خُطْبَةُ عِيدِ الْأَضْحَى 1441هـ

محمد بن مبارك الشرافي
1441/12/03 - 2020/07/24 19:34PM

خُطْبَةُ عِيدِ الْأَضْحَى 1441هـ

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ . اللهُ أَكْبَرُ (تِسْعَ مَرَّاتٍ)

اللهُ أَكْبَرُ كُلَّمَا هَلَّ هِلَالٌ وَأَبْدَرَ، اللهُ أَكْبَرُ كُلَّمَا لَبَّى حَاجٌّ وَكَبَّرَ، اللهُ أَكْبَرُ كُلَّمَا تَرَاكَمَ سَحَابٌ وَأَمْطَرَ، واللهُ أَكْبَرُ كُلَّمَا نَبَتَ نَبَاتٌ وَأَزْهَرَ، واللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ.

الْحَمْدُ للهِ الذِي سَهَّلَ لِعِبَادِهِ طُرُقَ الْخَيْرَاتِ، وَيَسَّرَ لَهُمْ سَبِيلَ الْعِبَادَاتِ، وَوَعَدَهُمْ بِالثَّوَابِ عَلَى أَعْمَالِهِمُ الصَّالِحَاتِ، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ وَهُوَ الْمُسْتَحِقُّ أَنْ يُحْمَدَ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَه إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ رَبُّ الأَرْضِينَ السَّبْعِ وَالسَّمَاوَاتِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مَحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُه الشَّافِعُ الْمُشَفَّعُ يَوْمَ حَشْرِ  جَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلِيْهِ وَعَلَى آلِ بَيْتِهِ الطَّاهِرِينَ وَعَلَى زَوْجَاتِهِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، وَعَلَى أَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ.

اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، واللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ

أَمَّا بَعْدُ: فِإِنَّنَا نَحْمَدُ اللهَ وَنَشْكُرُهُ عَلَى مَا مَنَّ بِهِ عَلَيْنَا مِنْ هَذَا الْعِيدِ الذِي نَفْرَحُ فِيهِ وَنَبْتَهِجُ وَنُظْهِرُ الْمَسَرَّاتِ، وَنَشْكُرُهُ وَنُثْنِي عَلِيْهِ عَلَى مَا شَرَعَ لَنَا فِيهِ مِن هَذِهِ الاجْتِمَاعَاتِ، وَعَلَى مَا أَبَاحَ لَنَا فِيهِ مِن الطَيِّبَاتِ وَأَنْعَمَ بِهِ عَلَيْنَا مِنَ الْخَيْرَاتِ!

اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ, واللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ

أُمَّةَ الإِسْلامِ : إِنَّكُمْ عَلَى دِينٍ عَظِيمٍ, وَمِلَّةٍ قَوِيمَةٍ, مِلَّةِ أَبِينَا إِبْرَاهِيم, إِنَّهُ دِينٌ لا يَقْبَلُ اللهُ سِوَاهُ (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ), إِنَّهُ دِينٌ أَرْكَانُهُ خَمْسَةٌ, شَهَادَةُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ وَإِقَامُ الصَّلاةِ وَإيتَاءُ الزَّكَاةِ وَصَوْمُ رَمَضَانَ وَالْحَجُّ , إِنَّنَا نُؤْمِنُ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَنُؤْمِنُ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ.

اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ واللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ وَالمُسْلِمَات: إِنَّ أَعْظَمَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ التَّوْحِيد, وَأَعْظَمَ مَا نَهَى عِنْهُ الشِّرْك, قَالَ اللهُ تَعَالَى (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا) فَالتَّوْحِيدُ: هُوَ إِفْرَادُ اللهِ بِالْعِبَادَةِ, وَالإِقْرَارُ لَهُ بِأَنَّهُ الْخَالِقُ الرَّازِقُ الْمَالِكُ الْمُدَبِّرُ لِمَلَكُوتِ السَّمَواتِ وَالأَرْضِ, وَأَنَّ لَهُ الأَسْمَاءَ الْحُسْنَى وَالصِّفَاتِ الْعُلَى.

