خطبة عيد الأضحى 1444 هـ: "يوم تعظيم الشعائر والحرمات، وإصلاح الذات وما فسد من العلاقات"

محضي عبد المالك
1444/11/25 - 2023/06/14 18:55PM

الخطبة الأولى:

الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد.

الله أكبر ما عنت الوجوه لعظمته، والله أكبر ما خضعت الخلائق لقدرته، الله أكبر ما ذكره الذّاكرون، والله أكبر ما هلّل المُهلّلون وكبّر المُكبّرون. الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً.

الله أكبر الله أكبر الله أكبر.. الحمد لله الذي خصّنا بأفضل الشّرائع وأتمّ الرّسالات، والحمد لله على ما منّ به علينا في عيدنا هذا من الفرح والبهجة والمسرّات، وأكرمنا فيه بإقامة الشّعائر وإعلانها وإعلائها وبتعظيم الحٌرمات، وأشهـد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، سبحانه القائل في كتابه: ﴿ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ﴾، جلّ شأنه أرشدنا إلى الخير ودلّنا على المطلوب، فقال: ﴿ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾، وأشهد أن سيّدنا محمّدا عبده ورسوله، أفضل الورى وسيّد الأنام، خيرُ من صلّى ونحر وحجّ البيت الحرام، صلّى الله عليه وسلّم وعلى آله وصحبه الكرام، وعلى التّابعين ومن تبعهم بإحسان واقتفى أثرهم على الدّوام.

أمّا بعد: فاتّقوا الله تعالى -عباد الله-، واعرفوا فضله عليكم بهذا العيد، الذي خرجنا فيه لربّنا حامدين مُعظّمين، وبنعمته فرحين، فسبحان من جعل اظهار الفرح فيه من شعائر الدين.

الله أكبر الله أكبر الله أكبر.. عباد الله: يومنا هذا هو يوم تكبير المولى -جلّ جلاله-، فما شرع هذ العيد إلّا لنوقن أنّ الله أكبر من كلّ شيء. فـ "الله أكبر" أدرَكَ حقيقتها وعَظّمَها حَقّ التّعظيم، خليلُ الله إبراهيم، فانقاد إلى تنفيذ أمر الله في ولده طاعة لله، لا لشيء إلّا لأنّ الآمر أكبرُ من كلّ شيء.

فيا عبد الله: اعلم أنّك لن تُحقّق معنى (الله أكبر) إلّا إذا ذبحتَ هواكَ وشهوةَ نفسك ووساوسَ شيطانك طاعةً لله وابتغاء رضاه. فإنّه من رحمته بنا لم يُطالبنا بما لا طاقة لنا به لعلمه بضعف يقيننا، وإنّ كلّ أمر في سبيل مرضات ربنا والفوز بجناته يهون، ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾.

عباد الله: "الله أكبر" يكفيها فضلا ثوابا قول نبيّنا الكريم ﷺ: "ما أهلّ مُهلّ قطّ، ولا كبّر مُكبّر قطّ، إلّا بًشّر بالجنّة" [البخاري]، ألا فعظّموا ربّكم بكلمات التّكبير عقب كلّ صلاة، ابتداء من صلاة ظهر اليوم، إلى صبح اليوم الرابع، ألا فاصدحوا بها واعرفوا قدرها وعلّموها الكبير والصّغير.

الله أكبر الله أكبر الله أكبر.. عباد الله: يومنا هذا هو يوم الحج الأكبر، والحج شعيرة ربانية لا جولة سياحيّة، ليس همّ الحاجّ فيها التماسَ الرّاحة وطلبَ وسائل الرّفاهيّة، بل لابدّ أن يتواضع فيه النّاس ويكونوا شُعثا غُبرًا أذلّاء مُتمَسكنين، حتى يحققوا مقصد تلكم الشعيرة العظيمة، والتي ما رُئِيَ الشّيطان وأعوانه أصغر ولا أحقر ولا أدحر إلّا عند إقامتها.

الله أكبر الله أكبر الله أكبر.. عباد الله: يومنا هذا هو يوم النحر، قال -جلّ جلاله-: ﴿وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ﴾، فالأضحية يجب أن تكون منذ شرائها شيئا مُعظّما مُقدّسا مُحترمًا حتّى موعد ذبحها، لذا نبّه الشّرع على ضرورة كمالها وخلوّها من العيوب، وشدّد على عدم التّقصير في رعايتها، وأرشد إلى الإحسان إليها، وما ذاك إلّا تعظيما لهذه الشعيرة العظيمة التي قال ربنا في حقّها: ﴿لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِن يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنكُمْ﴾.

عباد الله: واجبٌ على كلّ مؤمن أن يفهم حقيقة تلك الشّعائر ويعظّمها حقّ التّعظيم، وإلّا ضاع جزٌء عظيمٌ من هذا الدّين، وهان وضعف في قلوب حملته من المسلمين.

نسأل الله أن يكرمنا بالفقه في الدّين، وأن يجعلنا من العاملين به، آمين.

