّ لِلْمَلَائِكَةِ: مَا جَزَاءُ الْأَجِيرِ إِذَا عَمِلَ عَمَلَهُ؟ "قَالَ:" فَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ: إِلَهَنَا وَسَيِّدَنَا جَزَاؤُهُ أَنْ تُوَفِّيَهُ أَجْرَهُ "، قَالَ:" فَيَقُولُ: فَإِنِّي أُشْهِدُكُمْ يَا مَلَائِكَتِي أَنِّي قَدْ جَعَلْتُ ثَوَابَهُمْ مِنْ صِيَامِهِمْ شَهْرَ رَمَضَانَ وَقِيَامِهِمْ رِضَايَ وَمَغْفِرَتِي، وَيَقُولُ: عِبَادِي، سَلُونِي، فَوَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَا تَسْأَلُونِي الْيَوْمَ شَيْئًا فِي جَمْعِكُمْ لِآخِرَتِكُمْ إِلَّا أَعْطَيْتُكُمْ، وَلَا لِدُنْيَاكُمْ إِلَّا نَظَرْتُ لَكُمْ انصرفوا مغفورا لكم " رواه الطبراني في معجمه والبيهقي في شعبه وغيرهما .
إنه العيدُ جاء ضيفاً عزيزاً فاكْتُبوا بالمدادِ فيضَ التهاني
أيها المؤمنون: أُولى معانِي العيدِ في الإسلامِ توحيدُ اللـهِ في ألوهيته وربوبيته واسمائِه وصفاته والتوحيدُ هو حق اللـهُ على العبادِ (وما خلقت الجنَّ والإنس إلا ليعبدون) وأصلُ دعوةِ الرسلِ أجمعينَ هي الدعوةُ إلى توحيدِ الله (ولقد بعثنا في كل أمةٍ رسولاً أن اعبدوا اللـهَ واجتنبوا الطاغوت )، فحققوا توحيدَ اللـهِ في حياتِكم تسعدوا في الدنيا والآخرة (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون )
احذروا الشركَ فإنه أكبرُ الآثامِ والجنةُ على صاحبه حرامٌ (إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار ) واحذروا قوادحَ التوحيدِ من السحرِ وغيرها ( ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكون من الخاسرين ) ومن أتى كاهنا أو عرافا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أُنزل على محمد r .
وقرينُ التوحيدِ ( لا إله إلا الله) أن تشهدَ أن محمدا رسولُ الله صلوات الله وسلامه عليه، فحققوها بطاعتِه فيما أمر واجتنابِ ما نهى عنه وزجر وتصديقِه فيما أخبر وألا يعبدَ اللـهَ إلا بما شرع مع محبتِه وتوقيِره، والزموا ما جاءَ به r ، فإنّه لا طريقَ للجنة إلاّ من طريقته، ولا فلاحَ في الدنيا والآخرة إلاّ باتباعه وطاعته (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّـهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) .
اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ ، اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الحَمْدُ (لكل أمة عيدا وهذا عيدُنا)
أيها المسلمون: أوصيكم ونفسي بوصيةِ اللـهِ لخير خلقِه وأتقاهم له (يا أيها النَّبيُ اتق الله) وهي وصيةُ اللهِ للأولينَ والآخِرين (ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله) ، فَتَقْوَى اللهِ جِمَاعُ الخَيْرَاتِ، وَمَنْبَعُ البَرَكَاتِ ، وَهِيَ مَنَاطُ الفَوْزِ فِي العُقْبَى (تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا) فحققوا تقوى الله باتباعه أوامره واجتناب نواهيه (إنما يتقبل الله من المتقين).
إن الصلاةَ عمادُ الدِّينِ وعصامُ اليقينِ، هي ناصيةُ القرباتِ وغُرَّةُ الطاعاتِ وخيرُ الأعمالِ، فرأسُ الأمرِ الإسلامِ، وعمودُه الصلاةُ، فأَدُّوا فَرْضَكُمْ ، وَأَجِيبُوا دَاعِيَ رَبِّكُمْ ، وَلَا تَنْشَغِلُوا عَنْ صَلَاتِكُمْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ ، ولا حظَّ في الإسلام لمن ترك الصلاة (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر).
صوموا شهرَكم ومن أفطر منه وجب عليه أن يقضي عدّة ما أفطر من أيام أُخَر. ومن صام رمضان وأتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر .أَدُّوا زَكَاةَ أَمْوَالِكُمْ ، طَيِّبَةً بِهَا نُفُوسُكُمْ .
