خطبة عيد الفطر ( سُنَّةُ التغيير )
إبراهيم بن صالح العجلان
1433/09/29 - 2012/08/17 22:26PM
عيد الفطر 1433( سُنَّةُ التَّغْيِير )
الحَمْدُ للهِ المُتَفرِّدِ بالعِزَّةِ والكِبْرياءِ ، المُسْتَحِقِ للحمدِ والثَّنَاءِ ، بيدِهِ الخِيرِ ومنه الخَيْرِ ، فله الحمدُ والشُّكرُ على وافرِ النِّعمِ وجزيلِ العطاءِ ، وأشهد أنْ لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له يُعِزُّ من يشاء ويُذِلُّ من يشاء ، وأشهد أن محمداً عبدُه ورسولُه إمامُ المتقينَ وسيدُ الحنفاءِ ، صلى الله عليه وعلى آلِهِ الشُّرَفَاء ، وصحابتِه الأتقياء ، وسلَّم تسليماً كثيراً ما دامت الأرضُ والسماءُ ،
الله أكبر ( عشراً )
اللهُ أكبرُ ، اللهُ أكبرُ ، خرَّتْ لعظمتِه الجبالُ الراسياتُ، وتَشَقَّقَتْ من خشيتِه الصخورُ القاسيات (تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدَّا)
اللهُ أكبرُ ، اللهُ أكبرُ ، نُجَلْجِلُ بها في الأَجواء ، وتَهْتِفُ بها مآذِنُنا في كلِّ صبْحٍ ومساء .
اللهُ أكبرُ قـُــولُــوهــا بلا وجـــل ... وَزَيِّنُوا القلبَ مِنْ مَغْزَى مَعَانِيْها
اللهُ أكبرُ ما أَحْلَى النِّدَاءُ بِها ... كـأنَّه الــرَّيُّ في الأرواحِ يُحْـيِيها
سُبحانَ اللهِ والحمدُ للهِ ولا إلهَ إلا اللهُ واللهُ أكبر (الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا ان هدانا الله).
أيها المسلمون: هآنتُمْ قدْ أَكْمَلْتُم صَوْمَكُم وعِدَّتَكُم، وشَكَرْتُم فَأَخْرَجْتُمْ زكاةَ فِطْرِكُم، وجِئْتُم لِعِيْدِكُم مُكَبِّرِين، فاحْمَدُوُهُ على ما هَدَاكُم، واشْكُرُوُه على ما يَسَّرَ لكم وأعانَكُم، فاتَّقُوا اللهَ ربَّكم ، واسْتَشْعِرُوا فَضَائِلَهُ عليكُم (قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وبرحمتِه فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون)
أيها المؤمنون: قاعدةٌ قرَّرها الواحِدُ الأَحَدُ، وقَانُونٌ سَمَاويُّ لا يُسْتَثْنَى منه أَحَدٌ، هي ليستْ سُنَّةٌ مَاضِيةٌ ، بل حَقِيْقَةٌ باقيةٌ .
هي من عَدْلِ اللهِ وحِكْمةِ اللهِ ، ومَنْ أَحْكَمُ وأَعْدَلُ مِنْ اللهِ ؟
تقولُ هذه القاعدةُ باختصارٍ: (إنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بقومٍ حتى يُغَيِّرُوا ما بأنْفُسِهِم)
فهو سبحانه يُبَدِّلُ الحالَ مِنْ حالٍ إلى حالٍ ، من قُوَّةٍ إلى ضَعْفٍ ، من عِزٍّ إلى ذُلٍ ، من أَمْنٍ إلى خَوْفٍ ، من غِنَىً إلى فَاقة .
يُقَلِّبُ عِبادَه كيفَ يشاءُ، سواءٌ بالارْتِقاءِ إلى عُلُّوٍ ، أو بالانْحِدَارِ إلى سُفُولٍ .
