خطبة عيد الأضحى 1439هجري

Omar Khalil
1439/12/10 - 2018/08/21 02:50AM

خطبة عيد الأضحى 1439ه

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
أما بعد : فيا أيها المسلمون : إن العيدَ يومُ فرحٍ وسُرور، وإن المسلمين يفرَحون، وكيف لا يفرَحون وقد فازُوا بطاعة المَولَى، وحازوا النعمةَ العُظمى بالمُسابقة إلى الخيراتِ والأعمال الصالحات، (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) [يونس: 58].
ليس العيدُ لمن لبِسَ الجديد، ولكن العيدَ الحقيقي لمن كان في طاعة ربِّه وترك معصيته ، فهو موعود من ربه سبحانه أن يحطَّ عنه الخطايا ويغفِرَ له الذنوب.
عباد الله : اتقوا الله تعالى, وتذكّروا الحكمة التي من أجلها خلقكم , واعلموا أن إخلاص الدين لله تعالى وتوحيده أوجب الواجبات وأولها, وهو أصل الدين وأساس المِلَّة. فيجب العناية به تعلُّما وعملا ودعوة.
قال الله تعالى : } وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ] {الذاريات 56[ .
واتبعوا سنة نبيكم -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ، قال الله تعالى:{ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ(31) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ(32)]آل عمران[
اعلموا –عباد الله- أن العبادة لا تقبل من العبد إلا بشرطين :

الأول : إخلاص كل العبادات لله وحده لاشريك له .
الثاني : متابعة النبي –صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في ذلك.
فكل عبادة لم تكن خالصة لله ولم تكن موافقة لما جاء به رسول –صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ، فهي عبادة مردودة على صاحبها غير مقبولة .


عباد الله:
إن الأضاحي عبادة من العبادات وشعيرة من شعائر الله ولا بد من مراعاة الأحكام الشرعية فيها ومن هذه الأحكام:
أولها: بلوغ السن المعتبر شرعاً،
وهو خمس سنوات في الإبل، وسنتان في البقر، وسنة في الماعز، وستة أشهر في الضأن.
الثاني: أن تكون سليمة من العيوب التي تمنع من ذبحها، فعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أربعٌ لا تجوز في الأضاحي االعوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين ضلعها ، والكسير التي لاتنقي ) ]رواه أهل السنن[.
الكسير : المقصود بها : الهزيلة
وماشابه العيوب المذكورة أو كان أبلغ منها فلا يجوز التضحية به أيضاً .
الثالث: أن يسمي الله عليها , فيجب قول: بسم الله, والأفضل أن يقول : بسم الله والله أكبر اللهم تقبل من فلان –يسمي نفسه- وآل فلان، ولا تشترط الطهارة عند الذبح , ويجوز للمرأة أن تتولى الذبح بنفسها , حتى ولو كانت حائضاً الرابع: أن تذبح الأضحية في الوقت المحدد شرعاً ويبدأ بعد الفراغ من صلاة العيد وينتهي بغروب الشمس من اليوم الثالث من أيام التشريق .
ويجوز ذبح الأضحية في يوم العيد نهاراً ولا بأس في الذبح ليلاً، وتجزئ الشاة الواحدة عن الرجل وأهل بيته كما في حديث أبي أيوب رضي الله عنه أنه قال: ( كان الرجل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يُضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته فيأكلون ويطعمون ). ]رواه الترمذي وابن ماجه[.
وتجزيء الواحدة من الإبل أو البقر عن سبعة ( يعني هم وأهاليهم ).
ودليل ذلك ماجاء عن جابر رضي الله عنه قال : " أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نشترك في الإبل والبقر كل سبعة منا في بدنة " .
]رواه مسلم [.
و" البدنة " : البعير .

عباد الله : أوصي نفسي وإياكم بوصايا أوصى الله سبحانه بها في كتابه الكريم ، قال الله تعالى : }قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153){ ]سورة الأنعام[.
أيها المسلمون : اشتملت هذه الآيات الثلاث على عشر وصايا، والتي هي:
  أولاً: ألا تشركوا به شيئاً، ويقتضي ذلك إفراد الله تعالى بكل أنواع العبادة. ثانياً: أن تحسنوا بالوالدين إحساناً، ببرهما وحفظهما وصيانتهما وطاعتهما في غير معصية الله، وترك الترفّع عليهما. ثالثاً: أن لا تقتلوا أولادكم من إملاق، أي لا تئدوا بناتكم، ولا تقتلوا أبناءكم خشية الفقر، فإن الله رازقكم ورازقهم، فلستم ترزقونهم، بل ولا ترزقون أنفسكم. رابعاً: أن لا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن، أي المعاصي الظاهرة والخفية. خامساً: أن لا تقتلوا النفس التي حرم الله قتلها، وهي النفس المؤمنة والمعاهدة إلا بالحق، الذي يبيح قتلها من قصاص أو زناً بعد إحصان أو ردة بعد إسلام. سادساً: أن لا تقربوا مال اليتيم –وهو الطفل الذي مات أبوه- إلا بالتي هي أحسن من تصريفه بما يحفظه، وينَمِّيه له حتى تدفعوه إليه حين يبلغ أشدّه، أي: يبلغ سن الرشد ويزول عنه السّفَه مع البلوغ. سابعاً: {وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} أي: أقيموا العدل في الأخذ والإعطاء حسب استطاعتكم. ثامناً: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى}. أمر الله تبارك وتعالى بالعدل في القول على القريب والبعيد بعد الأمر بالعدل في الفعل. تاسعاً: {وَبِعَهْدِ اللّهِ} أي: وصيته التي وصاكم بها {أَوْفُواْ}، أي : انقادوا لذلك بأن تطيعوه فيما أمر به ونهى عنه، وتعملوا بكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
عاشراً: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ}. أي: الذي أوصيتكم به في هاتين الآيتين من ترك المنهيات، وأعظمها الشرك. وفعل الواجبات، وأعظمها التوحيد، هو الصراط المستقيم. {فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ} أي اتبعوا الصراط المستقيم ولا تتبعوا المحدثات التي ليست من الشرع والشبهات التي تلبس الحق بالباطل . {فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ}. تميل وتشتت بكم عن دينه. وما يستفاد من الآيات: 1- أن الشرك أعظم المحرمات، وأن إخلاص الدين لله وتوحيده أوجب الواجبات. 2- عظم حق الوالدين. 3- تحريم قتل النفس بغير حق . 4- تحريم أكل مال اليتيم، ولكن يجوز العمل على إصلاح ماله. 5- وجوب العدل في الأقوال والأفعال على القريب والبعيد. 6- وجوب الوفاء بالعهد الذي بين العبد وربه والعهد الذي بينه وبين العباد. 7- وجوب اتباع دين الإسلام وترك ما عداه . 8- أن التحليل والتحريم حقٌّ لله وحده ولايجوز لأحد أن يحلل ويحرم ما يشاء.
أيها المسلمون : اهنئوا بعيدكم وكلوا واشربوا من غير إسراف واذكروا الله في أيام التشريق قال –صلى الله عليه وسلم- :
" أيامُ التشريقِ أيامُ أكْلٍ ، وشُرْبٍ ، وذِكْرِ اللهِ " ]صحيح الجامع 2689[ .
واتقوا الله - عباد الله - واعملوا ليوم العرض والجزاء. ولا تكونوا ممن أعرض عن ذكر ربه ولم يرد إلا الحياة الدنيا. قال الله – تبارك وتعالى- : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (33)إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (34)} ]سورة لقمان[

المشاهدات 897 | التعليقات 0