خطبة عيد الفطر المبارك 1432 مرفق ملفات وورد بها

خَطْبَةُ عِيدِ الفِطْرِ المُبَارَكِ
عَاقِبَةُ الظُّلْمِ وَمَصَارِعُ الظَّالِمِيْنَ
1/10/1432

الحَمْدُ لله العَلِيمِ القَدِيرِ؛ مُغَيِّرِ الأَحْوَالِ، وَمُقَلِّبِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، عَزِيزٍ لاَ يُرَامُ، وَجَبَّارٍ لاَ يُضَامُ، وَقَيُّومٍ لاَ يَنَامُ، بِيَدِهِ مَعَاقِدُ العَزِّ، وَمَفَاتِيحُ المُلْكِ، وَمَقَالِيدُ كُلِّ شَيْءٍ، فَيُؤْتِي المُلْكَ مَنْ يَشَاءُ، وَيَنْزِعُ المُلْكَ مِمَّنْ يَشَاءُ، وَيُعِزُّ مَنْ يَشَاءُ، وَيُذِلُّ مَنْ يَشَاءُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ.
الحَمْدُ لله حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ، كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَالحَمْدُ لله حَمْدًا يَلِيقُ بِجَلاَلِهِ وَعَظِيمِ سُلْطَانِهِ، نَحْمَدُهُ عَلَى إِتْمَامِ الصِّيَامِ وَالقِيَامِ، وَالتَّوْفِيقِ لِصَالِحِ الأَعْمَالِ، فَلَوْلاَهُ سُبْحَانَهُ مَا اهْتَدَيْنَا، وَلاَ صُمْنَا وَلاَ صَلَّيْنَا، وَنَشْكُرُهُ عَلَى نِعَمٍ أَتَمَّهَا، وَعَافِيَةٍ أَسْبَغَهَا، وَبَلايَا دَفَعَهَا؛ فَهُوَ سُبْحَانَهُ الحَافِظُ فِي المِحَنِ، العَاصِمُ مِنَ الفِتَنِ، الهَادِي لِدَرْبِ النَّجَاةِ، وَطَرِيقِ الفَلاحِ؛ /font][font=kfgqpc uthmanic script hafs]فَٱللَّهُ خَيۡرٌ حَٰفِظ[/font][font=kfgqpc uthmanic script hafs]ٗ[/font][font=kfgqpc uthmanic script hafs]اۖ وَهُوَ أَرۡحَمُ ٱلرَّٰحِمِينَ[/font][font=traditional arabic {يوسف: 64}، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ؛ مَلاذُ الخَائِفِينَ، وَطَمَعُ الرَّاجِينَ، فَهُوَ المَلْجَأُ فِي المِحَنِ وَالكُرُوبِ، وَهُوَ المُسْتَعَانُ عَلَى أَلِيمِ المَقْدُورِ، وَهُوَ العَلِيمُ بِمَكْنُونِ الصُّدُورِ؛ /font][font=kfgqpc uthmanic script hafs]وَمَن يُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ يَهۡدِ قَلۡبَهُۥۚ[/font][font=traditional arabic {التغابن:11}، «وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللهُ»، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ؛ إِمَامُ المُرْسَلِيْنَ، وَسَيِّدُ وَلَدِ آَدَمَ أَجْمَعِيْنَ، هَدَاهُ اللهُ تَعَالَى وَهَدَى بِهِ، وَأَصْلَحَهُ وَأَصْلَحَ بِهِ، وَأَظْهَرَ دِيْنَهُ، وَأَعْلَى مَقَامَهُ، وَرَفَعَ ذِكْرَهُ، وَأَعَزَّ أُمَّتَهُ؛ فَهُمْ الْأَعْلَوْنَ فِي الْدُّنْيَا، الْسَّابِقُوْنَ فِي الآَخِرَةِ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آَلِهِ وَأَصْحَابِهِ؛ لَهُم قُلُوبٌ لله تَعَالَى قَانِتَةٌ، وَأَبْدَانٌ فِيْ طَاعَتِهِ نَاصِبَةٌ، وَهُمْ قَامَاتٌ فِي الخَيْرِ سَامِقَةٌ، وَمَنَارَاتٌ لِلْحَقِّ ظَاهِرَةٌ.. لَا يُحِبُّهُمْ إِلاَّ مُؤْمِنٌ، وَلَا يُبْغِضُهُمْ إِلاَّ مُنَافِقٌ، فَهُمْ شَامَةُ الْأُمَّةِ وَفَخْرُهَا، وَحَمَلَةُ دِيْنِهَا، وَمُبَلِّغُو شَرِيْعَتِهَا، فَالَطَّعْنُ فِيْهِمْ طَعْنٌ فِي الْدِّيْنِ، وَلَا يَسْتَحِلُّ ذَلِكَ إِلاَّ مَارِقٌ زِنْدِيْقٌ، وَعَلَى الْتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ..
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى، وَاعْبُدُوهُ دَهْرَكُمْ، وَلازِمُوا طَاعَتَهُ بَعْدَ شَهْرِكُمْ، وَاغْتَنِمُوا بَقِيَّةَ عُمُرِكُمْ؛ فَالدُّنْيَا رَمَضَانُ المُؤْمِنِ، يَصُومُ فِيهَا عَنِ المُحَرَّمَاتِ، وَيَتَمَتَّعُ بِالطَّيِّبَاتِ، وَيَكْتَسِبُ الحَسَنَاتِ، وَيَسْتَعِدُّ لِلْمَمَاتِ، وَيَعْمَلُ لِيَوْمِ المَعَادِ؛ /font][font=kfgqpc uthmanic script hafs]مَنۡ عَمِلَ صَٰلِح[/font][font=kfgqpc uthmanic script hafs]ٗ[/font][font=kfgqpc uthmanic script hafs]ا مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤۡمِنٞ فَلَنُحۡيِيَنَّهُۥ حَيَوٰة[/font][font=kfgqpc uthmanic script hafs]ٗ[/font][font=kfgqpc uthmanic script hafs] طَيِّبَة[/font][font=kfgqpc uthmanic script hafs]ٗ[/font][font=kfgqpc uthmanic script hafs]ۖ وَلَنَجۡزِيَنَّهُمۡ أَجۡرَهُم بِأَحۡسَنِ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ[/font][font=traditional arabic {النحل:97}.
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ وَلله الحَمْدُ.
اللهُ أَكْبَرُ؛ عَرَفَهُ المُؤْمِنُونَ بِكَمَالِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ، وَاعْتَرَفُوا بِعَظَمَتِهِ وَجَبَرُوتِهِ وَكِبْرِيَائِهِ، فَذَلُّوا لِسُلْطَانِهِ، وَأَذْعَنُوا لِأَحْكَامِهِ؛ [وَقَالُواْ
سَمِعۡنَا وَأَطَعۡنَاۖ غُفۡرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيۡكَ ٱلۡمَصِيرُ
] {البقرة:285}، بَيْنَمَا قَالَ غَيْرُهُمْ: /font][font=kfgqpc uthmanic script hafs]سَمِعۡنَا وَعَصَيۡنَا[/font][font=traditional arabic {البقرة:93}.
اللهُ أَكْبَرُ؛ أَرَانَا مِنْ آيَاتِهِ مَا دَلَّنَا عَلَى قُدْرَتِهِ، فَحَرَّكَ الأَرْضَ بِأَمْرِهِ فَاضْطَرَبَتْ، وَأَمَرَ البَحْرَ فَضَرَبَ بِأَمْوَاجِهِ مُدُنًا فَأَغْرَقَهَا، وَأَمَرَ السَّحَابَ فَأَفَاضَ غَيْثَهُ عَلَى قَوْمٍ وَحَبَسَهُ عَنْ آخِرِينَ، وَقَدَّرَ عَلَى عُرُوشٍ أَنْ تَسْقُطَ فَسَقَطَتْ، لاَ قَضَاءَ إِلاَّ قَضَاؤُهُ، وَلاَ أَمْرَ إِلاَّ أَمْرُهُ، فَسُبْحَانَهُ وَبِحَمْدِهِ؛ /font][font=kfgqpc uthmanic script hafs]وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦٓ أَن تَقُومَ ٱلسَّمَآءُ وَٱلۡأَرۡضُ بِأَمۡرِهِۦۚ[/font][font=traditional arabic {الرُّوم:25} /font][font=kfgqpc uthmanic script hafs]يَسۡ‍َٔلُهُۥ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ كُلَّ يَوۡمٍ هُوَ فِي شَأۡنٖ[/font][font=traditional arabic {الرَّحمن:29}.
اللهُ أَكْبَرُ؛ أَرَانَا فِي هَذَا العَامِ مِنْ قُدْرَتِهِ مَا يُبْهِرُ العُقُولَ، وَيَمْلِكُ النُّفُوسَ؛ مَحَبَّةً لَهُ وَتَعْظِيمًا وَذُلاًّ وَخَوْفًا وَرَجَاءً، فَأَذَلَّ الجَبَّارِينَ، وَأَسْقَطَ الظَّالِمِينَ، وَهَزَّ عُرُوشَ المُسْتَكْبِرِينَ، وَنَصَرَ المُسْتَضْعَفِينَ؛ /font][font=kfgqpc uthmanic script hafs]وَإِذَا قَضَىٰٓ أَمۡر[/font][font=kfgqpc uthmanic script hafs]ٗ[/font][font=kfgqpc uthmanic script hafs]ا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ[/font][font=traditional arabic {البقرة:117}.
اللهُ أَكْبَرُ؛ المُلْكُ مُلْكُهُ وَإِنْ رَغِمَ المُتَكَبِّرُونَ، وَالخَلْقُ خَلْقُهُ وَلَوْ أَنْكَرَ المُلْحِدُونَ، وَنَحْنُ عَبِيدُهُ وَإِنِ اسْتَكْبَرَ المُسْتَكْبِرُونَ، رَضِينَا بِهِ رَبًّا مَلِكًا خَالِقًا مُدَبِّرًا، ذَلَّتْ لَهُ رِقَابُنَا، وَتَعَفَّرَتْ لَهُ جِبَاهُنَا، وَتَعَلَّقَتْ بِهِ قُلُوبُنَا؛ فَاللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ وَلله الحَمْدُ.
تَأَمَّلُوا عِبَادَ الله هَذَا العَيدَ، وَقَارِنُوهُ بِالعِيدِ المَاضِي.
أَيُّ قَضَاءٍ قَضَاهُ اللهُ تَعَالَى فِي هَذَا العَامِ؟! وَأَيُّ أَمْرٍ نَزَلَ بِهِ مَلائِكَتُهُ؟! وَأَيُّ قَدَرٍ قَدَّرَهُ؟!
جَبَابِرَةٌ عَبَّدُوا النَّاسَ لِأَنْفُسِهِمْ مِنْ دُونِ الله تَعَالَى عِشْرِينَ سَنَةً وثَلاثِينَ وَأَرْبَعِينَ، قَدْ أَلْهَهُمْ أَعْوَانُهُمْ، وَأَخَافُوا النَّاسَ مِنْ سَطْوَتِهِمْ، مَضَى فِيهِمْ قَضَاءُ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ، فَنَزَعَهُمْ مِنْ عُرُوشِهِمْ، وَقَضَى عَلَى جَاهِهِمْ، وَسَلَّطَ عَلَيْهِمْ شُعُوبَهُمْ، وَأَذَاقَهُمُ الذُّلَّ وَالهَوَانَ بَعْدَ العِزِّ وَالسُّلْطَانِ.
خَمْسَةٌ مِنْ زُعَمَاءِ العَرَبِ كَانُوا فِي العِيدِ المَاضِي يَتَرَبَّعُونَ عَلَى عُرُوشِهِمْ، فِي عِزِّ سُلْطَانِهِمْ، وَأُبَّهَةِ مُلْكِهِمْ، قَدْ أَحَاطَتْ بِهِمْ حَوَاشِيهِمْ، وَذَلَّتْ رِقَابُ الرِّجَالِ لِجَبَرُوتِهِمْ، وَتَمَنَّى الكَثِيرُونَ قُرْبَهُمْ، مَا حَالُهُمُ الآنَ؟ وَهَلْ كَانُوا يَظُنُّونَ أَنْ يَصِيرُوا إِلَى مَا صَارُوا إِلَيْهِ؟!
سَجِينٌ بَيْنَ قُضْبَانِهِ يُجَرُّ لِمُحَاكَمَتِهِ، وَشَرِيدٌ مُغْتَرِبٌ مَحْبُوسٌ بَيْنَ جُدْرَانِهِ، وَمُصَابٌ مَحْرُوقٌ يُعَالَجُ مِنْ حُرُوقِهِ، وَمُخْتَفٍ يَخَافُ أَنْ تَظْفَرَ بِهِ رَعِيَّتُهُ، وَمُتَرَبِّصٌ يَفْتِكُ بِشَعْبِهِ بَعْدَ يَأْسِهِ مِنْهُ، وَلاَ يَدْرِي مَا عَاقِبَتُهُ.
وَأُقْسِمُ بِالله العَظِيمِ غَيْرُ حَانِثٍ: إِنَّهُ لَأَسْوَأُ عيدٍ مَرَّ عَلَيْهِمْ، وَأَبْأَسُ حَالٍ عَاشُوهَا مُذْ وُلِدُوا، مَا عَلِمُوا فِي العِيدِ السَّالِفِ أَنَّهُمْ يَعِيشُونَ هَذَا العِيدَ فِي حَالٍ غَيْرِ الحَالِ؛ فَيَنْقَلِبُ العِزُّ إِلَى ذُلٍّ، وَالأَمْنُ إِلَى خَوْفٍ، وَالقُوَّةُ إِلَى ضَعْفٍ، وَالكَرَامَةُ إِلَى إِهَانَةٍ؛ /font][font=kfgqpc uthmanic script hafs]لِّمَنِ ٱلۡمُلۡكُ ٱلۡيَوۡمَۖ لِلَّهِ ٱلۡوَٰحِدِ ٱلۡقَهَّارِ[/font][font=traditional arabic {غافر:16} /font][font=kfgqpc uthmanic script hafs]فَٱلۡحُكۡمُ لِلَّهِ ٱلۡعَلِيِّ ٱلۡكَبِيرِ[/font][font=traditional arabic {غافر:12} [هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡمَلِكُ ٱلۡقُدُّوسُ ٱلسَّلَٰمُ ٱلۡمُؤۡمِنُ ٱلۡمُهَيۡمِنُ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡجَبَّارُ
ٱلۡمُتَكَبِّرُۚ سُبۡحَٰنَ ٱللَّهِ عَمَّا يُشۡرِكُونَ
] {الحشر:23} /font][font=kfgqpc uthmanic script hafs]تَبَٰرَكَ ٱلَّذِي بِيَدِهِ ٱلۡمُلۡكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٌ[/font][font=traditional arabic {الملك:1}، لاَ مُلْكَ يَسْتَمِرُّ، وَلاَ حَالَ لِلْعَبْدِ تَدُومُ، فَلاَ يَغْتَرُّ بِالدُّنْيَا وَزِينَتِهَا، وَلاَ يَبْطَرُ بِالنِّعْمَةِ وَاكْتِمَالِهَا إِلاَّ مَغْرُورٌ، فِي لمْحِ البَصَرِ تَغَيَّرَتِ الأَحْوَالُ، وَتَبَدَّلَتِ المَقَامَاتُ، فَعَظِّمُوا اللهَ تَعَالَى كَمَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُعَظَّمَ.. اقْدُرُوهُ حَقَّ قَدْرِهِ، وَأَكْثِرُوا مِنْ ذِكْرِهِ وَشُكْرِهِ، وَجِدُّوا فِي عِبَادَتِهِ؛ فَتَالله إِنَّهُ لاَ حَوْلَ لِلْعَبْدِ وَلاَ قُوَّةَ وَلاَ نَجَاةَ إِلاَّ بِالله تَعَالَى، وَلاَ مَلْجَأَ مِنْهُ إِلاَّ إِلَيْهِ.
عَظِّمُوا اللهَ تَعَالَى كَمَا عَظَّمَهُ نَبِيُّكُمْ مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ صَعِدَ المِنْبَرَ فَقَالَ:«يَأْخُذُ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- سَمَاوَاتِهِ وَأَرَضِيهِ بِيَدَيْهِ، فَيَقُولُ: أَنَا اللهُ -وَيَقْبِضُ أَصَابِعَهُ وَيَبْسُطُهَا- أَنَا الْمَلِكُ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى المِنْبَرِ يَتَحَرَّكُ مِنْ أَسْفَلِ شَيْءٍ مِنْهُ، حَتَّى إِنِّي لَأَقُولُ: أَسَاقِطٌ هُوَ بِرَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟» وَذَلِكَ مِنْ تَعْظِيمِهِ لله تَعَالَى، وَفِي رِوَايَةٍ:«ثُمَّ يَقُولُ سُبْحَانَهُ: أَنَا اللهُ الرَّحْمَنُ، أَنَا المَلِكُ، أَنَا الْقُدُّوسُ، أَنَا المُؤْمِنُ، أَنَا المُهَيْمِنُ، أَنَا الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ، أَنَا الْمُتَكَبِّرُ، أَنَا الَّذِي بَدَأْتُ الدُّنْيَا وَلَمْ تَكُ شَيْئًا، أَنَا الَّذِي أُعِيدُهَا، أَيْنَ المُلُوكُ؟ أَيْنَ الْجَبَابِرَةُ».
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ وَلله الحَمْدُ.
عِبَادَ الله: خُذُوا العِبْرَةَ مِنْ أَحْدَاثِ هَذِهِ الأَيَّامِ، خُذُوا العِبْرَةَ مِنْ سُقُوطِ عُرُوشِ المُتَكَبِّرِينَ، خُذُوا العِبْرَةَ مِنْ مَصَارِعِ الظَّالِمِينَ، وَنِهَايَاتِ المُتَجَبِّرِينَ، وَاحْذَرُوا الظُّلْمَ بِكُلِّ أَنْوَاعِهِ؛ فَإِنَّهُ قَدْ أَوْدَى بِأَصْحَابِهِ، وَهَبَطَ بِهِمْ مِنْ عَلْيَاءِ العِزِّ وَذُرَى المَجْدِ إِلَى أَرْذَلِ الذُّلِّ وَأَقْبَحِ الذِّكْرِ، وَكَمْ مِنْ عَزِيزٍ ذَلَّ بِظُلْمِهِ! وَكَمْ مِنْ جَبَّارٍ قُصِمَ بِظُلْمِهِ! وَمَا ظَلَمَ وَتَجَبَّرَ إِلاَّ حِينَ غَرَّتْهُ قُوَّتُهُ، وَرَأَى شِدَّةَ سَطْوَتِهِ؛ [وَلَوۡ يَرَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ إِذۡ يَرَوۡنَ
ٱلۡعَذَابَ أَنَّ ٱلۡقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيع
ٗا وَأَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعَذَابِ] {البقرة:165}، /font][font=kfgqpc uthmanic script hafs]فَقُطِعَ دَابِرُ ٱلۡقَوۡمِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْۚ وَٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ[/font][font=traditional arabic {الأنعام:45} /font][font=kfgqpc uthmanic script hafs]وَتِلۡكَ ٱلۡقُرَىٰٓ أَهۡلَكۡنَٰهُمۡ لَمَّا ظَلَمُواْ[/font][font=traditional arabic {الكهف:59}، /font][font=kfgqpc uthmanic script hafs]وَسَيَعۡلَمُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ أَيَّ مُنقَلَب[/font][font=kfgqpc uthmanic script hafs]ٖ[/font][font=kfgqpc uthmanic script hafs] يَنقَلِبُونَ[/font][font=traditional arabic {الشعراء:227}.