وَأَمَّا الشِّرْكُ فَهُوَ دَعْوَةُ غَيْرِ اللهِ مَعَهُ! أَوْ صَرْفُ شَيْءٍ مِنْ حُقُوقِ اللهِ لِمَخْلُوقٍ كَائِنًا مَنْ كَانَ. وَالشَّرْكُ خَطِيرٌ جِدًا عَلَيْكَ أَيُّهَا الْمُوَحِّدُ, لِأَنَّهُ إِذَا دَخَلَ فِي الْعِبَادَةِ أَفْسَدَهَا, كَمَا أَنَّ الْحَدَثَ إِذَا خَالَطَ الطَّهَارَةَ أَبْطَلَهَا قَالَ اللهُ تَعَالَى ( وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) , وَقَد تَكَاثَرَتِ الْأَدِلَّةُ مِنَ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ مُحَذِّرَةً مِنَ الشِّرْكِ! وَأَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الشِّرْكَ يَعُودُ, فَيَقَعُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ (لا يَذْهَبُ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ حَتَّى تُعْبَدَ اللَّاتُ وَالْعُزَّى) رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا.

اللهُ أَكْبَرُ  اللهُ أَكْبَرُ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ, وَاللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ 

أَيُّها المُؤْمِنُ وَأَيَّتُها المُؤْمِنَة : إِنَّ السُّنَّةَ هِيَ جَمِيعُ مَا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ مِنْ عَقِيدَةٍ وَعَمَلٍ , وَاتِّبَاعُهَا مِنْ أَسْبَابِ مَحَبَّةِ اللهِ, وَالْفَلاحِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ قَالَ اللهُ تَعَالَى (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)

 وَأَمَّا الْبِدْعَةُ: فَهِيَ الإِحْدَاثُ فِي الدِّينِ عَلَى خِلَافِ مَا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ مِنْ عَقِيدَةٍ أَوْ عَمَلٍ. وَكَانَ مِنْ هَدْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْذِيرُ أَصْحَابِهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ مِنَ الْبِدَعَ وَمِنَ الإِحْدَاثِ فِي الدِّينِ, مَعَ أَنَّهُمْ خَيْرُ الْقُرُونِ وَأَعْلَمُ الأُمَّةِ, فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ يَوْمَ الْجُمْعَةِ (أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ, وَخَيْرَ الْهُدَىْ هُدَىْ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم, وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا, وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ واللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ

أُمَّةَ الإِسْلامِ: إنَّ اللهَ جَعَلَ الصَّلَاةَ كِتَابًا مَوْقُوتًا عَلَى الْمُؤْمِنِين، ودلَّتْ نُصُوصُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّة عَلَى وُجُوبِ إِقَامَتِهَا وَالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا، وَأَدَائِهَا مَعَ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِين, وَإِنَّ الْقَلْبَ لَيَحْزَنُ وَإِنَّ النَّفْسَ لَتَتَقَطَّعُ حِينَ نَرَى إِهْمَالاً مِنْ أَهْلِ الإِسْلامِ فِي شَعِيرَةٍ مِنْ أَعْظَمِ شَعَائِرِ اللهِ, وَرَمْزٍ مِنْ رُمُوزِ عِزِّ الْمُسْلِمِين ! وكَانَ هَذا الأمرُ مَوجُودًا ثُم ازْدادَ بَعْدَ وَبَاءِ الكُورُونا وَمَنْعِ الصلاةِ في المساجِدِ, ثُمَّ بَعْدَ فَكِّ الحَظْرِ استَمَرَّ بَعضُ النَّاسِ علَى تَرْكِ الصلاةِ في المساجِدِ, وهذا أَمرٌ خَطيرٌ جِدًا.

