خطبة عيد الأضحى 1438هـ

عبدالله اليابس
1438/12/08 - 2017/08/30 11:30AM

خطبة عيد الأضحى                    10/12/1438هـ

{ٱلْحَمْدُ للَّهِ فَاطِرِ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأرْضِ جَاعِلِ ٱلْمَلَـٰئِكَةِ رُسُلاً أُوْلِى أَجْنِحَةٍ مَّثْنَىٰ وَثُلَـٰثَ وَرُبَـٰعَ يَزِيدُ فِى ٱلْخَلْقِ مَا يَشَاء إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلّ شَىْء قَدِيرٌ}

الله أكبر .. الله أكبر .. الله أكبر .. الله أكبر .. الله أكبر .. الله أكبر .. الله أكبر .. الله أكبر .. الله أكبر.. الله أكبر كبيرًا .. والحمد لله كثيرًا .. وسبحان الله بكرة وأصيلاً.

اللهُ أَكْبَرُ عَدَدَ مَا أَحْرَمَ الْحُجَّاجُ مِنَ الْمِيقَات، اللهُ أَكْبَرُ عَدَدَ مَا دَخَلَوا مَكَّةَ وَوَقَفُوا بِصَعِيدِ عَرَفَات, اللهُ أَكْبَرُ عَدَدَ مَا طَافَ الطَّائِفُونَ بِالْبَيْتِ وَعَظَّمُوا الْحُرَمَات، اللهُ أَكْبَرُ عَدَدَ مَا سَعَوا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ مِنَ الْمَرَّات، اللهُ أَكْبَرُ عَدَدَ مَا حَلَقُوا الرُؤُوسَ تَعْظِيمَاً لِرَبِّ الْبَرِيَّات.

يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم.. تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال.. وعيدكم مبارك .. هنيئًا لكم عيد الأضحى المبارك، هنيئًا لكم يوم الحج الأكبر، يومٌ يُهراق فيه الدم، ويُوضع فيه الشعر، ويُلقَى فيه التَّفَث، وتحِلُّ فيها الحُرَم، الوقوف في ليلته، والرمي والنحر والطواف في صبيحته، فما أعظمه من يوم، وما أكرمه من جمع.

يا أهل العيد .. هاهو إبراهيم عليه السلام, بعد أن طال عليه الزمان ولم يُرزق بولد, يُبشر بمولود جديد, كم كانت فرحة إبراهيم غامرة وهو يسمع أولى صرخات طفله إسماعيل, مولود جاء بعد انقطاع, وصغير ولد بعد أمد, وها هو إبراهيم عليه السلام يترك إسماعيل وأمه في أرض قفر, في وادٍ غير ذي زرع, ثم يرجع إليهم بعد زمن بعد أن كبر الطفل قليلاً, أصبح الولد إسماعيل مُقربًا من والده أكثر, وأصبح يذهب ويجيء مع والده, وفي مساء إحدى الليالي يرى إبراهيم في المنام رؤيًا كأنه يؤمر بذبح حبة فؤاده ــ ابنه إسماعيل ــ, أقلقته هذه الرؤيا, وفي الليلة الثانية تكرر عليه في المنام الأمر بذبح ابنه الحبيب, وكذلك في الليلة الثالثة, لم يكن أمام إبراهيم وهو النبي الصالح المؤيد من ربه والذي يعلم أن رؤيا الأنبياء وحي إلا أن يستسلم لأمر الله, فالله هو الذي وهبه هذا الولد وهو الذي أمره بذبحه, ويظهر أمام إبراهيم تحدٍ وهو كيف يُبلغ الخبرَ إلى ذلك الابن الصالح الذي تمكن حُبه في قلبه, يذهب إلى ابنه إسماعيل, ويبلغه الأمر الصاعق بأسلوب لطيف: (إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى)؟ لكنَّ إسماعيل الذي رُبي على التوحيد وعلى الاستسلام لأمر الله يَنزل عليه الخبر بردًا وسلامًا, فلم يجزع ولم يبك, وإنما جاء الرد المباشر بلا تردد: (يا أبت افعل ما تؤمر) ثم يخشى أن يظن أباه تسلل الخوف إلى قلبه فيستدرك قائلاً: (ستجدني إن شاء الله من الصابرين) .. الله أكبر على مثل هذا التوحيد, الله أكبر على مثل هذا الانقياد لأمر رب العبيد.