لا تتهاونوا في أداء فريضةِ اللـهِ في الحج وأنتم عليه قادرون(وَلِلّـهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)
الأمرُ بالمعروف والنهيُ عن المنكر أصلٌ عظيمٌ من أصولِ الشريعة وركنٌ مشيدٌ من أركانها المنيعة "والَّذي نَفسي بيدِهِ لتأمُرُنَّ بالمعروفِ ولتَنهوُنَّ عنِ المنكرِ أو ليوشِكَنَّ اللَّـهُ أن يبعثَ عليكُم عقابًا منهُ ثمَّ تَدعونَهُ فلا يَستجيبُ لَكُم" الترمذي
اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ ، اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الحَمْدُ (لكل أمة عيدا وهذا عيدُنا)
أيها المؤمنون والمؤمنات: إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ شَعَائِرِ الإِيمَانِ، وَأَوفَرِ حُظُوظِ البِرِّ والإِحْسَانِ، الإِحْسَانَ إِلَى الأَقَارِبِ مِنَ الوَالِدَيْنِ وَالأَزْوَاجِ والإِخْوَانِ، فَإنَّ لِلْوَالِدَيْنِ حَقّاً عَلَى الوَلَدِ عَظِيماً، وفِي عُقُوقِهِمَا خَطَراً جَسِيماً (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً ) (مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ) خ.م .
إِنَّ القِيَمَ وَالأَخْلاقَ الرَّفِيعَةَ هِيَ دَعَائِمُ المُجتَمَعَاتِ الخَيِّرَةِ، وَأَسَاسُ الحَضَارَةِ وَالتَّرَقِّي، وَعَلَى مِقْدَارِ تَمَكُّنِ تِلْكَ القِيَمِ وَتَعَمُّـقِهَا فِي نُفُوسِ النَّاسِ يَكُونُ لِلْمُجتَمَعَاتِ شَأْنُهَا فِي السِّبَاقِ إِلَى الخَيْرَاتِ، وَالمُنَافَسَةِ عَلَى التَّقْوَى وَالقُرُبَاتِ ( وفي ذلك فليتنافس المتنافسون).
وقِيمَةُ كُلِّ فَرْدٍ فِي مُجتَمَعِهِ بِمَا يَتَّصِفُ بِهِ مِنْ أَخْلاقٍ حَمِيدَةٍ، وَآدَابٍ مَجِيدَةٍ، فَالمَرْءُ إِذَا تَخَلَّقَ بِجَمِيلِ الصِّـفَاتِ، وَتَحَلَّى بِكَرِيمِ السِّمَاتِ؛ آتَتْ أَفْعَالُهُ أَعْمَالاً زَاكِيَةً، وَأَقْوَالاً سَدِيدَةً رَاقِيَةً، فَيَكُونُ بَيْنَ النَّاسِ رَيْحَانَةً طَيِّبَةَ الشَّذَا، وَشَامَةً فِي الخَيْرِ سَاطِعَةَ الضِّـيَا، تَرَى فِيهِ جَمِيلَ الخُلُقِ نَيِّرًا بَهِيًّا، وَحُسْنَ الأَدَبِ وَاضِحًا جَلِيًّا، فَهَلاَّ نَتَجَمَّـلُ بِمَكَارِمِ الأَخْلاقِ، فَكَمَالُ إِيْمَانِ المَرْءِ إِنَّمَا يُقَاسُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ، فَقَدْ سُئِلَ النَّبِيُّ e: (أَيُّ المُؤْمِنِينَ أَكْمَلُ إِيْمَانًا؟ قَالَ: أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا).
أَلاَ وَإِنَّ مِنْ أَجَلِّ القِيَمِ وَالأَخْلاقِ-عباد الله- المُرُوءَةَ فِي الحَقِّ، وَالشُّكْرَ عَلَى المَعْرُوفِ، وَالعِفَّةَ عَنِ المَظَالِمِ، وَبَسْطَ الخَيْرِ، وَجَلْبَ المَوَدَّةِ، وَالتُّؤَدَةَ فِي الأُمُورِ، وَالصِّدقَ فِي المُعَامَلَةِ، وَالاستِقَامَةَ فِي السُّلُوكِ، وبذلَ الندى ، وكفَّ الأذى ، وسترَ العيوب، والعفوَ عن الزلل، وحسنَ العشرة، ولينَ الجانب، وبشاشةَ النفسِ وسماحتِها ، وأن تعرفَ لكلِّ ذي حقٍّ حقَه ( ومن حسن إسلامِ المرءِ تركُه ما لا يعنيه) و(المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، والمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللهُ عَنْهُ». خ .م
(إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الحَدِيثِ، ولا تحسَّسوا وَلاَ تَجَسَّسُوا وَلاَ تَنَافَسُوا ، وَلاَ تَحَاسَدُوا، وَلاَ تَبَاغَضُوا، وَلاَ تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إخْوَانًا كَمَا أَمَرَكُمْ. المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ، لاَ يَظْلِمُهُ، وَلاَ يَخْذُلُهُ، وَلاَ يَحْقِرُهُ، التَّقْوَى هاهُنَا التَّقْوَى هاهُنَا» وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ « بِحَسْبِ امْرِىءٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أخَاهُ المُسْلِمَ، كُلُّ المُسْلِمِ عَلَى المُسْلِمِ حَرَامٌ: دَمُهُ، وَعِرْضُهُ، وَمَالُهُ. إنَّ اللـهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَى أجْسَادِكُمْ، وَلاَ إِلَى صُوَرِكُمْ، وَلكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وأعْمَالِكُمْ».