إِنَّ صَلاةَ الْجَمَاعَةِ, دَلِيلُ الاسْتِقَامَةِ وَعَلامَةُ الشَّهَامَةِ وَرَمْزُ الْمُرُوءَة, إِنَّهَا الْفَارِقُ بَيْنَ الإِيمَانِ وَالنِّفَاق, وَالْفَيْصَلُ بَيْنَ حُبِّ اللهِ وَرَسُولِهِ وَحُبِّ الدُّنْيَا وَمَلَذَّاتِهَا وَالانْغِمَاسِ فِي شَهَوَاتِهَا! إِنَّ صَلاةَ الْجَمَاعَةِ وَاجِبَةٌ لا خِيَارَ بَيْنَ فِعْلِهَا وَتَرْكِهَا, قَالَ اللهُ تَعَالَى (وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ), وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِحَطَبٍ فَيُحْتَطَبَ ثُمَّ آمُرَ بِالصَّلَاةِ فَيُؤَذَّنَ لَهَا, ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيَؤُمَّ اَلنَّاسَ, ثُمَّ أُخَالِفُ إِلَى رِجَالٍ لَا يَشْهَدُونَ اَلصَّلَاةَ, فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ, وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ يَعْلَمُ أَحَدُهُمْ أَنَّهُ يَجِدُ عَرْقًا سَمِينًا أَوْ مِرْمَاتَيْنِ حَسَنَتَيْنِ لَشَهِدَ اَلْعِشَاءَ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

إِنَّ فِي صَلاةِ الْجَمَاعَةِ أُجُوراً عَظِيمَةً, فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (صَلاةُ الرَّجُلِ فِي جَمَاعَةٍ تُضَعَّفُ عَلَى صَلاتِهِ فِي بَيْتِهِ وَفِي سُوقِهِ خَمْساً وَعِشْرِينَ ضِعْفاً, وَذَلِكَ: أَنَّهُ إذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ, ثُمَّ خَرَجَ إلَى الْمَسْجِدِ لا يُخْرِجُهُ إلا الصَّلاةُ, لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إلا رُفِعَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ, وَحُطَّ عَنْهُ خَطِيئَةٌ, فَإِذَا صَلَّى لَمْ تَزَلْ الْمَلائِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ, مَا دَامَ فِي مُصَلاهُ : اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ, اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ, اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ, وَلا يَزَالُ فِي صَلاةٍ مَا انْتَظَرَ الصَّلاةَ) مُتَّفقٌ عَلَيهِ.

وَرَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ غَدًا مُسْلِمًا فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلاَءِ الصَّلَوَاتِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ, فَإِنَّ اللَّهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُنَنَ الْهُدَى, وَإِنَّهُنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى، وَلَوْ أَنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ فِى بُيُوتِكُمْ كَمَا يُصَلِّي هَذَا الْمُتَخَلِّفُ فِى بَيْتِهِ لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ ، وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ, وَمَا مِنْ رَجُلٍ يَتَطَهَّرُ فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ، ثُمَّ يَعْمِدُ إِلَى مَسْجِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ، إِلاَّ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا حَسَنَةً، وَرَفَعَهُ بِهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْهُ بِهَا سَيِّئَةً، وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلاَّ مُنَافِقٌ مَعْلُومٌ نِفَاقُهُ, وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ في الصَّفِّ.

اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ مِمَّا تَجِبُ الْعِنَايَةُ بِهِ وَالتَّأْكِيدُ عَليه دَائِمًا : جَمْعَ الْكَلِمَةِ وَتَوْحِيدَهَا وَالْحَذَرَ مِنَ الْفُرْقَةِ والاخْتَلافِ، فَنَلْتَفُّ حَوْلَ عُلَمَائِنَا وَحُكَّامِنَا وَنَصْدُرَ عَنْ آرَائِهِمْ وَنَنْصَحَ لَهُمْ وَنَحْذَرَ مِن تَطْبِيلِ كُلِّ نَاعِقٍ وَتَشْوِيشِ كِلِّ مُفْسِدٍ، وَنَدْعُوَا اللهَ لَهُمْ بِالسَّدَادِ وَالهِدَايَةِ وَالرَّشَادِ، وَنَكِلَ الأَمْرَ إِلَى أَهْلِهِ، وَلا يَتَدَخَّلُ الإِنْسَانُ فِيمَا لا يَعْنِيْه، قَالَ اللهُ تَعَالَى (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا)