لما استسلم إبراهيم وإسماعيل لأمر الله تعالى.. ذهب إبراهيمُ وابنه إلى منى وقيل إلى موضع المقام, تل إبراهيم ابنه للجبين.. فألقى وجهه على الأرض وأراد أن يذبحه من قفاه لكي لا يراه أثناء الذبح فتدركه رحمة الولد, فكيف بأب يشاهد ولده الوحيد يموت أمام عينيه, فما بالك إذا كان هو من يقوم بإمرار السكين على رقبته فيشاهد موته لحظة بلحظة ؟!

يمسك إبراهيم السكين, وينظر إلى ابنه ملقى على الأرض, وليس بينه وبين الموت إلا أن تمر السكين على رقبته, يسمي إبراهيم ويكبر (بسم الله والله أكبر) ثم يهوي بالسكين على رقبة ابنه, يمررها بسرعة.. لكن حصلت المفاجأة الكبرى! فالسكين التي من طبعها القطع تسلب منها هذه الخاصية! يمرر إبراهيم السكين مرة وثانية وثالثة لكن السكين لا تقطع شيئًا, وبينما هو على هذه الحال إذا يسمع مناديًا في السماء: (يا إبراهيم .. قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين) فيلتفت فإذا بكبش أبيض أعين له قرنان, قال ابن عباس رضي الله عنهما (رعى في الجنة أربعين خريفًا), فذبحه عليه السلام.

الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر كبيرًا ..

نعم .. هذا إبراهيم عليه السلام أُمر بذبح ابنه فأجاب .. ونحن اليوم نذبح الأضاحي تأسيًا بسنة أبينا إبراهيم عليه السلام..

أُمر بذبح ابنه فأجاب .. والبعض يؤمر بذبح كبش فيبخل. عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من كان له سَعة ولم يُضحِّ فلا يقربنَّ مُصلاَّنا»؛ أخرجه أحمد وابن ماجه.

هذا اليوم هو أفضل أيام العام على الإطلاق .. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أفضل الأيام عند الله يومُ النحر ثم يوم القرَّ).

اجعل كل عمل من أعمالك هذا اليوم عملاً صالحًا, اتقِ الله في سائر أمرك, انوِ نية العمل الصالح في كل شأنك, صلاتك العيد عبادة, وسماع الخطبة طاعة, وذبحك الأضحية نسك واقتداء بأبيك إبراهيم, وأكلك من أضحيتك بعد ذبحها سنة, وتهنئتك والديك وأقاربك بالعيد صلة رحم, وراحتك خلال اليوم طاعة تنوي بها التقوي على ما بعدها, مصافحتك إخوانك تحت به ذنوبك, وهكذا من عمل صالح إلى آخر, مع المحافظة على الفرائض والسنن الرواتب والتكبير أدبار الصلوات وأذكار الصباح والمساء, جعلك الله مباركًا أينما كنت, وعمر وقتك بالخير والطاعة.

بارك الله لي ولكم بالقرآن والسنة, ونفعنا بما فيهما من الآيات والحكمة, قد قلت ما سمعتم, وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية :

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على النبي الأمين, وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعدُ, {ياأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}

الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر كبيرًا ..

روى الترمذي وابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما عمل ابن آدم يوم النحر أحب إلى الله من إهراق الدم، وإنه ليؤتى يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع بالأرض، فطيبوا بها نفسا).

واعلموا أنه يشترط للذكاة أن يكون المذكي مسلمًا أو كتابيًا أي يهوديا ًأو نصرانيًا, فليتنبه لذلك من يستأجر عمالة لتقوم بالذبح, ليتأكد من ديانته قبل أن يذبح, ويشترط للذكاة أن يُذكر اسم الله على الذبيحة عند ذبحها فيقول المذكي: (بسم الله), فإن نسي التسمية فلا شيء عليه إن شاء الله, أما إن تعمد فلا تحل ذبيحته.