أيها المؤمنون: إِنَّ الـْمَعْصِيَةَ لَمْ تَظْهَرْ فِي قَوْمٍ إِلَّا وَقَدِ اسْتَحَقُّوا بِهَا عُقُوبَةَ اللـهِ، وإن للذنوب أثراً وضررا على الفرد والمجتمع (اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّـهِ وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: «الشِّرْكُ بِاللَّـهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّـهُ إِلَّا بِالحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ اليَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ الغَافِلاَتِ ) خ
إياكم والظلمَ فإنه ظلماتٌ يومَ القيامِة «مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ، فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ اليَوْمَ، قَبْلَ أَنْ لاَ يَكُونَ دِينَارٌ وَلاَ دِرْهَمٌ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ ) خ.
كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ، وَالْبَسُوا مِنْ غَيْرِ مَخِيلَةٍ ، وَاقْصُدُوا الرِّزْقَ الْـحَلَالَ، وَلَا تَتَخَوَّضُوا فِي مَالِ اللَّـهِ بِغَيْرِ حَقٍّ ، وَاحْفَظُوا الْأَمَانَةَ فَفِي تَضْيِيعِهَا نَقْصُ كَرَامَةٍ ، ولا يدخل الجنة قتاتٌ ولا ديوث .
اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ ، اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الحَمْدُ (لكل أمة عيدا وهذا عيدُنا)
أَيُّهَا المُسْـلِمُونَ: إِنَّ التَّارِيخَ يُؤَكِّدُ أَنَّ صَلاَحَ المُجْـتَمَعَاتِ هُوَ فِي تمسكها بدينها ثم بوَحْدَةِ كَلِمَتِهَا، وَاجتِمَاعِ أَمْرِهَا، وَالتِئَامِ شَمْـلِهَا، وَقَدْ حَثَّ القُرآنُ كَثِيرًا عَلَى اجتِمَاعِ الكَلِمَةِ (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا )
إِنَّ وَحْدَةَ الكَلِمَةِ لَها أَثَرُهَا المُبَارَكُ في حفظِ واستقرارِ ونَمَاءِ البِلاَدِ ، فأَطِيعُوا رَبَّكُمْ ، وَاتَّبِعُوا نَبِيَّكُمْ ، وَاسْمَعُوا لِوُلَاةِ أَمْرِكُمْ ، وَحَافِظُوا عَلَى أَمْنِكُمْ ، وَاحْرُسُوا أَرْضَكُمْ وَوَحْدَتَكُمْ ، وَاشْكُرُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
عباد الله: الشَّبَابُ عِمَادُ الأُمَّةِ وَعَلَى سَوَاعِدِهِمْ يَتِمُّ البُنْيَانُ، وَبأيْدِيْهِمْ تَتَحَقَقُّ الآمَالُ، وَإِذَا أَرَادَ اللـهُ بِأُمَّةٍ خَيْرًا هَيَّأَ لَهَا مِنَ الشَّبَابِ عَنَاصِرَ عَامِلَةً مُخْلِصَةً مُؤثِّرَةً، تُؤْثِرُ مَصْلَحَةَ الأُمَّةِ عَلَى مَصَالِحِهَا الشَّخْصِيَّةِ ، يَعْلَمُونَ حَقَّ اللـهِ فَيُؤدُّونَهُ، وَيَعْرِفُونَ حَدَّ اللـهِ فَيَلْتَزِمُونَهُ .
