خطبة عيد الفطر المبارك

خالد الباتلي
1442/09/28 - 2021/05/10 11:44AM

خطبة عيد الفطر 

الحَمْدُ للهِ المُتَفرِّدِ بالعِزَّةِ والكِبْرياءِ ، المُسْتَحِقِ للحمدِ والثَّنَاء، له الحمدُ والشُّكرُ على وافرِ النِّعمِ وجزيلِ العطاءِ ، وأشهد أنْ لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ وأن محمداً عبدُه ورسولُه إمامُ المتقينَ وسيدُ الحنفاءِ ، صلى الله عليه وعلى آلِهِ الشُّرفاء ، وصحابتِه الأتقياء ، وسلَّم تسليماً كثيراً ما دامت الأرضُ والسماء

الله أكبر - الله أكبر ..

الله أكبر كلما هلَّ هلال وأبدر، الله أكبر كلما صام صائم وأفطر، الله أكبر كلما طلع الصبح وأسفر .. اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ وللهِ الحَمْدُ

أيها المسلمون والمسلمات .. اعلموا أن رأسَ الأمرِ الإسلامُ، فتمسكوا بحبله، واثبتوا عليه بتحقيق التوحيد لله رب العالمين، وصدقِ الاتباعِ للرسول الكريم r.

والصلواتُ الخمسُ عمودُ الدين، وبابُ النجاةِ والفلاح، وأول ما يسألُ عنه العبدُ يومَ القيامة، ولا حظَّ في الإسلام لمن ترك الصلاة، فحافظوا عليها في أوقاتها وأحسنوا أداءها وخشوعها، والرجال يجتمعون لها في المساجد التي أذِن الله أن ترفعَ ويُذكرَ فيها اسمه.

اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ وللهِ الحَمْدُ

قال سبحانه: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}، فالحمد لله الذي بلغنا شهر رمضان، ووفقنا فيه للصيام والقيام.

اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ وللهِ الحَمْدُ

الْإِيمَانُ ضَرُورَةٌ لِلْعَبْدِ، فَلَا رَاحَةَ وَلَا طُمَأْنِينَةَ لَهُ بِلَا إِيمَانٍ، فبِالْإِيمَانِ يَسْكُنُ قَلْبُهُ، وَتَسْعَدُ نَفْسُهُ، {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} [التغابن: 11].

وَبِالْإِيمَانِ يَعْلَمُ الْعَبْدُ أَنَّ الْأَجَلَ وَالرِّزْقَ مَكْتُوبَانِ مُقَدَّرَانِ، لَا يَمْلِكُهُمَا أَحَدٌ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى، فيعلم أَنَّ «الرِّزْقَ وَالْأَجَلَ قَرِينَانِ مَضْمُونَانِ، فَمَا دَامَ الْأَجَلُ بَاقِيًا كَانَ الرِّزْقُ آتِيًا»، ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا﴾ [هُودٍ: 6]، ﴿أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ﴾ [النِّسَاءِ: 78].

كُلُّ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ مِنَ الْإِيمَانِ، وَكُلُّ طَاعَةٍ فَهِيَ مِنَ الْإِيمَانِ وَتَزِيدُ الْإِيمَانَ، وَكُلُّ مَعْصِيَةٍ فَهِيَ تُنْقِصُ الْإِيمَانَ، وَلَيْسَ الْإِيمَانُ بِالتَّمَنِّي، وَلَكِن ما وقر في القلب وصدقه العمل.

اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ وللهِ الحَمْدُ

عباد الله .. إنّ إبليسَ كان في شهرِ صومِكم مدحورًا، وكانت الشياطينُ مسلسلة وها قد أُطلِقوا من السلاسِلِ فرُدّوهم على أعقابِهم خائِبين، وأرجِعوهم عنكم خاسئين بالاستعاذة بالله منهم دائمًا، والثباتِ والاستعانة بالله على طاعتِه، وقد كان من دعائه r: اللهم اجعل الحياة زيادة لي في كل خير.

قيل لبشر الحافي: إن قوماً يتعبدون في رمضان فإذا انسلخ تركوا، قال: بئس القوم لا يعرفون الله إلا في رمضان.

وقال الحسن: أيْ قوم المداومةَ المداومة فإن الله لم يجعل لعمل المؤمن أجلا دون الموت، وقرأ: {وَٱعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ ٱلْيَقِين}. كن ربانيا لا رمضانيا.

كان بعض السلف يقول في آخر ليلة من رمضان: يا ليت شعري من هذا المقبول فنهنيه، ومن هذا المحروم فنعزيه.

اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ وللهِ الحَمْدُ

قال r: (للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه) خ م

هذه الفرحة الأولى يجدها الصائم في لحظات الفطر الأولى، حين يأكل ويشرب من طيبات الطعام، ويجدها حين يفطر في عيد الفطر.

وأما في الآخرة فثمة فرحةٌ بل أفراحٌ تنتظر المؤمن:

أولها: حين يحل الأجل، في موقف عصيب، وحال رهيب، لكن المؤمنَ المستقيم يفرح ويُبشَّر، {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [فصلت: 30].

وثانيها: حين يسأل في القبر، فيثبته الله بالقول الثابت، ويوفق للصواب في الجواب، فيفتح له باب إلى الجنة، وينعم في قبره إلى أن تقوم الساعة، فتلك الفرحة التي لا توصف ولا تقدر بثمن.

وثالثها: حين تقومُ القيامةُ، ويصيبُ الناسَ ما لا يوصفُ من الشدائد والأهوال، لكن المؤمنين في أمن وسرور، {لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ}.

