خطبة عيد الأضحى 1442هـ

بسم الله الرحمن الرحيم إخوة الإيمان والعقيدة ... إنَّ العيد من شعائر الإسلام العظيمة الظَّاهرة، يتضمَّن معانيَ سامية جليلة، ومقاصدَ عظيمة فضيلة، وحِكمًا بديعة. ألا وإن أولى معاني العيد في الإسلام: توحيد الله تعالى وإفراده بالعبادة، وهو تحقيق معنى لا إله إلا الله، المدلولِ عليه بقوله تعالى (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ). التَّوْحيد هو الأمر العظيم الذي بتحقيقه يدخل الإنسان جنَّات النَّعيم، وإذا ضيَّعه الإنسان لا ينفعه عمل، وخُلِّد في النار أبدًا. والمتأمِّل في تاريخ البشرية يجد أنَّ الانحراف والضَّلال والبدع وقع في التَّوْحيد أوَّلًا، فتمسَّك - أيها المسلم - بهذا الأصل العظيم، فهو حقُّ الله عليكَ، وعهد الله الذي أخذه على بني آدم في عالم الأرواح، قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم (حقُّ الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، وحقُّ العباد على الله أن لا يعذِّب مَنْ لا يشرك به شيئًا). ومعاني العيد: تحقيق معنى شهادة أن محمدًا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وهي طاعة أمره، واجتناب نَهيه، وتصديق أخباره، وعبادة الله بما شرع، مع محبَّته صلَّى الله عليه وسلَّم وتوقيره، قال الله تعالى (قُلْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمّلَ وَعَلَيْكُمْ مَّا حُمّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُواْ وَمَا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلاَّ ٱلْبَلاغُ ٱلْمُبِينُ). الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد. أيها المسلمون ... وإنَّ من حِكَم العيد ومنافعه العظمى: التَّواصل بين المسلمين، والتَّزاور، وتقارب القلوب، وارتفاع الوَحْشة، وانطفاء نار الأحقاد والضغائن والحسد. فاقتدار الإسلام على جَمْع المسلمين في مكان واحد لأداء صلاة العيد آيةٌ على اقتداره على أن يجمعهم على الحقِّ، ويؤلِّف بين قلوبهم على التَّقوى، فالتَّراحم والتَّعاون والتَّعاطف صفةٌ المؤمنين فيما بينهم، قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم (مَثَل المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم وتعاطفهم مَثَل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسَّهَر والحُمَّى) وفي الحديث (ليس منَّا مَنْ لم يرحم الصَّغير، ويوقِّر الكبير). إن المحبَّة بين المسلمين والتوادُّ غايةٌ عظمى من غايات الإسلام؛ قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم (لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابُّوا، أوَلا أدلُّكم على شيءٍ إذا فعلتموه تحاببتم؟! أفشوا السَّلام بينكم). الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد. عباد الله ... الصلاة الصلاة، فإنها عماد الإسلام، وناهيةٌ عن الفحشاء والآثام، وهي العهد بين العبد وربِّه، مَنْ حفظها حفظ دينه، ومَنْ ضيَّعها فهو لما سواها أضْيَع، وأوَّل ما يُسأل عنه العبد يوم القيامة هي الصلاة، فإن قُبِلَتْ قُبِلَتْ سائر العمل، وإن رُدَّتْ رُدَّتْ سائر العمل. وأدُّوا زكاة أموالكم طيبةً بها نفوسكم، تطهِّروا بها نفوسكم، وتحفظوا بها أموالكم من المهالك، وتُحسِنوا بها إلى الفقراء، وتُثابوا على ذلك أعظم الثَّواب، فقد تفضَّل الله عليكم بالكثير، ورضيَ منكم بنفقة اليسير. وأمُروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر؛ فإنهما حارسان للمجتمع، وسياجان للإسلام، وأمان من العقوبات التي تعمُّ الأنام. الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإيَّاكم بما فيه من الآيات والذِّكْر الحكيم، ونفعنا بهَدْي سيِّد المرسلين، وبقوله القويم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.         