أقول ما سمعتم...

الخطبة الثانية:

الله أكبر الله أكبر الله أكبر.. الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة وأصيلاً. لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون.

أمّا بعد -عباد الله-: يومنا هذا هو يوم تعظيم الحرمات. وإنّ ممّا نبَّه الشّرع على حرمته، حرمة هذا الشّهر الذي نحن فيه، فهو أحد الأشهر الحرم التي شدّد الله في النّهي عن الظلم فيها، وجعله أكثر إثما وجرما من غيرها، فقال: ﴿فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ﴾.

وإنّ ممّا نبَّه الشّرع على حرمته: حرمة المسلم، أن نُراعي أخوّتنا في أخينا المسلم، فلا نظلمه، ولا نحقره، ولا نتعدّى على حقوقه، ففي الحديث: "بحسب امرئ من الشّرّ أن يحقر أخاه المسلم، كلُّ المسلِمِ على المسلِمِ حرامٌ، دمُهُ، ومالُهُ، وعِرضُهُ" [البخاري]

ليسمع هذا كل من أكل ميراث إخوته، ليسمع هذا كلّ من تهاون في الاستطالة في عرض أخيه المسلم بالبهتان والغيبة والنميمة، ليسمع هذا كلّ من تفنن في ظلم أخيه المسلم بشتى أنواع الظلم، "كلُّ المسلِمِ على المسلِمِ حرامٌ"، فاتقوا الله، ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾.

أيُّها الكِرَامُ المُبارَكُونَ رِجالاً ونِساءً: إن من تعظيمكم لهذا العيد أن تعودوا لبيُوتِكُم وأهلِيكُم بقلوبٍ صَافيةٍ نَقيّةٍ، ونفوسٍ مُتسامحةٍ سخيَّة، صِلُوا من قَطَعكُم، وأعطُوا من حَرمَكُم، وأحسِنُوا لمن أسَاءَ إليكم. فالعيدُ دَرسٌ عَظيمٌ من دُروسِ التَّسامُحِ والتَّصافي، تَتناسَى فيهِ النفوسُ الكبيرةُ خِلافاتِها، وتعودُ القلوبُ النقيةُ فيه إلى سَابِقِ مَوَدَّتِها، ﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾.

ألا فاتَّقوا الله ربَّكُم، واهنأوا بعِـيدِكُم، واعلموا أنّ وقت ذبح أضاحيكم يبدأ من بعد الصّلاة بعد ذبح الإمام، إلى غُرُوبِ شمْسِ يَوْمِ الثَّالث من أيّام العيد. فاذْبَحُوا أَضَاحِيكم على اسم الله، قائِلِينَ: "بِاسْمِ اللهِ وَاللهُ أَكْبَرُ، اللَّهُمَّ عَنِّي وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِي". تقرَّبوا بها إلى الله -تعالى-، وأَخْلِصُوا له فيها، وطِيبُوا بِها نَفْسًا؛ "فإذا ذبحتم فأحْسِنُوا الذّبحة، وليُحِدّ أحدُكُم شَفرَتَهُ، وليُرِحْ ذبيحَـتَه" كما أوصانا بذلك حبيبنا ﷺ.

ولا تنسوا الدُّعاء لإخوانِكم المُسلمين في كل مكان، أن يفرَّج الله همَّهم، ويصلح أحوالهم، وييسَّر أُمورهم، وأن يعيد اللهُ علينا وعليهم الأعيادَ باليُمنِ والرحمةِ والبركات، وأن يتَقبلَ اللهُ منَّا ومنهم الطاعاتِ والقربات، وأن يتجاوزَ عن جميع الزّلّاتِ والسّيّئات. اللَّهُمَّ اغفِرْ لَنَا ولِوالِدِينا ولجَمِيعِ المُسلِمِينَ، الأحيَاءِ منهم والمَيّتِينَ، اللّهُمَّ وارحَم والدينا كما ربَّونا صغارا، اللهمَ احفظْ حُجَّاج بيتِكَ الحَرَامِ مِن كُلِّ مكرُوهٍ وسوءٍ يا ربَّ العالمين، اللَّهُمَّ أعِـدهُـم إلى دِيَارِهِم وأبنائِهِم سَالِمِينَ غانِمِينَ، اللّهمَّ وبلّغنا ما بلَّغْتَهُم يا جوادُ يا كريم، اللَّهُمَّ أدِمْ علينا نِعْـمَةَ الأمن والإيمان، اللهم آمنا في أوطاننا ودورنا، وأصلح اللهم القائمين على أمورنا، اللهمّ أبرم لهذه الأمّة أمر رشد يعزُّ فيه أهل طاعتك، ويذلُّ فيه أهل معصيتك، ربَّنا تقبَّل منَّا إنَّك أنت السَّميع العليم، وتُب علينا إنَّك أنتَ التَّوابُ الرَّحيم، وآخِرُ دعوانا أن الحـمـد لله ربّ العالمين.

ر.

المشاهدات 1974 | التعليقات 0