هذا التَّغْيِير يَحْدُثُ في الأَفْرَاد ، وتَماماً يَحْصُل في الأُمَمِ ، جَزَاءً وفاقاً ، (فلمَّا زَاغُوا أَزاغَ اللهُ قلوبهم).
فَعَنْ قَاعِدَةِ التَّغَيُّرِ والتَّغْيِيرِ نَتَحَدَّث، وعن سُنَنِ اللهِ في الأولِينَ نَسْتَبْصِرُ، وبالأَخَصِ في زَمَنٍ نَرَى فيه تَقَلُّبَاتٍ مُتَسَارِعَة،وتَغيراتٍ مُتفاوتةٍ ، فلسْنَا بِمَنْأَ عن سُننِ اللهِ في العالَمِين، (أَنَهْلِكُ وفينا الصَّالِحُون ؟ قال : نعم إذا كَثُرَ الخَبَثُ).
يا أهلَ الإيمَانِ : ربُّكمْ تبارك وتعالى اختارَ هذه الأمةَ واصْطَفَاها وقدًّمَها وفَضَّلَها ، فأعزَّها وشرَّفها ومكَّنها ، كانت أمَّتُكُمْ قبلَ الإسلامِ يَركعونَ للأصنامِ، ويأكلونَ المَيْتَةَ، ويُسِيْئُونَ الجِوارَ، ويَسْتَحِلُّونَ المَحَارِمَ ، ويَظْلِمُونَ المرأةَ ، كانوا أشتاتاً مُتفرِقينَ، تَجمعُهم القبليةُ ، وتُفرِّقُهم العَصَبيَّة ، حتى قالَ قائِلُهم :
ومَا أنَا إلا مِنْ غَزِيَّةَ إنْ غوَتْ ... غويْتُ وإنْ تَرْشُدْ غزَّيَةُ أَرْشُدِ
كانُوا على هذه الحالِ من التَّخَلُّفِ والرَّجْعِيَّةِ ، والهَوَانِ والتَّبَعِيَّة حتى بعثَ اللهُ فيهم رسولاً من أنفسِهم يتلو عليهم آياتِه ويُزكِّيهم ، فغيَّرَ حالَهم من ظلماتِ الشركِ إلى نُورِ التوحيدِ ، ومن قُمْقُمِ الجَّهلِ إلى قِمَمِ العِلمِ ، ومن ضِيْقِ التَّعصبِ للقبيلةِ إلى رَحَابةِ الانتماءِ للدِّينِ .
فكانت دعوتُه صلى الله عليه وسلم ثورةً على الجاهليةِ في مُعْتقدَاتها، وسِيَاسَتِها، واقتصادِها، وعاداتِها، وجُمُودِها ، فتَغيَّرتْ أمَّةُ العَرَبِ من حالٍ إلى حالٍ ، وأصبحَ البَدِيْلُ هو الإسلامُ ، فَتَحْتَ رايةِ القرآنِ يَجتمعونَ ويَتحاكمونَ ، وعلى دِينِ الرَّحمنِ يُحِبُّونَ ويَكْرَهُونَ ، ويُوالونَ ويُعادونَ ، فأَيَّدَهم اللهُ تعالى فأصبحوا ظاهرينَ ، اِهْتَزَّتْ وتَهَاوَتْ عُرُوشُ الأَكَاسِرَةِ والقَيَاصِرةِ أمامَ صَخْرَةِ عِزِّهِم ، وأَضْحتْ أمةُ العَرَبِ لها سيادتُها وريادتُها بعد أنْ عاشَتْ قُروناً، لم تَكُنْ شيئاً مَذكوراً ، وبَلَغَ عِزُّهُم ما بَلَغَ الليلُ والنَّهار .
بمعــابدِ الإفْـــرَنْجِ كان أَذَانُنا ... قبلَ الكَتَائِبِ يَفْتَحُ الأَمْصَـــارا
لَمْ تَنْسَ إِفْرِيقيا ولا صحراؤُها ... سَجَداتِــنا والأرضُ تَقْذِفُ نارا
هذه أمَّتُكم يا أهلَ الإيمانِ، جَعَلها اللهُ شامةً في جَبِينِ الزَّمَان،اِصْطَفَاها الخالقُ بين أُممِ الإنسانِ، كلَّم شهداءَها بلا تَرْجُمان، قاتَلَتْ معها الملائكةُ يوم الْتَقى الجَمْعان.