الحمد لله رب العالمين ... معاشر المؤمنين .. اتقوا الله بطلب مرضاته، والبُعْد عن محرَّماته، واعلموا أنَّ يومكم هذا يومٌ جليلٌ، وأن عيدكم عيدٌ فضيلٌ. عيد الأضحى ترتبط فيه أمَّة الإسلام بتاريخها المجيد في ماضيها المشرق السحيق، منذ وطئت قدم أبينا آدم - عليه الصَّلاة والسَّلام - الأرضَ، وتنزَّل كلام الله على الأنبياء - عليهم الصَّلاة والسَّلام - عبر العصور الخالية (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أمَّة وَاحِدَةً وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَٱعْبُدُونِ) وقال تعالى (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ ٱلإسْلامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِى ٱلآخِرَةِ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ). فأنتم - معشر المسلمين - على الإرث الحقِّ والدِّين القيِّم، ملَّة الخليل إبراهيم عليه الصَّلاة والسَّلام ودين الخليل محمد صلَّى الله عليه وسلَّم، وعيد الأضحى يربطكم بهذين الخليلَيْن النبيَّيْن العظيمَيْن، عليهما الصَّلاة والسَّلام، لما شرع الله لكم في هذا اليوم من القربات والطَّاعات، قال أصحاب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ما هذه الأضاحي يا رسول الله؟ قال (سنَّة أبيكم إبراهيم) قالوا: فما لنا فيها يا رسول الله؟ قال: (بكلِّ شعرة حسنةٌ). وقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم (ما عمل ابنُ آدمَ يوم النَّحر عملًا أحبُّ إلى الله عزَّ وجلَّ من هراقة دمٍ، وإنه ليأتي يوم القيامة بقرونها وأظلافها وأشعارها، وإنَّ الدَّم ليقع من الله عزَّ وجلَّ بمكانٍ قبل أن يقع على الأرض، فطيبوا بها نَفْسًا) معشر المسلمين .. إنَّ الشَّاة تجزئ عن الرَّجل وأهل بيته في الأُضحية، وتجزئ البَدَنة عن سبعة، والبقرة عن سبعة، ولا يجزئ من الضَّأن إلا ما تمَّ له ستَّة أشهر، ولا من المَعْز إلا الثَني، وهو ما تمَّ له سَنَة، ولا من الإبل إلا ما تمَّ له خمس سنين، ولا من البقر إلا ما تمَّ له سنتان، ويُستحبُّ أن يتخيَّرها سمينةً صحيحةً، ولا تجزئ المريضة البيِّن مرضها، ولا العوراء، ولا العجفاء - وهي الهزيلة - ولا العرجاء البيِّن ضَلْعها، ولا العضباء التي ذهب أكثر أذنها أو قرنها. والسُّنة نحر الإبل قائمةً، معقولة اليد اليسرى، والبقر والغنم على جنبها الأيسر، متوجِّهةً إلى القِبْلة، ويقول عند الذبح: "بسم الله" وجوبًا، و"الله أكبر" استحبابًا، "اللهم هذا منك ولك". ويُستحبُّ أن يأكل ثُلُثًا, ويُهدي ثُلُثًا، ويتصدَّق بثُلُثٍ؛ لقوله تعالى (فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ ٱلْقَانِعَ وَٱلْمُعْتَرَّ) ولا يعطي الجزَّار أُجْرَتَه منها. ووقت الذَّبح بعد صلاة العيد باتِّفاقٍ. الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد. عباد الله ... اشكروا الله، واحمدوه على نعمه الظاهرة والباطنة، اشكروه على نعمة الإسلام، واحمدوه واشكروه على نعمة الأمن والإيمان، وتيسُّر الأرزاق والمنافع والمرافق، والتُّمتع بالطيِّبات التي لا تُحصى، واشكروه تعالى على اجتماع الكلمة في بلادكم هذه، وصَرْف الفِتَن عنكم، التي تُستحلُّ فيها الحرمات، وتختلف فيها القلوب. وشكر الله على ذلك بطاعة الله ودوامها، واجتناب معصيته، وملازمة التَّوْبة. فلا تركنوا إلى هذه الدنيا التي لا يُؤمَن شرها، ولا تفي بعهدها، ولا يدوم سرورها، ولا تُحصى آفاتها، دارٌ يَبلى جديدها، ويَهرم شبابها، وتتقلَّب أحوالها؛ فاتَّخذوها مزرعةً للآخِرة، فنِعم العمل فيها. وصلُّوا وسلِّموا على سيِّد الأوَّلين والآخِرين، وحبيب الحقِّ تبارك وتعالى (إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّ يا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا).
المرفقات

1626707125_خطية عيد الأضحى 1442هـ.pdf

المشاهدات 1213 | التعليقات 0