ورابعها: حين يلقى ربه، كما قال r: (إِن الله يدني الْمُؤمن فَيَضَع عليه كَنَفَهُ وَيَسْتُرُهُ فَيَقُولُ: أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ أَتَعْرِفُ ذَنْب كَذَا؟ فَيَقُول: نعم يَا رب حَتَّى إذا قَرَّرَهُ ذنُوبه وَرَأى أَنَّهُ قَدْ هَلَكَ. قَالَ: سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ) خ م ، فلا تسل عن فرحه وسروره.

وخامسها: حين يعبر الناسُ الصراطَ، والصراط كما تعلمون، فيتساقط الناسُ يمينا وشمالا، لكن يثبت الله المؤمن، وينجو، ويصل إلى باب الجنة. فلا تسل عن فرحته وسروره.

وسادسها: حين يحشر المتقون زمرا، أي جماعات جماعات، حتى يصلوا إلى باب الجنة، فيأتيهم النبي r فيستفتحُ بابَ الجنة فيفتحُ له، {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ}.

وسابعها: حين يدخل المؤمن الجنة، وما أدراك ما الجنة؟

فيها ما لا عينٌ رأتْ، ولا أذنٌ سمِعتْ، ولا خَطرَ على قلبِ بشرٍ.

الجنة .. قصرٌ مشِيدٌ، ونهرٌ مطَّردٌ، وثَمَرةٌ نضِيْجَةٌ، وزوجةٌ حسناءُ جميلة.

الجنة .. صحةٌ فلا مرض، وحياة فلا موت، وشباب فلا هرم، ونعيم وراحة فلا بؤس ولا همَّ.

وثامنها: وما أعظمها من فرحة تقصر العبارة عن وصفها، وهي ما أخبر به النبي r بقوله: (إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، قَالَ: يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا؟ أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ، وَتُنَجِّنَا مِنَ النَّارِ؟ قَالَ: فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ، فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ) م

عباد الله .. هذه وغيرها هي ما يحرك الأرواحَ إلى بلاد الأفراح

يا سلعة الرحمن لست رخيصةً *** بل أنت غاليةٌ على الكسلانِ

يا سلعة الرحمن أين المشتري *** فلقد عرضتِ بأيسرِ الأثمانِ

يا سلعة الرحمن هل من خاطبٍ *** فالمهرُ قبل الموتِ ذو إمكانِ

بارك الله ..


 

الخطبة الثانية:

عباد الله .. ومن الأعمال الصالحة التي تشرع لنا بعد رمضان صيامُ ستة أيام من شوال،

عن أبي أيوب t قال r: (من صام رمضان وأتبعه ستا من شوال فذلك صيام الدهر) م

وذلك أن شهرَ رمضان بعشرة أشهر؛ لأن الحسنةَ بعشرِ أمثالها، وستة أيام بستين يوما أي: بشهرين، وذلك يعادل أجر صيام سنة كاملة، فلا يفوتنكم هذا الفضل العظيم.

ولا يشترط في هذه الأيام الستةِ التتابعُ، ولا أن تكون مباشرةً بعد يوم العيد، بل يجزئ صيامُ أي ستةِ أيام من شوال، والأفضلُ المبادرةُ بصيامها لأنه من المسارعة والمسابقة إلى الخيرات، ومن كان عليه قضاءٌ من رمضان فعليه أن يبدأ بالقضاء ثم يصوم الست ليصدق أنه أتبع رمضان بست من شوال.

اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ وللهِ الحَمْدُ

أيتها المرأة المسلمة .. حفظ الإسلامُ مكانتك فاحفظي مكانتَه، راقبي الله في أقوالك وأفعالك، أنت راعية في بيت زوجك ومسؤولة عن رعيتك، فأحسني الرعاية.

الحياء زينة المرأة وتاجُها فتمسكي به، واحذري ما يكيده الأعداء لك من هتك الحياء ونزع الحجاب، فتمسكي بحجابك فهو شريعة ربك.

حق الزوج عظيم، فإنما هو جنتك ونارك.

اجتهدي في تربية الأبناء فأنت مدرسة الجيل، وتعودي لزوم البيت فهو قرارك.

عباد الله .. يحسن في يوم العيد إظهارُ الفرح والسرور والتوسعةُ على الأهل والعيال بما يجلب السرورَ والبهجةَ على نفوسهم والراحةَ على أبدانهم وتمكينهم من اللعب والتنزه مع التزام الضوابط الشرعية في ذلك، لما رواه أنس t قال: قدم رسول الله r المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما فقال:" قد أبدلكم الله بهما خيراً منهما: يومَ الفطر ويومَ الأضحى" د ن بسند صحيح .

يوم العيد مظهرٌ لبر الوالدين وصلة الأرحام والجيران والأصحاب، فأشيعوا فيه مظاهر ذلك من التزاور والاجتماع على الطعام والتهادي ونحو ذلك.

أشيعوا طِيِّبَ الكَلامِ وَلِيِّنَ القَولِ، وَاختِيَارَ أَجمَلِ الكَلِمَاتِ وَانتِقَاءَ أَلطَفِ العِبَارَاتِ، وترفعوا عن اللوم والعتاب، فالعاقل لا يعاتب ولا يطالب، {وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن}، قال r: (حُرِّمَ عَلَى النَّارِ كُلُّ هَيِّنٍ لَيِّنٍ سَهْلٍ قَرِيبٍ مِنَ النَّاسِ) حم 

اللهم تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، اللهم اجعلنا في هذا الشهر الكريم من المقبولين المرحومين، واجعلنا ممن أعتقت رقابهم من النار ووالدينا وأزواجنا وذرياتنا ..

 

 

المشاهدات 1369 | التعليقات 1

افتقدنا خطبك دكتور خالد