ويسن التكبير مع التسمية, فيقول: (بسم الله والله أكبر), وينبغي الإحسان إلى الذبيحة فيذبحها بسكين حادة لا ضعيفة, ولا تُحدُّ السكين والبهيمة تنظر, عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - أَنَّ رَجُلًا أَضْجَعَ شَاةً يُرِيدُ أَنْ يَذْبَحَهَا وَهُوَ يَحِدُّ شَفْرَتَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: (أَتُرِيدُ أَنْ تُمِيتَهَا مَوْتَاتٍ ، هَلَّا حَدَدْتَ شَفْرَتَكَ قَبْلَ أَنْ تُضْجِعَهَا).

والسنة للمضحي أن يأكل من أضحيته ويتصدق ويهدي, لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (كلوا وتصدقوا وادخروا), ولو تصدق بها كلَّها أو أهداها أو أكلها جاز, ويحرم بيع شيء منها من لحم أو شحم أو جلد ونحوه, ولا يُعطى الجزارُ أجرته منها, لكن يجوز أن يُعطى منها هدية أو صدقة من غير الأجرة, وكلما زاد ثمن الأضحية كلما كانت أفضل كما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.

الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر كبيرًا ..

أيتها النساء المؤمنات .. أنتُن شقائق الرجال, ومصانع الأبطال, لا تُفلح أمة دون أن يكون لنسائها دور في الفلاح, ولذلك فإن أعداء هذه الأمة فطنوا لهذا الأمر, فاهتموا بإشغال النساء عما ينفع ويفيد, وأغرقوهنَّ باهتمامات لا ترقى لما يُنتظر منهنَّ, فالله الله أن يُؤتى الإسلامُ من قِبَلِكُنَّ, تمسكن بدين ربكنَّ, وارتقين باهتماماتكن, وليكن لَكُنَّ دور إيجابي في المجتمع, وفقكُنَّ الله, وأعانكنَّ.

الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر كبيرًا ..

أيها الأخ الحبيب .. يا من أمسكت عن حلاقة لحيتك خلال  الأيام الماضية استجابة لأمر الله وامتثالاً له .. تذكر قبل أن تذهب اليوم لحلاقتها أن الذي نهاك عن الأخذ من شعرك خلال الأيام الماضية هو الذي نهاك عن حلاقة لحيتك مطلقاً, تذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خالفوا المشركين ووفروا اللحى وأحفوا الشوارب). متفق عليه. وقد كان حبيبك صلى الله عليه وسلم موفرًا لحيته, تعرف قراءته في صلاته من اضطراب لحيته, وقد قال الله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) {الأحزاب: 21}, لقد كانت عائشة رضي الله تعالى عنها تقول: (سبحان من زين الرجال باللحى), فيا أيها الطائع الممتثل لأمر ربه, اجعل هذه الشعرات التي أبقيتها في وجهك طاعة لله, اجعلها فاتحة خير, واعقد العزم من هذه اللحظة على أن تعفي لحيتك, وتذكر أن اللحية ستردعك بإذن الله عن كثير من الحرام, فهناك أناس تربي لحاها, وهناك أناس تربيها لحاها.

يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم.. اجتمع في يومكم هذا عيدان .. عيد الأضحى وعيد الجمعة .. فمن صلى العيد معنا فقد سقطت عنه صلاة الجمعة لكن يجب أن يصليها ظهراً.. ولو حضر صلاة الجمعة فخير إلى خير .. وإنا مصلوا الجمعة في هذا الجامع بإذن الله.. ضَحُّوا تقبل اللهُ ضحاياكم، وكلُوا منها، وتصدَّقُوا، وتهادوا، وأحيوا سنَّة أبيكم إبراهيم عليه السلام، {ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب}.

يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم.. اعلموا أن الله تعالى قد أمرنا بالصلاة على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم, فاللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا, واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك, وهيء لهم البطانة الصالحة الناصحة, واصرف عنهم بطانة السوء والفساد والإفساد يا رب العالمين.

اللهم صل وسلم على عبدك ونبيك محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين .

عباد الله .. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى, وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي, يعظكم لعلكم تذكرون, فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم, واشكروه على نعمه يزدكم, ولذكر الله أكبر, والله يعلم ما تصنعون.

المشاهدات 924 | التعليقات 0