وَإِنَّنَا فِي هَذِهِ الْمَمْلَكَةِ مُسْتَهْدَفُونَ مِنَ الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ، بَلْ وَمِنَ الدَّاخِلِ وَالْخَارِجِ، إِنَّ الأَعْدَاءَ يُريِدُونَ زَرْعِ الْفِتَنِ وَإِشْعَالِ الْخِلَافِ بَيْنَ الشَّعْبِ وَحُكُومَتِهِ وَبَينَ الحَاكِمِ وِالمحْكُومِ , وَوَاللهِ لَوْ لَمْ يَحْصُلْ لَنَا مِنْ هَذِهِ الدَّوْلَةِ إِلَّا حِفْظُ الْأَمْنِ لَكَانَ كَافِيَاً، فَكَيْفَ بِخَيْرَاتٍ كَثَيرَةٍ فِي جَوَانِبَ مُتَعَدِّدَةٍ: دِينِيَّةٍ وَدُنْيَوِيَّةٍ, وَلَيْسَ مَعْنَى هَذَا أَنَّ حُكَّامَنَا مَعْصُومُونَ مِنَ الْخَطَأِ أَوِ الزَّلَلِ، فَهُمْ بَشَرٌ قَدْ يُخْطِئُونَ وَيُصِيبُونَ، نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُسَدِّدَهُمْ وَيَأْخُذَ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْحَقِّ وَالرَّشَادِ.

اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ, اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الْحَمْدُ للهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ, اللهُ أَكْبَرُ (سَبْعَ مَرَّاتٍ)

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ}, وَإِنَّ الأُضْحِيَةَ مِمَّا جَعَلَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَنَا، فَنَذْبَحُ أَضَاحِيَنَا تَقَرُّبًا إِلَى رَبِّنَا وَتَعَبُّدًا لَهُ واقْتِدَاءً بِنَبِيَّيْهِ الْكَرِيمَيْنِ مُحَمَّدٍ وَأَبِيهِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمَا صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ!

أَيَّهُا الْمُسْلِمُونَ: اذْبَحُوا أَضَاحِيَكُمْ عَلَى اسْمِ اللهِ ،قَائِلِينَ: بِاسْمِ اللهِ وَاللهُ أَكْبَرُ، اللَّهُمَّ هذَا مِنْكَ وَلَكَ، اللَّهُمَّ عَنِّي وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِي، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، بِحَسْبِ الأُضْحِيَةِ وَمَنْ هِيَ لَهُ!

وَاعْلَمُوا أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِ ذَبْحِ الأَضَاحِي بَعْدَ صَلاةِ العِيدِ، فَمَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلاةِ فَشَاتُهُ شَاةُ لَحْمٍ، يُطْعِمُهَا أَهْلَهُ، وَيَذْبَحُ أُخْرَى مَكَانَهَا، ثُمَّ إِنَّ التَّسْمِيَةَ شَرْطٌ لِحِلِّ الذَّبِيحَةِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى (وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ) وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ) مُتَفَقٌ عَلَيْهِ. فَمَنْ تَرَكَ التَّسْمِيَةَ عَمْدًا أَوْ نِسْيَانًا فَذَبِيحَتُهُ حُرَامٌ, وَعَلَيْهِ أَنْ يَذْبَحَ أُخْرَى مَكَانَهَا.

ثُمَّ اعْلَمُوا أَنَّ المشْرُوعَ أَنْ تَأْكُلَ مِنْ أُضْحِيَتِكَ، وَتَتَصَدَّقَ عَلَى الْفُقَرَاءِ، وَتُهْدِيَ لِمَنْ شِئْتَ مِنْ أَقَارِبِكَ وَجِيرَانِكَ، وَلَيْسَ هُنَاكَ تَحْدِيدٌ وَاجِبٌ فِي ذَلِكَ، وَبَعْضُ الْعُلَمَاءِ يَقُولُ: إِنَّهُ يَأْكُلُ ثُلُثَهَا وَيَتَصَدَّقُ بِثُلُثِهَا وَيُهْدِي ثُلُثَهَا، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَحَسَنٌ!

اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ, واللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ وَالمُسْلِمَات: اجْعَلُوا عِيدَكُمْ عِيْدَ مَحَبَّةٍ وَوِئَامٍ، وَصِلَةٍ لِلْأَرَحَامِ وَبُعْدٍ عَنِ الآثَامِ، فَتَزَاوَرُا وَلْيُهَنِّئْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَانْشُرُوا الْخَيْرَ! وَمَنْ كَانَ قَطَعَ رَحِمَهُ أَوْ هَجَرَ أَخَاهُ فَلْيَكُنِ اليَوْمُ بِدَايَةً لِزَوَالِ الهَجْرِ وَمَحْوِ القَطِيعَةِ، فَإِنَّ النُّفُوسَ فِي العِيْدِ مُقْبِلَةٌ  وَالقُلُوبُ قَرِيبَةٌ، قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ) متفق عليه. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضَيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا إِلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ فَيُقَالُ: أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ, واللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الْأَمْرِ، وَالْعَزِيمَةَ عَلَى الرُّشْدِ، وَنَسْأَلُكَ شُكْرَ نِعْمَتِكَ، وَحُسْنَ عِبَادَتِكَ، وَنَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا تَعْلَمُ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا تَعْلَمُ، وَنَسْتَغْفِرُكَ لِمَا تَعْلَمُ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ, اللَّهُمَّ رَبَّ النَّبِىِّ مُحَمَّدٍ اغْفِرْ لَنَا ذَنُوبَنَا، وَأَذْهِبْ غَيْظَ قَلُوبِنَا، وَأَجِرْنَا مِنْ مُضِلاَّتِ الْفِتَنِ مَا أَحْيَيْتَنَا, اللَّهُمَّ آتِ نُفُوسَنَا تَقْوَاهَا، وَزَكِّها أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا، أنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلاَهَا, اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لا يَنْفَعُ، وَمِنْ قُلُوبٍ لا تَخْشَعُ، وَمِنْ نُفُوسٍ لاَ تَشْبَعُ، وَمِنْ دَعَوَاتٍ لا يُسْتَجابُ لَهَا, اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي دُورِنَا وَأَصْلِحْ وُلَاةَ أُمُورِنَا وَأَصْلِحْ لِوُلَاةِ أُمُورِنَا بِطَانَتَهُمْ وَاهْدِهِمْ سُبُلَ السَّلَامِ يَا ارْحَمِ الرَّاحِمِينَ, اللَّهُمَّ كُنْ لِلْمُسْلِمِينَ الْمُسْتَضْعَفِينَ فِي كَلِّ مَكَانٍ, اللَّهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَهُمْ وَاغْفِرْ لِمَوْتَاهُمْ وَاجْعَلْهُمْ عِنْدَكَ مِنَ الشُّهَدَاءِ, اللَّهُمَّ رُدَّ كَيْدَ أَعْدَاءِ الْمُسْلِمِينَ فِي نُحُورِهِمْ, اللَّهُمَّ اجْعَلْ تَدْبِيرَهُمْ تَدْمِيراً لَهُمْ, اللَّهُمَّ فَرِّقْ جَمْعَهُمْ وَشَتِّتْ شَمْلَهُمْ وَضَيِّعْ كَلِمَتَهُمْ يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ.

المرفقات

خُطْبَةُ-عِيدِ-الْأَضْحَى-1441هـ

خُطْبَةُ-عِيدِ-الْأَضْحَى-1441هـ

المشاهدات 2813 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا