خطبة عيد الغطر 1437هـ

د. منصور الصقعوب
1437/09/30 - 2016/07/05 12:15PM
الحمد لله رب العالمين, إلهِ الأولين والآخرين وقيوم السموات والأرضين, ومالكِ يوم الدين
الحَمدُ للهِ مُعِزِّ الحَقِّ وَمُبدِيهِ، وَمُذِلِّ البَاطِلِ وَمُردِيهِ، لَهُ المَشِيئَةُ المَاضِيَةُ، وَالعَظَمَةُ البَادِيَةُ
تسبح له السموات ومن سكنها, والأرض ومن عمرها, والنجوم وما نوّرت، والجبال أينما رست, والشمس والقمر, وما في البر والبحَر, وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم، الإله الذي خلق الخلق فأحصاهم عدداً وأوجد العباد لحكمة وما تركهم سدى, علمه كامل وسمعه تامٌ وبصره نافذ, لا يغيب عنه شيء ولا يعجزه شي, فهو القوي الرقيب, والخالق الحسيب, والقريب المجيب.
أَحمَدُهُ حَمدًا لا انتِهَاءَ لأَمَدِهِ، وَأَشكرُهُ شُكرًا لا إِحصَاءَ لِعَدَدِهِ، وَأَشهَدُ أَنَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَردٌ صَمَدٌ، لا شَرِيكَ لَهُ وَلا صَاحِبَةَ وَلا وَلَدَ.
وَأَشهَدُ أَنَّ محمدًا عَبدُهُ وَرَسُولُهُ، وَصَفِيُّهُ وَخَلِيلُهُ، اختَصَّهُ بِرِسَالَتِهِ وَحَبَاهُ، وَأَولاهُ مِنَ الكَرَامَةِ مَا حَازَ بِهِ الفَضلَ وَحَوَاهُ، بَعَثَهُ عَلَى حِينِ فَترَةٍ مِنَ الرُّسُلِ، وَخَلاءٍ مِن وَاضِحِ السُّبُلِ، فَجَاهَدَ بمن أَطَاعَهُ مَن عَصَاهُ، وَبَلَغَ في الإِرشَادِ غَايَتَهُ وَمُنتَهَاهُ
فصلى الله عليه وسلم ما دار في السماء فلك، وما سبّح في الملكوت ملك، وعلى آله وصحبه أجمعين ومن سار على نهجه واستنّ بسنته إلى يوم الدين.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد
الله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً وسبحان الله بكرة وأصيلاً
أما بعد فاتقوا الله ربكم (يا أيها الذين آمنوا اتقوا ولا تبطلوا أعمالكم)
يا أهل العيد: يا من أدركتم شهركم وصمتم وقمتم لله ربكم, يا من طالت أعماركم فأدركتم عيدكم؛ يا أيها الكرام ها هو العيد قد جاء, وقدومه يبين لنا بجلاء سرعة تقضي الأيام وتوالي الأعمار, جاء العيد والمؤمن يفرح بفضل الله ورحمته, وللعيد فرحة ينبغي أن نحققها في قلوبنا, فبرغم أننا فارقنا شهراً عزيزاً على قلوبنا, إلا أن المؤمن يسعد بإكمال العدة وبفضل الله في التوفيق للطاعة, جاء العيد بعدما صام أقوام وتعبدوا, وفرّط فئام وقصروا, فمضت اللذة والعناء وبقي الأجر أو الشقاء, يفرح اليومَ في العيد الناس, والمستحق للفرح هو من أطاع ربه وأخسأ شيطانه وخالف هواه وقام بما أوجب عليه مولاه, فلهؤلاء العيد, وهم أسعدُ الناس بفرحته.
الله أكبر الله أكبر لا اله إلا الله والله أكبر.
ولئن كنا نرى اليوم فرحة الناس بالعيد, فإن هذه هي الفرحة الظاهرة, ونحن نؤمل من ربنا أن ينيلنا الفرحة المخفاة في الآخرة, حين نلقاه وقد قبل صومنا وعملنا, وغفر ذنبنا ورضي عنا, حين ينادى بأهل الصيام من عند باب الريان, وحين يفرح الصائم بلقاء ربه, فيا بشرى من نال الفرحة الحقة, تمم الله عليكم بالقبول والغفران.

معشر الأحبة: حين يفرح الناس برمضان, ويحزنون بفراقه, فإنما ذلك لأنهم يقربون فيه من الله وفي ذلك العيش الحقيقي, نعم لقد جاعت بطونكم وربما تعبت من القيام أبدانكم, ولكن السعادة مع كل هذا كانت تغمر قلوبكم, ولعمري فهذه هي لذة الطاعة التي يبحث عنها كل مسلم, لا توجد في لذائذ الدنيا كلها, فإن أردت أن تذوق لذتها ويدوم معك طعمها, فدم على العهد مع الله, وتقلب بين العبادات بين فرض ونافلة, أحب ما تتقرب به للملك سبحانه فرائض العبادات, ونوافلها تهيئك لأن تكون ممن يحبهم الله, ولا تسل بعدها عن كرامة الله لأحبابه
معشر الكرام: والتعبد للمولى يكون بالترك كذلك, فحين تتراءى لك معصية فتذكر الذي تعبدت له في رمضان, وأن ترككَ الذنب لأجله عبادة, وتعظيمٌ لحرماته, وقد قال عمر ط: ما تُقرب إلى الله بشيء أحب إليه من ترك ما حرّم, فتقرب لمولاك بترك ما نهى, ولو مال له الهوى, واستفد من مدرسة رمضان العزيمةَ والإرادة على ترك ما تريد, فأنت قادر بعون الله, ألست الذي صُمتَ شهراً من أطول الأزمان نهاراً وأشدِها حراً؟ قدِرت حين عزمت, ولا تقفُ أمام عزيمة المؤمن شيء, قل للنفس لن تغلبني معصية أتركها لله ربي, والذي أنعم عليك فأسبغ, وتفضل عليك فأبلغ, وخلق الكون فأبدع, ويراك أينما تكون ويبصر ويسمع, يستحق أن تترك ما تهواه لأن الله لا يرضاه.
يا أهل العيد: جئتم اليوم وقد بيضتم الثياب, ونظفتم الأبدان, فنعم ما صنعتم, وتكمل الروعة حين تراعون القلوب كذلك, أجل يا مؤمنون, فما أحلاها من قلوب نظفت غوائلها كما نظفت اليوم ثيابها, وسلّمت نفوسها كما تعاهدت أبدانها.
ما أروعها من قلوبٍ قلوبٌ لم تنس اليوم الضعفة, فتفقدت المحتاجين, وأسعدت الغرباء, وواست المكلومين, وعطفت على المساكين, وأشركتهم فرحة العيد.
ما أجملها من قلوبٍ, قلوب تعالت على حظوظها, ووصلت اليوم أرحامها, ليس في قاموسها أنا أحق بالصلة, وأنا أولى بالزيارة.
ما أحسنها من قلوب قلوبٌ حملت في العيد راية التصافي, وأزالت ما تراكم على القلوب من شحناء وقطيعة, ومن لم يصل رحمه في الأعياد فمتى يكون الوصال, وإن لم نفرغ أنفسنا فيه لصلة من حقهم معلق بعرش الرحمن, وفيه يقول ; " الرحم معلقة بعرش الرحمن فمن وصلها وصله الله ومن قطعها قطعه الله" إن لم توصل في العيد فمتى؟, وأولى الناس بالله من بدأهم بالسلام, قاله عليه الصلاة والسلام.
معشر الكرام: حدثٌ كدر صفونا, وحير كل حليم منّا, في مدينة المصطفى ;, وفي أجواء رمضان, ومع تحين إجابة الدعاء قبيل الإفطار, تحركت عقارب الغدر في الصدور, وتنفست عن الحقد المكنون, تسلل ذلك المفتون, ليفجر ويقطع جسده أشلاء, وأين يفجر؟ أفي تل أبيب, أم في طهران وقُّم, كلا بل فجر الفاجر في أطهر بقعة, قرب مسجد نبينا, بل وعلى بعد خطوات من مرقده ومرقد أصحابه, وفي بقاع مشى عليها رسولنا, وديار أحبها, بدافع ماذا؟! لا ينقضي العجب إذا علمت أن هذا بدافع الجهاد ونصرة الدين, فنعوذ بالله من الضلال.
وهنا يا كرام نذكّر بأن الشيطان لا يعنيه في معركته معنا أكسب من المرء انحرافاً أو غلواً, إفراطاً أو تفريطاً, فأي البابين كسبه من العبد فهو رابح, ولهذا أفسد قوماً بالشهوات, وأفسد قوماً بالغلو والشبهات, ومن كليهما عانت الأمة.
نحن نقول لأمل الأمة, نقول للشاب الذي ترجّي منه الأمة مجداً ونصرة وعزاً: احذر أن يستزلك الشيطان فيحرف غيرتك للدين لمثل هذه المسالك, فمن له أدنى مسكة عقل يوقن أن مثل هذا ليس من الجهاد في شيء, وأي جهاد في إرهاب المسلمين, وفي ديارهم, بل وفي حرم نبيهم, وقد قال ; «فَمَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لاَ يُقْبَلُ مِنْهُ يَوْمَ القِيَامَةِ صَرْفٌ وَلاَ عَدْلٌ"
كارثةٌ والله أن يصل الأمر بالشاب إلى أن يَرى في مثل هذا نصرةً, وأن يقره أدنى إقرارا, بله أن يفعله, كارثة أن يأخذ دينه وعقيدته من معرّفات مجهولة وأسماءَ مستعارة, وقومٍ عُرف كثير منهم بالغلو,ويدع العلماء الذين أجمعت الأمة على ديانتهم
وليست التضحية بالروح والبحث عن الشهادة كافٍ في التزكية, فقاتل علي, وقتلة عثمان م كانوا في جريمتهم يبحثون عن الشهادة وإعزاز الأمة, لكنه الانحراف والله المستعان.
وليس يخفى أن أول مستفيد من هذه الحوادث هم أعداء الدين, الذين يسعون لهزّ أمننا جاهدين, بل ولا نشك أنهم هم المخططين, وبعض شبابنا هم المنفذين, فرحماك ربنا رحماك.
ومسلك الخوارج ليس بجديد على الأمة, فقد وجد في عهد الصحابة, وقال عنهم ابن تيمية: لم يكن أحدٌ شراً على المسلمين منهم, لا اليهود ولا النصارى; فإنهم كانوا مجتهدين في قتل كل مسلم لم يوافقهم، مستحلين لدماء المسلمين وأموالهم وقتل أولادهم، مكفّرين لهم، وكانوا متدينين بذلك لعظم جهلهم وبدعتهم المضلة, نسأل الله الهداية لنا ولجميع المسلمين
معشر الكرام: وكما نحذر من الغلو هنا فلقد بات الغلو على النقيض خطره ظاهراً, وشرره مستطيراً, فالغلو في السخرية بالدين من قِبَلِ المنافقين, والتطاولُ على شعائر الإسلام, والتجني على مسلّمات ديننا وصحابة نبينا, وإشاعة الفحشاء في مجتمعنا, وهدم الأخلاق في شبابنا, غلوٌ بات اليوم يظهر لكل ناظر, تتزعمه قنواتٌ تصدح في بيوتنا, وتزعم أنها تمثلنا, عبر برامج تلبس الشبهات, وتذكي الشهوات, والخطر على شبابنا والله من البابين, والجناية على الدين والعقيدة من الجانبين, فيا أيها الأولياء, قوا أولادكم غمرات الغلو بتجفيف منابعه, وجنبوهم شرارات الفجور بوأد أبوابه وقنواته, ولو قيل هذه أفعى في بيتك لهرعت لقتلها كي لا تؤذي أحداً, ومصيبة الدين أشد, وضرر بعض هذه القنوات على الدين والعقيدة أنكى من الأفاعي
ولن تجدوا أنقى ولا أوثق من حياض العلم, وحلقات القرآن, فهناك المورد الآمن من الغلو من الجانبين
اللهم قنا وأولادنا والمسلمين شر الفتن ما ظهر منها وما بطن, واعصم بلادنا وبلاد المسلمين من الاضطراب والانحراف
الخطبة الثانية: معشر المسلمين: أما وقد انتهى رمضان فإن المؤمن عُمُرُة كلُه عبادة, ومادام النفَس يتردد فهو لربه يتعبد, وما رمضان إلا موسم مضاعفة ومحطة استزادة, وما زلنا في الطريق الذي سينتهي بحلول الأجل.
يا من عمرتم المساجد في رمضان صلاة وقياماً, يا من تقلبتم في الطاعات ليلاً ونهاراً, حزتم كنوزاً فعليها فحافظوا.
يا مؤمن: القرآن عشنا معه أوقاتاًَ رائعة, وليالي ماتعة, فدم عليه, ولا تنقطع عنه, فالحرمان أن نعود بعد رمضان لهجره
الصدقات والإنفاق, موسمها كل آن, وحاجة الفقراء بعد رمضان أشد, فدم على السخاء والبذل زكاة وتطوعاً,.
الصيام نافلة يباعد المولى بها العبدَ عن النيران سبعين خريفاً فطوبى لمن خرج من رمضان وقد عزم أن يكون له عباداتٍ يداومها, وقرباتٍ يفيء لها, وأحبُ العمل ما دووم عليه.
يا مؤمن: أحسن الظن بربك أن أعتق من النار رقبتك, فلا تعد لتوبقها في النار كرة أخرى, أحسن الظن به أن قد أنار قلبك فلا تطفئه بالأوزار تارة أخرى, فالتحدي يبدأ اليوم, حين يقلّ المعين على الطاعة, وينتهي شهر العبادات الجماعية, وينطلق الشياطين, فاستعن بالله وسله التوفيق والعصمة, والدنيا كلها ابتلاء, ويوشك المرء أن يترحل عنها, فطوبى والله لمن صابر نفسه عن المحرمات, وجدّ في الطاعات, فذاكم هو التوفيق الحقيقي.
أيتها المرأة المسلمة: يا ابنة الإسلام يا من تنتسبين لأشرف الأديان وخير الرسل, لا تظني المجد والشرف حكراً على الرجال, ولا نفع الأمة من خصوصياتهم وحدهم, كلا, بل المسلمون اليوم هم إلى المرأة المتمسكة بدينها أحوج ما يكونون
كوني قدوة في مجتمعك مؤثّرة في عائلتك داعية بقولك وفعالك, الجيل يتخرج على يديكِ والأزواج لك عليهم التأثير الكبير فما هو أثرك على الجميع في استصلاحهم.
اغرسي الخير دعوة ومناصحة توجيهاً وتربية تجدين ذلك يوم تنشر الدواوين
أيتها الفاضلة: الرهان عليك كبير, ومكر الأعداء مستطير, وكل هذا يبوء بالفشل حين تعيشين في الدينا صالحة مصلحة, صالحة في نفسك, مصلحة لذريتك ومجتمعك, والأمر ليس إلا كلمة نصح تقدميها, وتذكير تسدينه, وتعليم للجيل توجهينه
أختنا الموفقة: يحدثونك عن حرية المرأة ولا حرية ولا عزّ للمرأة أفضل من عبوديتها لله, ولا ذل ولا تخلف أشد من تنكبها لأوامر الدين.
يا مؤمنة: الذي أمر الرجال بغض البصر أمرك بذلك, وفي زمن التقنية الحديثة انفتحت أبواب للنظر لا حصر لها, وكم جرّ التساهل فيها من شرور, فإذا أردت أن يسلم لك قلبك, فغضي البصر عما حرم الله, وإذا أردتي أن تكون مرتاحة البال فغضي البصر عما لا ثمرة منه من تتبع تفاصيل حياة فلانة وفلان, فذاك فوق أن يشغل ويلهي, يضعف القناعة فيما رزقتِ من نعم, ومن فقد القناعة في نعمه فقد السعادة من حياته
أيتها الموفقة: القابضة على عبائتها, وعفتها, وأخلاقها, وحيائها, وشرفها, لن نقول بأنها قابضة على الجمر, فمجتمعنا خيره أغلب بحمد الله, ولكن نقول بأنها قابضة على شرف الدنيا وشرف الآخرة.
ليس الشأن أن يصفق لك الحاضرات بجمال ملبسك, وجديد موضتك, الشأن أن ترضي ربك الذي أطعمك من جوع وسترك من عري, وآمنك من خوف.
أمة الإسلام: حينما خاطب النبي ; الصحابيات في خطبة العيد ويوم الفرح قائلاً لهن: " تصدقن فإنكن أكثر أهل النار" بيّن لهن سبب ذلك وأنه اللسان, فقال" تكثرن اللعن وتكفرن العشير" فلسان المرأة أخطر عليها من كل شيء, ربما كانت مصلية صائمة, لكنها تهدم كل ذلك بلسانها, بالغيبة تارة, والسخرية والتنقص تارة, والتطاول على الزوج تارة, وغير ذلك, فصوني لسانك عما يسوء, وأطلقيه فيما يُحمد
ولقد اختصر الرحيم ; طريق النجاة في أربع خصال " إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحفظت فرجها وأطاعت زوجها دخلت الجنة" فاعرضيها على نفسك كل يوم, وحذار أن تقصري في أي منها, لتستنقذي نفسك من النار.
وبعد معاشر المسلمين: فقد كان من سنة المصطفى عليه السلام أنه إذا أتى من طريق رجع من طريق آخر فليتحر المرء تطبيقها, ويقرر أكثر العلماء أن من لم يخرج زكاة الفطر قبل الصلاة تعين عليه إخراجها وهو آثم إن كان التأخير بلا عذر, فامضوا اليوم لعيدكم وافرحوا بيومكم, وحق لكم أن تفرحوا وقد اصطفاكم ربكم من بين الناس فجعلكم مسلمين, وأمد في أعماركم فبلغكم تمام الشهر وأنتم سالمين, أسأل الله أن يفرحكم بمرضاته وأن يكرمكم بجناته وأن يسعدكم بلقائه , اللهم صل وسلم على نبينا محمد
المشاهدات 1915 | التعليقات 1

استفدنا من خطبتك ياشيخ منصور, لاحرمك الله أجرها.