إلا أنَّ هذا الاصْطِفَاء والاجْتِبَاء لا يَعنِي خُرُوجَها عن قاعدةٍ قرآنيةٍ ، قال اللهُ فيها عن يهودَ حينَ زعموا أنهم أبناءُ اللهِ وأحباؤُه فقال اللهُ (بل أنتم بشرٌ مِمَّنْ خَلَقَ) ولذا كثيراً ما يُخاطبُنا القرآنُ بالاعتبارِ بسَنَنِ الأولينَ، وقَصَصِ الغابرين .
فهذه الأمَّةُ إنْ تَغَيَّرَتْ غَيَّرَ اللهُ شَأْنَها وحالَها،فَيُلْبِسَها لِبَاسَ الخَوْفِ بعد الأمن والذُّلِ بعد العِزِّ، والفُرقَةِ بعد الاجتماع،هذه سُنَّةُ ربَّ البشرِ مع كلِّ البَشَرِ(فهل ينظرون إلا سنة الأولين فلن تجد لسنة الله تبديلاً ولن تجد لسنة الله تحويلاً).
اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ لا إله إلا اللهُ ، اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ وللهِ الحمد .
وغِيَرُ اللهِ على هذه الأمةِ لها أسبابٌ، يمكن إرجاعُها إلى أمورٍ أربعة :
أولاً:الإعراضُ عن دينِ اللهِ تعالى ، بِهُجْرَانِه ونِسْيَانِه وجَهْلِهِ وتَركِ العملِ به ، ويدخلُ في الإعراض:الاعتراضُ على أحكامِ الإسلام ، والاستنكافُ من شريعةِ السماء،فهل أصاب قوم سبأ ما أصابهم بعد أن كانوا في آية من النعيم،إلا بعد إعراضهم وبعدهم(فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أُوكل خمط وشيء من سدر قليل*ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور)
يَطْمِسُ اللهُ على قلوبِ المُعرِضينَ فلا تَهْتَدِي للحقِ ، ولا تُبْصِرُ باطلَها ، ولا تُدْرِكُ التَّغييرَ الذي ينتظرُها ، ( ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها ونسي ما قدمت يداه إنا جعلنا على قلوبهم أكنَّة أن يفقهوه وفي آذانهم وقراً وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذاً أبداً )
ثانياً : ومِنْ أسبابِ التغييرِ الرَّبانيِّ للمجتمعات: ظُلْمُ العبادِ وقهرِهم وإذلالِهم
هذا الخلقُ الفرعونيُ مرتَعُه وَخِيمٌ ، يُورثُ العَدَاواتِ ، ويَجْلِبُ الوَيلاتِ ،
حروبٌ شبَّت، وشعوبٌ ثارت، وخطوبٌ حلَّت،شرارتُها الأُولى فتيلُ الظلم.
أُمَمٌ سَادَتْ ، ثم بادَتْ ، لأنَّها مع الظلمِ حَكَمَتْ وعاشَتْ ( وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا ) .
ظَلَمَ فرعونُ وطغى ، واسْتَخَفَّ أهلَ مِصْرَ بسياستِه فأطَاعُوه ، فجاءَتُه سُنَّةُ اللهِ (فَأَخَذْناهُ الله وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِيالْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُالظَّالِمِينَ)
كم رأينا من ظالمٍ في بَغْيِه سَادِرْ،وفيمُلْكِه قَاهِرْ،كان مضرب المثل في قبضته الحديدية وسطوته الأمنية ، فلم تغن عنه شيئاً لما جاء أمر الله، فجَرَّعهُ الجبارُ كأسَ الذُّلِ بعد العِزِّ ، وأطعمَه مَرارةَ الحرمان ، بعد الجاه والملك والسلطان، وزاد في أساه بأن أراه ملكَه ونعيمَه يُساق إلى من طالما نكَّلَ بهم وعذَّبَهم وسجنَهم (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثون ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون).
ثالثاً:ومِنْ أسبابِ حُلولِ التَّغيرِ للأَسْوأِ: ترك إنكار المنكر، هذه الشَّعِيرةُ التي فُضَّلْنَا بسببها ومُيِّزْنَا، وهي الأمان للأُمَّةِ من عقوباتِ اللهِ تعالى ، فإذا هُجِرَتْ أو عُطِّلَتْ أو ضُيِّقَتْ فَنُذُرِ الخَطَرِ سَتُدَقُ نَواقيسُها ، قال اللهُ تعالى بعد أن أخبرَ بهلاكِ الأممِ الغَابرةِ (وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون)
رابعاً : عمومُ المعاصي واستصغارُها ، والاستعلاءُ بها ، وإعلانُها ، مع غيابِ الناصحِ والنكير ، سبب رئيسي لحلول النقم ، وحصول الغِير ، وفي الحديث الصحيح : (مَا مِنْ قَوْمٍ يُعْمَلُ فِيهِمْ بِالْمَعَاصِى ثُمَّ يَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ يُغَيِّرُوا ثُمَّ لاَ يُغَيِّرُوا إِلاَّ يُوشِكُ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ مِنْهُ بِعِقَابٍ) .
اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ لا إله إلا اللهُ ، اللهُ أكبرُ الله أكبرُ وللهِ الحمد .
وتاريخنا أُمَّتنا الإسلامية، يُصَدِّق بهذ القاعدة الربانية، فقلِّبِ النظرَ في صفحاتِه ومَسَاربِه، لترى أنَّ عِزَّ الأمةِ وشَرَفَها مَرْهُونٌ بِتَمَسُّكِها بشريعةِ السماء، وذُلُّها وهوانُها هو بِقَدْرِ بُعْدِها عن هداياتِ القرآنِ.
نعم...تَغَيَّرتْ أمَّتُنا عبرَ تاريخِها للأسوأِ ، وذاقَتْ مَرَارَاتِ الهَوَانِ مَرَّاتٍ ومَرَّات، ولكنَّها أُمَّةٌ تَمْرَضُ ولا تَموتُ ، تَعُودُ ولا تُودِّعْ، لماذا ؟؟ لأنَّ اللهَ اختَارَها لِأَنْ تَبْقَى ، ويَبْقَى دينُها وقرآنُها إلى أنْ يَرِثَ اللهُ الأرضَ ومَنْ عليها ، (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون)
ما نَسِيَ التاريخُ جَرائمَ الصليبينَ بالشَّامِ ، والتي استحيَى منها مؤرِّخُوهم ومُنْصِفُوهم، فقيَّضَ اللهُ للأمةِ الأَكْرَادَ،فأعادوا للأمةُ تَدَيُّنَها بعد أن عَشْعَشَتْ الخُرافةُ والصوفيةُ فيها، ، فَكَسَرَ صلاحُ الدينِ الصليبيينَ في معركةِ حِطينَ .
يَجتاحُ الجيشُ المغولي ُالتَّتَريُ أرضَ العراقَ، ويبتلعُ بغدادَ ويحرِّقُها، ويَلتهمُ حلبَ الشامِ ويمزِّقُها ، وارتكبَ من الفظائعِ ما ضجَّتْ لهولِها الفَلواتِ ، وبَلغَ الوَهَنُ بالناسِ مبلغاً لا يُصَدَّق ، حتى قال بعضُ من عاصرَ تلك الفجائعِ : لن تقومَ للإسلامِ بعدَه قائمةٌ، فقيَّضَ اللهُ للأمةِ المماليك ، فجاؤا من مصرَ وكسروا التتارَ في أرضِ الشامِ ، وأَعادُوا للأمةِ شيئاً من هيبتِها.
ثم يعود الوهنُ والضَعْفُ من جديد ، فيَغْفُو الزمانُ إغفاءةً فإذا هو أمامَ جِيلٍ عظيمٍ يَفْتَح القسطنطينية ، ويحاصر روما مَعْقِلِ الفاتيكانِ ، ولولا الصفويونَ في إيرانَ لكانت دولُ أوروبا تقرأُ القرآنَ كالجزائرين كما قالها أحدُ المستشرقين .
وإذا كان التاريخُ يَنطُقُ أنَّعزَّ الإسلامَ كان في أولِه في الحجازِ أظهر ، فإن التاريخَ أيضاً يَنطُقً أنَّ الأمةَ تَتَغَيَّرُ وتَسْتَرِدُ عافيتَها من أرضِ الشام .
وهاهي الشامُ اليومَ تَنْتَفِضُ وتَعُودُ إلى أصولِها وجُذُورِها الإسلاميةِ، وها هي كتائبُ (ما لنا غيرُك يا الله ) تُرَكِّعُ النِّظامَ النُّصيريَ الدَّمويَ الهُولاكي ، رغم دعم الرافضةِ والشيوعيين له .
قد قالَها المصطفى صلى الله عليه وسلم : (إذا فَسَدَ أهلُ الشامِ فلا خيرَ فيكم ) ومفهومه أيضاً : إذا صلحوا ففينا الخير والعز والظهور .
فتحيةُ إجلالٍ،إلى أولئكَ الرجالِ، الذين ثَبَتوا ثباتَ الجبال، رغمَ قِلَّةِ عَتَادِهم، وشدَّةِ حاجتِهم ، فهم حماةُ الأمة ،وهم أَمَلُ الأُمَّة، وهم الذين سيقطعون بإذن الله ، اليدَ التي تزرعُ الفتنَ والشِّقاقَ والنفاقَ في البلادالإسلامية.
الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلا الله الله ، أكبر الله أكبر ولله الحمد .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم .....
الخطبة الثانية
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يُحب ربنا ويرضى ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الحكم في الآخرة والأولى ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي المجتبى ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى ،
أما بعد فيا أهل الإيمان :
المطالبةُ بالتغييرِ أصبحَ حديثاً مرفوعاً ، فبين حِيْنٍ وحِيْنٍ نرى ونسمع شِعاراتٍ ونِداءاتٍ تَدعوا للتَّغِييرِ ، وأنَّ تَغيُّرَ العصرِ يُحَتِّمُ علينا أن نتغيَّر .
ومن الذي لا يريدُ التَّغيير ؟ فمرحباً بالتَّغييرِ، والكلُّ يَسعى للتغيير، ولكنْ أي تغيير هو ؟
هل هو على المنهجِ الليبراليِّ الملبِّسِ ، أم على النَّهْجِ العقلانيِّ المنهزمِ ،
فالتغييرُ ليس ممدوحاً أو مذموماً لذاتِه ، وإنَّما لنتيجتِه ومآلِه.
فهل مِنَ التغييرِ التَّهوينُ من شأنِ الانحرافات ، والبرودُ تُجاه المنكرات ؟
هل من التغييرِ الاحتفاءُ بأقوالِ الفلاسفةِ الغربيينَ ، والغفلةُ والتجاهلُ عن هداياتِ القرآنِ والسنة ؟.
هل من التغييرِ التزهيدُ في مسلماتٍ شرعيةٍ كالحكمِ بما أنزل الله ، وسيادةِ الشريعة إلى بدائلَ محدثةٍ تحمل حقاً وباطلاً كالديمقراطية ؟.
هل من التغييرِ استبدالُ مصطلحاتٍ شرعيةٍ كالكافرِ بالآخرِ ، والردةِ بالخيانةِ السياسيةِ ، والآراءِ الكفريةِ بالحريةِ الفكرية ؟.