وَالشِّرْكُ أَعْظَمُ الظُّلْمِ، وَالمَعَاصِي ظُلْمٌ، وَظُلْمُ العِبَادِ يُورِدُ المَهَالِكَ:«وَاتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الله حِجَابٌ»؛ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، /font][font=kfgqpc uthmanic script hafs]فَتِلۡكَ بُيُوتُهُمۡ خَاوِيَةَۢ بِمَا ظَلَمُوٓاْۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَة[/font][font=kfgqpc uthmanic script hafs]ٗ[/font][font=kfgqpc uthmanic script hafs] لِّقَوۡم[/font][font=kfgqpc uthmanic script hafs]ٖ[/font][font=kfgqpc uthmanic script hafs] يَعۡلَمُونَ[/font][font=traditional arabic {النمل:52}، /font][font=kfgqpc uthmanic script hafs]فَٱنظُرۡ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلظَّٰلِمِينَ[/font][font=traditional arabic {القصص:40}، قَدْ رَأَيْنَا وَرَبِّنَا عَاقِبَتَهُمْ فِي الدُّنْيَا، رَأَيْنَا عَاقِبَةَ بَعْضِهِمْ بَيْنَ العِيدِ السَّالِفِ وَالعِيدِ الحَاضِرِ، وَمَا زِلْنَا نَرَاهَا آيَةً وَعِظَةً وَعِبْرَةً لَنَا، فَمَنْ يَعْتَبِرُ مِنَّا يَا عِبَادَ الله؟!
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ واللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ وَلله الحَمْدُ.
وَمِنَ انْتِقَامِ الرَّبِّ -جَلَّ جَلالُهُ- مِنَ الظَّالِمِينَ أَنَّ الدَّوْلَةَ الأُولَى فِي الظُّلْمِ وَالقُوَّةِ وَالبَغْيِّ وَالاسْتِكْبَارِ قَدْ أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى بَأْسَهُ بِهَا فِي اقْتِصَادِهَا، فَتَضَاعَفَتْ دُيُونُهَا، وَهَبَطَتْ عُمْلَتُهَا رَغْمَ ثَرَوَاتِهَا الضَّخْمَةِ، وَصِنَاعَاتِهَا الكَثِيرَةِ، وَرَغْمَ افْتِعَالِهَا الحُرُوبَ لِنَهْبِ ثَرَوَاتِ المُسْتَضْعَفِينَ، وَرَغْمَ مَا تَفْرِضُهُ مِنْ إِتَاوَاتٍ عَلَى الدُّوَلِ الضَّعِيفَةِ، وَلَكِنَّ أَمْرَ اللهِ تَعَالَى غَالِبٌ، وَقَضَاءَهُ فِيهَا نَافِذٌ، وَاللهُ وَحْدَهُ يَعْلَمُ مَا يَصِيرُ أَمْرُهَا إِلَيهِ ، وَجَمْعٌ مِنْ مُفَكِّرِيهَا يُرَجِّحُونَ تَفَكُّكَهَا، وَانْتِهَاءَ الرَّأْسِمَالِيَّةَ كَمَا انْتَهَتْ الاِشْتِرَاكِيَّةُ قَبْلَ عقْدَيْنِ، وَقَدْ أَذَلَّ اللهُ تَعَالَى قُوَّاتِهَا عَلَى أَيْدِي المُسْتَضْعَفِينَ فِي البِلادِ الَّتِي تَحْتَلُّهَا، حَتَى غَدَتْ مَحَلَّ الشَّمَاتَةِ لِأَعْدَائِهَا.
إِنَّهَا سُنَّةُ الله تَعَالَى فِي الظَّالِمِينَ؛ حُكَّامًا كَانُوا أَمْ مَحْكُومِينَ، وَأَفْرَادًا كَانُوا أَمْ دُوَلاً أَمْ أُمَمًا، وَهُوَ القَائِلُ سُبْحَانَهُ: /font][font=kfgqpc uthmanic script hafs]إِنَّهُۥ لَا يُفۡلِحُ ٱلظَّٰلِمُونَ[/font][font=traditional arabic {الأنعام:21}، وَالظَّالِمُ وَإِنْ طَالَ أَمَدُهُ فَلاَ بُدَّ لَهُ مِنْ يَوْمٍ، وَلاَ يَدُومُ لَيْلُ الظُّلْمِ وَالقَهْرِ عَلَى المَظْلُومِ إِلاَّ بَدَّدَهُ فَجْرُ انْتِصَارِ الله تَعَالَى لَهُ، وَإِنْصَافِهِ مِنْ ظَالِمِهِ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ القَائِلُ فِي دَعْوَةِ المَظْلُومِ:«وَعِزَّتِي لَأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ»، وَكَمْ مِنْ دَعَوَاتٍ لِمُسْتَضْعَفِينَ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ شَقَّتْ عَنَانَ السَّمَاءِ وَالظَّالِمُونَ عَنْهَا غَافِلُونَ، فَاسْتُجِيبَ لَهُمْ!
فَيَالَهُ مِنْ عِيدٍ لِلْمَظْلُومِينَ وَالمُسْتَضْعَفِينَ يَجِدُونَ طَعْمَهُ غَيْرَ طَعْمِ الأَعْيَادِ المَاضِيَةِ فِي شَوَارِعِ تُونُسَ وَمِصْرَ وَلِيبْيَا وَاليَمَنِ، فَالحَمْدُ لله الَّذِي شَفَى صُدُورَهُمْ مِنَ الطُّغَاةِ الظَّالِمِينَ، وَنَسْأَلُهُ أَنْ يُفَرِّجَ عَنِ المُسْتَضْعَفِينَ فِي الشَّامِ المُبَارَكَةِ، وَأَنْ يَجْعَلَ عِيدَهُمْ عِيدَيْنِ بِقُدْرَتِهِ وَعِزَّتِهِ، وَأَنْ يَنْتَقِمَ مِنَ النِّظَامِ البَعْثِيِّ النُّصَيْرِيِّ بِجَبَرُوتِهِ وَقُوَّتِهِ، اللَّهُمَّ آمِينَ.
تِلْكُمْ -عِبَادَ الله- سُنَّةُ الله تَعَالَى فِي الظَّالِمِينَ، وَهَذَا قَانُونُهُ فِي الظُّلْمِ وَأَهْلِهِ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ قَدْ حَرَّمَ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِهِ، وَجَعَلَهُ بَيْنَ عِبَادِهِ مُحَرَّمًا؛ /font][font=kfgqpc uthmanic script hafs]فَهَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ ٱلۡأَوَّلِينَۚ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَبۡدِيلٗاۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَحۡوِيلًا[/font][font=traditional arabic {فاطر:43}، فَعُوا سُنَنَ الله تَعَالَى فِي خَلْقِهِ، وَانْظُرُوا تَدْبِيرَهُ فِي عِبَادِهِ، وَتَأَمَّلُوا آثَارَ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ؛ فَمِنْ أَسْمَائِهِ الحُسْنَى: المَلِكُ، وَالعَزِيزُ، وَالقَدِيرُ، وَالعَظِيمُ، وَالقَوِيُّ، وَالجَبَّارُ، وَمِنْ صِفَاتِهِ العُلَى: المُلْكُ، وَالعِزَّةُ، وَالقُدْرَةُ، وَالعَظَمَةُ، وَالقُوَّةُ، وَالجَبَرُوتُ.. لاَ يُنَازِعُهُ أَحَدٌ مِنَ البَشَرِ فِي شَيْءٍ مِنْ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ إِلاَّ قَصَمَهُ كَمَا قَصَمَ الجَبَابِرَةَ وَالمُتَكَبِّرِينَ فِي القَدِيمِ وَالحَدِيثِ، وَلاَ تُنَاكِفُهُ دَوْلَةٌ فَتَسْتَبِيحُ مَا حَرَّمَ مِنَ الظُّلْمِ إِلاَّ أَدَالَ عَلَيْهَا لِعَدُوِّهَا، وَأَبْدَلَهَا بِعِزِّهَا ذُلاًّ، وَبِقُوَّتِهَا ضَعْفًا، وَجَعَلَ عَاقِبَةَ أَمْرِهَا خُسْرًا، فَسُبْحَانَ ذِي المَلَكُوتِ وَالجَبَرُوتِ وَالكِبْرِيَاءِ وَالعَظَمَةِ؛ [فَلِلَّهِ ٱلۡحَمۡدُ رَبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَرَبِّ ٱلۡأَرۡضِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ٣٦
وَلَهُ ٱلۡكِبۡرِيَآءُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ
] {الجاثية:36-37}.
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ واللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ وَلله الحَمْدُ.
أُيَّهَا المُسْلِمُونَ: وَفِي مَكَانٍ آخَرَ مِنْ بِلادِ المُسْلِمِينَ؛ حَيْثُ الجُوعُ وَالقِلَّةُ وَالجَفَافُ وَالجَدْبُ؛ هَرَبَ أُلُوفٌ فِي الصُّومَالِ مِنَ المَوْتِ، وَنُقِلَتْ صُوَرٌ مِنْ مَآسِيهِمْ تُقَطِّعُ أَنْيَاطَ القُلُوبِ، وَتَسْتَدِرُّ العُيُونَ، وَتُثْبِتُ قَسْوَةَ البَشَرِ فِي العَصْرِ الرَّأْسِمَالِيِّ المُتَوَحِّشِ الَّذيِ يُكَرِّسُ الفَرْدِيَّةَ، وَيَقْضِي عَلَى أَيِّ مَعْنًى لِلتَّرَاحُمِ وَالتَّعَاضُدِ.. هَذَا الفِكْرُ الآسِنُ هُوَ الَّذِي اخْتَرَعَ رَمْيَ فَائِضِ الأَطْعِمَةِ فِي البِحَارِ، وَإِتْلافَ الزَّائِدِ مِنَ المَحَاصِيلِ؛ لِئَلَّا يَصِلَ الطَّعَامُ إِلاَّ لِلْأَغْنِيَاءِ؛ وَلِيَمُوتَ الفُقَرَاءُ مِنَ البُؤْسِ وَالجُوعِ وَالحِرْمَانِ فِي عَالَمٍ شَيْطَانِيٍّ يَصْنَعُ النُّدْرَةَ وَالفَقْرَ، وَيَنْشُرُ الجُوعَ فِي الأَرْضِ؛ لِتَحْقِيقِ مَكَاسِبَ سِيَاسِيَّةٍ وَاقْتِصَادِيَّةٍ؛ وَلِيَكُونَ الأَقْوِيَاءُ أَكْثَرَ قُدْرَةً عَلَى سَحْقِ الضُّعَفَاءِ.
مَاذَا أَغْنَتْ عَنِ المُتَرَنِّحِينَ مِنْ عَلَى عُرُوشِهِمْ أَمْوَالُهُمْ وَمُدَّخَرَاتُهُمْ، وَقَدْ أَجَاعُوا النَّاسَ وَأَفْقَرُوهُمْ، وَحَالُوا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ تَطْبِيقِ دِينِهِمْ؟!
وَمَاذَا أَغْنَتْ عَنِ الدَّوْلَةِ الرَّأْسِمَالِيَّةِ الكُبْرَى حُرُوبُهَا الَّتِي أَشْعَلَتْهَا لِنَهْبِ الثَّرَوَاتِ، وَإِذْلاَلِ الشُّعُوبِ؟!
لاَ شَيْءَ سِوَى العَاقِبَةِ المُخْزِيَةِ، وَالنِّهَايَةِ الأَلِيمَةِ، وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى.
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: وَإِزَاءَ هَذِهِ التَّحَوُّلاَتِ الكُبْرَى فِي تَارِيخِ الشُّعُوبِ الشَّرْقِيَّةِ، وَبَعْدَ انْدِلاعِ الثَّوَرَاتِ العَرَبِيَّةِ، وَتَقَهْقُرِ الصِّهْيَوْنِيَّةِ العَالَمِيَّةِ، وَتَرَاجُعِ الرَّأْسِمَالِيَّةِ الدَّوْلِيَّةِ الَّتِي عَبَرَتِ القَارَّاتِ، وَأَذَلَّتِ العَالَمِينَ، وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ عَلَى أَهْلِ الأَرْضِ قَادِرُونَ، فَأَتَاهُمْ أَمْرُ الله تَعَالَى مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُونَ.. وَبَعْدَ تَرَاجُعِ المَدِّ الفَارِسِيِّ البَاطِنِيِّ، وَقَطْعِ أَقْوَى ذِرَاعَيْنِ دَاعِمَيْنِ لَهُ؛ وَهُمَا: النِّظَامُ اللِّيبِيُّ العُبَيْديُّ البَاطِنِيُّ، وَالنِّظَامُ النُّصَيْرِيُّ العَلَوِيُّ فَإِنَّ مِنْطَقَةَ الشَّرْقِ الإِسْلامِيِّ عَلَى أَعْتَابِ انْقِلابٍ كُلِّيٍّ، وَتَغَيُّرَاتٍ مُؤَثِّرَةٍ، قَدْ تَقْلِبُ الأَوْضَاعَ إِلَى صَالِحِهَا، وَتُعْتِقُهَا مِنْ نَيْرِ الاسْتِعْمَارِ الرَّأْسِمَالِيِّ، وَالتَّبَعِيَّةِ الغَرْبِيَّةِ، وَتَتَخَلَّصُ مِنْ تَسَلُّطِ الفُرْسِ الصَّفَوِيِّينَ، وَمَشْرُوعِهِمُ السَّاسَانِيِّ التَّوَسُّعِيِّ، وَلَكِنَّ ذَلِكَ لَنْ يَكُونَ إِلاَّ بِتَقْوَى الله تَعَالَى، وَالانْحِيَازِ التَّامِّ لِدِينِهِ وَأَوْلِيَائِهِ، مَعَ تَحْقِيقِ التَّآلُفِ وَالاجْتِمَاعِ، وَاسْتِثْمَارِ أَهْلِ الحَقِّ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ -دُوَلاً وَشُعُوبًا- هَذِهِ الفُرْصَةَ التَّارِيخِيَّةَ بِوَحْدَةِ الصَّفِّ، وَإِمَاتَةِ بُذُورِ الشِّقَاقِ وَالخِلاَفِ.
إِنَّ وَاقِعَ المُسْلِمِينَ فِي هَذِهِ الحِقْبَةِ التَّارِيخِيَّةِ الحَاسِمَةِ لاَ يَحْتَمِلُ التَّخَلِّيَ عَنِ شَيءٍ مِنَ الدِّينِ، وَلاَ الاخْتِلاَفَ وَالتَّفَرُّقَ، وَإِلاَّ كَانَتْ عُقْبَى هَذِهِ التَّغَيُّراتِ الَّتِي يَبْدُو ظَاهِرُهَا أَنَّهَا لِصَالِحِ المُسْلِمِينَ فَوْضَى عَارِمَةً، وَهُوَ مَا يَسْعَى إِلَيْهِ الغَرْبُ بِكُلِّ مَا أُوتِيَ مِنْ قُوَّةٍ؛ /font][font=kfgqpc uthmanic script hafs]وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَلَا تَنَٰزَعُواْ فَتَفۡشَلُواْ وَتَذۡهَبَ رِيحُكُمۡۖ وَٱصۡبِرُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ[/font][font=traditional arabic {الأنفال:46}.
إِنَّ الغَرْبَ المَهْوُوسَ بِالعَدَاءِ لِلْإِسْلامِ قَدْ بَانَ لَهُ أَنَّ وُكَلاءَهُ مِنَ اللِّيبْرَالِيِّينَ العَرَبَ يَخْسَرُونَ وَيَنْدَحِرُونَ، وَلاَ تَأْثِيرَ لَهُمْ فِي بِلاَدِ المُسْلِمِينَ، لَوْلاَ مَا يَتَلَقَّوْنَهُ مِنْ دَعْمٍ ضَخْمٍ مِنَ الغَرْبِ وَمِنَ الحُكُوَمَاتِ المُسَتَبِدَّةٍ؛ وَلِذَا لمَّا سَقَطَتْ بَعْضُ الحُكُومَاتِ ظَهَرَتْ حَقِيقَةُ الشُّعُوبِ وَانْحِيَازُهَا لِلْإِسْلامِ، وَبَانَ لِلْغَرْبِ أَيْضًا أَنَّ الفِرَقَ البَاطِنِيَّةَ الَّتِي زَرَعَهَا وَغَذَّاهَا وَمَكَّنَ لَهَا يَنْحَسِرُ مَدُّهَا، وَتَخْسَرُ مُكْتَسَباتِهَا، وَأَنَّ السَّلَفِيَّةَ الَّتِي تُمَثِّلُ الإِسْلامَ الحَقَّ تَتَقَدَّمُ بِقُوَّةٍ فِي الشُّعُوبِ الَّتِي حُرِّرَتْ مِنَ اسْتِعْبَادِ الظَّلَمَةِ المُسْتَبِدِّينَ؛ وَلِذَا تَشَكَّلَ حِلْفٌ بَيْنَ اللِّيبْرَالِيِّينَ وَسَائِرِ الطَّوَائِفِ البَاطِنِيَّةِ لِضَرْبِ السَّلَفِيَّةِ، وَتَشْوِيهِ صُورَتِهَا، وَتَنْفِيرِ النَّاسِ مِنْهَا، وَظَهَرَتْ آثَارُ هَذَا الحِلْفِ فِي الهُجُومِ المُرَكَّزِ وَالمُتَتَابِعِ عَلَى السَّلَفِيَّةِ، وَوَصْمِهَا بِالوَهَّابِيَّةِ مِنْ قِبَلِ الطَّوَائِفِ البَاطِنِيَّةِ المُتَرَنِّحَةِ، وَفُلُولِ العَلْمَانِيِّينَ مِنْ لِيبْرَالِيِّينَ وَيَسَارِيِّينَ، وَلَكِنَّ أَمْرَ الله تَعَالَى غَالِبٌ، وَدِينَهُ ظَاهِرٌ، وَأَمْرَهُ نَافِذٌ؛ /font][font=kfgqpc uthmanic script hafs]وَقَدۡ مَكَرُواْ مَكۡرَهُمۡ وَعِندَ ٱللَّهِ مَكۡرُهُمۡ وَإِن كَانَ مَكۡرُهُمۡ لِتَزُولَ مِنۡهُ ٱلۡجِبَالُ[/font][font=traditional arabic {إبراهيم:46}، [يُرِيدُونَ أَن يُطۡفِ‍ُٔواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفۡوَٰهِهِمۡ وَيَأۡبَى ٱللَّهُ إِلَّآ أَن
يُتِمَّ نُورَهُۥ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡكَٰفِرُونَ ٣٢ هُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ
رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِينِ ٱلۡحَقِّ لِيُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ
كُلِّهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡمُشۡرِكُونَ
] {التوبة:32-33}، فَأَبْشِرُوا -عِبَادَ الله- بِعِزٍّ لِلْإِسْلامِ وَنَصْرٍ لِلْمُسْلِمِينَ لاَ يَخْطُرُ لَكُمْ عَلَى بَالٍ، وَبِمُسْتَقْبَلٍ لِهَذَا الدِّينِ عَظِيمٍ، فَتَمَسَّكُوا بِدِينِكُمْ؛ فَإِنَّ فَرَجَ الله تَعَالَى قَرِيبٌ، وَإِنَّ فَجْرَ الإِسْلامِ يَبْزُغُ الآنَ مِنْ جَدِيدٍ؛ /font][font=kfgqpc uthmanic script hafs]وَٱللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰٓ أَمۡرِهِۦ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ[/font][font=traditional arabic {يوسف:21}.
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ واللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ وَلله الحَمْدُ.
أَيُّتَهَا المَرْأَةُ المُسْلِمَةُ، أَيُّتَهَا الحَصَانُ الرَّزَانُ: اعْلَمِي أَنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ أَكْرَمَكِ بِالإِسْلامِ، وَاسْتَنْقَذَكِ بِهِ مِنْ جَاهِلِيَّةِ العَرَبِ؛ حِينَ كَانَ وَاحِدُهُمْ يَغْذُو كَلْبَهُ، وَيُجِيعُ امْرَأَتَهُ، وَيَئِدُ ابْنَتَهُ.. وَحِينَ كَانَتِ المَرْأَةُ عَلَى هَامِشِ الحَيَاةِ، فَأَكْرَمَهَا اللهُ تَعَالَى بِالإِسْلامِ، وَنَوَّهَ بِذِكْرِهَا فِي القُرْآنِ، وَأَلْزَمَ الرِّجَالَ بِحُقُوقِهَا، وَمَنْ شُكْرِ الله تَعَالَى عَلَى هَذِهِ الكَرَامَةِ العَظِيمَةِ التَّمَسُّكُ بِأَحْكَامِ الإِسْلامِ، وَلاَ سِيَّمَا فِي جَوَانِبِ الحِجَابِ وَالاحْتِشَامِ وَالحَيَاءِ، وَمُجَانَبَةُ مُخَالَطَةِ الرِّجَالِ، وَالحَذَرُ مِنْ رَفْضِ قَوَامَتِهِمْ عَلَى النِّسَاءِ، أَوْ مُنَاكَفَةِ الله تَعَالَى فِي أَحْكَامِهِ الَّتِي شَرَعَهَا، فَأَيُّ شُكْرٍ عَلَى الإِسْلامِ الَّذِي كَرَّمَ المَرْأةَ أَنْ تُقَابِلَهُ المُسْلِمَةُ بِرَفْضِ بَعْضِ أَحْكَامِهِ؟!
إِنَّ المُنَافِقِينَ وَالشَّهْوَانِيِّينَ يَدْعُونَ المَرْأةَ لِلتَّمَرُّدِ عَلَى رَبِّهَا، وَرَفْضِ أَحْكَامِ دِينِهِ، وَتَالله لاَ تُطِيعُهُمُ امْرَأَةٌ إِلاَّ أَوْبَقُوهَا، وَأَوْرَدُوهَا المَهَالِكَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، مَاذَا يَبْقَى لِلْمُسْلِمَةِ إِنْ أَطَاعَتِ المُنَافِقِينَ، فَرَفَضَتْ أَحْكَامَ الله تَعَالَى فِي صِيَانَتِهَا وَعَفَافِهَا، وَلْتَنْظُرِ المُسْلِمَةُ مَا فَعَلَتْ فَرَنْسَا بِالمُنْتَقِبَاتِ.. تِلْكَ البِلادُ الَّتِي تُسَمَّى بِلادَ الحُرِّيَّةِ وَالأَنْوَارِ، وَمِنْهَا انْطَلَقَتْ ثَوَرَاتُ الحُرِّيَّةِ إِلَى سَائِرِ أُورُبَّا، هَا هِيَ الآنَ تَنْتَهِكُ الحُرِّيَّةَ الشَّخْصِيَّةَ وَالحُرِّيَّةَ الدِّينِيَّةَ، وَتُصَادِرُ حَقَّ المُسْلِمَةِ فِي حِجَابِهَا وَنِقَابِهَا، وَحُرِّيَّتِهَا الشَّخْصِيَّةِ، وَهَذَا أَوْضَحُ دَلِيلٍ وَأَقْوَى بُرْهَانٍ عَلَى هَزِيمَةِ الأَفْكَارِ المُحْدَثَةِ أَمَامَ الإِسْلامِ!
نَعَمْ وَالله لَمْ تَسْتَطِعِ الحُرِّيَّةُ الغَرْبِيَّةُ الَّتِي سَلَبَتْ أَلْبَابَ التَّغْرِيبِيِّينَ وَاللِّيبْرَالِيِّينَ أَنْ تَصْمُدَ أَمَامَ الإِسْلامِ وَشَعَائِرِهِ؛ فَتَخَلَّى الأُورُبِّيُّونَ عَنْ لِيبْرَالِيَّتِهِمُ الَّتِي عِمَادُهَا الحُرِّيَّةُ خَوْفًا مِنَ الإِسْلامِ، وَهَذِهِ بِدَايَةُ النِّهَايَةِ لِلِّيبْرَالِيَّةِ بِإِذْنِ الله تَعَالَى؛ فَإِنَّ الشُّيُوعِيَّةَ مَا انْدَحَرَتْ وَتَفَكَّكَتْ دَوْلَتُهَا الأُولَى إِلاَّ لمَّا تَخَلَّى أَرْبَابُهَا عَنِ الأَسَاسِ الَّذِي قَامَتْ عَلَيْهِ وَهُوَ الاشْتِرَاكِيَّةُ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ هَزِيمَةِ اللِّيبْرَالِيَّةِ إِلاَّ أَنَّ أُورُبَّا بِقَضِّهَا وَقَضِيضِهَا وَتَارِيخِهَا وَفَلْسَفَتِهَا وَتَقَدُّمِهَا وَتَطَوُّرِهَا قَدْ هُزِمَتْ أَمَامَ نِقَابِ امْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ لاَ حَوْلَ لَهَا وَلاَ قُوَّةَ!! وَهَذَا كَافٍ فِي الدَّلالَةِ عَلَى أَنَّ الأَفْكَارَ المُنْحَرِفَةَ -وَإِنْ كَانَتْ أَخَّاذَةً بَرَّاقَةً- لاَ يُمْكِنُ أَنْ تَصْمُدَ أَمَامَ الإِسْلامِ وَشَعَائِرِهِ، فَلِلَّهِ الحَمْدُ الَّذِي نَصَرَ شَعِيرَةَ النِّقَابِ عَلَى أُورُبَّةَ الصَّلِيبِيَّةِ العَلْمَانِيَّةِ حَتَّى خَافَتْهُ وَمَنَعَتْهُ.
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ وَلله الحَمْدُ.
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: ابْتَهِجُوا بِعِيدِكُمْ فِي حُدُودِ مَا أَحَلَّ اللهُ تَعَالَى لَكُمْ، بَرُّوا وَالِدِيكُمْ، وَصِلُوا أَرْحَامَكُمْ، وَأَحْسِنُوا إِلَى جِيرَانِكُمْ، وَوَسِّعُوا عَلَى أَهْلِكُمْ، وَأَدْخِلُوا البَهْجَةَ فِي قُلُوبِ أَطْفَالِكُمْ، فَالْيَوْمُ عِيدُهُمْ، فَاجْعَلُوهُ لَهُمْ عِيدًا وَحُبُورًا، وَلاَ تَنْسَوْا إِخْوَانَكُمُ المَحْرُومِينَ وَالجَوْعَى فِي الصُّومَالِ وَغَيْرِهَا؛ ابْذُلُوا لَهُمْ شَيْئًا مِنْ أَمْوَالِكُمْ؛ شُكْرًا لِنِعْمَةِ رَبِّكُمْ، وَأَدَاءً لِحُقُوقِ إِخْوَانِكُمْ عَلَيْكُمْ، وَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ لِإِخْوَانِكُمُ المُسْتَضْعَفِينَ فِي سُوِريَّا؛ فَإِنَّ نَصْرَهُمْ سَيُكُونُ عِزًّا لِلْإِسْلامِ وَالمُسْلِمِينَ، عَجَّلَ اللهُ تَعَالَى فَرَجَهُمْ، وَرَبَطَ عَلَى قُلُوبِهِمْ، وَثَبَّتَ أَقْدَامَهُمْ، وَأَيَّدَهُمْ بِجُنْدِهِ، وَأَمَدَّهُمْ بِمَدَدِهِ؛ آمِينَ.
أَعَادَهُ اللهُ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْكُمْ وَعَلَى المُسْلِمِينَ بِاليُمْنِ وَالإِيمَانِ وَالسَّلاَمَةِ وَالإِسْلامِ، وَتَقَبَّلَ اللهُ مِنَّا وَمِنْكُمْ صَالِحَ الأَعْمَالِ.
[
المرفقات

0خطبة عيد الفطر المبارك1432.doc

0خطبة عيد الفطر المبارك1432.doc

خطبة عيد الفطر المبارك1432.doc

خطبة عيد الفطر المبارك1432.doc

م خطبة عيد الفطر المبارك1432.doc

م خطبة عيد الفطر المبارك1432.doc

المشاهدات 13016 | التعليقات 13

جزاكم الله خيرا خطبة طيبة نافعة تحي واقع الأمة نسأل الله أن يهيئ لها من يعيد لها هيبتها وعزها


الله الله
من أجمل الخطب التي قرأتها

ماشاء الله عليك


فعلاً خطبة رائعة جداً نفع الله بكم وبارك في جهودكم
وجزاكم عنا خيراً


الإخوة الأفاضل الكرام شبيب القحطاني وفهد بن غنيم والشمراني.. أهنئكم بالعيد المبارك وأشكر لكم مروركم وتعليقكم على هذه الخطبة وأسأل الله تعالى أن ينفع بكم وأن يجزيكم عني خير الجزاء آمين..
والتهنئة موصولة لجميع أعضاء هذه الشبكة المباركة فعيدكم مبارك، كل عام أنتم بخير وتقبل الله تعالى طاعتكم أجمعين.. اللهم آمين..


نفع الله بك الاسلام والمسلمين
مسدد وموفق ومعان


حياك الله تعالى أخ منير ونفع بك واستجاب دعاءك وشكر لك مرورك وتعليقك ودعاءك.. اللهم آمين


أخوانك من منبر الطائف
يشكرنك على جهودك المباركة
ويتمنون التواصل معك .


حياكم الله تعالى يا مشايخ منبر الطائف..
والعتب على النظر فقد كنت أقرأها بالياء، وأظنه اسم منير فعذرا.
ويشرفني التواصل معكم بارك الله تعالى فيكم ونفع بكم


شيخنا المبارك أرسل إليك أخوانك ومحبيك
رسالة على الخاص نود أستلامها والاطلاع عليها .


حياكم الله تعالى يا مشايخ منبر الطائف وقد فتحت الخاص بعد جهد لأني لا أعرف التعامل معه ورأيت رسالتكم فجزاكم الله تعالى خيرا على حسن ظنكم، وأوافق على مقترحكم نفع الله تعالى بكم آمين..