فَاتَّقُوا اللـهَ مَعْـشَرَ الشَّبَابِ وَتَجَمَّـلُوا بِالأَخْلاقِ، وَتَزَيَّنُوا بِالحِلْمِ وَالعِلْمِ، وَتَفَاضَلُوا فِيمَا بَيْنَكُمْ بِالتَّقْوَى، وَاستَمْسِكُوا بِالعُرْوَةِ الوُثْقَى؛ واحذوا من فتنٍ ومدلهماتٍ تحيطُ بكم في هذا الزمانِ كالإلحادِ والشبهاتِ والمخدراتِ والمفتراتِ وكثرةِ الشهواتِ والمغرياتِ (مَن يَضْمَن لي ما بيْنَ لَحْيَيْهِ وما بيْنَ رِجْلَيْهِ، أضْمَنْ له الجَنَّةَ ) خ.
ألا فاتقوا الله عباد الله واعرفوا فضل الله عليكم ووَاصِلُوا فِعْلَ الخَيْرَاتِ، وَعَضُّوا بِالنَّواجِذِ عَلَى أَسْبَابِ الطَّاعَاتِ، واستَمِرُّوا فِي دَرْبِ البِرِّ والقُرُبَاتِ واعلموا أن السنة لمن خرج إلى مصلى العيد من طريق أن يرجع من طريق آخر إن تيسر ذلك اقتداء بالنبي عليه السلام وإظهارا لشعائر الله (فبشر عباد الذي يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب)... اللهم تقبل منا ...
الخطبة الثانية لعيد الفطر
يكبر خمسا ثم يقول :
الْـحَمْدُ لِلَّـهِ مُعِيدِ الْـجُمَعِ وَالأَعْيَادِ، وَمُبِيدِ الأُمَمِ وَالأَجْنَادِ، وَجَامِعِ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ، إِنَّ اللـهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَلَا نِدَّ وَلَا مُضَادَّ، وَأَشْهَـدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الْـمُفَضَّلُ عَلَى جَمِيعِ الْعِبَادِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ التَّنَادِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيراً. أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ:
إِنَّ المُسْلِمَ لَيَفْرَحُ بِفَضْلِ اللـهِ وَرَحْمَتِهِ، وَيُسَرُّ بِمَا أَنْعَمَ اللـهُ عَلَيْهِ بِالإِسْلَامِ، وَطَهَّرَ قَلْبَهُ بِالإِيمَانِ، وَعَطَّرَ لِسَانَهُ بِتِلَاوَةِ القُرْآنِ (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)
وَعَلَى قَدْرِ حَيَاةِ القَلْبِ بِالإِيمَانِ وَالقُرْآنِ يَكُونُ فَرَحُهُ، وَكُلَّمَا رَسَخَ ذَلِكَ كَانَ قَلْبُهُ أَشَدَّ فَرَحًا.
فيَا أَهْلَ الْعِيدِ السَّعِيدِ: اجْعَلُوا هَذَا اليَوْمَ فُسْحَةً بَعْدَ الصِّيَامِ، وَفَرْحَةً بَعْدَ نِعْمَةِ التَّمَامِ، بِالتَّوْسِعَةِ عَلَى الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ، بِالفَرَحِ المَشْرُوعِ، وَالْـحَذَرِ مِنَ المَمْنُوعِ، أَطْلِقُوا الفَرَحَ وَالاِبْتِسَامَةَ، وَابْتَعِدُوا عَنِ الْعِتَابِ وَالْـمَلَامَةِ، وَبِهَذَا تَتَصَافَحُ النُّفُوسُ المُطْمَئِنَّةُ، وَتَتَلَاقَى القُلُوبُ المُؤْمِنَةُ، جَعَلَ اللـهُ عِيدَكُمْ سَعِيدًا، وَعَمَلَكُمْ صَالِحًا رَشِيدًا.
أيَّتُها الأخواتُ المسلماتُ :أُذَكِّرُكُنِّ بأنَّ رسولَ اللهِ e بعدَ أنْ خَطَبَ الرِّجالَ في مثلِ هذا اليومِ الأَغَر، مشى مُتَوَكِّئاً على بلالٍ t وخطبَ النساءَ وكانَ من خِطْبَتِهِ أن تَلا عليهِنّ آيةَ المُبَايَعةِ وهي قولُهُ تعالى ( يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ إِذَا جَاءكَ ٱلْمُؤْمِنَـٰتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَىٰ أَن لاَّ يُشْرِكْنَ بِٱللَّهِ شَيْئاً وَلاَ يَسْرِقْنَ وَلاَ يَزْنِينَ وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلْـٰدَهُنَّ وَلاَ يَأْتِينَ بِبُهُتَـٰنٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلاَ يَعْصِينَكَ فِى مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَٱسْتَغْفِرْ لَهُنَّ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) فلما فَرَغَ من الآيةِ قالَ: {أنْتُنَّ على ذلك}، فقالتْ اِمْرَأَةٌ: نَعَم فقالَ: {ما قَوْلي لامْرَأةٍ واحدةٍ قَوْلي لِمِئَةِ اِمْرَأَةٍ} ثم أمرَهُنّ بالصدقةِ فقالَ: {تَصَدَّقْنَ فإن أكْثَرَكُنّ حَطَبُ جَهَنَّمَ} فقالتْ امرأةٌ : لِمَ يا رسولَ اللـهِ، فقالَ:{لأنِّكُنّ تُكْثِرْنَ الشِّكايَةَ وتُكَفِّرْنَ العَشيرَ} فَجَعَلْنَ يُلْقينَ مِنْ قُروطِهِنّ وخَواتيمِهِن وقَلائدِهِن في ثوبِ بلالٍ صَدَقَةً للـهِ). متفقٌ عليه .
أَيَّتُهَا الْـمَرْأَةُ الْـمُسْلِمَةُ، لَقَدْ أَعْطَى اللَّـهُ تَعَالَى الْمَرْأَةَ حَقَّهَا كَامِلًا غَيْرَ مَنْقُوصٍ، وَرَفَعَهَا مِنْ حَضِيضِ الذُّلِّ وَالِاسْتِعْبَادِ إِلَى مَرَاقِي الْعِزَّةِ وَالْكَرَامَةِ، وإِنَّ شَرَفَ التَّمَسُّكِ بِالْإِسْلَامِ وَالِانْتِصَارِ لَهُ لَيْسَ حِكْرًا عَلَى الرِّجَالِ، بَلِ النِّسَاءُ رُكْنٌ رَكِينٌ مِنْهُ، وَقَدْ ثَبَتَتِ الصَّالِحَاتُ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى دِينِهِنَّ، وَانْتَصَرْنَ لَهُ، وَقُمْنَ بِوَاجِبِهِنَّ تُجَاهَهُ، وَمَنْ رَبَّى عَمَالِقَةَ الْأُمَّةِ فِي الْعِلْمِ وَالدَّعْوَةِ وَالْجِهَادِ وَالْقِيَادَةِ إِلَّا نِسَاءٌ فُضْلَيَاتٌ، تَحَمَّلْنَ مَسْئُولِيَّاتِهِنَّ تُجَاهَ أَوْلَادِهِنَّ، وَتُجَاهَ أُمَّتِهِنَّ؟! وَفِي الْأُمَّةِ نِسَاءٌ كَثِيرَاتٌ فِي الْقَدِيمِ وَفِي الْحَدِيثِ حَفِظْنَ دِينَهُنَّ، وَالْتَزَمْنَ بِحِجَابِهِنَّ، وَرَبَّيْنَ أَوْلَادَهُنَّ، وَنَفَعْنَ أُمَّتَهُنَّ، وَأَجْرُهُنَّ عِنْدَ اللَّهِ مَحْفُوظٌ، وَذِكْرُهُنَّ فِي النَّاسِ مَعْرُوفٌ .
ألا فَاتَّقينَ اللـهَ أيتُها الأخواتُ الكريمات، اِتَّقِينَ اللـهَ في صلاتِكُنّ وألسنتكُن وبيوتكُن وأزواجكن وأولادكن ، وكُنَّ خَيْرَ خَلَفٍ لخيرِ سلفٍ من نِساءِ المؤمنينَ فتمسكي بحجابك، وتجملي بحيائك، واعتزي بدينك وإيمانك (فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله )
اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ ، اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الحَمْدُ (لكل أمة عيدا وهذا عيدُنا)
عباد الله: إِذَا اجتمعَ يومُ العيدِ ويومُ الجُمُعَةِ فِي يومٍ واحدٍ فَمَنْ حَضَرَ صلاةَ العيدِ فيُرَخَّصُ لَه فِي عدمِ حضورِ صلاةِ الجُمُعَةِ، ويصلِّيها ظهراً فِي وقتِ الظُّهْرِ، وإنْ أخذَ بالعزيمةِ فصلَّى مَع الناسِ الجُمُعَةِ فَهُو أفضلُ.
ومَنْ لَم يحضرْ صلاةَ العيدِ فَلا تشْمَلْه الرُّخْصَةُ، وَلَذَا فَلا يسقطُ عَنْه وجوبُ الجُمُعَةِ، ولا يُشْرَعُ الأذانُ إلَّا فِي المساجِدِ الَّتِي تُقَامُ فِيهَا صلاةُ الجُمُعَةِ في هذا اليوم المبارك ...
ثم صلوا وسلموا ...........
المرفقات
1682009555_خطبة عيد الفطر عام 1444.docx
1682009556_خطبة عيد الفطر عام 1444.pdf