هذه كلُّها انحرافاتٌ فكريةٌ عصريةٌ وإن تَسَمَّتْ بغيرِ اسمها ، فالتغيُّرُ الحقُّ هو التغييرٌ وفقَ منهاجِ النبوة ، والذي يبدأُ أولاً من الحفاظ على جنابِ العقيدةِ الصحيحةِ ، ومحاربةِ البدعِ والشركياتِ والخرافاتِ ، ولا نَقُلْ نحن في منأى عن ذلك فإبراهيمُ إمامُ الحنفاءِ سألَ ربَّه ( واجنبني وبني أن نعبد الأصنام )
التغييرُ المطلوبُ يبدأُ من الشريعةِ ، ويَخضعُ للشريعةِ (الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهو عن المنكر ).
التغييرُ المنشودُ هو تغييرُ من حالةِ الأمةِ في سياستِها واقتصادِها وإعلامِها وشأنِها الاجتماعي ، وفق ما شرعه الله وأمر .
اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ، لا إله إلا اللهُ، اللهُ أكبرُ ، اللهُ أكبرُ وللهِ الحمد .
وفي شهرِ رمضانَ يَحصُلُ التَّغييرُ ، ونرى التَّغَيُّرَ ، فها أنتَ يا عبدَ اللهَ تغَيَّرَتْ حالُك في رمضانَ غيرَ الحالِ التي كُنت عليها ، رأيناك قانتاً آناءَ الليل مع جموعِ المصلينَ ، تَحْذَرُ الآخرةَ ، وتَرْجُوا رحمةَ ربِّك .
رأيناك أَنِيْسَاً مع القرآن ، لهَّاجَاً بتلاوتِه ، عِشْتَ معه أيامٌ وأيُّ أيام .
كنت أخي الصائم سخَّاءً بيمينك ، تُعْطِي بِطِيبِ نَفْسٍ ، وتَجُودُ بيمينِك ، وتصَّدَّقُ وأنت صَحِيْحٌ شَحِيْحٌ ، تخشى الفقرَ وترجوا الغِنَى .
إنها حالٌ من الهُدَى والتُّقى يُحِبُّها اللهُ ، ويَجْزِي أهلَها الجزاءَ الأَوْفَى ، فزادك ربي حرصاً وثباتاً ، وتغيُّراً للأحسن واستمساكاً .
وأخيراً أخي المتغيَّر ، هذا يومُ التّصافي والتهاني ، فتناسى زلاتٍ رأيتَها، واجْعَلْهَا خلفَ ظهرِك ، وأَصْدِرْ عفواً عاماً لكلِّ من أساءَ إليك ، أو أخطأ عليك ، وليكن حالك كما قال القائل :
من اليومِ تَعَــارَفْنَـا ..... ونَطْوِيْ ما جَرَى مِنَّا
فَلاَ كانَ ولا صَارَ ..... ولا قُلْتُمْ ولا قُلْنَا
وإنْ كــانَ ولا بُــدٌّ ..... من العَتَبِ فبالحُسْنَى
وقُلْ كما قالَ النَّبيُّ الصالحُ : ( لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم )
الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلا الله الله ، أكبر الله أكبر ولله الحمد .
الله أكبر كبيراً ، والحمد لله كثيراً ، وسبحان الله بكرة وأصيلاً
أيها الأحبة ... تقبَّلَ اللهُ طاعاتِكم ، وكلُّ عام وأنتم بخيرٍ، وأعادَ اللهُ علينا هذه الأيامَ الخواليَ ، ونحنُ في صحةٍ وعافيةٍ ، وسلامةٍ في دِينٍ ، وأَمانٍ في دنيا .
صلوا بعد ذلك على الرحمة المهداة ...
المرفقات
خطبة عيد الفطر بعنوان التغيير.doc
خطبة عيد الفطر بعنوان التغيير.doc
المشاهدات 3046 | التعليقات 2
شكر الله لك وبارك فيك
عبد العزيز بن محمد
شكرا اخي الكريم على هده الخطبة المفيدة
تعديل التعليق