خطبة عيد الأضحى (1441هـ)

ماجد العتيبي
1441/12/09 - 2020/07/30 03:19AM

الخطبة الأولى

إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. ﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون﴾. ﴿يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا﴾. ﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا * يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما﴾.
أما بعد:
فما أعظمَ هذا اليوم، الذي يفتتحه المسلم بتكبير الله تعالى، وتهليله وتحميده.
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا لله، والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.
الله أكبر عدد ما ذكره الذاكرون، والله أكبر عدد ما غفل عن ذكره الغافلون، والله أكبر عدد ما لبَّى مُلبٍّ وكبَّر.. والله أكبر عدد ما حجَّ حاجٌّ واعتمَر، والله أكبر عدد خلقه ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته، والله أكبر عدد أسمائه وصفاته، والله أكبر، ولا إله إلا الله، والله أكبر ولله الحمد.
إخوة الدين، إنَّ يومَكم هذا هو يومُ الحجِّ الأكبر، يرمي فيه الحجاجُ جمرةَ العقبة الكبرى، ويذبحون الهدايا، ويحلقون رؤوسهم، ويطوفون بالبيت، ويسعون بين الصفا والمروة. وهو يومُ النحر، يَذْبح فيه المسلمون الأضاحي تقربًا لله تعالى.
قال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ أَعْظَمَ الْأَيَّامِ عِنْدَ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَوْمُ النَّحْرِ» [رواه الإمام أحمد وأبو داود].
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.
عباد الله، إن ذبح الهدي والأضاحي شعيرة من شعائر الإسلام، نتقرب بها إلى الله عز وجل، شكرًا له سبحانه على ما أحله لنا من بهيمة الأنعام، قال تعالى: ﴿ وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ ﴾. لا حظوا عباد الله كيف أن اللهَ تعالى بيّن أنه شرع هذه الذبائح لتحقيق التقوى، وإقامة ذكره وشكره، وتحقيقِ التكافل والمحبة بين المسلمين بالإهداء والتصدق منها.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
إخوة الدين، يأتي هذا العيدُ السعيد، وقد تجمَّلنا بأجمل الثياب، وتطيبنا بأطيب الطيب، وعلتْ وجوهَنا الابتسامة، وما أعظمها من سعادة إذا وصلتْ هذه الطهارةُ والسعادةُ قلوبَنا وأرواحَنا.
فإن سعادةَ القلب وسرورَه هو أعظمُ السرور، فكلما كان قلبك سليمًا من الأحقاد كان ذلك أعظمَ سعادة وأعظمَ نعيم، ألم تسمع قول الله جل وعلا في نعيم أهل الجنة: ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ﴾، فصفاء القلوب نعيم، ونقاء الأرواح راحة، وسلامة الصدر غنيمة.
وهكذا ينبغي أن يكون حال المسلم مع إخوانه، في محبة وتسامح، ومغفرة ورحمة، وإن أخطأوا وقصروا، لأنك لن تجد أخًا أو صديقًا معصومًا من الخطأ والزلل.
ألم يُلْقِ إخوةُ يوسفَ عليه السلام أخاهم في البئر، ألم يطردْ أهلُ مكةَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، بل وقاتلوه في بدرٍ وأحدٍ والخندق، ثم كان الجواب: ﴿لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾.
فالعيد فرصةٌ لإصلاح العلاقات الاجتماعية، والتواصل والمحبة.
فاجعَلُوا هذه الأيَّام أيامَ العيد أيَّامَ اتِّفاقٍ لا اختلاف، وسعادةٍ لا شَقاء، وحبٍّ وصَفاء، لا بَغضاء ولا شَحناء، تسامَحُوا، وتوادُّوا وتحابُّوا، وتَعاوَنُوا على البرِّ والتَّقوى، صِلُوا الأرحام، وارحَمُوا الأيتام، وأطعموا الطعام، وأفشوا السلام، وتخلَّقوا بأخلاق الإسلام.
اللهم اغفر لنا ولإخواننا، واسْلُلْ سخيمة قلوبنا، يا أرحم الراحمين.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 الخطبة الثانية

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبفضله تحصل الدرجات، وبكرمه تُبَدَّلُ الخطيئات، وأشهد أن لا إله إلا الله المنعمُ على عباده بالخيرات، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله خيرُ الخلق والبريات، وخيرُ من داوم على الطاعات، صلى الله عليه وعلى آله والتابعين أولي الفضل والمكْرُمات، أما بعد:
فاتقوا الله تعالى، فما شرع الله سبحانه الهدي والأضاحي ولا سائر القربات إلا لتحقيق تقواه.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.
إخوة الدين، وكان من هديه صلى الله عليه وسلم إذا خطب الناس يوم العيد مرَّ على النساء فوعظهن، وكان مما أمرهن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكثرنَّ من التصدق والاستغفار، وتذكَّرن أيتها الأخوات قولَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «إذا صلَّت المرأةُ خمسَها، وصامَتْ شهرَها، وحفِظَتْ فَرجَها، وأطاعَتْ زوجَها؛ قيل لها: ادخُلِي الجنَّة مِن أيِّ أبوابِ الجنَّة شئتِ» [رواه أحمد].
وأنتُم يا عباد الله تذكَّرُوا أنَّ نبيَّكم في حَجَّة الوداع خطب الناس وأوصى بالنساء خيرًا، فاعمَلُوا بوصيَّة نبيِّكم، وقُومُوا بما يجِبُ عليكم.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، والله أكبر ولله الحمد.
إخوة الدين، اجتمع لنا اليوم عيدان (عيد الأضحى، وعيد الجمعة) فما أجمله من يوم، وما أعظمها من قربة لله جل وعلا.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله: «من حضر صلاة العيد، ساغ له ترك الجمعة وأن يصلي ظهرًا في بيته أو مع بعض إخوانه، وإن صلى الجمعة مع الناس كان أفضل وأكمل، وإن ترك صلاة الجمعة لأنه حضر العيد وصلى العيد فلا حرج عليه، لكن عليه أن يصلي ظهراً».

 

المشاهدات 740 | التعليقات 0